الرفيق المجاهد صلاح المختار - من وراء خطة شيطنة صلاح الدين الأيوبي ؟
- مفكر قومي
- Sep 10, 2019
- 7 min read

من وراء خطة شيطنة صلاح الدين الأيوبي ؟
تاريخنا العربي حافظ هويتنا ، وهويتنا ميزة وجودنا في عالم لا يبقى فيه إلا من له هوية توفر له شروط الثبات وحماية ثقافته وحقه في الوجود الحر ، ولهذا كانت أول خطوات الغزاة لكل أمة هي البدء بتفتيت الهوية الوطنية وتقطيع الانتساب القومي بعد تحقيق الغزو العسكري أو قبله ، فالأمة التي تفقد هويتها تصبح فسيفساء متناثرة تتلاعب بها الريح بكافة ألوانها .
لقد تبلورت قاعدة بداهة واضحة كان احتلال العراق قد شهدها وهي مطبقة بحذافيرها وهي : أنك إذا أردت إلحاق الهزيمة بأي شعب يقاومك فتت هويته الوطنية أولاً لدرجة محوها ثانياً ، وليكن نبش تاريخها وحرق رموزها الوطنية والدينية والقومية أول ما تحرق فشعب بلا ذاكرة تاريخية لا يعرف مفاخره ولا رموزه فتسهل عملية احتواء الملايين منه ! ، وعندما ندافع عن رموزنا التاريخية فلانها أولاً وقبل كل شيء رموزنا القومية ، وبما أن هويتنا القومية العربية روحها الإسلام فإن الترابط في دفاعنا بين حماية الهوية القومية العربية وبين حماية رموزها المتنوعة دينياً وثقافياً هو واجبنا القومي حصراً وبعيداً عن أي مفاهيم دينية أُخرى ، فما الذي يجري في هذا المجال ؟ .
منذ استكلبت إسرائيل الشرقية ونغولها العرب بعد غزو العراق أخذنا نسمع أصواتاً نشازاً ترتفع هنا وهناك تحاول شيطنة ابن العراق البار والقائد التاريخي العظيم والذي اعترف الغرب بعبقريته وعمق إنسانيته وهو صلاح الدين الأيوبي بنشر قصص أغلبها ملفقة أو محرفة عنه وكان ذلك مؤشراً لا يخطأ لبدء استيقاظ المناجذ النائمة ( جمع خلد ) ودفعها لممارسة دورها المخابراتي المرسوم مسبقاً ، وكان من بين أول من قرات له الممثل السوري عباس النوري وهو من نغول بشار أسد الذي قال ( أن صلاح الدين كذبة كبيرة ) ، وسبقه الكاتب لمصري يوسف زيدان حين وصف صلاح الدين بأنه ( أحقر شخصية في التاريخ ) فعلق وزير الحرب الاسرائيلي وقتها ليبرمان على مواقفه قائلاً ( أنا سعيد بما يقول يوسف زيدان ) ، وهو تحديد صهيوني رسمي لهوية يوسف زيدان ، ثم قرأت لشخص اسمه الطاهرالهاشمي " .. ما الذي أعطى صلاح الدين هذه القدسية والخصوصية التي لم ينلها حتى بعض الصحابة .. حتى تخال نفسك أمام أنور سادات آخر ؟ ، الجواب يجده المرء بسهولة في صورة أخرى عشناها منذ سنوات قريبة فصدام تحول إلى سيد شهداء العصر لأنه ببساطة كما قال السيوطي عن صلاح الدين : نصر السنة وأهان المبتدعة وأنتقم من الروافض " .
والطاهر هذا كشف الدوافع بلا تردد عندما ربط بين صلاح الدين وصدام فتسلط الضوء الكافي على دوافعه وهي أن من بين أعظم الانجازات التاريخية لصلاح وصدام أنهما ألحقا الهزيمة بمخططات نغول الفرس خصوصاً بذلك الجزء من الفاطميين الذي تعاون مع الفرنجة ضد الدولة العربية الإسلامية فهزمه وأنهى شروره كما أنهى صدام شرور خميني بإجباره على تجرع سم الهزيمة ، وتهمة الطائفية لصلاح وصدام ما هي إلا فرية تدحضها الوقائع الموثقة فصلاح وصدام دعما كافة الأديان والطوائف وفي عهدهما مارس كل مؤمن ما يؤمن به بشرط عدم تسخيره لخدمة أهداف سياسية تهدم الوحدة الشعبية .
إن تلك المحاولات تفرض فرضاً التذكير بأعمال صلاح الدين وعظمته وإنسانيته في نقاط تجدون تفاصيلها في أداة البحث غوغل بوضع اسمه فيه ، وفيما يلي بعضاً من الحقائق الثابتة عنه : كان صلاح الدين قائد عسكري في تحت قيادة عمه " شيركوه " ، دخل مصر الفاطمية مع عمه تلبية لاستنجاد حاكمها العاضد لدين الله لنصرته على الوزير المنافس ضرغام الذي استنجد بدوره بالصليبيين ، وكانت الأوضاع بائسة يسودها التأمر والانقسامات والطائفية وهي عوامل تمنع إيقاف الزحف الصليبي الأوربي ، انتصر شيركوه وصلاح الدين على ضرغام ومن معه ، فاختاره العاضد آخر الخلفاء الفاطميين للوزارة وقيادة الجيش ، ولقبه بالملك الناصر ، لأنه نجح في صد الصليبيين ، والسؤال المنطقي هو : لو كان صلاح الدين يكره الشيعة كما يدعي الجواسيس ، فهل كان قائد الدولة الفاطمية ( الشيعي ) يعينه قائداً للجيش وهو أخطر المناصب ويمنحه لقب الملك الناصر وهو أعلى الألقاب ؟ .
( تسلَّم صلاح الدين الحكم بعد وفاة الخليفة الفاطمي وأعلن ولاءه للخليفة العباسي وانتهى حكم الفاطميين سنة [1171م/ 567هـ] ، وقضى صلاح الدين على الانقسامات الطائفية في مصر أولاً وكانت تلك أهم أهدافه التي كانت تعيق أي محاولة لمواجهة تغلغل الصليبيين ، فأضحت دولته أعظم الدول الإسلامية في الشرق ، واستطاع بعد ستة عشر عامًا من العمل المتواصل استكمال مسيرة الجهاد الإسلامي والانتصار على الصليبيين في معركة حطين [1187م/ 583هـ] واسترداد بيت المقدس ، وأظهر العفو والتسامح مع أهلها فقد ترك صلاح الدين الصليبيون يغادرون المدينة بعد دفع فدية معتدلة بل إنه افتدى من ماله الخاص عناصر من أعدائه ممَنْ لم يتمكنوا من دفع الفدية ) ، و( يذكر أن صلاح الدين لم يحاول هدم الكنائس بل تركها ، كما سمح أيضًا لليهود بالعودة إلى المدينة المقدسة بعد أن طردهم الصليبيون منها ) ، وهذا يؤكد أن صلاح الدين لم يكن معادياً للفاطميين لأسباب طائفية بل لأسباب سياسية صرفة .
كانت الخلافة العباسية في أضعف حال كما هو حالنا اليوم ، وفي الشام ممالك وإمارات صغيرة يقودها ملوك وأمراء فاسدون ، ( ففي حلب مملكة وكذلك في حماة وحمص ودمشق وبعلبك وشيزر ونوى وماردين والموصل وغيرها ، وكذلك اليمن والحجاز ، إمارات وممالك مستقلة ومتناحرة فيما بينها ولا تتورع من طلب النجدة من الصليبيين في حروبها البينية ) ، و( الصليبيون استولوا على الساحل الشامي من انطاكيا إلى عكا بالإضافة إلى فلسطين وبيت المقدس وأقاموا هناك امارات قوية مدعومة من ملوك أوروبا وجيوشها ) .
بسط صلاح الدين سيطرته على تلك الممالك المتناحرة ووحدها مع مصر تحت ظل سلطانه ثم انتقل إلى اليمن والحجاز ليضمهما إلى دولته الوليدة ، وهكذا أقام صلاح الدين دولة عربية واحدة وهو ما أرعب الروم والفرس في آن واحد تمام مثلما أرعبهم عبد الناصر بتحقيقه وحدة مصر وسوريا وأرعبهم صدام بنهوض العراق وتطلعه القومي الوحدوي ، وأسس صلاح الدين معامل تصنيع السلاح اللازم لخوض المعركة فصنع الأسلحة الخفيفة والثقيلة ، مثلما فعل عبد الناصر وصدام بعده وكانا سائرين على خطاه ، ( وما هي إلا سنوات عشر حتى كان على أتمّ الاستعداد للمواجهة مع الصليبيين ومن خلفهم أوروبا بكاملها ، خاض أكثر من 70 معركة في 19 عاماً من حياته كأمير للدولة الأيوبية ، وهو إنجاز عظيم لا يستطيعه الا قائد عظيم ) .
صلاح الدين يكفيه فخراً ويكفينا اعتزازاً به أنه طهر الأرض العربية من النفوذ الفارسي والصليبي في آن واحد ثم حقق حلم العرب الأقدس : الوحدة العربية فوحد أقطاراً وممالك كانت متناحرة ويستحيل توحيدها ، وهو حال جعل الصليبيين والفرس يجتازون الحدود ويهيمنون على القرار السياسي ، كما هو حالنا اليوم ، انتصارات صلاح الدين كانت مبعث أحقاد مضافة عليه من قبل من الحق الهزيمة بمخططاتهم ، فتهدمت القلاع الطائفية الفاطمية والصليبية بتمسكه باسلام بلا طوائف ، وبتعبيره عن طموحات ملايين العرب لقى دعماً شعبياً كاسحاً في مصر والوطن العربي كله ، كما حصل لناصر وصدام .
وعن إنسانية صلاح الدين وسلميته وخلقه الرفيع دون التاريخ في وثيقة نصائح قدمها لأحد أبنائه يقول له : " إياك وسفك الدماء فإن الدم لا ينام " ، وهذا دليل واضح على أننا أمام شخص رحيم ومتحضر في عصر يوصف بالدموية وكان الفاطميون الأشد قسوة في التعامل مع خصومهم وفيما بينهم تماماً كما نرى إسرائيل الشرقية تتعامل مع العرب في وطنهم ، وخير الشهادات ما قاله الأعداء : يقول عنه المستشرق البريطاني ستانلي لين بول : " لقد أجمع الناس على أن صلاح الدين كان نادر المثال في أخلاقه ، فهو – بلا شك – طاهر النفس ، شجاع ، رقيق الطبع ، لين الجانب ، رحيم الفؤاد ، زاهد في الدنيا ، مجاهد ، ليس فيه كبر ، بل فيه بساطة وورع " ، وهذا ما جعل تشرشل يقول عنه إنه " من أعظم ملوك الدنيا " ، ودفع الكاتب الإنجليزي ريد رهجارد القول بأنه " أعظم رجل على وجه الأرض " ، قال عنه أشد خصومه ريتشارد قلب الأسد : " أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالم الإسلامي " ، ولكن من جانب آخر ظهرت أحقاد آخرين في أوربا عليه ومنهم الجنرال الفرنسي غورو حين دخل محتلاً دمشق ووقف على قبر صلاح الدين وركله بقدمه قائلا " ها قد عدنا يا صلاح الدين " ، وهو ما فعله نغول الفرس بقيادة قاسم سليماني عندما احتلوا دمشق وهدموا قبر القائد التاريخيالقومي خالد بن الوليد .
في ضوء ما تقدم نطرح السؤال التالي : هل يمكن لأي شريف ووطني عربي شيطنة صلاح الدين بتلفيق الأكاذيب حوله أو ترويجها أم أن ذلك واجب الجواسيس والمضللين حصراً ؟ ، دعونا نناقش الأمر :
1- إن من يواجه تحديات حالية وصلت إلى حد الغزو وتهجير الملايين وقتل الملايين ونشر الكوارث المتنوعة لا يبقى له وقت ولا طاقة كي يتورط بنبش القبور لضمان عدم الفناء وينصرف لمقاومة الغزو فقط ، دلوني على شعب تعرض لتحديات وجودية لكنه بدلاً من مواجهتها يذهب إلى المقابر وينبش القبور ويتلذذ بسحل الجثث أو ببقاياها كما نرى ذلك الآن في العراق وسوريا واليمن ! .
2- من هو الجاسوس ؟ ، هل هو من يقف معك اليوم ويكتسب منك ومن غيرك شهادة بأنه وطني كي يستخدمها غداً لجر الناس جراً رغماً عنهم لنبش القبور وهو ما يؤجج روح الانتقام لأن للقبور حرمات ؟ ، هكذا تبدأ لعبة الجواسيس الذين نوّموا طويلاً فاوّقظوا الآن لأجل نبش القبور لتجريد العرب من رموز هويتهم .
3- والحقيقة البارزة هنا هي أن صلاح الدين لم يقضي على الدولة الفاطمية لأنها كانت تنتمي لطائفة معينة كما تروج قصص إسرائيل الشرقية ونغولها العرب الآن ومنهم من كتب المقالات أو روجها ، فهو كان الرجل الثاني في الدولة الفاطمية وموضع ثقة خليفتها ولا تنسوا ذلك أبداً لأهميته ، بل لأنها كانت تمنعه من تحرير الشام كلها من غزو الصليبيين ودحرهم ، فهل ترون التطابق بين ما واجهه صلاح الدين وما نواجهه منذ نصبت الصهيونية الغربية خميني حاكما على إسرائيل الشرقية ليقوم بدور مشابه لدور الفاطميين وهو إشغال العرب عن فلسطين من خلال إجبارهم على الانكفاء على أقطارهم دفاعاً عنها لأنها تتعرض لتهديدات الغزو الإيراني تحت شعار ( نشر الثورة الإسلامية ) ، هل يتكرر التاريخ أم أنه يتشابه ؟ .
4- لمعرفة دوافع صلاح الدين للقضاء على الفاطميين تخيلوا الآن لو أن إسرائيل الشرقية بقيت تحت قيادة الشاه التي تفاهمت مع العراق على حل المشاكل سلمياً ، هل كانت المنطقة ستواجه التحديات الإيرانية الوجودية والمميتة التي فاقت التحديات الصهيونية والاستعمارية بخطورتها ؟ ، يقيناً أن المنطقة كانت ستشهد إكمال العراق لنهضته حسب التخطيط الأصلي خصوصاً علمياً وتكنولوجياً واجتماعياً ويترتب على ذلك أن يد العراق ستمتد لكافة العرب لترتفع بتضامنهم لتحقيق التحرر من التخلف والانقسامات ، وهو وضع يجعلنا قادرين على إنهاء كافة التحديات الوجودية الأُخرى بما فيها التحدي الصهيوني ، وهذه الحقيقة عرفها الغرب وعرفتها الصهيونية بدقة وكان خيار بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد كارتر تنصيب رجال الدين حكاماً في إسرائيل الشرقية ودعم الإسلامويين السنة لضرب نهضة العرب القومية ولمنع صلاح الدين ( المعاصر ) من إكمال مهمته التاريخية كما حصل مع صدام وقبله ناصر .
شيطنة صلاح الدين ، إذا ، هدفها محو الذاكرة الوطنية والتاريخية وتجريدها من خزينها العظيم المطلوب للنضال ضد الغزاة بكافة أشكالهم ، وكما أن صلاح الدين لم ينجح في دحر الصليبيين إلا بالقضاء على التشرذم الفاطمي أولاً فإننا الآن لن ننجح في دحر الغزوات الأمريكية والصهيونية إلا بدحر أداتهم الأخطر وهي إسرائيل الشرقية ، وإذا أردتم تفسيراً لكره الفرس ونغولهم العرب لأي شخصية أو جماعة ابحثوا عما أنجزته في التاريخ لصالح العرب والإنسانية ، تذكروا أن الغرب الأوربي لم يتقدم إلا بالعقلانية التي جعلته يحترم مبدعيه ففي ألمانيا والنمسا تجد ساحات باسم كارل ماركس وفردريك أنجلز وهما من أبرز خصوم الرأسمالية وهي نظام أمم أوربا .
هل تأكدتم أن من يهاجم صلاح الدين واحد من اثنين : إما جاسوس أو متخلف ؟ .
Almukhtar44@gmail.com
1-9-2019
Comments