top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - سمة الانتفاضة في العراق ولبنان


سمة الانتفاضة في العراق ولبنان



ثمة من حدد طبيعة الانتفاضة الوطنية في العراق ولبنان على أنه ( اكتشاف ظاهرة جديدة ) فيهما وهي أن الجماهير تجاوزت الطائفية في القطرين ونهضت بوعي يتجاوز الطوائف والاحزاب التقدمية ، وينسب ذلك لوعي ثقافي ولمفهوم المواطنة وليس للهوية الوطنية أولاً وقبل كل شيء ولا للدور التاريخي للقوى التقدمية العربية ثانياً ، فهل هذا توصيف صحيح ؟ ، هل الانتفاضة وعي ثقافي مجرد ونتاج مفهوم المواطنة كما قال البعض ؟ ، أم أنها ثمرة طبيعية للهوية الوطنية وتفرعاتها المتعددة ؟ ، وهل الوعي الحالي ظهر بلا بذور زرعت طوال عقود فتفتحت وتبرعمت الآن ؟ ، عدم تحديد طبيعة الاحداث قد يؤدي إلى نوع من التضليل العفوي أو المتعمد ، أو الإرباك على الأقل في أوساط الجماهير وحتى في الطليعة الواعية التي تهتم كثيراً بفهم طبيعة ما يحدث ، لذلك سوف نتناول طبيعة الانتفاضة في لبنان والعراق وإطارهما الواقعي .

1- نعم ، أن الانتفاضة قامت أساساً على وعي ناضج بأن الطائفية الدينية والسياسية معاً كانتا وراء الأزمات المتكررة في لبنان منذ عقود طويلة بينما كانت وراء أزمات العراق منذ عام 2003 حصراً ، ولكن السؤال الطبيعي هنا هو : هل هذا الوعي جديد وظهر مع هذه الانتفاضة كما فسره البعض ؟ ، الجواب .. كلا ففي لبنان تركزت برامج واستراتيجيات الأحزاب والقوى التقدمية طوال عقود على رفض نظام المحاصصات الطائفية - الاقطاعية ، وفي العراق تجذر الهوية الوطنية هو الذي حدد طبيعة القوى السياسية التي ظهرت في القرن العشرين من بعثيين وشيوعيين وناصريين وليبراليين ... الخ ، ولهذا لم تكن الطائفية مطروحة أصلاً قبل عام غزوه إلا بصفتها ظاهرة رجعية مدانة ومعزولة جماهيرياً وليس سياسياً فقط ، ولكن بقوة الغزو نبشت قبور الماضي وأحيا الموتى وحول الظواهر الثانوية إلى قوة سياسية مؤثرة لفترة ، ومنها الطائفية السياسية وليس الاجتماعية ، وفي كلا الحالتين العراقية واللبنانية فإن وعي الطابع التدميري للطائفية كان قوياً جماهيرياً وسياسياً ، لذا .. فالأمر ليس ظاهرة حديثة ولا اكتشاف آني بل هو وعي سابق للانتفاضة به شخصت مقاتل الطائفية بشقيها السياسي والديني إلى أن وصل خميني للحكم وأسس أدواته الطائفية السياسية في لبنان والعراق فبدأت لعبة تغليب الطائفية على الهوية الوطنية تتنامى ، وهي لعبة مخابراتية بالكامل .

2- هنا نرى بوضوح الخروج على السياق الواقعي في تفسير تلك الظاهرة وهو تجريد القوى الوطنية التقدمية من دورها التنويري وتراثها التقدمي القائم على الهوية الوطنية والمبادئ التقدمية ، فالقول بأن وعي الطائفية في الانتفاضة هو نتاج وعي شبابي غير أيديولوجي وحديث فيه خلل واضح لأن نفس الشباب المنتفض في العراق تعرض منذ الغزو لعمليات متواصلة وضخمة نفذها الاحتلال الأمريكي ثم المخابرات الإيرانية لأجل جعل الطائفية هويته البديلة عن الهوية الوطنية وفي لبنان تعرض الشباب منذ عقود طويلة لنفس المخطط الغربي الإيراني الصهيونية لفرض خطوط فصل طائفية بين شباب لبنان وعموم شعبه .

وبناء على ما تقدم ، رأينا الكثير من الشباب يقع فريسة الطائفية السياسية والطائفية الدينية أو إحداهما ، وهو فخ مصطنع مناقض للبيئة التي خلقتها نضالات القوى التقدمية العربية التي أبرزت ، بتمسك مبدأي في نضالاتها بالاسبقية المطلقة للهوية الوطنية وفرعها الشرعي مفهوم المواطنة وتثقفت ، وثقفت أجيالاً على نبذها وإدانتها ، فلولا تلك البيئة التقدمية لما بقي للشباب من منبع وعي تفجر مجددا ليغمر رؤيتهم الحالية ويزيح التضليل الطائفي خصوصاً وأن الوعي الجذري لا ينبع من فراغ بل هو نتاج تراكم معرفي .

3- إن وضع تضارب بين المواطنة والهوية الوطنية عبر الترويج لفكرة أن منبع انتفاضة لبنان والعراق هو مفهوم المواطنة المتساوية هو خطأ لانه يخفي حقيقة أن المواطنة بذاتها نتاج الهوية الوطنية فلا مواطنة إلا بهوية وطنية ، فالدول النامية لا تمنح مواطنتها للأجانب بسهولة ويحتاج الأمر لعقود طويلة للاندماج بالهوية الوطنية كي تصبح المواطنة الحقيقية ممكنة لأن الخوف من الأجانب وهم غالباً المستعمرين كان حاضراً ويعزز قاعدة التمييز بين الأصلي والمكتسب للهوية ، بعكس حالة أوربا الغربية حيث أن الدولة تأسست وترسخت على قاعدة الهوية الوطنية – الفرنسية والألمانية وغيرهما - ومنها تفرعت المواطنة التي باستقرارها وثباتها مهدت لتراجع الهوية الوطنية في معايير التقييم لصالح المواطنة ، أما في أمريكا الشمالية – وكذلك استراليا وأمثالها - فإن جعل المواطنة هي القاعدة الدستورية يعود لغياب الهوية الوطنية المتبلورة فالكل مهاجرون أصلاً ولكل منهم هويتهم الوطنية السابقة للهجرة ، وهي هويات مازالت قوية ومؤثرة ، لذلك ولفك الاشتباك بين الهويات كان الحل هو إحلال المواطنة محل الهوية الوطنية ، فأصبح الأفريقي والعربي مثلاً مواطناً ألمانياً وفرنسياً دون امتلاك هوية قومية فرنسية أو ألمانية مباشرة ، وهذا الأمر يختلف تماماً في الأمم العريقة والتي مازالت في طور النهوض بعد سبات فهي تعتمد الهوية الوطنية معياراً أساسياً ومنها تشتق صفة المواطنة ، لأن نضالها مازال من أجل التحرر من الهيمنة الغربية بكافة أشكالها المنظورة والمخفية .

وبهذا التوضيح نرى أن الانتفاضة في العراق ولبنان وإن كان أحد أهم مطاليبها هو احترام المواطنة المتساوية لكنها تبقى خاضعة لإطار أوسع وأعمق وأكثر تأثيراً وهو الهوية الوطنية العراقية والهوية الوطنية اللبنانية ، فما أن تعرّف الإنسان بأنه لبناني أو عراقي أو مصري ... الخ ، حتى تعترف مسبقاً أنه صاحب هوية وأن هويته الوطنية هي ما يميزه عن غيره من الأجانب وليس مواطنته .

وتأكيداً على ماسبق كان هتاف ( إيران برة برة بغداد تبقى حرة ) ، وهتاف ( بالروح بالدم نفديك يا عراق ) هما السائدان في انتفاضة أحرار العراق ، وفي لبنان كان العلم اللبناني هو الهوية الوطنية المشتركة لكل اللبنانيين والتي أسقطت الأعلام الطائفية السابقة للانتفاضة وأكدت أن اللبناني ابن هوية وطنية قبل كل شيء وأن الطائفية مجرد غطاء أيديولوجي طارئ .

4- ما الذي يترتب على ما سبق ؟ ، إنه الانكشاف الكامل ، ثم السقوط الأكمل ، للعبة تغليب هوية الخداع الزائفة ، وهي ( هوية المقاومة ) بالنسبة لحزب الله في لبنان ، على هويته الحقيقية وهي أنه حزب طائفي محض ولاءه المطلق لدولة أجنبية هي إسرائيل الشرقية ينص دستورها ، بخلاف كافة دساتير العالم ، على أن المذهب الاثنى عشري هو مذهب الدولة وبذلك فإنه نظام سبق بطائفيته حتى إسرائيل الغربية التي تريد الآن فرض يهوديتها ! ، وراينا هذا الانكشاف ومن ثم السقوط المدوي عندما لجأ حزب الله لدفع عناصره للهتاف بوجه المنتفضين من أجل استقلال لبنان وهويته الوطنية بهتاف ( شيعية ... شيعية ) ثم دفاع حسن نصر الله المستميت عن النظام الطائفي اللبناني بعد أن قلب سلاحه حالة التوازن فيه لصالح سيطرة الطائفية السياسية التي يمثلها على باقي الطوائف ! ، وهو وضع زرع عشرات الألغام في الكيان الوطني اللبناني .

الآن حزب الله جُرِّد من قناع المقاومة بالكامل لأنه أكد بنفسه رسمياً أنه حزب طائفي أولاً وأنه تابع لإسرائيل الشرقية وينفذ أوامر قائدها على خامنئي ! ، وهو ينقض بقوة أهم مواد دستور لبنان وهو الولاء للبنان ورفض ازدواجية الولاء علماً أن حزب الله لا يؤمن بازدواجية الولاء وإنما بوحدانيته التامة .

أما في العراق فإن الانتفاضة أزالت القشرة الرقيقة التي فرضها الاحتلال الأمريكي – الإيراني للعراق وهي الطائفية السياسية وأعادت للهوية الوطنية ألقها الذي قمع ومنع بشدة ، فعشنا ونعيش أعياد انتصار الهوية الوطنية العراقية وإسقاط كافة هويات ما قبل الوطنية والأمة ، كالطائفية والعنصرية ، وصعود الروح النضالية المندفعة بقوة الإرادة الوطنية حصراً .

انتفاضة العراق ولبنان هي انتفاضة الهوية الوطنية في المقام الأول وكل سمة أُخرى لها إنما هي فرع تابع ومنها المواطنة المتساوية والتي لا توجد في الوطن العربي إلا في دولة وطنية .

ونؤكد ، بأن جعل المواطنة هي الهوية يفضي إلى إنزال مرتبة الوطنية إلى مستوى يسمح بمسخ وطن مازال في مرحلة نضال تحرري قومي بتعدد الهويات فيه ، أما تثبيت الهوية الوطنية كمعيار فإنه يمنح للمواطنة قوتها العملية ، ويفرض تساوي كافة المواطنين أبناء الهوية الواحدة .

Almukhtar44@gmail.com

17-12-2019

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page