top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - نعم إنه صراع هويات


نعم إنه صراع هويات


دهش كثيرون لسرقة تمثال أسد بابل من منطقة الآثار البابلية وسرقة تماثيل من ساحات بغداد ، منها تمثال المتنبي ، تمثال شهرزاد ، تمثال أبو جعفر المنصور ، تمثال الشاعر معروف الرصافي ، والعمل على تدمير نصب أُخرى في مقدمتها نصب الشهيد مازال مستمراً ، وهذه الدهشة تزداد إذا ربطناها بالتفسير الذي يقدم لسرقة هذه الآثار والتماثيل وهو أنه ( نتاج فقدان الدولة واستشراء الفساد ) ! ، لأن السبب ليس الفساد ولا غياب الدولة ، فما هي الأسباب ؟ :

1- مؤشرات حاسمة : من الضروري عدم نسيان وقائع بارزة وهي أن القوات الأمريكية في أول أيام احتلالها لبغداد اعتبرت الآثار العراقية هدفاً مقدماً على كثير من الأهداف الاستراتيجية في الأيام الأولى للحرب ، وقامت بما يلي :

أ-: مهاجمة المتحف العراقي رغم أن القوات الأمريكية كانت تواجه مقاومة ضارية في الكرخ والأعظمية وغيرهما ، وشاهد أهل الكرخ طابور دبابات يطوق مدخل المتحف الوطني العراقي وتدخل مجاميع اصطحبها معه وهم من جماعة المجرم أحمد الجلبي إلى المتحف وتسرق آثاراً محددة بقائمة أُعدت مسبقاً بدقة ولكن ما أن انتهت من نهب ما كان في قائمتها حتى طلبت القوات الأمريكية من رعاع بدخول المتحف وسرقة ما فيه فسُرقت آلاف القطع بينما دُمرت آلاف أُخرى في أكبر مجزرة متاحف في التاريح الحديث ! ، لقد تحول المتحف الوطني إلى خراب وكان العاملون فيه يبكون بحرقة لم يعرف سببها الأُمّي أو نصف الأُمّي الذي نهب المتحف والذي يعتقد بأنها مجرد قطع حجر لا قيمة لها ! .

ب- وتحركت طوابير دبابات أخرى نحو بابل وطوابير أخرى نحو أور جنوب بغداد وهما منطقتان من أهم مناطق التراث العالمي حيث بدأت الحضارات العراقية المتعددة والتي كانت بوصلة البشرية نحو التقدم الحضاري والإنساني العام ، وفيها عاش إبراهيم الخليل ومنها هاجر ونسله إلى فلسطين عبر مناطق عديدة ، وكان اللافت للنظر هو أن القوات الأمريكية اعتبرت المنطقتين مناطق محظورة ودخلتها الآليات الضخمة للتنقيب عن آثار لم تكتشف بعد أوعن أشياء مجهولة ! ، فحصل خراب هائل في بابل وأور لا يمكن إصلاحه أبداً نظراً لاستمرار الحفريات سنوات .

ج- ومما له دلالات كبيرة أنه شارك في احتلال مناطق الآثار في بابل وأور علماء تاريخ وآثار وأديان من أمريكا وإسرائيل الغربية ، وبنفس الوقت كان الرئيس الأمريكي بوش الصغير نصف الأُمي والتوراتي النزعة يصرخ : ( نحن نبحث عن يأجوج ومأجوج في العراق ) ، وهذا ما أكده الرئيس الفرنسي جاك شيراك في مذكراته وهو مصدوم مما قاله له بوش في الهاتف ! ، وبالتأكيد فإن فرق المؤرخين والعلماء لم تكن تبحث عن يأجوج ولا رفيقه مأجوج بل كانت تبحث عما يسند الروايات التوراتية خصوصاً ادعاء الصهاينة بأن فلسطين ومنطقة ما بين الفرات والنيل كانت يهودية من جهة ، وبهدف اجتثاث التراث العراقي العريق من جهة ثانية ، فانظروا للاجتثاث في إطاره الأوسع والأبعد تاريخياً وجيوبولتيكياً وتوراتياً وليس في إطار اجتثاث حزب ما .

د- في نفس يوم احتلال بغداد اتجه طابور دبابات آخر إلى مقر المخابرات العراقية شبه المدمر ونزلوا إلى القبو الذي كان يحتوي على قاصة حديدة ضخمة جداً فيها التوراة الحقيقية ووثائق أصلية عن الديانة اليهودية فكسرت ونهبت القوات الأمريكية وضباط الموساد ما كان فيها وهذه حقيقة رسمية .

2- لم تتوقف عمليات نهب وتدمير الآثار على ما ذكر بل شمل الدمار إلى النصب الفنية العراقية الحديثة الرائعة والتي صنعها فنانوا العراق في العصر الحديث وتميزت بغداد الرشيد بها وربما لا توجد عاصمة عربية وفي العالم الثالث لديها هذا الكم وهذا النوع من النصب الراقية فنيا والمعبرة عن حضارة وتاريخ العراق ، فأخذت عصابات منظمة دولية وإقليمية ( أمريكية وصهيونية وإيرانية ) تدمر تلك النصب النادرة وتزيلها من وجه بغداد ومنها تمثال أبو جعفر المنصور الذي تعرض للإزالة تعبيراً عن حقد فارسي متجذر .

إذاً ، ما الذي يمكن التوصل إليه كأسباب مموهة لنهب وتدمير الآثار والنصب الحديثة ؟ .

1) أن نهب وتدمير الآثار التاريخية النادرة والنصب الحديثة ليست عمل لصوص – لأنهم نفذوا - بل هي عمليات منظمة اعتبرت جزء من استراتيجية تدمير وإنهاء العراق المعروف تاريخياً وقومياً ، هوية وشعباً ، ولهذا لا يمكن إكمال تقسيم العراق ومحو هويته إلا بمحو الذاكرة العراقية والعالمية وإخلاءها من أي إشارة لماض يرتبط بالعراق الحديث ، والذي تعبر عنه آثاره أولاً وقبل كل شيء ، فالبشرية في العصر الحديث عندما تتحدث عن الحضارات العراقية المتعاقبة تستشهد باثار سومر وبابل واشور والعباسيين وغيرها ، وبتدمير الآثار يصبح ممكناً دعم وترويج الادعاءات الغربية والصهيونية الفارسية النافية لوجود صلة بين العراق الحالي وحضارات وادي الرافدين .

2) بوجودالآثار القديمة والابداع الحديث هل بالإمكان الادعاء بأن العراق كيان جديد ولم يكن موجوداً في التاريخ وهي أُطروحة صهيوغربية – فارسية وهي شرط مسبق لتقسيمه ومحو هويته ؟ ، وليس ممكناً تجاوز نقطة مهمة في التاريخ وهي أن الحضارة الفارسية كانت في واقعها وكما يتجسد في لغتها ذات الحروف العراقية المسمارية ثم العربية ، وتماثيلها المستنسخة من تماثيل الحضارة العراقية والفن العراقي بكل ما تعنيه كلمة استنساخ من معنى ، لكن النخب الفارسية وبدعم غربي مباشر توثق ما كتبه مؤرخون غربيون ادعوا أن حضارة الفرس أصيلة وأنها كانت تسيطر على العرب وغيرهم و( أن العرب كانوا بدوا بلا حضارة ) .

وهنا نرى العقدة العراقية تحرك أربعة أطراف رئيسة وهي أوربا الغربية - التي كتبت التاريخ المزور - وأمريكا والصهيونية والقوميين الفرس وطليعتهم الآن ملالي قم ، فهؤلاء يرون أن العراق مركز إشعاع يعمل بداينمو صار عمره أكثر من ثمانية آلاف عام قد يتعطل مؤقتاً لكنه سرعان ما يبعث ويعود للإبداع وصنع الحضارة وهذا الداينمو هو الذي بلور الشخصية العراقية التي رأينا تعبيراتها عبر التاريح من نبوخذ نصر إلى هارون الرشيد إلى صلاح الدين ، وكانت تجربة الحكم الوطني في العراق تحمل رسالة واضحة جداً للغرب والصهيونية والفرس تقول بصراحة : ( العراق إذا أكمل نهضته فالعرب عائدون إلى مسرح الإبداع الحضاري ) .

واستفز الغرب والصهيونية والفرس عندما نجح العراق بتجاوز الخطوط الحمر التي وضعوها لتقييده ونجح النظام الوطني في بناء عراق قوي متقدم أخذ يقترب من نادي كبار العالم وهذا محظور عليه وعلى كل العرب لذلك تحالفت هذه الأطراف الثلاثة لتدمير نهضة العرب التي ازدهرت في وتعالت من بغداد .

والغرب يدرك بعمق أن حل مشكلة العراق رهن ليس بالقوة المسلحة فهي مجرد دبابات تكسر بوابته ولكن من يدخله ويتعامل مع شعبه القوي والصلب يعجز عن إكمال المهمة وهي تدمير العراق وإزالته من الخارطة إلا إذا اكتشف لغز هوية العراق ، من هنا ، فإن خطط الغرب والصهيونية والفرس قامت على اعتبار القوة العسكرية مجرد مطرقة ضخمة تكسر أقفال العراق ، ولكن يجب ان يكون هناك من يمسك بالعراق ، ولهذا كان الهدف المركزي لأمريكا والصهيونية والفرس هو تدمير الهوية العراقية ومن شروط ذلك إنهاء الذاكرة العراقية الحية وتجفيف مصادر أيناعها ، والآثار والنصب التاريخية هي المنبه الرئيس للذاكرة العراقية والمحرض الأساس لتفتح قوة الابداع العراقية ، فمن لا ماضي مجيد له يفتقر للبوصلة في عالم ظالم ومظلم رغم أنها أهم سلاح دفاعي فيه .

ومن ينفي وجود عراق عريق وترويج أنه دولة نشأت بعد الحرب العالمية الأولى هو فصل متعمد بين دولة العراق الحديث ودول وامبراطوريات العراق القديم ، فلئن كان الكيان العراقي قد أعيد تشكيله في القرن العشرين فإن امبراطوريات العراق الشامخة في أدلتها ، خصوصاً آثارها المادية والعلمية والثقافية .. الخ ، تدحض بقوة محاولات نفي وجود عراق عمره هو عمر تفتح الوعي الإنساني ، فكانت الأُطروحة المذكورة ثمرة خطة فصل ماضي العراق عن حاضره لإنكار قدم العراق وهويته ورسوخها .

وهنا نرى الخطورة المميتة للأهداف الحقيقية لما قام المجرم أحمد الجلبي وعصابته بالتنسيق مع أمريكا وإسرائيل الشرقية في آن واحد لأن نظرية حداثة العراق تفرض أولاً تجريد صاحب الحضارة من الأدلة المادية على وجود حضارته وأنه وريثها الشرعي والفعلي ، وأبرزها الآثار والنصب التاريخية وبهذا المعنى فإن تدمير ونهب الآثار ليس عمل لصوص عاديين وإنما دول كبرى نفذته عصابة نغول .

الخيانة العظمى لأحمد الجلبي وعصابته الإجرامية نراها واضحة جداً في أنه نفذ خطة محاولة إفقاد العراق ذاكرته التاريخية وهو شرط لا يتم تقسيم العراق بدونه ، وهذه الملاحظة تفضي إلى أن ( قصة ) تحريض أحمد الجلبي على احتلال العراق يأتي في مرتبة متدنية مقارنة بدوره الخطير المرسوم له وعصابة نغوله في محو الذاكرة التاريخية العراقية .

ولنتذكر دائماً عندما نريد فهم ما يجري أن دولا كبرى وعظمى – أمريكا وبريطانيا مثلاً - ودول متوسطة وصغرى عددياً – مثل الإسرائيليتين الغربية والشرقية - ليس من مصلحتها بقاء الهوية العراقية التاريحية التي تمد العراقي بعوامل قوته وتدفق وعيه لأصوله ، فالبعث الشامل للعراقي من غفوته أو ضعفه حتمي لأن تربيته وثقافته حتى العائلية تزرع فيه الوعي التاريخي وهو مصدر فخره وقوة إرادته غير المنتاهية ، فلا تنظروا لسرقة أسد بابل على أنه عمل لصوص أو فاسدين لأنه أخطر وأبعد من كل ذلك ، فهو خطوة بالغة الخطورة في محاولات محو الهوية العراقية .

ماذا تستفيد الأطراف الثلاثة من محو ذاكرة العراق ؟ :

أولاً : الفرس يصبحون قادرين على إمرار تلفيقاتهم عن أصالة حضارتهم وأنها ليست مستنسخة من حضارة العراق وأن العراق والمشرق العربي جزء من بلاد فارس .

ثانياً : الصهيونية تكرس ما روجته عن الماضي الإقليمي بما يدعم روايتها التوراتية الملفقة إضافة للانتقام من أهل بابل الذين لعنتهم التوارة وحكمت بإبادتهم لأنهم نبع القوة المتجدد والذي تعده التهديد الأخطر على التوسع الصهيوني .

ثالثاً : الغرب الاستعماري يزيل أهم عقبة من طريقه للسيطرة التامة والنهب السهل إذا أصبح العرب بلا هوية ويتوزعون في كيانات قزمة ومقزمة ، تدور في أفلاك الغير ، وهذه هي البيئة المثالية لتوسع النهب الغربي وبناء أهم قواعد أمريكا في صراعها المرير مع الصين وروسيا .

هل نرى الآن الصورة البانورامية لعمليات نهب وتدمير آثار العراق ؟ ، وعلينا دائماً أن لا ننسى أنه مادامت هناك هوية حضارية عربية ( مصرية وشامية ومغاربية ) فإن نبع بعث القوة والأصالة العربية يبقى كريماً ومتجدداً وخالداً ، وهذه الحقيقة تفسر لم يتزامن العمل على نفي عروبة مصر والمغرب العربي مع التدمير المنظم للعراق وسوريا ، فنفي عروبة تلك الأقطار المحورية مقدمة لابد منها لتفتيها وتحويلها إلى كيانات أصغر تفقد القدرة على المقاومة والصمود .

Almukhtar44@gmail.com

4-8-2019

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page