الرفيق المجاهد صلاح المختار - بعض دروس الانتفاضة السودانية
- مفكر قومي
- Jun 26, 2019
- 3 min read

بعض دروس الانتفاضة السودانية
تقدم تطورات الانتفاضة السودانية كلما تعقدت أدلة جديدة على أن أي انتفاضة شعبية بدون وجود قيادة مركزية تستند إلى تنظيم شعبي واسع ( حزب ثوري أو جبهة ) تتحكم في مسارها طبقا للأهداف الاستراتيجية المقررة مسبقاً تتعرض للانحراف بل وللسطو عليها من قبل قوى ( الثورة المضادة ) ، فما إن ظهرت بوادر الانتصار الشعبي وعزلة نظام البشير حتى لاحظنا أن رجالات النظام خصوصاً العسكر اتفقوا على إبعاد البشير واستلام السلطة لإعادة إنتاج نفس النظام ولكن بوجوه جديدة .
الفرق الرئيس بين حالة السودان وبقية الأقطار العربية التي شهدت انتفاضات هو أن الانتفاضة السودانية نتاج استراتجية وطنية سودانية وضعتها قوى وطنية متحدة في تحالف عريض هدفه إنهاء نظام البشير ، وهذه القوى ليست نخباً بلا جماهير بل هي قوى لها تاريخ عريق وجماهيرية واسعة وتجارب غنية ، لذلك لم ينجح العسكر في احتواء الانتفاضة رغم تماهيهم مع شعاراتها فبقيت القوى الوطنية المتحدة متمسكة بأهداف الانتفاضة وفي مقدمتها إسقاط النظام بكافة مكوناته خصوصاً إنهاء دور العسكر وإقامة نظام مدني ديمقراطي وهي معتمدة على جماهير واسعة تحميها من التصفيات الفاشية وتتحرك وفقاً لما تتبناه قيادة الانتفاضة ، وهذا هو سبب عجز النسخة ( البشيرية المحسنة ) عن النجاح في احتواء الانتفاضة وإفراغها من مضمونها التحرري والديمقراطي وإطفاء لهيب الحماس الجماهيري الضخم ، بينما لاحظنا في أقطار أخرى أن غياب القيادة الجماهيرية المجربة والقوية ورغم وجود جماهيرهائلة منتفضة مقرونة بغياب استراتيجية وطنية واضحة الأهداف وتحدد أهداف كل خطوة قد أدى إلى احتواء الانتفاضات الأخرى وتمييعها .
في كتابي ( متلازمة أمريكا ) الصادر في عام 2016 عن دار نشر ( EKUTUB) في لندن والذي عمم من خلال أمازون وغوغل شرح تفصيلي للفرق بين انتفاضة نخبوية بلا تنظيم ثورة جماهيري ، وهو ما حصل في مصر وتونس مثلاً ، وانتفاضة تقودها تنظيمات شعبية عريقة وتستند إلى جماهير واسعة وفي إطار استراتيجية وطنية واضحة تحدد خطوات المسار الثوري ، وأكدتُ فيه أن انتفاضة تقودها نخبة بلا جماهير منظمة في إطار ثوري ( حزب أو جبهة ) محكوم عليها بالاحتواء وإفراغها من محتواها الشعبي وتحويلها إلى نسخة من النظام السابق مع تغيير الوجوه وسرقة الوقت لأجل إنهاء حماس الجماهير المنتفضة .
وبدات بتأليف كتابي في عام 2011 ونشر فصوله كل فصل بعد إنهاءه مباشرة مع انطلاقة انتفاضة تونس ومصر ، وأنهيته بعد متابعة ميدانية عميقة وتفصيلية كان هدفها تثبيت مفهوم الثورة التقدمي الذي يقوم على أن الثورة أو الانتفاضة لا يمكن لها النجاح وتجنب الاحتواء من قبل قوى الردة أو المخابرات المعادية إلا بوجود قوى وطنية تقدمية منظمة مستندة إلى جماهير واسعة واستراتيجية واضحة ، وهذا ما نراه الآن في الانتفاضة السودانية الشجاعة ، والتي أعادت تأكيد المفهوم الثوري التقدمي للثورة والانتفاضة ووجهت ضربة قاضية إلى المفهوم الشعبوي لهما والذي يقوم على اعتماد العفوية الثورية وغياب التنظيم الثوري وتجنب التخطيط الاستراتيجي .
ولعل أخطر ما في المفهوم العفوي الشعبوي للانتفاضة والثورة هو أنه يسمح بوجود دور ربما يكون خطيراً للمخابرات المعادية والتي تنشط عندما تظهر بوادر انتفاضة شعبية قوية لا تحميها قوى منظمة ومجربة وفعالة فتعمد إلى احتواءها بتحريك من دربتهم – مثلاً وائل غنيم وحركة شباب 6 أبريل في مصر - أو أنهم لا يملكون تجارب عميقة فيكونون ضحايا شعارات غامضة تستغلها المخابرات المعادية لاحتواءهم وتحديد مسار الأحداث كما تريد ، وهو ما حصل في أقطار غير السودان ، بل أن وجود احتمال لاندلاع انتفضة شعبية تقدمية ووطنية يواجه بطرح بديل مشبوه مسيطر عليه مخابراتياً وفي هذه الحالة ينتهي بإعادة إنتاج النظام السابق بطريقة محسنة دون اقتلاع جذور الفساد والاستبداد والتبعية للغرب والصهيونية .
وما نلاحظه الآن هو أن المخابرات الغربية تتظاهر بدعم الانتفاضة السودانية لأنها تدرك بوضوح بأن الانتفاضة تقودها قوى منظمة مستندة إلى شعبية واسعة تكفي لفضح من يتأمر على الانتفاضة تحت غطاءها ثم عزله ، وهي توسط أطرافاً متعددة وتدعو لحل سلمي لكنها في الواقع تدفع الوضع نحو حل يفضي إلى استلام الحكم من قبل قوى تقليدية همشتها الجماهير وتطمح لاستلام الحكم بدلاً من قيادة الانتفاضة الحقيقية ، وهذه النسخة أخذت تطرح بعد أن انكشف المجلس العسكري بعد المجزرة الفظيعة التي راح ضحيتها أكثر من مائة سوداني برئ ، وهذا خيار واضح إلى حد كبير تدعمه أنظمة عربية لا تتحرك إلا بأوامر أمريكية فضحّت بالبشير الذي كان متعاوناً معها بعد أن احترقت كافة أوراقه .
الدرس الأعظم الذي نؤكده هو أن الانتفاضة الشعبية كي تتحول إلى ثورة شعبية تحررية وجذرية لا يمكن احتواءها من قبل قوى الردة أو المخابرات المعادية تحتاج لقيادة وطنية مجربة تستند إلى قواعد جماهيرية تثق بقيادتها ، واستراتيجية وطنية متفق عليها ، وهذا متوفر في الانتفاضة السودانية وهو سر نجاحها الذي حرك الاحتياطيات المضادة التي أخذت تطل برأسها لإجهاضها والسطو على مسارها كما حصل في أقطار عربية أخرى منذ عام 2011 .
Almukhtar44@gmail.com
20-6-2019
Comments