الرفيق المجاهد صلاح المختار - صفقة القرن الحقيقية ومسخها التضليلي ( الحلقة الأولى )
- مفكر قومي
- Jul 6, 2019
- 4 min read

صفقة القرن الحقيقية ومسخها التضليلي
( الحلقة الأولى )
الحملات النشطة لفضح ( صفقة القرن ) تذهب بعيداً في طريق تيه عُبِّد أصلاً لإبعاد النظر عن عمليات تفتيت الأمة العربية تدريجياً ، فالذين يروجون لوجود صفقة قرن تقتصر على فلسطين يضعون أنفسهم في موضع من يشوش على المعارك الحقيقية وهو تصرف ليس ثانوياً ، ومن بينهم من بح صوته وهو يفضح ما يسمى بـ( صفقة القرن ) ، لكن هذا البعض كلف بدفع الراي العام لولوج طريق مسدود يقود إلى عكس ما يريد كل وطني عربي .
وهنا ، نرى تكتيك التضليل مدمجاً بترويج صفقة القرن ! ، هل توجد صفقة قرن حقاً أم أن ما يجري هو تطبيقات متدرجة ومتعاقبة ومترابطة لمخطط قديم وفي كل مرحلة توجد صفقة تاريخية خطيرة ؟ .
لنناقش الموضوع بتفاصيل لابد منها للإحاطة بما يجري بصورة صحيحة .
حزمة ضوء : هنا لابد من لفت النظر إلى أن مشكلة البعض هي أن وعيه لما يجري مباشر وأحياناً لا يتجاوز أنفه لأن ثلاثي الشر ( الغرب الاستعماري والإسرائيليتين الغربية والشرقية ) وضعنا فوق براكين نار تزداد التهاباً ولم يعد لنا من خيار سوى الركض وراء الغريزة أي البقاء بالابتعاد عن النار المحرقة وهو ما يجعلنا نفتقر للقدرة على التحليل الدقيق والشامل الذي لا يتم إلا في بيئة استقرار فكري ونفسي ، نسبياً على الأقل ، لذلك ، يبحث الجالس فوق نار عما ينقذه أو يخفف الألم فقط ! ، وبتأثير سعيه الغريزي هذا لا يستطيع رؤية بطانية يلقيها لإطفاء النار ، ولهذا نرى أن بعضنا يعجز عن توقع ما يمكن أن يحصل مستقبلاً بتخيل الحدث قبل وصوله ، وأُطروحة صفقة القرن ما كان لها أن تروج بهذا الاتساع لو كنا في حالة مريحة ! .
التخيل أحد أهم سمات العقل البشري وكان وراء أغلب الاكتشافات والاختراعات عبر التاريخ وهو يختلف كثيراً عن أضغاث الأحلام PIPE DREAM فهو أحد آليات البقاء في الوجود ولهذا فغياب التخيل المدعوم بوعي الواقع بصواب هو شرط لازم لفهم التحديات كما هي وما تحمله لنا في خباياها المستورة بتضليل متعمد .
عندما نبتعد عن النار ولو قليلاً أو نصنع لأنفسنا درعاً واقياً منها نستطيع أن ننظر أبعد ونفكر أوسع وأعمق ونرى ما لم نكن نراه وهو متموضع في البعيد وكامن في الزوايا والمنحدرات والكهوف الخطرة ، وهي الخطوة الأهم في رد التحدي مادام العجز عن استخدام التخيل هو وصفة الانتحار غير المتعمد عندما يكون الإنسان مقيداً ببطنه وأُميّته وصراعه من أجل البقاء حياً فقط .
1- كي نقتنع بأن الترويح لوجود صفقة قرن حديث خاطئ سببته تراكمات أزمات طاحنة تحيط بنا من كل جانب فصرنا نتقبل كل فكرة بدون أن ندققها ونحللها ، لنبدأ بالنظر إلى الخلف لنعرف من أين أتت النار الشاملة التي تحرقنا الان ونرى كم مرة وقعت ( صفقات عقد ) اكثر خطورة من صفقة القرن الحالية :
خطة بنرمان رئيس الوزراء البريطاني ووعد بلفور وسايكسبيكو وضم الأحواز لبلاد فارس ، وما تبع ذلك من خطوات جوهرية كانت تنفذ في اطار استراتيجية شاملة مثل هزيمة عام 1967 وقرار 242 الصادر عن مجلس الامن (1967) ومشروع روجرز واتفاقيتي كامب ديفيد في عهد السادات واتفاقية وادي عربة واتفاقية اوسلو ... الخ ، أليست كل خطوة ذكرت هي صفقة عقد بل ان مافعله السادات كان هو صفقة القرن الأهم حتى الان ؟ .
ومن ابرز تكتيكات وخطط التضليل الغربية والصهيونية والفارسية هي انهم لا يريدون لنا أن نفهم بصواب ما يجري واحيانا يقومون بالتركيز على قضية فرعية لاخفاء قضية او قضايا اكبر منها ، فهل اطروحة صفقة القرن بتحديد مكانها في فلسطين فقط جزء من هذا التكتيك الغربي الصهيوني ؟ ، ولكي نبعد الفرضيات الخاطئة لابد من التوضيح بان تعابير مثل قضية فرعية وقضية رئيسة ما هي الا توصيف لمرحلة معينة وليس لقضية او اعادة نظر في الحقوق ، ففي كل مرحلة تستقر موازين الصراع لصالح طرف ما بعد ان كانت لصالح طرف اخر فيتغير موضع كفتي ميزان التوازن دون ان يعني التقليل من قيمة ما في كفتيه لهذا فتعابير مثل قضية فرعية يقصد به تحديدا وصف طبيعة معركة المرحلة وليس تحديد طبيعة كل الصراع .
وصفقة القرن وبخلاف ما يروج الان لم تبدأ قبل سنتين بل قبل اكثر من قرن ، وهدفها الاستراتيجي الاعظم تفتيت الاقطار العربية وانهاء الهوية القومية وانشاء امارات وجمهوريات موز بدلا عنها وهذه الخطط هدفها الاخر هو اكمال تصفية قضية فلسطين لان تفتيت الامة العربية يفضي حتما لانهاء اي قدرة على تحرير فلسطين ، ولكي تمر كل خطوة منها باقل ما يمكن من المقاومة كان يجب اصطناع قضية دعائية تطغى اعلاميا وسياسيا على القضية الحقيقية والتي تنفذ في خطوات ، ولهذا فان ثلاثي الشر يركز على قضية فلسطين الان فقط رغم تغير الواقع العربي جذريا ونشوء اكثر من فلسطين التي كانت حتى فرض خميني الحرب على العراق قضية العرب المركزية الوحيدة المتفق عليها ، وكانت وقتها تدعم من قبل كل العرب لغياب اي تهديد وجودي اخر يحمل نفس تحديات احتلال فلسطين .
كانت مشاكل الاقطار العربية تدور حول الاستبداد والفقر والتبعية وهي اوضاع لا تشكل تهديدا للوجود بينما كانت فلسطين هي تهديد الوجود الوحيد حتى وصول خميني للسلطة ، فتكونت نتيجة استراتيجية ( نشر الثورة الاسلامية ) اكثر من فلسطين في العراق وسوريا واليمن ، وتعاظم خطر تحويل اقطار عربية في مشرق الوطن العربي ومغربه الى فلسطينات تضاف الى فلسطين الاولى .
ونتيجة الخطورة الشديدة لبروز اكثر من فلسطين نشب صراع رئيس بين منفذ الخطة الصهيوغربية وبين حركة التحرر الوطني العربية فظهرت الحاجة الماسة لاستخدام فلسطين الاولى كوسيلة لتسهيل اكمال اقامة فلسطينات في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها ، عبر الاصرار على ان قضية فلسطين مازالت القضية المركزية الوحيدة وان بقية القضايا ثانوية ويجب عدم التركيز عليها من اجل فلسطين ! .
2- ولعل أنشط من يقوم بذلك هي اسرائيل الشرقية وميليشياتها ويلاحظ أن الغرب والصهيونية يدعمان اسرائيل الشرقية في سعيها لإنهاء الهوية القومية للأمة العربية وتقسيمها ، والسبب هو أنها الأداة الرئيسة في تفتيت الأقطار العربية بفتن طائفية فهذه الدولة المعادية تاريخياً وحالياً تحتل أربعة أقطار عربية وتعمل لاحتلال أقطار أُخرى بنفس الطريقة التي احتلت بها العراق وسوريا واليمن ولبنان وباعتراف قادتها رسمياً ، فلإسرائيل الشرقية ونغولها العرب مصلحة استراتيجية وليس تكتيكية فقط في التعتيم على تفريس العراق وسوريا ومحاولة تفريس اليمن ولبنان لأن النضال من أجل تحرير هذه الأقطار من الغزو الفارسي هو الواجب الوطني القطري لطلائع كل قطر عربي تحتله إسرائيل الشرقية ، وهو هدف جوهري يتفوق كثيراً على هدف تحرير فلسطين في هذه المرحلة بالذات ، لأسباب سنتناولها ، ولهذا نلاحظ أن نغول الفرس ومرتزقتهم العرب يستمرون في الصراخ بـ( أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للعرب ويجب عدم إثارة أي قضية أُخرى من أجلها ) ! .
إن الاستمرار في التمسك بهذه القناعة يترتب عليه عملياً ترك النضال من أجل تحرير الأقطار التي احتلتها إسرائيل الشرقية والتمسك فقط بالدفاع عن فلسطين رغم أن كافة شروط تحريرها غير متوفرة الآن ! ، هذا التكتيك المخابراتي الواضح يؤدي إلى ما يلي : .... يتبع .
Almukhtar44@gmail.com
5 -7-2019
Comentários