top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - أُمُّ معاركنا وأُمُّ معاركهم


أم معاركنا وأم معاركهم


تلقيت أكثر من رسالة منذ عين سفراء جدد للعراق مؤخراً يتساءل مرسلوها : لماذا تم اختيار سفراء للعراق يتميزون بافتقارهم الشديد للحد الأدنى من شروط السفير ، خصوصاً الكفاءة والأخلاق والنزاهة وحب الوطن رغم وجود كثير من ذوي الكفاءة والنزاهة والإخلاص ؟ .


دعونا نحلل هذه الظاهرة :

1- أول ما يلفت النظر هو أن اختيار سفراء جهلة وفاسدين وفاقدي الوطنية لم يكن خطوة منفردة بل خطوة في إطار خطة شاملة على طريق معبد بوضوح وصلابة بدايته كانت تشكيل مجلس الحكم بعد غزو العراق ، فمجلس الحكم والوزارات التي أعقبته ضمت أفراداً من الذين وصفناهم في أعلاه ومن قام بذلك ليس بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق - كما يروج للتضليل – لأنه كان منفذاً لأوامر صدرت له من وشنطن فالغزو كان فتح لبوابات لتدخل منها كافة أشكال تدمير الدولة ثم المجتمع ثم العائلة ثم الأفراد .

ومجلس الحكم تشكل من قادة أدوات الاحتلال والمحرضين عليه قبل الغزو فتميز غالبيتهم بغياب الانتماء الوطني وبالتفاهة والتدهور الأخلاقي وتخلف الوعي وعبوديتهم للجنس أو لعقد نفسية جعلتهم يفقدون البوصلة الطبيعية التي تحدد لهم ما هو وطني وما هو خيانة وما هو أخلاقي وماهو مناف له ، لذلك اختير من بينهم أشخاص لتولي المسؤوليات الرئيسة وأُبعد من كان يحمل شهادة عليا من المنتمين للمعارضة وسبب إبعادهم رغم انحطاطهم الوطني هو أنهم تكنوقراط يستطيعون البناء والاعمار .

2-عندما تقدم لضبع شديد الجوع لحمة صغيرة وهو الشره ماذا يفعل ؟ ، بالتأكيد سوف يهجم عليك ليأكلك بعد ان يأكل اللحمة فهو ليس جائعاً فقط ويحتاج لكمية أكبر من الطعام بل لأنه أيضاً وقبل هذا جشع وعدواني ولا يعرف معنى الوفاء كالكلب ، لهذا يلتهم كل شيء يجده .

اسأل نفسك : ماذا يحصل عندما تسلم الحكم لجوعى للطعام وللوجاهة والشرف وهم بلا قيم عليا وتربوا في بيئة فاسدة ؟ ، الجواب هو ما نراه الآن في العراق من خراب وانهيارات شاملة ، وهذا لم تكن أمريكا تجهله وهي اختارتهم عمداً لأنهم بهذه المواصفات التي لخصتها مادلين أولبرايت وهي وزيرة خارجية أمريكا ، بقولها بأن ( المعارضة العراقية أشخاص تافهون لا همَّ لهم إلا ارتداء ساعات الرولكس ومطاردة العاهرات في فنادق رخيصة ) ، فعندما يكون شخص ما مشخص طبياً بأنه مختل نفسياً أو منحرف أخلاقياً ومحترف كذب أو أنه لص وفاسد أو مستعد ليكون كذلك لا تتوقعوا من هؤلاء غير التفاهات والنهب بلا حدود وتجميع أمثالهم في وزارتهم من المصابين بعاهات نفسية أو بانحرافات اجتماعية وأخلاقية وشذوذ جنسي .

3- عندما تجبر الإنسان السوي على اللجوء لحلول تضمن له البقاء في عالم يحترق وتقترب النار التي لا ترحم منه ومن من تبقى من أسرته كي ينجو منه حتى لو خرج عارياً كما خلقه الله أي متجرداً من القيم العليا ما هو رد فعله الغريزي ؟ ، بالطبع منع موته جوعاً أو قتله عشوائياً وبكافة الطرق أيضاً ، فغزو العراق لم يكن هدفه الحقيقي إسقاط النظام الوطني رغم أنه هدف جوهري لكنه تمهيدي لهدف أخطر بكثير وهو تفتيت الدولة والمجتمع وصولاً لإفقاد الإنسان قيمه العليا وهويته الوطنية وثقافته القومية وتركه عارياً في عالم متوحش بتطرف يأكل لحمه ولحم أطفاله .

4- إذاً ، وكي تفتت الدولة ، عليك اختيار الفاسدين وأنصاف الأميين حكاماً لها لأنهم يجهلون كيفية إدارتها وتهيمن عليهم نزوات ونزعات شاذة أو غريزية فيتصرفون في الدولة ومصالحها كما لو أنها غنيمة جاءت بعد انتظار طويل وهذا النوع ينظر للغنيمة على أنها قد تختفي بعد ساعة فيزداد إسراعاً في النهب ، ويصبح همهم الأول نهب المال ويؤسسون العصابات المتخصصة ، فيتلاشى القانون وينعدم الأمن والأمان ... الخ .

وهذه البيئة التي يخلقها تولي من وصفناه المسؤولية هي البيئة المثالية المطلوبة لإنهاء القيم العليا أو إضعافها وهو ما ينهي الانضباط الأخلاقي والقانوني في المجتمع .

أليس هذا ما حصل في العراق بصورة أُنموذجية بسبب تنصيب الحثالات المنحرفة حكاماً ؟ ، إنه يقيناً عمل مخابراتي مخطط مسبقاً بدليل تلك التصفيات الجماعية لذوي الخبرة والثقافة ، وتهجير أكثر من 15 مليون عربي من العراق وسوريا من وطنهم ... الخ ، هذه التحولات ليست عمل عصابة ولا فرد فاسد بل هي جزء من تخطيط شامل وضعه من شكل تلك العصابة ويوجهها سواء كانت حزباً أو ميليشيا .

5- هل هذه ظاهرة جديدة في العالم ؟ ، كلا ، فهو أسلوب أمريكا والغرب عموماً ومعهما الموساد والحرس الثوري الإيراني المستخدم في تهديم الدول تمهيداً لتفكيك مجتمعات الأمم ومحو الهويات الوطنية كممهد لابد منه للسيطرة الدائمة على بقايا أي شعب ، ولعل أشهر قضايا الاختراق المخابراتي قضية نائب الرئيس اليوغسلافي تيتو الذي اعتقلته المخابرات اليوغسلافية رغم أنه كان الشخص الثاني في رابطة الشيوعيين اليوغسلاف بعد تيتو بتهمة العمالة للمخابرات الأمريكية فلم يصدق تيتو واعتبر ذلك ضغائن المخابرات الداخلية فاستدعاه شخصياً وأعطاه الأمان كي يقول الحقيقة فتأكد أنه جاسوس .

صدم تيتو وسأله : قل لي كيف صرت جاسوساً وأنت الشخص الثاني ؟ ، فاخبره بأنه التقى ثلاثة مرات بممثل أمريكا في المؤتمر الذي يحضره سنوياً خارج يوغوسلافيا وكان في كل مرة يطلب منه أن يصبح عميلاً فيرفض ولكنه في السنة الثالثة قال له : أنا لا أريد منك أن تصبح جاسوساً يكتب لنا التقارير الدورية ولن نتصل بك على الإطلاق ، فسأله : إذاً .. ماذا تطلب مني مقابل الملايين التي تعرضها علي ؟ ، فقال له ما يلي : أنت مسؤول عن التعيينات في الدولة والحزب الحاكم وواجبك توزيع الاختصاصات وكل ما نطلبه منك هو أن تعين المهندس محل الطبيب والطبيب محل العالم النووي والخالي الخبرة في وظيفة تحتاج للخبرة العتيقة ، وأن تسلم موقعاً قيادياً في الحزب لمن لا يتمتع بأي كفاءة أو تاريخ ، وأن تضطهد ذوي الكفاءات وتقرب إليك كل فاسد ومفسد وبلا كفاءة ، ومقابل ذلك نضع المال لك في بنك خارج يوغسلافيا ولن نتصل بك ولن يجد أحداً أي دليل على خدمتك لنا ، بعد هذا التوضيح قبلت أن أكون جاسوساً .

ماذا تلاحظون في هذه القضية ؟ ، منع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لكفاءته وتعيين غيره الجاهل أو عديم الخبرة محله يؤدي إلى الفوضى والفشل وتراجع الانتاجية وتنامي الشعور بالغبن واندلاع صراعات بينية ، فتضعف ثقة الناس بالدولة وتفتح ثغرات فيها ليتسرب الفساد واللامبالاة ويصبحان المعول الذي يهدمها تدريجيا الدولة ... الخ .

عندما تتهدم ضوابط الدولة وتنهار تدريجياً تبدأ عمليات تفكيك المجتمع حتماً لأنها حاميته ومديمة لحمته الوطنية ( الهوياتية ) في العالم الثالث .

6- من يديهيات كل مجتمع إنساني أن القوة الابداعية للإنسان هي منبع الحضارة والتقدم والنبع الرئيس لهذه القوة هو القيم العليا التي تحكم الإنسان فهي الرافعة التي تزيح عن وعي الإنسان عوامل الكبح وتطلق عناصر القوة الكامنة في البشر عندما يتحرر من الأنانية والعزلة فتصبح المصدر الأساس لإنسانية الإنسان وعقلانيته ومصدر إلهامه وتقدم الدول ورقيها ، وبهذا المعنى فإن القيم العليا هي صانع لحمة المجتمع الطبيعية الممسكة بوحدة المشاعر والمعتقدات لأنها تمثل الإرث المشترك ، والتي بدونها يصبح المجتمع حتى لو كانت الدولة هي الأقوى في العالم – كأمريكا - مفككاً وتسخر قدرة تلك الدولة لإبقاء اللاصق الاصطناعي لمنع تفتق مجتمعها ، لغياب أو ضعف منظومة القيم العليا في مجتمع مهاجرين لا تربطهم قيم مشتركة .

تذكروا واحداً من أهم دروس التاريخ : كافة الامبراطوريات اختفت بعد تداعي قيمها العليا وكافة الأفراد العظماء ماتوا وهم أحياء عندما تهدمت في دواخلهم منظومات القيم العليا .

ولئن قامت امبراطورية بالقوة فإنها لن تدوم إلا بقدر الزخم الابتدائي لقيامها وهو يتبدد بسرعة وبحتمية لا مفر منها ، وهذه أمريكا أمامكم لم تكد تكمل 300 عام على قيامها كدولة حتى أخذت تواجه عملية احتضار شاملة بعد أن دخلت مرحلة الأزمة البنيوية رغم أنها من أغنى بلدان العالم ورغم أنها تفوقت على كافة الدول الأخرى في تقدمها العلمي والتكنولوجي ، لكنها بصفتها دولة مهاجرين تفتقر للعوامل النفسية والثقافية المشتركة وسنامها القيم العليا ، ففقدت اللحمة الحقيقية وهي ثغرة تتسرب منها عوامل تفوقها فجعلت من الغزو والنهب وسيلة تعويض لتأخير انهيارها أو غرفة بحجم العالم كانعاش لها .

7- ما هي القيم العليا ؟ ، ببساطة أنها الأسس التي تقوم عليها تربية الناس في المجتمع والتي تتبلور عبر آلاف السنين ومنها تنبثق القوانين والدستور والتقاليد وبها يضمن المجتمع تماسكة وصلاته الودية أو التوافقية فتجعل النظام العام حاكماً ومتحكماً بالأنانية الفردية أو الفئوية ، فيحل الأمن والأمان ويجري العمل في بيئة سلمية نسبياً وتستقر حياة الناس لقرون ، وتبدأ في بيئة الاستقرار الطاقات البشرية الخلاقة بالتفتح والازدهار وتنمو قدرات بناء حضارة .

ومن بين مداميك التربية اعتماد الصدق في التعهد والالتزام في تنفيذ الوعود ، لأن الكذب يجر إلى عدم تنفيذ الوعود فتظهر حالة الاضطراب وتنحدر العلاقات الاجتماعية نحو واد تزداد خطورته كلما تسارع انحداره ، وهو ما يسمح ببروز أكثر من جاسوس ( يوغسلافي ) يمتهن الكذب عند التعيين في الدولة وعند اختيار قادة المجتمع فنرى المؤسسات التي يقودها الفاسد أو المتخلف ينخرها الخداع والفساد ، وعندما تصل الأمور إلى هذه الحدود تبدأ الدولة بالانهيار والتفكك وتجر معها المجتمع .

وهنا يفقد المجتمع مصدر قوته الابداعية وهي قيمه العليا ونصبح في حالة صراع حياة أو موت .

تعلم المستعمر الغربي والصهيوني والفارسي بأن الغزو لا يحقق أهدافه الكاملة والحقيقية وهي إنهاء الأمة العربية وهويتها القومية إلا بتدمير القيم العليا وزرع الكذب أو تنميته وسقي فسائل الفساد كي تصبح مزارع صخمة وترسيخ التخلف وتصفية العلماء ونشر الجوع وتلويث حيوات الناس بكافة أشكال التلوث ، خصوصاً البيئي والأخلاقي وهذا كله رهن بالقضاء على الأنظمة الوطنية والتقدمية كتمهيد لتدمير الدولة ثم المجتمع ثم الفرد .

ما هي الاستنتاجات الرئيسة من كل ما تقدم ؟ .

إن أحد أهم الأسباب الرئيسة لانهيار الامبراطوريات والدول العظيمة هو تسليم مناصبها القيادية لأنصاف الأميين والفاسدين ومحترفي الكذب ، فما أن يسقط المرء أخلاقياً حتى يضع القدم الأولى على طريق الخيانة الوطنية ، والانحراف الأخلاقي نبعه الأهم الكذب على النفس أولاً واقناعها بما هو مدان وتسويق كذبه للآخرين أو فرضه عليهم فيحل الخراب الشامل ، من هنا فإن أُم معارك الغرب والصهيونية والقومية الفارسية هدفها تدمير قيمنا العليا لأن تحقيق ذلك يهدم مجتمعاتنا بعد تفكيك الدولة وضبطها للمجتمع فنصبح عاجزين عن المقاومة ، ولكي نقاوم بفعالية فإن هدف أُم معاركنا هو المحافظة على مصدر قوة تلاحمنا : قيمنا العليا أولاً وقبل كل شيء .

Almukhtar44@gmail.com

31-7-2019

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page