الرفيق المجاهد صلاح المختار - هل ستسلم أمريكا الوطن العربي لإسرائيل الشرقية ؟ 1
- مفكر قومي
- Jan 14, 2020
- 5 min read

هل ستسلم أمريكا الوطن العربي لإسرائيل الشرقية ؟
( الحلقة الأولى )
كتب الاعلامي الأشهر في قناة الجزيرة د. فيصل القاسم مقالاً بعنوان ( هل انتهى الدور الإيراني في المنطقة أم باق ويتمدد ؟ ) ، وردت فيه أخطاء معلوماتية واستراتيجية وتاريخية ، فماذا قال وأين اخطأ ؟ :
1- يقول القاسم ( نرجو ألا يقول لنا أحد إن إيران صاحبة مشروع ، فهذا الكلام في العصر الأمريكي ضرب من الأحلام والأكاذيب الفاقعة ، فأمريكا حصراً هي من تحدد الأدوار للاعبين في الشرق الأوسط حتى هذه اللحظة ..... بل هي جزء من المشروع الأمريكي ، ولو كان مشروعها يتعارض مع المشروع الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة لما تجرأت على العبور إلى أي بلد عربي ) ، هل هذا صحيح ؟ .. نعم وكلا بنفس الوقت ، نعم ، إذا كنا نتحدث عن مرحلة ما بين خميني وخامنئي حيث دعمت امريكا وإسرائيل الغربية انطلاق التوسع الاستعماري للنظام الإيراني وهي مرحلة تقترب من الغروب ، ولا ، إذا كنا نتحدث عما يجري الآن وأهدافه الاستراتيجية . فتاريخياً ، لبلاد فارس مشروع قومي عتيق ويسبق كافة المشاريع الاستعمارية الأوربية والأمريكية ، فالفرس أقدم الغزاة في تاريخ الاستعمار فقد وصلوا إلى اليونان غرباً والصين شرقاً قبل أكثر من ألفي عام .
أما حديثاً فإننا نعرف أن " الشاه رضا " وابنه محمد كان لهما مشروع استعماري قومي فارسي صريح ، فالشاه رضا ضم مناطق قوميات أُخرى لبلاد فارس منها الأحواز العربية وبدعم بريطاني ، وكان آخر تجلياته دعوة الشاه محمد رضا قبل إسقاطه بفترة قصيرة لإنشاء ( سوق آسيوية مشتركة ) على غرار السوق الأوربية المشتركة قبل تحولها إلى الاتحاد الأوربي ، واقترنت الدعوة هذه بتأكيدات الشاه على أنه مستقل وليس تابعاً لأمريكا وأخذ يتحرش بدول الخليج العربي في ذروة قوة ( مبدأ كارتر ) الذي اعتبر ( إقليم النفط ضمن حدود الأمن القومي الأمريكي ) .
وظهرت رواية عنوانها : انهيار 79 ” The crash of 79 “ لبول آيردمان وهو اقتصادي لكنه كتب رواية تتنبأ بشن الشاه حرباً لاحتلال المنطقة في عام 1979 ، وما أن أسقط الغرب الشاه ووصل خميني للحكم في نفس العام حتى صعد مشروع خميني المسمى ( نشر الثورة الإسلامية ) في العالم تعبيراً عن نزوع امبراطوري أوسع وأخطر من نزوع الشاه القومي وكانت النتيجة تنفيذ ما ورد في رواية آيردمان !؟ ، وهنا نرى أن لإسرائيل الشرقية مشاريع استعمارية حديثة وقديمة سبقت وجود أمريكا وظهور الاستعمار الأوربي وليس صحيحاً القول بأنه لا يوجد مشروع لإسرائيل الشرقية .
2- أين التناقض والالتقاء بين المشروعين الغربي - الصهيوني والمشروع الإيراني ؟ ، في زمن الشاه كان القاسم المشترك هو محاصرة الشيوعية وحركات التحرر بواسطة الشرطيين الإقلميين إسرائيل الغربية وإسرائيل الشرقية ، وهذا الدور الإيراني انتهى بمحاولة الشاه الخروج عن السكتين الأمريكيتين فأُسقط ، أما خميني فإنه أخذ يكتب رسائل لـ " جون كنيدي " رئيس أمريكا في الستينيات يطلب مساعدة أمريكا في إسقاط الشاه مقابل وعود منه بخدمة المصالح الأمريكية ، وتوجت بتنصيبه ديكتاتوراً مطلق الصلاحية ! ، كل ذلك تم في إطار لم يعد غامضاً وهو وجود قاسم مشترك بين المشروع القومي الفارسي الاستعماري الذي خطط لغزو الوطن العربي وغيره باسم الاسلام هذه المرة ، وبين حاجة الغرب خصوصاً أمريكا لـ( قوة عقائدية ) تستطيع دحر الشيوعية وحركات التحرر الوطني في آن واحد .
إن من بلور هذه الاستراتيجية هو البروفيسور ثم مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر " زبجنيو بريجنسكي " في كتابه ( بين عصرين ) الذي اعترف فيه بهزيمة الرأسمالية فكرياً ومعنوياً وسياسياً وتقدم الشيوعية وحركات التحرر لأن لديهما قوة جذب جماهيرية عقائدية قوية - كما أكد - فطرح دعوة لإحياء ( الأصوليات الدينية ) الإسلامية والمسيحية واليهودية وغيرها لتكون تلك القوة العقائدية التي تدعم من قبل الغرب والصهيونية من أجل دحر الشيوعية وحركات التحرر الوطني ، وركز على الأصولية الإسلامية ، وبذلك تحافط الرأسمالية على وجودها بدل الانهيار أمام الزحف الشيوعي وحركات التحرر في العالم الثالث .
وبقوة هذا القاسم المشترك بدأت عاصفة الفتن الدينية والإقليمية تتفجر ( انقلابات أفغانستان وظهور القاعدة ، واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران ... الخ ، وتراجع الصراع الأمريكي - السوفيتي ، وفي الوطن العربي تراجع الصراع العربي الصهيوني لتحل محله الصراعات الطائفية والعنصرية ، فضعفت حركات التحرر الوطني والقوى التقدمية ، وكان ذلك أخطر انقلاب استراتيجي عالمي وإقليمي منذ الحرب العالمية الثانية .
إن التوافق حول القاسم المشترك المذكور هو الذي حكم العلاقات الأمريكية الإيرانية وغزوات خميني وخامنئي تمت بدعم أمريكي وصهيوني واضحين وبأدلة دامغة كانت بدايتها ووترجيت وآخرها قوة تسليم العراق لإسرائيل الشرقية في عام 2011 وتثبيت أمريكا لأركان الغزو الإيراني للعراق .
3- أوصل ترامب للإدارة الأمريكية في عام2017 لينفذ مخططاً يحافظ على تربع أمريكا على قمة هرم العالم بعد أن مزقت الصين كافة القيود وتقدمت بطريقة مذهلة اقتصادياً وتكنولوجياً أرعبت الرأسمالية الأمريكية واقترن ذلك بعامل آخر خطير وهو نهوض روسيا بطريقة لم يتوقعها الغرب تحت قيادة شاب قوي وبعيد النظر هو " فلاديمير بوتين " الذي حدّث روسيا خصوصاً قواتها المسلحة فسبقت أمريكا في هذا المجال وهو تهديد حقيقي لأمريكا .
ومما زاد في ضعف أمريكا أمام الزحف الصيني والروسي وصول أزمة أمريكا البنيوية إلى مرحلة خطيرة جداً بتجاوز الدين العام رقماً مرعباً وهو 21 تريليون دولار فزاد اعتماد أمريكا في أكلها ومشربها وقوتها وإبداعها وحروبها على الدين من العالم ومن الأمريكيين ، وهو تطور وضع أمريكا على حافة منحدر عال .
وما سبق ، وفي بيئة تراجع الانتاج الأمريكي لصالح التلاعب بالدولار كوسيلة زيادة ثروات الأثرياء بعد أن اعتبر سلعة ، فرض تعزيز النهب الأمريكي من العالم بقوة السلاح والابتزاز ، وضرورة إنهاء حالة الفوضى الهلاكة في مناطق القتل الأكثر خطورة بالنسبة لطرفي الصراع وهما أمريكا مقابل والصين وروسيا ، فروسيا أخذت تتوسع في محيطها الجنوبي ، وهو مناطق نفوذ أمريكا لزيادة الضغوط عليها فدخلت سوريا وغيرت قواعد الصراع الإقليمي بصورة مهمة جداً ، والصين خططت ليكون ( طريق الحرير ) القديم ممرها للعالم الغربي وطريق تمدد الصين لابد أن يمر بالعراق وإسرائيل الشرقية كي يصل للغرب براً ، وهنا تتحكم الجغرافية في السياسة ، لأنه الطريق الأفضل من كافة النواحي ، إضافة لكسب الحلفاء الإقليميين وحشدهم ضد أمريكا .
أمام هذه التوسع في النفوذ الروسي والصيني كان على أمريكا أن تعيد ترتيب أوضاع المنطقة فبعد أن فككتها وجعلتها نثاراً بقوة الفوضى الهلاكة ، كما طالب " هنري كيسنجر " في السبعينيات من القرن الماضي ، حان وقت إعادة ترتيب الأوضاع لتكون المنطقة قواعد صد أمريكية للتوسع الروسي والصيني وقادرة على تغذية المشروع الامبريالي الأمريكي .
هنا بدأ العد العكسي لانتهاء وجود القاسم المشترك الأمريكي الصهيوني القديم مع إسرائيل الشرقية وظهرت الحاجة لإعادتها إلى ما بين السكتين في إطار قاسم مشترك آخر لضمان أن تكون الأقطار العربية خصوصاً العراق وإسرائيل الشرقية منطقة الصد الأقوى ، وهذا يتطلب تغيير سلوك نظام الحكم في إسرائيل الشرقية وليس تدميرها كما حصل للعراق ، وبالنسبة للعراق انتهى توكيل أمريكا لطهران فيه بهدف تدمير دولته الوطنية ونشر الفتن فيه ... الخ ، وحان وقت تكليفها بمهمة جديدة في إطار آخر هو ( النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد ) المعتمد أساساً على مثلث تركيا والاسرائيلتان الشرقية والغربية ، ولكن بعد إحداث تغييرات سياسية في تركيا وإسرائيل الشرقية .
هنا بدأ التناقض الحاد يظهر بين المشروع القومي الفارسي والتوجه الاستراتيجي الأمريكي الجديد ، لأن المشروع الذي قدمت من أجله إسرائيل الشرقية أكثر من مليون قتيل منذ صعود خميني وصرفت عليه مالاً من دم قلبها وما سرقته من العراق وربطت به وجودها ذاته لا يمكن التخلي عنه بدون تنازلات جراحية مؤلمة جداً وربما تكلف النظام وجوده ، وبالمقابل فإن أمريكا التي قدمت أكثر من 4000 آلاف جندي قتيل وعوّق جسدياً ونفسياً أكثر من مليون عسكري أمريكي في العراق وصرفت أكثر من ثلاثة ترليون دولار لإنجاح غزوه لم تكن جمعية خيرية كما أكدنا مراراً وتكراراً كي تتركه لإسرائيل الشرقية وتنسحب بل غزته لتستثمر فيه وتستغل ثرواته الهائلة وموقعه الاستراتيجي المهم جداً ، وهذا يفرض البقاء فيه وليس الانسحاب منه .
هنا نرى وجود رفض إيراني متشنج لمحاولة أمريكا احتواء المشروع الامبراطوري الفارسي لتكون إسرائيل الشرقية بوجه آخر حديث ومنضبط .
إن المبالغة بالقول بتبعية إيران التامة لأمريكا خاطئ : صحيح أن إسرائيل الشرقية بعد الخميني استمدت قوتها في التمدد الاستعماري من الدعم الغربي والصهيوني ، إلا أنها وبقوة مشروعها القومي العتيق تمتلك خصوصية واضحة نراها الآن في احتدام الصراع بينهما ووصوله إلى مرحلة الصدام المباشر بعد أن كان بالوكالة أو بواسطة الأدوات حتى تصفية قاسم سليماني ... يتبع .
Almukhtar44@gmail.com 13-1-2020
Comments