الرفيق المجاهد صلاح المختار - صفقة القرن الحقيقية ومسخها التضليلي ( الحلقة الثانية )
- مفكر قومي
- Jul 8, 2019
- 5 min read

صفقة القرن الحقيقية ومسخها التضليلي
( الحلقة الثانية )
هذ التكتيك المخابراتي الواضح يؤدي الى ما يلي :
أ- تحت ستار الصمت تجريعملية تفريس منظمة في العراق وسوريا واليمن ولبنان ، ولتحقيق ذلك قتل أكثر من 3 ملايين عراقي بعد الغزو فقط ، وهجر ما بين 4 و5 ملايين عراقي إلى خارج العراق ومثل هذا العدد هجروا في داخل العراق ، وهو عدد مقارب لعدد المهجرين الفلسطينيين الآن وكان في عام 1948 حوالي 800 الف فلسطيني ، بينما هجر من سوريا أكثر من عشرة ملايين سوري ، وقتل حوالي مليوني سوري ، ووُطّن مئات الآلاف من الأجانب فيها .. إيرانيون وأفغان وغيرهم ، وفي العراق فقط وطبقاً لمعلومات رسمية بلغ عدد من مُنح الجنسية العراقية أكثر من أربعة ملايين إيراني وأفغاني وغيرهم ! ، وبالتزامن مع ذلك يتوسيع التغلغل الإيراني في بقية الأقطار العربية تمهيداً لتفريسها لاحقاً ، ونرى الآن جاليات إيرانية تعمل رسمياً لصالح وطنها الأم أو هناك كتل أصولها عربية لكنها غلبت الهوية الطائفة على الهوية الوطنية .
كل هذا يُهمل عمداً ويركز فقط على صفقة القرن بنسختها التضليلية والتي تدعونا للتركيز فقط على فلسطين الأولى ! ، وهو إهمال متعمد لا يختلف عن إهمال النظم العربية لقضية فلسطين بل وأكثر خطورة بكثير منه ، فهل يمكن تفسير حملة صفقة القرن الحماسية بغير أن هدفها التعتيم على الاحتلالات الإيرانية ودعمها وإحلال ملايين الأجانب محل العرب ؟ ، وهل رفض صفقة القرن بحدودها المعلنة رغم أنها لا تشكل مخاطر بنسبة 1% من مخاطر الغزو السكاني الإيراني يبرر تفريس أقطار عربية من أجلها ؟ .
ب- ولإكمال الصورة المخيفة لابد أن نذكّر بأن الهدف السوبرستراتيجي في مرحلة ما بعد صهينة أكثر فلسطين (82%) وصيرورة اليهود أكثر من العرب فيها هو إنهاء عروبة تلك الأقطار ، فانتقلت إسرائيل الغربية إلى صهينة الأقطار العربية الأخرى أو تفريسها ، ولا فرق جوهري بينهما لأن التفريس مثل الصهينة يضعف الهوية القومية العربية ، خصوصاً في الأقطار المحيطة بإسرائيل الغربية أو القريبة منها ، لأن تكريس إنهاء فلسطين رهن بتدمير وتقسيم العراق وسوريا ثم تحييد مصر تمهيداً لإنهاء عروبتها فيصبح تحرير فلسطين بدون تلك الأقطار مستحيلاً عملياً ، فهل هذه الحقائق الميدانية غائبة عن بال من يصرخ ضد صفقة القرن ويطالب بإيقاف الصراع مع إسرائيل الشرقية ومنع فضح تفريسها لأربعة أقطار عربية ؟ .
ج- ومن الحقائق البارزة أن قضية فلسطين جردت من أهم عوامل تصدرها للصراع الاستراتيجي فقد أُخمدت المقاومة الفلسطينية المسلحة وزرع الغرب وإسرائيل الغربية الفساد عمداً فيها لأنه نقيض وناقض المقاومة ، وظهر ، ثم أُديم الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة ، لتدور بينهما حرب داحس والغبراء التي لا تنتهي مهما صرخت من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية ومهما تمادى نتنياهو في توسيع الاستعمار الصهيوني وضم الجولان إضافة لضم القدس ، وتخلي أمريكا عن قرارات الأمم المتحدة التي كانت أحد صناعها ودعم قيام إسرائيل التوراتية ، ومع ذلك فالعداء بين فتح وحماس أعمق من عدائهم لنتنياهو عملياً وبغض النظر عن كل ادعاء ! ، ولذلك نقول بلا تردد : الانقسام الفلسطيني خطوة مبرمجة لتصفية فلسطين ، وليس أقل أهمية مما سبق ظاهرة إفساد بعض المنظمات الفلسطينية والكثير من الكتاب والساسة في فلسطين بالمال الإيراني ، لذلك نرى فلسطينيين ينكلون بالعراق وسوريا من أجل إسرائيل الشرقية وبوقاحة مثلما تنكل الصهيونية بفلسطين وهذا نتاج مباشر للفساد المزروع عمداً ! .
وما تقدم يؤكد إحدى أهم حقائق المرحلة هذه وهي أن فلسطين بذاتها لم تعد تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني منذ سنوات وما بقي من فلسطين لا يعد ، في المنظور الاستراتيجي وليس القومي أو الديني ، جوهرياً في موازين الصراع مثل إنهاء عروبة القدس وإلغاء حق العودة لملايين اللاجئين ، ولو أنهم عادوا إلى فلسطين وأن القدس الشرقية لم تضم فهل سنرى فلسطن في حالة أفضل ؟ ، ولكن بالمقابل إذا لم ندعم عروبة العراق وسوريا واليمن ولبنان من أجل القضية الفلسطينية ، كما يروج نغول إسرائيل الشرقية العرب ، فالنتيجة بالغة الخطورة هي أنها سوف تفرس تحت غطاء عدم الانشغال بغير فلسطين ! ، فهل هذا تغيير سكاني جوهري وخطير في الوطن العربي والاقليم كله أم لا ؟ ، إنه انقلاب أخطر بكثير من احتلال فلسطين الأولى وأحد أسباب ذلك هو أنه يحيد لعقود ، وربما لقرون ، القوة الوحيدة القادرة على تحرير فلسطين وهي القوة الشعبية التقدمية العربية .
د- أن تحرير فلسطين مستحيل بقدرات الشعب الفلسطيني وحده ، وهذا ما أثبتته أعظم مقاومة فلسطينية انطلقت (1965) وغيرت خارطة الوعي لكنها حيدت ، ففلسطين عدد سكانها محدود ومواردها تكفي دولة بسيطة ، وحتى لو كانت في أفضل حالاتها فإنها تعجر في ظل موازين القوى العربية والاقليمية والعالمية المختلة لصالح العدو الثلاثي عن تحرير نفسها ، لهذا .. فإن الدور العربي في تحرير فلسطين شرط لازم ولا غنى عنه ، وهو ما جعل عزل فلسطين عن أمتها العربية القاسم المشترك بين الغرب والإسرائيليتين الشرقية والغربية لإكمال تصفية فلسطين في بيئة تخلي العرب عنها رغما عنهم .
والخطورة هنا أن المقصود ليس الحكام الذين تخلو عنها منذ عقود بل الشعب العربي الذي يعاني من كوارث قاتلة لا يعاني الشعب الفلسطيني حالياً إلا جزء بسيط منها ، وهو ما نراه بوضوح تام بمقارنة ما يجري في العراق وسوريا وليبيا واليمن بما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة .
نعم ، الذي يجري في فلسطين هو مشكلة ضخمة وخطيرة ولكن في العراق وسوريا واليمن وليبيا كوارث مميتة أشد هولاً من كارثة عام 1948 وأخطر في نتائجها منها ، ولا حاجة لتوضيح أن ثمة فرق جوهري بين مشكلة خطيرة وكوارث مميتة .
لا تنسوا أبداً أن غزو فلسطين كانت نتائجه هي ما نعانيه الآن ، فتخيلوا كيف سيكون حال بقايا العرب عندما يفرّس العراق وسوريا وغيرهما ؟ ، دون أدنى شك ستكون الحال هي فلسطين مضاعفة عشرات المرات ، كما تذكروا أن من حرر فلسطين ثلاثة مرات عبر التاريح كان عراقياً ، في تأكيد حاسم يهدم كل الأساطير الصهيوغربية عن تاريخنا ، وتيقنوا أن الصهيونية والغرب يعرفان أن فلسطين لا تملك شروط تحريرها وهي موجودة فقط في الأمة العربية بطاقاتها الجبارة ، ولهذا ، فإن كوارث العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها في نهاياتها الاستراتيجية ما هي إلا تثبيت لدعائم إسرائيل الغربية ومنع بعث فلسطين لاحقاً ، فبقاء أقطار عربية قوية يهدم المشروع الصهيوني كله مهما طال الزمن .
واستناداً لما سبق فإن العدو الصهيوني لم يكتفي باحتلال فلسطين بل خطط ونفذ لاحتلال وتدمير القلاع الاستراتيجية العربية خصوصاً قلاع العراق وسوريا ومصر ، وبما أن إسرائيل التوراتية المهيمنة إقليمياً لا تقوم إلا بالاعتماد على موارد العرب لفقر فلسطين فإن مهمة تقسيم الأقطار العربية سواء بواسطة إسرائيل الشرقية أو أمريكا أو غيرهما لن تتوقف إلا بالمقاومة المسلحة العربية .
هـ - مثلما يرفض الفلسطيني أن يدعم عربي نتنياهو فإن العربي الذي استشهد ابنه في فلسطين وهم كثر جداً لن يرضى أن يرى فلسطيني واحد يدعم غزو إسرائيل الشرقية للعراق وسوريا واليمن ولبنان ، فكيف يكون رد فعله حينما يرى منظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي وكتاب فلسطينيون يدعمون غزوات إسرائيل الشرقية لأقطار عربية أو لا يبالون بها ويواصلون دعم إسرائيل الشرقية ؟ .
إن استعداء العرب هو الخطر الأعظم الذي يهدد تحرير فلسطين ، وهنا نرى الدور المخابراتي ( الإيراني والصهيوني والأمريكي ) في دعم هذا التوجه لأنه يسهل عزل شعب فلسطين هذه المرة عن الجماهير العربية التي ترى أن تحرير قطرها هدف لا يقل أهمية عن تحرير فلسطين وعندما توضع أمام الاختيار فإنها تختار تحرير قطرها أولاً ليس فقط لأسباب وطنية بل لأسباب منطقية وغريزية .
و- وحينما ينجح هذا التكتيك ستنفذ حتما خطة ( الوطن البديل ) بإعلان يهودية الدولة وتهجير من يعيش خلف الخط الأخضر والضفة وسيوطن هؤلاء في سيناء وغرب العراق وتعلن الأردن دولة فلسطينية .
3- عندما نصل إلى هذه الحالة نكون أمام نجاح ما خطط له العدو المشترك منذ عقود وهو تحييد الأمة العربية ، وهنا مكمن صفقة القرن وجوهرها الحقيقي وخاتمتها وليس بدايتها كما يروج ، وأخطر نتائجها صنع أكثر من فلسطين وليس إكمال تصفية فلسطين الأولى فقط .... يتبع .
Almukhtar44@gmail.com
7-7-2019
Comments