الرفيق المجاهد صلاح المختار - محددات ما يجري
- مفكر قومي
- Sep 8, 2019
- 5 min read

محددات ما يجري
إذا أردنا ان نرى حقيقة ( المصارعة الحرة الأمريكية ) بين أمريكا واسرائيل الغربية وإسرائيل الشرقية ونميز حدودها وضوابطها فمن الضروري تدقيق الملاحظات التالية المتحكمة بفصولها :
1- كما قلنا في مقال سابق أن ما يجري بين أمريكا وإسرائيل الشرقية ليس حرباً شاملة بل هي حرب منخفضة الحدة LOW INTENSITY WAR خصوصاً بعد انخراط إسرائيل الغربية فيها ، وتشبه الحرب التي شنتها أمريكا وحلفاءها على العراق بعد وقف اطلاق النار في عام 1991 ، وهي حرب استنزاف كلاسيكية للقدرات المادية والمعنوية للطرف الثاني ، وهذا النوع من الحرب شمل يوم 25-8 بيروت بقصفها مقرات نغل الفرس بطائرات مسيرة بعد قصف مناطق تمركز لقوات الحشد الشعوبي في العراق ، وذلك تطور نوعي في مجريات حرب الاستنزاف هذه لأنه يدشن مرحلة العودة لشمول بيروت بهذا النوع من الحرب خصوصاً منطقتها الجنوبية حيث تتمركز اسرائيل الشرقية ونغلها ، وهو ما سيؤدي إلى إنهاء التوافق اللبناني الهش فيما لو رد حزب الله وجر لبنان لكارثة اكبر من كارثة عام 2006 ،حيث دمرت مناطق وقتل اكثر من 1200 لبناني .
2- منذ حرب عام 2006 تلتزم اسرائيل الشرقية بدقة وتلزم معها نغلها في لبنان بما ورد في إنذار أمريكي حازم لها بعد انتهاء الحرب مباشرة وهو أن عليها أن لا تأمر حزب الله باستفزاز إسرائيل الغربية لأن أمريكا ومعها إسرائيل الغربية ستردان في طهران قبل الرد في لبنان وبصورة شاملة ومدمرة على أساس أن حزب الله ليس أكثر من أداة إيرانية منفذة لقرارات خامنئي .
3- الحرب المنخفضة الحدة الحالية ستبقى على الأرجح كذلك لأن الأطراف الثلاثة التي تشترك فيها لا تريد نقلها إلى حرب عالية الحدة HIGH INTENSITY WAR ، فإسرائيل الشرقية ليس من مصلحتها تغيير طبيعة الحرب الدائرة الآن بجعلها حرب شاملة ، لأسباب جوهرية ، منها .. أنها لا تريد أن تكون ساحة حرب شاملة تطبيقاً للنظرية العسكرية المشتركة بينها وبين إسرائيل الغربية القائمة علي منع أي حرب داخلها وخوض الحروب كافة خارج حدودها ، لأنها لا تستطيع تحمل التكاليف البشرية والمادية للحرب داخلها وجعل الدول الأخرى تتحملها كخط دفاع أول عنها كما يقول قادتها بعنجهية وأنانية غريبة .
وكانت الحرب التي شنها خميني على العراق قدمت الدرس الأثمن لخامنئي وهو أن العراق عندما تيقن أن الحرب بدأت ضده ولغزوه لم يسمح بدورانها فوق أراضيه فنقلها إلى داخل إسرائيل الشرقية ، فانكشفت عيوبها المخفية وهدمت مواردها المادية واستنزفت معنويات الناس بشدة ، فتعلم النظام الإيراني أنه يستطيع تجنب الخسائر الكارثية المادية والبشرية عبر تبني نفس النظرية الإسرائيلية الغربية وهي الإصرار على خوض أي حرب خارج حدودها .
والان ، أي حرب شاملة تقع داخلها سوف تهدم مابقي لها من قدرات بشرية ومادية وتكشف عيوبها خصوصاً عدم توفر عوامل خوض الحرب الشاملة لديها ، لهذا فهي تشترط خوض أي حرب خارج حدودها ، لأنه طوق نجاتها بجعل شعوب دول أخرى تتحمل نتائجها الكارثية ، وهنا نري المعضلة الخانقة حالياً للنظام الإيراني .
كما أن أمريكا وإسرائيل الغربية ليس من مصلحتهما جعل الحرب شاملة لاعتبارات تشبه الاعتبارات الإيرانية ، مضافاً إليها أن إسرائيل الغربية لا تتحمل حرباً شاملة وطويلة لأنها تهدد بتدمير بنيتها التحتية وتقزيم كتلتها الاجتماعية وتبخير ثرواتها ، كما أنها تجبر المستوطنين اليهود على الهجرة إلى الخارج بكثافة عالية رغم أن الهجرة إلى الداخل هي من أهم مديمات الكيان الصهيوني ، والأهم من كل ما تقدم أن إسرائيل الغربية بقوة سايكولوجيا ( عقدة بابل ) وبتجربة إطلاق صدام 43 صاروخاً عليها واإسقاطه نظرية الأمن الإسرائيلي ، تدرك جيداً وفقاً لحساباتها الاستراتيجية وحسها التاريخي بأن اشتراكها في حرب شاملة سيضعفها جداً مما يؤدي إلى استغلال ذلك من قبل العراق وهو العدو الرئيس والأخطر تاريخياً وحالياً ، ورغم وضعه الكارثي حالياً لكن إسرائيل الغربية تعرف بحساباتها بأن العراق عنقاء لا تموت وأنه يملك مقومات أبدية للنهوض ويعود نبوخذنصر وصلاح الدين وصدام وهذا هو الهاجس الصهيوني الأهم .
4- لقد رد حسن نصر الله بمواء قط أليف مهذب أمس واليوم فقال بأنه سيرد بضرب أي طائرة إسرائيلية تحلق في سماء بيروت ولم يقل حتى فوق كل لبنان بل أنه طلب لأول مرة من الجيش اللبناني حماية الجنوب والبقاع ، وتجنب بتهذيب عال غريب تكرار عنترياته بأنه سيطلق عشرة آلاف صاروخ على إسرائيل الغربية ، في تأكيد واضح جداً على أن خامنئي أمره بالانضباط التام لتجنب تعرض طهران ذاتها للقصف الأمريكي والإسرائيلي الغربي فتهذب ( رامبو الذي لا يتفاهم ) وصار قطة سيامية .
وما سبق تأكيده لا يستبعد احتمال أن ترد إسرائيل الشرقية عبر نغلها حزب الله في لبنان ولكن بصورة محدودة لا تخرق الخط الأمريكي الأحمر حفاظاً على صورتها ، ويجب أن لا ننسى بأن من مصلحة كلا من أمريكا وإسرائيل الغربية أن لا تنهى صورة ( إيران القوية ) لأنها بتكوينها مبنية على معاداة العرب وليس إسرائيل الغربيه ولا أمريكا .
وهذا وبدقة يؤكد بأن استراتيجية كل من الإسرائيليتين تكمل إحداهما الأُخرى مادام العرب هم العدو الرئيس والمشترك لهما ، وبناء على ما تقدم فإن الحقيقة الجوهرية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار .. هي .. أن المطلوب الآن ليس تدمير إسرائيل الشرقية وإنما تغيير سلوكها إعداداً لها لتلعب دوراً إقليمياً جديداً يختلف عن دورها الحالي لكنه سيحافظ علي أهم وظائف إسرائيل الشرقية وهو ردع العرب خصوصاً العراق ومنع نهضتهم وإخضاعهم وإبقاء الأثرياء منهم يشعرون بالخوف الدائم من ( إيران القوية ) ويطلبون الدعم الأمريكي ويجبرون علي التطبيع مع إسرائيل الغربية ، ولهذا أعاد ترامب التأكيد في قمة السبعة يوم 26-8 أنه لا يريد تغيير النظام بل تغيير سلوكه .
5- في ضوء ما تقدم فإن إسرائيل الشرقية إن لجأت إلى الحرب الشاملة ستواجه برد أمريكي - إسرائيلي شامل ومدمر وهي تتجنب ذلك بكل ما تستطيع لأنه يعني النهاية الكارثية لنظام الملالي ، ولكنها بنفس الوقت إن بقيت منغمسة في حرب الاستنزاف التي تجري فإنها ستنهار من الداخل وهي تتجنب هذه النتيجة لأن ذلك يعني انتهاء نظام الملالي أيضاً .
6- تركز أمريكا وإسرائيل الغربية الآن على قطع خط الحياة الواصل بين طهران وبيروت عبر بغداد ودمشق وهو شريان حياة البذور التي زرعت للحلم الامبراطوري الإيراني فمن دون هذا الخط لا يمكن تأسيس امبراطورية فارسية عظمى ، وهنا نرى أين يقع التناقض الاستراتيجي بين نظام الملالي وأمريكا وإسرائيل الغربية ، فالأخيرتان تريدان ( إيران قوية ) لتكون أداتهما في تحييد العرب ومنع نهضتهم ووحدتهم وتقدمهم خصوصاً منع عودة العراق قوة إقليمية عظمى ، ولتواصل تهديد دول الخليج العربي لضمان استمرار النهب المالي من العرب ، وأخيراً وليس آخراً .. استمرار إسرائيل الشرقية ، سواء تحت قياده الملالي أو غيرهم ، بزرع الفتنة الطائفية وإدامتها في الوطن العربي .
لكن أمريكا وإسرائيل الغربية لا تريدان قيام امبراطورية فارسية كبري تزاحمهما وتنافسهما في الوطن العربي على موارده وموقعه وتصر على أن تكون شريكا لأمريكا وليس تابعا لها ، وهو مطلب مرفوض بشده من أمريكا ، وكان هذا المطلب أحد أهم أسباب إسقاط نظام الشاه .
ومن الضروري الانتباه إلى أن الوطن العربي خصوصاً مشرقة زادت قيمته الجيوبولتيكية في العقدين الأخيرين بصورة نوعية بعد نهوض روسيا وصعود الصين فهذه المنطقه الآن هي أهم مناطق الصراع العالمي والإقليمي فهي نقطة التقاء ثلاثة قارات آسيا وأفريقيا وجنوب أوروبا ، وهي طريق كل من الصين وروسيا وأمريكا وأوروبا لقمة العالم الجديدة ، فالصراع الأهم في هذه المرحلة والتي ستلي سيكون في هذه المنطقه التي تلتقي فيها خطوط الطاقة والتجارة العالمية ، ووجود موارد مادية هائلة سبب رئيس مضاف لاحتدام الصراع الاقليمي والعالمي ، وهنا نرى أن هدف الغرب والصهيونية ليس امبراطوريه فارسية بل إنها ( إيران القوية ) فقط .
7- أمريكا وإسرائيل الغربية تريدان الآن إجبار طهران على واحد من خيارين لا ثالث لهما :
فإما خوض حرب داخل حدودها وهي لا تستطيع ذلك على الاطلاق ، أو التخلي عن نغولها العرب والذين يتعرضون للتحييد المتوسع في العراق والآن في لبنان ، وهذا التخلي يفضي حتما لقص بعض أجنحتها الخارجية بشكل ملموس ، وهو ما سيؤدي لانهيار مشروعها الامبراطوري الفارسي ، وتقليص مساحات طموحاتها الاقليمية .
إذاً : أمريكا وإسرائيل الغربية تنفذان خطة تقليم أظافر إسرائيل الشرقية ووضع كفوف في المخالب وحول فمها كي لا تعض أو تخدش أمريكا وإسرائيل الغربية لكنها تبقى مالكة للقدرة على عض العرب وخدشهم لهذا لا تقطع يد إسرائيل الشرقية ولا تقلع أنيابها بتقليص مكاسب حصلت عليها في الأقطار العربية وجعلها تبكي دماً وهي ترى مئات المليارات التي صرفتها على نغولها العرب تحرق فإنها ستجبر على الاستسلام لأمريكا وعودتها لبيت الطاعة ، لكي تبقي طهران وبقية مدنها بعيداً عن ساحة الحرب ليس حباً بالشعوب الإيرانية بل كي لا يسقط النظام .
ألم نقل لكم أنه بدواء صدام يمكن اجتثاث خطر الفرس ؟
Almukhtar44@gmail.com
26-8-2019
Comments