top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - ثلاث نعمات ، العروبة أولاً


ثلاث نعمات : العروبة أولاً



النصر الأعظم الذي حققته الانتفاضة الوطنية في العراق ولبنان ، وبغض النظر عن المآل الأخير لها ، هو انتصار العروبة وهزيمة الطائفية المتبرقعة بالتشيع أو التسنن أو غيرهما ، وكل أشكال علاقات ما قبل الوطنية والقومية ، فرغم كل ما بذلته خلال عقود الاسرائيليتين الشرقية والغربية ومعهما أمريكا والاستعمار الأوربي ، خصوصاً البريطاني والفرنسي ، من أكاذيب روجت بأكثر الأساليب تأثيراً وفي أجواء كوارث زلزلت ثوابت الكثير من البشر ، لإبعاد الشيعة والسنة العرب ، وطوائف عربية أصيلة أُخرى عن هويتها الأصلية ، سواء كانت السلفية السنية أو التشيع الصفوي كهوية أممية بديلة عن الهوية القومية العربية ، فوقع البعض في الفخ بتورطه في ممارسات تحطيم القاعدة الماسية لهوية الأمة وهي قيمها العليا .

على ماذا اعتمد التوسع الطائفي ؟ ، كان أول الوسائل هو الإفقار المادي الذي يضمن ظهور الأمية وهي ولاّدة والتجهيل ونشر الأساطير الملفقة التي تبدو للأمي ولنصف الأمي أنها ممكنة أو حقيقية ، فساد التجهيل المنظم وربط من جهّل بصنم غوغائي دوغمائي نصف أمي ، وأكمل نشر ( زواج ) المتعة وزواج المسيار والشذوذ الجنسي والمخدرات خطة إفقاد الإنسان بوصلته القيمية ، فأضعفت العائلة وسيدت الأنانية الفردية بدل التضامن الجماعي الذي ورثه الناس عن القبيلة والعروبة ، ولكن بعد عقود التضليل الطائفي انتفض الشيعة والسنة والمسيحيين بطوائفهم المختلفة ضد تغليب الفرع ، وهو الطائفة والدين ، على الاصل وهو العروبة ، وأكدوا أنهم عرب قبل كل شيء ، الهتافات بحياة الرابطة الوطنية العراقية واللبنانية والرفض المطلق والحاسم للطائفية كانت تعبير أُنموذجي عن العودة للأصول ونفض للغبار المتراكم على بيئة بعض الناس وإزاحة الأصنام التي تتوارث الحكم والمال والمرجعية بلا استحقاق .

والسؤال الذي يفسر جوابه ما جرى هو : لِمَ هذا التجذر العميق للهوية القومية العربية ؟ ، الانتفاضة المباركة هي قبل كل شيء انتفاضة الهوية القومية العربية ، فالعراقي واللبناني حسما أمرهما وأعلنا تمسكهما بما ورثوه عن أسلافهم الذين عاشوا قبل قرون وألفيات ، معبراً عنه بهويتهم العربية وبيئتها الحضارية واللغوية التي ظهرت قبل زمن موغل في القدم وكانت نتاج حضارات عربية عرفنا منها العراقية والمصرية والشامية والفينيقية والمغاربية ، ولكن الأدلة الحديثة خصوصاً - الاثار الجديدة - ، ونشر الخريطة الجينية كشف لنا أن حضاراتنا العربية أقدم مما كتبه المؤرخون الغربيون ، وكل ذلك يؤكد بأن العروبة أسبق بكثير من تاريخنا المدون وهي تعود لفترة العصر الجليدي الأخير وليس بعده فقط كما درّسنا خطأ .

إن الدليل اللغوي وحده كاف لإثبات ما تقدم ، فاللغة العربية وكما أشرنا مراراً في كتابات سابقة لا يمكن أن تكون لغة صحراء كما تعرّف لجعل تاريخنا أقل عمراً بكثير مما هو في الواقع ، استناداً إلى حقيقة عملية وهي أن كل مفردة مادية تسمي الأشياء لها مقابل في الواقع ولا توجد تسمية لغوية لكيان مادي قبل وجوده ، كالشجر والفيل والأسد والنخيل ... الخ ، فوجود الشيء أولاً ثم اختراع تسمية له .

وبحسب المصادر والمراجع ومعاجم اللغات ثمة إجماع على أن اللغة العربية هي أوسع لغة في العالم ، فعدد الكلمات في اللغة العربية يبلغ 12,302,912 مليون كلمة دون تكرار وتبلغ 25 ضعفًا عدد كلمات اللغة الإنجليزية التي تتكون من 600 ألف كلمة والانكليزية أكبر اللغات في مفرداتها في العالم بعد العربية ( شبكة . pulse.mubasher.).

اللغة االعربية سمّت مختلف الأشياء المادية الموجودة في بيئات صحراوية ومطيرة وباردة وحارة .. الخ ، مما يؤكد بأنها نتاج مجتمع أخضر متنوع ومزدهر ، إذ كيف تسمي أشياء لا تعيش في الصحراء فقط ، بل في البيئات المطيرة إذا كانت صحراوية فعلاً ؟ ، وإذا درسنا تنامي مفرادتها ، واللغة تنمو ببطئ ، فإن هذه الثروة اللغوية المتفوقة عمرها ودون أدنى شك أكثر من خمسة آلاف عام بكثير .

لسبب مازال مجهولاً ، ربما تغير المناخ الحاد والمفاجئ بانقلاب قطبي ، زالت الحضارة العربية الأم التي تفرعت منها كافة الحضارات العربية المعروفة وسادت عصور تخلف وتناثر سكانية ، فصارت العربية لغة عشائر وقبائل بدائية غالباً ولكنها بدائية منحدرة من بيئة كانت متحضرة وورثت الكثير من تربيتها وهي سمة لها تأثير نفسي وإدراكي كبيرين على العربي المعاصر فهو وريث حضارات متعاقبة طويلة ولكنه أجبر على الارتداد للبدائية فحمل في داخله تأثيرات ما سبق من تربية وتقاليد وثقافات ، وبسبب ذلك نلاحظ أن البدائي العربي يتميز عن البدائي في قارات أُخرى بأنه يملك وعياً وحكماً وتقاليداً متقدمة بقيمها وضوابطها .

الحقيقة التي أراد الغرب والصهيونية والعنصرية الفارسية تغييبها هي أن العروبة كانت ، ومازالت بعنف بنيوي جامح كما نراه الآن في العراق ولبنان ، هوية مشتركة لسكان منطقة واسعة قبل اليهودية والمسيحية والإسلام بآلاف السنين ، وبالتبعية قبل الطوائف وهي طارئ من صنع بشر بعمر قرون ، فالقبيلة العربية أسبق من الدين وبظهوره صرنا يهوداً ومسيحيين ومسلمين وغير ذلك ، ثم ظهرت الطوائف كفرع منسوب للأديان فانقسمنا إلى سني وشيعي وأرثودوكسي وكاثوليكي وبقيت الجذور القومية قوية .

إذاً : الدين والطائفية جاءتا بعد العروبة ، وهي بنية العربي الأساسية ، لذلك فالانتفاضة العراقية واللبنانية كانت الحدث الأعظم الذي ثبّت كل شيء على أصوله وأثبت أن الطائفية عبارة عن غطاء طارئ سرعان ما تساقط ، وبقي الاجتهاد المذهبي ممكناً ولكنه مشروط بخضوعه كفرع خاضع للأصل ، وهو العروبة وليس العكس ، فلو نظرنا إلى قبائل العراق مثلا سنرى أن ارتباط التميمي والربيعي والجبوري القبلي أقوى من الانتماء الطائفي الذي قسم القبيلة لكنه لم يمحو لحمة القبائل ، ومن أبرز مظاهر اللحمة القومية هو أنك عندما تلتقي بشخص لا تعرفه تسأله : من أي اعمام أنت ؟ ، والسؤال هنا ينطوي على صلة عمومة .

نحن التقدميون العرب نشعر الآن بفخر ما بعده فخر لأننا خضنا ببسالة معركة تثبيت الأصول وإخضاع الفروع لها ولم نساوم أو نتراجع ولم تزحزحنا ولو لحظة واحدة تسانوميات الشعوبيات المعادية الاقليمية والدولية والطائفية بمختلف أشكالها رغم أنها كانت جارفة وعاتية وغير مسبوقة بقوتها وأساليب تاثيرها خصوصاً بعد غزو العراق ، فكنا نؤكد وبلا كلل بأن شيعة العراق عرب أصلاء مثل السنة ومثل المسيحيين الأرثودوكس والكاثوليك والصابئة وغيرهم ، ولائهم لأمتهم العربية وليس لأي شعوبية ، وأن الغبار الطائفي لا يمكنه طمر الأصل حتى وإن تعتمت الأجواء ، فهبة نسمة عروبة واحدة كالانتفاضة الحالية تزيل الغبار عن إشعاع العروبة وتهزم الشعوبيات التي حاولت تشويه تاريخنا وواقعنا .

النصر يبدأ بإعادة بناء المعنويات وهي نبتة تنمو فقط في هوية واضحة ثابتة الجذور ، والآن وبعد أن انتفض أبناء جنوب العراق وحطموا الغطاء الطائفي تهدمت أسوار الطائفية عند عتاة السنة بعد مشاهدة الدم الشيعي الطاهر يسفح ببطولة أسطورية من أجل العراق وهويته الوطنية ، تماماً كما سفح الدم السني والشيعي والمسيحي والصابئي الطاهر بغزارة أثناء مقاومة الغزو الأمريكي ، والتقى كل هؤلاء عند القاسم المشترك الأعظم وهو نهوض العروبة وطغيانها على هوياتنا الفرعية .

النصر العظيم للأمه العربية ابتدأ الآن وهو مقدمة لتحقيق باقي الانتصارات ، فالهوية القومية هي نبع الوعي وحاميته ، وهي مصدر المعنويات والاستعداد للموت من أجل الأمة ، والوعي القومي عاد في الوطن العربي كله قوياً داعماً بقوة لانتفاضة أحرار العراق ولبنان لأن العروبة هي الأصل وهي معيار الفصل .

Almukhtar44@gmail.com

4-12-2019

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page