الرفيق المجاهد صلاح المختار - هل ستسلم أمريكا الوطن العربي لإسرائيل الشرقية ؟ - 2
- مفكر قومي
- Jan 18, 2020
- 5 min read

هل ستسلم أمريكا الوطن العربي لإسرائيل الشرقية ؟
- الحلقة الثانية -
4- يقول القاسم : ( ويقول الدكتور عبد الله الشايجي ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ، وهو متابع دقيق للسياسة الأمريكية : إن تصفية سليماني مقدمة لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق وسوريا وتسليم المنطقة بالكامل لإيران) ، إن هذا الراي يتناقض مع معطيات الواقع في ضوء ما يلي :
أ- سيسمح لروسيا والصين وأطراف إقليمية بالتدخل أكثر في المنطقة وهذا يأكل من جرف أمريكا وتتحول المنطقة من منطقة نفوذ أمريكي غربي تقليدياً إلى منطقة نفوذ صيني روسي ، وفقدان أمريكا لامتياز الانفراد في ممارسة النفوذ ، ولدينا أمثلة واضحة مثل توجه السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت لإقامة علاقات وصفت بـ( الاستراتيجية ) مع روسيا والصين ، وهذا تحول إذا حصل سيكون ضربة شديدة القوة للوجود الأمريكي في المنطقة ويعطي الصين وروسيا قدرة أكبر على محاصرة أمريكا وأضعافها .
ب- سيجبر استمرار التشرذم والانهيارات الكارثية حركة التحرر الوطني العربية على إعادة تنظيم صفوفها بطريقة تمكنها من تحقيق تقدم خصوصاً مع تماهي المواقف الأمريكية والصهيونية ، وهذا لا يخدم المصالح الأمريكية ، والدليل العملي وجود إمكانيات شعبية هائلة كامنة للرفض الثوري هو انتفاضة العراق ولبنان والسودان والتي أصابت أغلب المراقبين بالدهشة بعد أن انتشرت فكرة موت الحركة الشعبية العربية .
ج- سيؤدي ذلك إلى إعادة بناء الحركات الإسلاموية المسلحة بمعزل عن التأثيرات المخابراتية الغربية والصهيونية والإيرانية على أجزاء منها ، وهو حالها في السنوات السابقة وكان أحد أهم أسباب دحرها ، وستستخلص الدروس ، خصوصاً الأمنية ، فتصبح أكثر قوة ، وهذا سيعرض أوروبا وأمريكا لمخاطر أكبر .
د- الآن أمريكا تعد لـ( الشرق الأوسط الجديد ) ليضم الإسرائيليتين الشرقية والغربية وتركيا بعد تغييرات سياسية في طهران وأنقرة ، لمواجهة التوسع الروسي والصيني وهو ما يعزز حاجة أمريكا للبقاء .
هـ - إن فكرة الانسحاب الأمريكي من العالم تبدو ساذجة لمن يعرف مقومات الاقتصاد الأمريكي وصلته بالعالم ، فالاقتصاد الأمريكي قائم منذ تفاقم الأزمة البنيوية على الدفق الخارجي إلى الداخل أكثر مما هو قائم على الدفق الداخلي إلى الخارج ، والقواعد الأمريكية المنتشرة في العالم أقيمت لحماية الدفق الخارجي وزيادته ، ويقصد بالدفق عمليات السيطرة على منابع الثروة في العالم وأسواقه ، وبدون الدفق الخارجي سوف ينهار الاقتصاد الأمريكي ، واحد مظاهر ذلك أن أمريكا مدينة للعالم بترليونات الدولارات منذ تخليها عن اتفاقية بريتون وودز ، وهنا نرى أن الاقتصاد الأمريكي رهينة تواصل النهب الأمريكي في الخارج ، ولذلك .. فإن أحد أهم الآليات –الميكانزمات - التي تتحرك بها وفوقها أمريكا هي التوسع الخارجي وليس تقلصه ، وما أن تتوقف أمريكا عن التوسع الخارجي سياسياً وعسكرياً حتى تبدأ عملية انهيارها من الداخل وتقسيمها الحتمي ، وتذكروا أن أمريكا ليست دولة أمة لأنها ليست أمة بل تجمعات بشرية في شركة عظمى معقدة التنظيم .
5- ويقول القاسم ( صحيح أن إيران فقدت قائداً شهيراً ، لكن اللعبة الأمريكية أنهت في الوقت ذاته الثورة العراقية على ملالي إيران ، وجعلت الانتفاضة اللبنانية على حزب الله أثراً بعد عين ، ناهيك عن أن الضربة الأمريكية دفعت الإيرانيين الذين كانوا منتفضين في الشوارع قبل أسابيع يلتفون حول نظامهم المترنح ، لقد جاءت تصفية سليماني كقبلة الحياة بالنسبة للنظام الإيراني ) ، إن هذا الكلام للدكتور القاسم غريب جداً لأنه يتناقض جذرياً مع أحداث الواقع المنظور ! ، ففي يوم الجمعة 10-1-2020 نظمت تظاهرة مليونية غير مسبوقة في العراق وزادت الشعارات المعادية لايران حدة ، وبالذات لعن سليماني في التظاهرات وفي لبنان الانتفاضة الوطنية تتصاعد رغم العنف ضدها ، وفي إسرائيل الشرقية تظاهرات الشعب الرافض للنظام أصبحت أقوى وأوسع بعد تصفية سليماني وارتفعت فيها هتافات ضد خامنئي وسليماني ومزقت صورهما علناً مثلما حصل في العراق ، فهل أن د. القاسم لا يتابع الأخبار فوقع في خطـأه وهو حال مناقض لمهنته ؟ .
6- يقع القاسم في خطأ ستراتيجي كبير حينما يقول( وقد لاحظنا في رد الرئيس الأمريكي على الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق أنه قال : « أمريكا لم تعد بحاجة لنفط الخليج وغازه بعد أن أصبحت أكبر منتج للنفط والغاز في العالم » ، وهو بذلك يبتز دول الخليج بشكل مفضوح ، إما أن تدفعوا وإلا نحن سنترككم فريسة للخطر الإيراني ) ! ، هنا نلاحظ خطأ القاسم لأن القيمة الاستراتيجية لمنطقتنا في هذه المرحلة من الصراع الدولي تفوقت على قيمة النفط ، فمرور خط الحرير الصيني من العراق أو إسرائيل الشرقية وهو مرور إجباري برياً ، يمنح العراق وإسرائيل الشرقية قيمة استراتيجية مضافة تعوض عن تراجع قيمة النفط بالنسبة لأمريكا بما أن الأخيرة هي المعنية أولاً بالتوسع الصيني ، وكذلك فإن روسيا بتوسعها تتجه جنوباً إلى المياه الدافئة ، وهو تحد آخر للوجود الأمريكي الإقليمي ، لذلك فإن ترامب لم يكذب حينما قال ( أننا نكتفي الأن بالنفط الامريكي ) ، لكنه تعمد إخفاء القيمة الجيوبولتيكية للمنطقة كي يبتز دول الخليج العربي ، فهو يهدد بقصد الابتزاز وليس الانسحاب .
وما يؤكد ذلك عدة مؤشرات أساسية ، منها ، بناء السفارة الأمريكية في بغداد لتكون أكبر سفارة لها في العالم وإقامة القاعده الاستراتيجية الأكبر في عين الأسد في غرب العراق والتي تعد لاستخدام قاذفات B 52 ، وما قاله جورج بوش الصغير بعد غزو العراق مباشره ( نحن أتينا إلى العراق لنبقى فيه على الأقل نصف قرن ) وهذا ترجمة لقرارات استراتيجية ثابتة .
ما ينبغي إذاً أخذه بنظر الاعتبار هو أن قيمة الموقع الاستراتيجي للعراق وإسرائيل الشرقية في هذه المرحلة تتفوق على قيمتهما الاقتصادية بالنسبه إلى أمريكا كما بالنسبة لروسيا والصين ومهما أُخفيت هذه الحقيقة ، لذلك فإن من يسيطر على منطقة الخنق أو باب الانطلاق – العراق وإسرائيل الشرقية - سيتحكم بخطوط الطاقة والتجارة العالمية ، وهذا ما يجب أن يوضح دائماً لإظهار التضليل الأمريكي القائل بأن المنطقه لم تعد مهمه لأن أمريكا اكتفت نفطياً .
7- ويضيف ( العلاقة الإيرانية الأمريكية أشبه بالمصارعة الأمريكية ) ، نعم ، صحيح وأنا وصفت الصراع بأنه مصارعة حرة أمريكية في أكثر من مقال ، ولكن الصراع صار الآن ملاكمة عادية وفيها ينتصر من يسقط خصمه بالضربة القاضية أو بجمع النقاط ، والذي يبدو واضحاً الآن أن أمريكا لا تريد توجيه ضربة قاضية لإسرائيل الشرقية لاعتبارات أمريكية ودولية وإنما تريد تجميع نقاط تشكل في النهاية انتصاراً لأمريكا .
8- أما إذا كانت أمريكا ستنسحب فإنه يؤكد بأنها وصلت مرحلة الموت السريري وهذه الفكرة تنهي وجودها العالمي وتشير إلى بدأ تفككها الداخلي وزوالها كدولة ، وهذا الاحتمال ممكن ، وإن كان مستبعداً الآن ، لأنها في واقعها تحمل بذور فنائها ، فهي ، ونكرر ، ليست أمة وإنما هي شركة عظمى راقية التنظيم .
9- تبقى نقطة مهمة جداً ، وهي .. أن النظام الشرق أوسطي سيكون على حساب العرب لعدة أسباب منها :
أ- العرب مشتتون ومستنزفون ويعيشون كوارث متعددة ولهذا لا يملكون القدرة على لعب دور فعال في النظام الاقليمي وهذا ما تريده الأطراف الاقليمية والدولية .
ب- وبما أن النظام الاقليمي سيكون مصداً للزحف الصيني وللصعود الروسي فإنه سيتعمد إبقاء العرب في حالة ضعف شديد ، والسبب هو أن في الوطن العربي ثروات هائلة تحتاج إليها كافة الأطراف المتحالفة والمتصارعة ، إضافة لموقعه الفريد في الصراع الحالي والقادم ، فالمغرب العربي مجاور لأوربا وبعدها لأمريكا الشمالية ، والمشرق يمر فيه طريق الحرير متجها الى الغرب ، وهو قريب جداً من روسيا ، وفيه تتموضع ثلاثة أطراف من النظام الاقليمي المنتظر : الإسرائيليتان وتركيا وكل منهم لها مشروعها الاقليمي .
ج- لن يكون ممكناً تنفيذ فرضية تسليم الوطن العربي ، أو مشرقه على الأقل ، لإسرائيل الشرقية كما يفترض البعض لأنه يتناقض مع عدة بديهات استراتيجية ، سبق تأكيدها ، منها أن أمريكا لها مطامع في الوطن العربي وقدمت قتلى وصرفت تريليونات من أجل السيطرة عليه ، وإسرائيل الغربية التي تمارس دورها وهي أسيرة الشك اليهودي العميق بكل الأغراب ( الغوييم ) حتى وإن كانوا حلفاء أو متعاونين ، وتركيا التي لديها مشروعها القومي الاقليمي ( وحدة أتراك العالم ) حتى وإن تراجع مشروع ( العثمانيون الجدد ) ، لذلك .. فالاحتمال الأرجح هو تقاسم المنطقة بين أطراف النظام الاقليمي ، إلا إذا نهض العرب وفرضوا واقعاً جديداً لصالحهم ، وهناك الكثير من المؤشرات على وجود إمكانية كبيرة للنهوض العربي التحرري وفي مقدمتها الانتفاضة في العراق ولبنان التي تؤكد القدرات الكفاحية الهائلة للأمة العربية واستحالة استسلامها .
Almukhtar44@gmail.com
14-1-2020
Comments