الأستاذ علاء الدين عزت أبو زيد - صفقة القرن ، الجذور والتحديات
- سياسي فلسطيني
- Feb 15, 2020
- 4 min read

صفقة القرن
الجذور والتحديات
علاء الدين عزت أبو زيد
ماجستير دراسات شرق أوسطية – دراسات عربية
تتصف رؤية الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب وجميع أطرافها المعنيين بملف الصراع العربى الإسرائيلي ( ابتداءً من الرئيس ترامب وصهره جارد كوشنر ، وسفير الولايات المتحدة فى إسرائيل ديفيد فريدمان ، ومبعوثه للسلام جيسون جرينبلات ) تجاه القضية الفلسطينية بالتماهى التام مع رؤية اليمين الإسرائيلي للحل ، ويغالون فى دعمهم لإسرائيل ، وهذا ما جسدتُه إجراءات هذه الإدارة عندما اعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ، ومن ثم توقيع الرئيس ترامب على قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ، وقيام إدارته بتنفيذ ذلك على أرض الواقع ، وهو ما يعتبر أكثر خطراً من ( تصريح بلفور ) الذى منح اليهود وطناً قومياً فى فلسطين قبل قرنٍ من الزمن .
تأصيل الموضوع
الغرض الأساسى من الصفقة في اعتقادي ليس مصالح اقتصادية خالصة كما يزعم البعض بقدر ما هى مصالح انتخابية ، خاصة أن هناك انتخابات فى إسرائيل بعد عدة أسابيع ، وأيضاً هناك انتخابات أمريكية رئاسية فى نوفمبر القادم ، والتى يسعى الرئيس ترامب من خلالها إعادة انتخابه .
لذلك فإن صفقة القرن باعتقادي موجهة أكثر من الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الجمهور اليمينى فى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً الإنجيليين ، لأنهم أكبر الداعمين لإسرائيل فى الولايات المتحدة ، وهم أيضاً أكبر الداعمين للرئيس ترامب .
والجدير ذكره بهذا الخصوص أن الغالبية الكبرى من الجمهور الأمريكى لا يهتمون بالسياسة الخارجية بخلاف المجموعة الإنجيلية ، ويرجع السبب في ذلك لمعتقداتهم الدينية ، ودعمه المطلق لإسرائيل لأسباب دينية تتعلق بمعتقداتهم .
يسعى الرئيس ترامب لضمان أصواتهم ، ويعلم بأن أفضل طريقة لاستمالتهم أن يظهر بمظهر المنقذ أو المساعد أو المناصر الحقيقي لإسرائيل ، ويريد الرئيس ترامب من خلال ذلك أن يُثبت هذه القاعدة فى الانتخابات القادمة .
مراحل الصفقة
بدأت ملامح الصفقة تظهر منذ تولى الرئيس ترامب سدة الحكم ، واتخاذ إدارته العديد من المواقف والقرارات ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، فقد شكلت هذه القرارات ملامح السياسة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية ، كان أبرز هذه المواقف قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ، ومن ثم نقل السفارة الأمريكية إليها ، كذلك وقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية ووقف تمويل الأونروا ، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن ، وغض البصر عن أعمال الاستيطان في الأراضى الفلسطينية ، أخيراً تتويج تلك القرارات بالإعلان اليوم عن صفقة القرن التى طالما كانت في أروقة السياسيين شيئاً من الخيال .
تداعيات الصفقة
قرار الإعلان عن الصفقة لم يكن إلا نتاج سياسات أمريكية تراكمت من خلال انحيازها لإسرائيل عبر سنوات طوال ، فقد صدر قرار الكونغرس الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في عام (1995م) ، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن(1987م) ، ولم يقف حائلاً بين صدور وتنفيذ هذه القرارات إلا رغبة الإدارات الأمريكية السابقة فى تأجيلها لرغبتها بعدم توقف المسيرة السلمية وخوفها أن يؤثر تنفيذ القرارات بشكل سلبى على أمنها القومى ، حتى جاء الرئيس ترامب ، وعمل على تنفيذها بسياسة لم يستطع سابقوه القيام بها ، كما تجاهل القرارات والمواثيق الدولية ، ولم يعط اهتماماً للمنظمات الدولية التي اعتبرت قضية القدس من قضايا الحل النهائى ، والقدس الشرقية أرض محتلة ، لذا تعتبر الحقبة التي بدأها الرئيس ترامب بداية لعهد التفرد والإملاءات الأمريكية على المنطقة .
صفقة القرن والقرار الأمريكي بالإعلان عنها فى اعتقادي يُخلف تداعيات كبيرة على المستويين الدولى والفلسطيني على حد سواء ، فقد جعل الولايات المتحدة تعمل على فرض وقائع جديدة على الأرض لذا تعتبر الحقبة التي بدأها الرئيس ترامب بداية لعهد التفرد والإملاءات الأمريكية على المنطقة ، كما يحمل قرار الإعلان عن الصفقة مخاطر على الأمن الفلسطيني والإقليمى ، ويزيد من حدة كراهية ونقمة الشعوب العربية والدولية أيضاً ، بالإضافة إلى إنهائه دور الوسيط الذى لعبته الولايات المتحدة عبر سنوات عديدة فى عملية السلام ، كونها خرجت من طور النزاهة إلى الانحياز .
وفى نهاية المطاف لا بد من التأكيد على أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل ساعدها على التنصل من التزاماتها تجاه عملية السلام ، فقد ساعدت المواقف الأمريكي إسرائيل على إفراغ اتفاقية أوسلو من محتواها الانتقالى ، ومن خلال عدم التزامها بتنفيذ بنودها إلا بما يخدم مصالحها والمرتبطة بمشروعها الاستيطانى ، ورغم تقاطع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل منذ إعلان قيام دولة إسرائيل ، إلا أن الولايات المتحدة لم تضغط على إسرائيل بشكل فعلى متذرعة بالضغوطات التي تمارس عليها من اللوبى الصهيونى .
وللأمانة العلمية فإن الانحياز والصلف الأمريكى تجاه القضية الفلسطينية لم يكن بفعل عوامل داخلية أمريكية فحسب ، وإنما كان نتاج عوامل داخلية وإقليمية وفلسطينية على حد سواء ، وقد تمثلت العوامل الداخلية فى شخصية الرئيس ترامب التي تميل إلى الغرور والعنجهية ، بالإضافة إلى ضغط اللوبى الصهيونى على صانع القرار فى البيت الأبيض ، كما تمثلت العوامل الإقليمية بحالة الضعف العربى نتيجة ما يسمي بـ( الربيع العربي ) والذى استثمره ترامب فى إعلان هذا القرار وما سبقه من قرارات جوهرية تتعلق بالقضية الفلسطينية ، فضلاً عن العوامل الفلسطينية المتمثلة فى الانقسام الفلسطيني الذي أضعف القرار الوطني الفلسطيني .
خلاصة القول من المفيد للجانب الفلسطيني التوقف عن التعويل المبالغ فيه على المجتمع الدولى ، فى ظل حالة الضعف والشرذمة الداخلية ، واللجوء عوضًّا عن ذلك إلى مصادر القوة الفلسطينية الداخلية المتمثلة فى إعادة توحيد الجهود الفلسطينية ، والتوصل إلى تسوية تنهي الانقسام الفلسطيني الداخلى ، لتواجه بذلك التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية برمتها .
Comments