الرفيق المجاهد صلاح المختار - يوم أمطرت بابل مزرعة الشر بـ 43 صاروخاً
- مفكر قومي
- Jan 26, 2020
- 6 min read

يوم أمطرت بابل مزرعة الشر بـ 43 صاروخاً
{ وأرسَلَ عليهِم طيراً أبابيلَ ترميهِم بحجارةٍ من سجيل ٍفجعلهُم كعصفٍ مأكولٍ }
اليوم 18-1 الذكرى 29 للرد العراقي التاريخي على بداية الحرب العالمية الثالثة على العراق والتي سميت وقتها بـ( العدوان الثلاثيني ) الغاشم ، وهي تسمية نراها الآن تقزّم الحدث لأنها كانت ، وبحق ، حرباً عالمية بكل المقاييس ، فقد شاركت فيها أكثر من أربعين دولة بسلاحها ومالها وتكنولوجيتها ورجالها ضد العراق ، ولم تكن مجرد ضربات متكررة لعدة أيام لنحسبها عدواناً فقط ، فرد البابليون بتوجيه ضربات صاروخية شاملة على أهداف منتخبة على إسرائيل الغربية توالت الى نهاية شباط 1991، وفيها أطلقت بابل 43 صاروخاً ( طراز الحسين ) وليس 39 كما عرف خطأ ، وكانت الآثار مزلزلة في إسرائيل الغربية وأبرز ثمارها الاستراتيجية إسقاط ( نظرية الأمن الإسرائيلي ) .
فكيف حصل ذلك ؟ ، وما هي أهم نتائجه ؟ ..
1- فجر السبت 17 يناير/ كانون الثاني 1991 شن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب حرباً شاملة على العراق نفذتها قوات ما سمي بـ( الائتلاف العسكري الدولي ) والذي تكون من جيوش 34 دولة إضافة لدول أُخرى شاركت فيها بدون جيوش بمالها وقدراتها الأُخرى ، وقد وصل عدد قوات الائتلاف إلى 959,600 ، أي حوالي المليون مقاتل ، وشمل 3600 دبابة ، و1800 طائرة ، و150 قطعة بحرية ، وكانت الهجمات جوية وصاروخية وبمعدل ألف غارة جوية في اليوم إضافة لمئات الصواريخ خصوصاً كروز ( المصدر ويكيبيديا ) .
2- في ضوء عدد الدول والأسلحة المشار إليها نعيد التأكيد بأنها كانت بداية الحرب العالمية الثالثة والتي مازالت مستمرة حتى الآن ضد الأمة العربية كلها وليس ضد العراق فقط ، فالعراق كان الخطوة الأولى في حرب من نوع جديد نوعياً سِمَتها الأساسية تقسيط الحرب وجعلها أجزاء متتابعة لا تبدو كأنها مترابطة وتختلق أحداث كمبررات لتنفيذ خطوات أُخرى مكملة لما سبقها ، فبعد العراق تفجرت الحرب في ليبيا واليمن وسوريا ودشنت صفحة سرية فيها تتميز بتدمير الدولة من داخلها استنزافاً وتفكيكياً بطيئا لها بحروب الإرهاب وغيره ، وهو ما نراه في مصر والسودان وتونس والجزائر ، وضغوطاً هائلة لتجريد العرب من ثرواتهم بطريقة تبدو ثمناً لحمايتهم وهو ما تتعرض له دول الخليج العربي ، والأداة الرئيسة في إشعال تلك الفتن هي النزعة الاستعمارية الإيرانية والتي استخدمها الغرب والصهيونية كأهم وسيلة لتفتيت الأقطار العربية بفتن طائفية وعرقية ، وكل هذه الأشكال من الصراعات والأزمات هي أوجه متعددة لحرب عالمية من نوع مختلف نوعياً .
3- كان الرئيس صدام حسين قد أعلن قبل بدأ الحرب بأن العراق سيرد إذا هوجم بضرب إسرائيل الغربية بصفتها أداة للغرب الاستعماري ، ولهذا فما إن بدأ القصف على العراق غير المسبوق في تاريخ الحروب من حيث نوعية الأسلحة على الأقل التي استخدمت كما اتضح ، حتى صدرت الأوامر من القائد الشهيد صدام حسين إلى الفريق الركن حازم بن عبد الرزاق شهاب الأحمد الأيوبي ، قائد قوات الصواريخ فجر يوم 18 يناير/ كانون الثاني 1991 بأطلاق صواريخ الحسين فنفذ الرد بشجاعة ودقة وبلغ عددها 43 صاروخاً ، وليس 39 صاروخاً ، وهو تأكيد من الفريق الأيوبي شخصياً لي ، وضربت المستعمرات الصهيونية في فلسطين المحتلة وتمركزت الأهداف على تل أبيب وميناء حيفا والنقب وشملت مفاعل ديمونا النووي .
4- ولكي لا تطمس القيمة الاستراتيجية للضربة الصاروخية العراقية هذه لإسرائيل الغربية يجب أن نؤكد بأنها كانت إنهاء مرحلة تاريخية كاملة في طرق شن الحرب في منطقتنا ، وأبرز ما فيها كان إسقاط ( نظرية الأمن الإسرائيلي ) التي اعتمدت منذ عام 1948 ، فما هو جوهر هذه النظرية ؟ ، وكيف أسقطها العراق ؟ .
5- تبنت إسرائيل الغربية استراتيجية أمنية ثابتة تقوم على منع وقوع أي حرب داخلها وجعل الحروب كلها تدور فوق أرض العرب ، وهو ما تحقق فعلاً طوال الفترة بين عام 1948 و1991، فحمي المستعمرون من الآثار الكارثية للحروب بينما بقي العرب يتعرضون للموت والدمار والاعاقات ! ، ولكن في يوم 18 يناير/ كانون الثاني 1991 حصل انقلاب استراتيجي كبير في المنطقة تمثل في إسقاط نظرية الأمن الإسرائيلي بنجاح 43 صاروخاً عراقياً ضخماً بنقل الحرب لأول مرة منذ عام 1948 إلى داخل الكيان الصهيوني من خلال اختراقها لنظم الدفاع الجوي الممتازة وسقوطها على مدن عديدة من بينها عاصمة الاستعمار الصهيوني تل أبيب ، وكان ذلك يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني فهز المجتمع ونشر الذعر في نفوس المستوطنين الصهاينة الذين عاشوا طوال عقود في أمان ويقين بأن الحروب لا تقع داخل مدنهم وإنما في أرض العرب حصراً .
وقتل نتيجة القصف العراقي 74 صهيونيًا وجرح 230 آخرون ، ودمر 7663 مبنى وهذه أعداد غير مسبوقة في خسائر إسرائيل الغربية إلا في الحروب الشاملة معها ، وكثير من الذين ماتوا قتلهم الرعب وليس الأصابة المباشرة وهو يسمع صواريخ بابل تضرب الاحتلال في عقر داره فتنثر الأوهام حول الحصانة وتجلب نظر العرب حكاماً وجماهيراً إلى أن الحل للصراع العربي مع الغزاة الصهاينة ممكن عبر الصواريخ التي تعبر الحواجز الأرضية كالجبال وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة وتمهد لحرب برية ظافرة ، كان تساقط الصواريخ العراقية مشهداً دخل في ذاكرة كل من العرب والصهاينة بصفته مرحلة مفصلية عمقت لدى الصهاينة مشاعر الغربة والخوف من المستقبل بينما عززت لدى العرب مشاعر الثقة بإمكانية تحقيق النصر على الكيان الصهوني .
6- تعمدت إسرائيل الغربية إخفاء تأثيرات الضربات وخسائرها الحقيقية لحرمان العراق من استثمار ما تحقق من نصر استراتيجي ، وفي هذا ، ونقلاً عما كتبه الباحث محمد الجبوري ، يقول أيضاً ( اندرو وليسلي كوكبيرن ) في كتابهما ( علاقات خطرة ) " إن سكان تل أبيب كانوا يخرجون مع هبوط الليل حاملــــين ( حقائبهم ) وكمية قليلة من المواد الغذائية يضعونها على عجل في أكياس من البلاستيك يتبعهم أولادهم وهم يبكون ليتجمعوا عند كتلة الاسمنت الرمادية الضخمة في وسط المدينة .. وأصبحت تل أبيب ، التي لم تتعرض لأي هجوم عربي ومؤثر ، في حالة شبه هستيرية فعند غسق كل يوم كانت شوارع تل أبيب والمدن الأُخرى تبدو مهجورة وكان سكانها يهربون بسياراتهم لينضموا إلى أرتال العجلات الطويلة إلى مدينة القدس طلبا للنجاة بعدما أعلنت القيادة العراقية أن الصواريخ العراقية لن تستهدف مدينة القدس ، قناة " سي أن أن " نقلت لأحدهم الذي أُصيب بالذهول ويلعن ذاك اليوم الذي هاجر فيه من روسيا إلى إسرائيل " - ( انتهى الاقتباس ) .
الصواريخ العراقية إذاً عززت قناعة الأغلبية الساحقة من المستوطنين الصهاينة بأنهم في المكان الخطأ والأكثر خطراً وأن وجودهم فيه مؤقت ، ناهيك عن إسقاط وهم مناعة إسرائيل الغربية وقدرة جيشها الذي لا يقهر على حماية السكان ! .
7- أهم ما كشفت عنه العملية أو أثبتته الحقائق التالية :
أ- المستعمرون الصهاينة في فلسطين عاجزون عن الصمود في حرب شاملة مهما تفوقوا في التسلح لأن الأصل في النصر هو المعنويات ، وهذه سمة ضعيفة جداً لديهم ، بينما هي متوفرة لدى الشعب العربي خصوصاً طليعته الفلسطينية ، ولذلك فإن أهم شروط النصر متوفرة للعرب .
ب- إن الضربات الصاروخية قلبت مسار الهجرة وهي أحد أهم ركنين في نشوء وبقاء إسرائيل الغربية – الركن الثاني التمويل الخارجي - فبدلاً من الهجرة من الخارج إلى الداخل جعلتها صواريخ العراق من الداخل إلى الخارج وبما أن ديمومة الكيان الصهيوني مشروطة باستمرار دفق الهجرة إليه من الخارج فإن طريق النصر للعرب عرف الآن وهو تقليص الهجرة إلى داخل الكيان الصهيوني ورفع عدد المهاجرين من الداخل للخارج بكافة الطرق الممكنة وبذلك تسقط أهم قواعد إدامة هذا الكيان .
ج- تأكيد أن النصر ممكن فقط بقوة أنظمة شعبية وطنية الهوية تسخر موادرها لخدمة الشعب أولاً ببناء الإنسان السليم ثم بناء قوات مسلحة ونظم تربية وتعليم متطورة كي يكون هناك إنسان متعلم وعالم وتقدم تكنولوجي وعلمي ومستقر نفسياً وهي شروط تفجير الطاقات الإنسانية الخلاقة وتعزيز الارتباط بالوطن والهوية القومية ، وهو ما تحقق في العراق وقتها ، وتلك أهم مصادر المعنويات والاستعداد للتضحية .
د- عندما يرى العالم أن هناك شعب ونظم مصممة على استرجاع حقوقها مهما كان الثمن ولديها القدرة العسكرية والعلمية وغيرها والمنطق السليم فإنه يتغير جزئياً أو كلياً وحسب الدول وعندها لن تعود قضية تحرير فلسطين مستحيلة بسبب العوائق الدولية ، والدليل واضح فعندما كان العرب أقوياء في عهد القائد الفذ جمال عبد الناصر ، رحمه الله ، انقسم العالم حول الموقف من الصراع العربي الصهيوني وفقد هذا الكيان دعم أغلب الحكومات في العالم ولو استمر ذلك لأمكن تحرير فلسطين ، ولهذا فإن الجهد الصهيوغربي تركز على إسقاط أي نظام وطني ومنع قيام نظم وطنية مجدداً .
ه- يلاحظ أن إسرائيل الشرقية بقيادة خميني ثم خامنئي استخدمت نفس النظرية الإسرائيلية الغربية وهي خوض الحرب خارج حدودها وفي الوطن العربي تحديداً ، ومنع وقوع الحرب داخلها وبأي ثمن ، فهل هي صدفة تشابه استراتيجية الإسرائيليتين ؟ ، أم أنه نتاج وجود قواسم مشتركة بينهما ؟ .
إن هذه بعض نتائج الضربة الصاروخية العراقية والتي أدت إلى إسقاط نظرية الأمن الإسرائيلي وتعرية نقاط الضعف القاتلة في إسرائيل الغربية .
فتحية للقائد الشهيد صدام حسين في ذكرى هذه الضربات ، والمجد لشهداء جيشنا العظيم ، وتحية لقادة وجنود الجيش الوطني العراقي الذي بقي قوة ترعب الصهاينة ، وتحية للرفيق والأخ الفريق الركن حازم الأيوبي .
Almukhtar44@gmail.com
18-1-2020
Comments