top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - البعث وأنا


البعث وانا



الآن مر علي 62 عاماً وأنا في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي فقد انتميت في النصف الثاني من عام 1958 ، ومولد البعث في نيسان فهو شهر مولدي البايويولوجي والهوياتي معاً ، وهذا الزمن الممتد ستة عقود وأكثر يختزن دروساً وحقائق ثرية ليس من الصواب إبقاءها محبوسة في خزينة الضمير ، خصوصاً وأن تلك الدروس تخص الناس عامة ، فقضاء 62 عاماً في حزب ظاهرة تبدو في عالمنا غريبة لكنها في البعث عادية ، ولكي نرى الأبعاد الكاملة لتأثير 62 عاماً من العمل في حزب من الضروري تسليط الأضواء على الافكار التالية :


1- عمري في الحزب أطول من عمري مع كل من عائلتي الأولى والموسعة وهي أبي وأمي وأخوتي وأخواتي وأعمامي وأخوالي وأبناءهم وبناتهم وعائلتي الأصغر المؤلفة مني ومن زوجتي وأبنائي وأحفادي ، فقد قضيت مع عائلتي الأولى 35 عاما قبل زواجي ، وقضيت مع عائلتي الأصغر حتى الآن 43 سنة ، والنتيجة أن عمري في الحزب أطول من عمري مع عائلتيي الأولى والأصغر .


2- أصدقاء الطفولة في الكرخ وأصدقاء الشباب والكهولة في حي الشرطة وحي الجهاد قضيت معهم عقوداً وأُجبرت على الابتعاد عنهم بعد الغزو ، فتكون النتيجة أن الزمن الذي قضيته مع أصدقائي لم يتجاوز الأربعة عقود ، بينما قضيت مع الحزب أكثر من ستة عقود .


3- بدأت رحلة العمل الوظيفي في الستينات وتوقفت بعد الغزو فخدمتي الوظيفية حوالي أربعة عقود ، وهي فترة اقصر بكثير من عملي في الحزب .


4- دراستي ابتدأت في عام 1950 وتوقفت مراراً بسبب الاضطهاد السياسي لكنني أكملت الجامعة في عام 1971 ونلت البكالوريوس في العلوم السياسية ، ثم واصلت الدراسة في نيويورك اثناء عملي في الأمم المتحدة فنلت شهادة الماجستير في المنظمات الدولية من جامعة لونج ايلند في عام 1985 وكانت أُطروحتي عن ( حق الفيتو في مجلس الامن ) ، وقبلها نلت دبلوم إعلام من كلية التضامن في برلين في عام 1974 ، ومجموع وقت دراستي مع أوقات التقطع لا يتجاوز 28 عاماً ، وهو زمن قصير مقارنة بعملي في الحزب .


5- إذا حسبنا سنوات الدارسة 28 وما قرأت فيها يتبين أن قراءتي عن الحزب كانت القاعدة التأسيسية لثقافتي ، وأول ما قرات في السياسة وأنا في الثانية عشر من عمري ( بماذا تتسم حركتنا ) و( وذكرى الرسول العربي ) و( انقلابيتنا ) للقائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق ، زودني بها الرفيق الشهيد خالد ناصر جاري في سوق حمادة في الكرخ والذي كان يعدّني للعمل الحزبي منذ عام عام 1956 لأنني كنت في الثانية عشر من عمري وأخبرني انني لن أنضم إلا بعد بلوغي الرابعة عشرة ، وهو ما حصل بالفعل ، وقاعدة الثقافة البعثية قادتني بقوة لم أستطيع مقاومتها إلى القراءة العامة والسياسية ، وأخذت في عام 1959 أدرس الماركسية لأنها كانت سلاح الحزب الشيوعي العراقي الذي حاول أنهاء البعث والحركة القومية العربية بالتعاون مع " عبد الكريم قاسم " فقرأت لماركس وأنجلز ولينين وستالين وكنت ازداد اقناعاً كلما توسعت دائرة قراءتي .

تنوعت قراءاتي واتسعت وأسرتني الأفكار الصعبة التي شكلت تحدياً لي حرضني على فهمها فدرست مصادر الفلسفة والأديان والتاريخ والطب وعلم النفس والجيوبولتك .. الخ ، ومازالت مستمراً حتى الآن تلميذاً أدرس ، فرحلة اكتشاف العالم والانسان عبر القراءة اطول من كل علاقاتي وهي تنفرد بأنها بعمر عملي الحزبي.


6- وبسبب حدة الصراعات السياسية في العراق والوطن العربي فقد تحددت علاقاتي الاجتماعية بقيود انتمائي الحزبي رغم انني كنت ومازلت مرنا جدا اجتماعيا واتجنب تغليب التأثيرات السياسية على علاقاتي إلا عندما يحتدم الصراع عندها يكون انتمائي الحزبي هو الموجه بلا منازع ، فالحزب حدد علاقاتي العامة تقريباً .


7- كافة أوجه الحياة تأثرت مباشرة بعلاقتي الحزبية فمن يتفرغ للحزب نفسياً وفكرياً وعاطفياً يصبح حاسماً في خياراته ، فالوعي الطليعي لدي وهو ما يميز البعثي والذي تشكل عبر ستة عقود كان ومازال سيد حساباتي وسقف خياراتي ولهذا لم أجد نفسي أسير تردد عندما تكون هناك تحولات حاسمة ، وكان سهلاً علي اختيار الموقف الصحيح ، وللحزب الفضل كل الفضل في تدريبي وخبرتي وثقافتي .


8- أنا فخور كل الفخر بمسيرتي في الحزب بحلوها ومرها بصوابها وأخطائها لأنها مني وجزء من تاريخي ومن كان أصيلاً لا يتبرأ من تأريخه مهما كانت محطاته بل يميز بين الصالح منها والطالح فيرى تاريخه كله بدون حذف أو تعديل أو تزوير ، وإن حاول الانتقاء منه أو تزويره فغيره يعرفه والأهم ان ضميره يعرف أن كل محطات تاريخه تعود له ، وهنا مكمن فخري بكل تاريخي الذي عبرت كل مرحلة منه عن مستوى وعيي وإدراكي ، والطفل ل ايحاسب على قلة وعيه لكنه يحاسب على أخطائه عندما يكبر دون أن يتعلم ، وكلنا أطفال في التجارب البشرية مهما أبيض شعر رأسنا وحفرت أخاديد الزمن سواق وأنهاراً وربما بحاراً في وجوهنا ، والآن وأنا في السادسة والسبعين من عمري فخري ببعثيتي هو البديل عن كل طموح فبعد هذا العمل الطويل الغزير بالمعاني ليس ثمة جائزة لي أكثر من مشاعر راحة الضمير لأنه نقي تماماً .

وفي هذه المرحلة من العمر تنهزم طموحات المنصب بكافة مجالاته ويحل محلها طموح أن أترك بعدي كلمة طيبة لأحفادي ولغيري خصوصاً للبعثيين الآتين من أرحام الحاضر ، عبر تثبيت نتائج التجارب الحية فجهاز التوثيق العقلي الموضوعي لدي لكافة مراحل النضال وصل مستوى صفاء لم يسبق له مثيل وهي متعة لا تسمو فوقها متعة الا ادراك انك انسان سيطر على غرائزه ونزعاته وعواطفه، لذلك فتسجيل تاريخنا واحداثه ومنعطفاته بالنسبة لي اهم من كل شيء اخر لان الحزب حركة تاريخية ومن سيأتي بعدنا يجب ان يعرف الحقائق كما هي بدون تزويق أو تحوير لأي سبب كان ، وأنا شاهد حي على كافة تحولات الحزب منذ عام 1959 وحتى الآن ، ومن يملك القدرات العقلية والفكرية والنفسية وثراء التجارب والقدرة الكتابية لتسجيل محطات النضال هو خير من ينقل للأجيال القادمة تجارب اجيال البعث السابقة لها .

9- إذا اكتفيت بهذه الحقائق التاريخية المتسلسلة بأرقامها من أكون ؟ ، يخيل لي أحياناً أن البعث لم يعد حزباً ولا أيديولوجياً ولا نضالاً ولا تنظيماً ولا وعياً متقدماً فقط بل هو اقتراب من التمازج الجيني في كياني ، فلئن كان الإنسان يتعرض لتشكل طبيعة ثانية لديه بعد عقود ثلاثة أو أربعة من العمل في بيئة ما ، كما يؤكد علم النفس ، فأنا قضيت في الحزب أكثر من ستة عقود أي ضعف الفترة التي تحتاج إليها الطبيعة الثانية كي تتشكل ، منغمساً كل الانغماس في مسيرته ومتفاعلاً بالكامل مع أحداثه ومبادراً في كل مرحلة من مراحل نضاله ، فكيف يمكن لجيناتي أن تكون بعيدة عن التأثر بأنماط تفكيري الحزبي التي تواصلت ستة عقود ؟ .


10- ولو تساءلت : كم قضى في الحزب رفاقي ابتداء من القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق ومروراً بمن بنى الحزب من الجيل الأول والثاني والثالث ، وما هي الأزمات والكوارث التي واجهوها وأقارنها بما واجهت وتعاشيت معه فالجواب واضح : أن القائد المؤسس مثلا قضى في الحزب منذ بدأ الأعداد لتأسيسه أربعة عقود ونصف تقريباً بينما قضيت حتى الآن في الحزب 62 عاماً ، وهذا يزيدني فخراً لأنني تجاوزت كمياً – أرجو الانتباه تجاوزت كمياً - بسنوات من أسسوا البعث وأعدونا له ورحلوا قبل عقود بينما بقينا نحمل الرسالة أمناء على أخلاقيات البعث أولاً وقبل كل شيء ، واهم من كل شيء ، وفي مقدمتها أن نحفظ لكل رفيق حقه وتاريخه ومقدار تضحياته ولا نفرط بالبعثي الذي لم يعد حزبياً فقط بل صار ذخراً عقائدياً بعد عقود النضال وتجربته وامتحانه ، وبما أن البعثي المتكون هو ذخيرة الحزب ، وليس الحزبي الذي مازال في طور التجربة حتى لو قضى نصف قرن ، فإن من مميزاته أنه حريص كل الحرص على البعثيين الاخرين ولا يستسهل إبعادهم ، وعندما تجد رفيقاً من الكادر يستسهل أبعاد رفاقه البعثيين فتأكد أنه يرتد للنزوات الخاصة ويثبت أنه لا يعرف أن الحزب بديمومته يعتمد على البعثيين وقبل اعتماده على الحزبيين .

يقينا كل اليقين أن كياني قد تشكل نهائيا وتقولب إلى الأبد وفقا لعقيدتي ورغم أنني أحمل فوق كتفي 76 عاماً فإنني الآن وأكثر مما مضى محارب شرس عندما يتعلق الأمر بمستقبل البعث ، فتحية للشهيد خالد ناصر الذي كسبني للبعث ، وتحية للرفاق " عدنان القصاب " و" فائق الحاج توفيق " اللذان أكملا مهمة الرفيق " خالد ناصر " في إعدادي للحزب مبكراً ، وتحية للقائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق الذي أسس البعث ، وتحية للقائد الشهيد صدام حسين مطبق الكثير من أهداف الحزب ومفاخره ، وتحية للرفيق عزة إبراهيم ، الأمين العام للحزب وقائده ومظلة البعثيين والدرع الحامي لهم من نزوات الحزبيين ، وتحية لكافة الرفاق الأحياء والأموات ، والتحية الأكبر للجيل القادم من البعثيين الذين سيجدون البعث محصناً بأمانة من عاشو تجاربة وساهموا ببناء كيانه وصدوا عنه غزوات الأعداء بمختلف عناوينهم .


Almukhtar44@gmail.com

7-4-2020

Comentarios


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page