top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - كانت بيلوسي لائبة ، وكان ترامب منتشياً


كانت بيلوسي لائبة ، وكان ترامب منتشياً


تابعت خطابات حالة الاتحاد للرئيس الأمريكي منذ بداية الثمانينيات ، ولكنني اعترف بأنني لم أستمع لخطاب لأي رئيس أمريكي بقوة وتأثير خطاب دونالد ترامب يوم 4 - 2 - 2020 لأن الخطاب وبلا أدنى شك أُعد من قبل فريق كبير ضم تخصصات متعددة في مقدمتها أفضل خبراء هولي وود والذين تولوا الاعداد لفيلم رائع الاخراج اقتصر على مشهد خطاب فريد في تأثيره ، وبمشاركة فعالة في إعداده لأقدم ضباط المخابرات وعلم النفس والعلاقات العامة والخبراء .. الخ ، وهو ما جعله عاصفة برمجت لإثارة عواطف الناس وتجريدهم من كل ملاحظاتهم السلبية عن ترامب وهي أكثر من كثيرة ، وكنت مع كل كلمة لترامب أُعزز قناعتي بأن الخطاب كتب بهدف مباشر واحد وهو تبرئته قبل يوم من إصدار الحكم في محاكمته ، وهدف آخر أكبر .. وهو أنه أعد لضمان إعادة انتخابه رئيساً لدورة ثانية ، وأُرجح أن الغرض منه تحقق ، وإذا صدق توقعي فإن ذلك يجعل الخطاب فريداً من بين خطب كافة رؤوساء أمريكا عن حالة الاتحاد على الأقل ! .

وما سبق يثير سؤالاً وهو : لماذا اتفقت كل تلك الجهات على إعداد الخطاب ليكون اللكمة القاضية لنانسي بيلوسي من الحزب الديمقراطي ورئيسة مجلس النواب التي كانت تبدو لائبة ، حائرة ، مهمومة وتكاد تنفجر وهي ترى تصفيقاً متتالياً لترامب ؟! .

1- أمريكا في أزمة عامة خطيرة وما يوضح الأزمة الأخلاقية ، وهي الأزمة الأعمق ، هو تعليق بيلوسي عندما قالت ( إن تمزيقها خطاب الرئيس الأمريكي كان تصرفاً مهذباً بالنظر إلى الخيارات الأخرى ) ، وكانت تعني أنها ضبطت نفسها وكان يمكن أن تقع تصرفات أشد فجاجة مما حصل ! ، بعد أن تجاهل يدها الممدودة ورفض مصافحتها وأمضت ساعة و18 دقيقة جالسة خلف ترامب تلوب ! .

2- لمن لم يشاهد الخطاب من الضروري توضيح سبب الأهمية الكبيرة له فلقد تم إعداد حالات إنسانية مؤثرة لتخدم ترامب مثل : عسكري طيار عمره مائة عام ومعه حفيده وهو أمريكي أسود ، وامرأة مع طفلتها التي ولدت قبل إكمال التسع شهور واحتاجت لعناية طبية خاصة وعائلة ربها عسكري في أفغانستان ولم تره منذ أعوام وأحضره لها أثناء الخطاب لتكون مفاجئة عظيمة للعائلة ، وآخر أجرى عملية جراحية للتخلص من السرطان ، وهكذا فكل من أحضرهم في قاعة الكونغرس أثناء الخطاب كان له قصة مؤثرة جداً وفيها دلالات إنسانية ، وكان ترامب يؤكد مساهمته في الحل لهذه المشاكل ، ورفضه للعنصرية التي اتهم بها ، وكان ترامب شخصياً يقدم كل فرد منهم بنفسه أو زوجته لإثبات محافظته على العائلة رغم كل فضائحه الجنسية ، وسط تصفيق حاد له وللشخص وسط دموع الكثيرين ، فتحولت جلسة الكونغرس إلى عاصفة عواطف إنسانية مؤثرة طغت على صورة ترامب التي روجها عنه الاعلام الأمريكي ومنها : الشايلوكي – بمعنى : الجشع - والعنصري والمتحرش بالنساء والأحمق وغير المثقف والمتجاوز على القانون والمتهرب من دفع الضرائب والبذيء اللغة ، وظهر بصورة العطوف المتجاوز للعنصرية والمحقق لشعبه مكاسب كثيرة كالوظائف وتربيح الشركات ! .

من أعدوا خطاب ترامب وظفوا كل هؤلاء لتجميل وجهه بطريقة غير مسبوقة لأجل إسقاط الاتهامات ضده ولعل التوقيت هو الآخر كان مثالياً بالنسبة لترامب فهو حدد قبل يوم من إصدار مجلس الشيوخ الحكم فكان خطابه عملية جراحية لتجميل سريع ودقيق لوجهه قبل أن يقع ما يغير الوضع ضده مرة ثانية .

وهنا ، نرى أن هولي وود تؤكد أنها ( صانعة ملوك ) أمريكا ليس في الفن فقط بل للرؤوساء أيضاً ! ، فهولي وود تستطيع تغييّب الحقيقة عمدا،ولاقيمة للحق ولا للحقوق والمنتصر هو من يملك المال وهو يعني هولي وود والانترنيت وبهما يمكن صنع أفلام تغسل الأدمغة وتزيح بقوة الحق والحقوق .

3- لماذا كلفت كل تلك الجهات بإعداد خطاب مبهر ليضمن فوز ترامب ؟ ، هل ترامب بمؤهلات كافية كي يهزم خصومه الكثر ؟ ، ليس ثمة شك في أن ترامب لا يتمتع بقدرات فكرية ولا أخلاقية توفر له فرص التفوق ولكنه يتمتع بقدرات تجارية هائلة أبرزها أنه بلا قلب ويمكنه الاقدام على أي خطوة ومهما كانت منافية للمنطق والأخلاق والقانون من أجل الربح ، والوصف السابق وصف الاعلام الأمريكي لترامب ، وأمريكا وهي تتراجع بسرعة هائلة أمام الصين وروسيا تحتاج لرجل يتقن فن جنى المال لأمريكا ليعزز موقفها الدولي ، ناهيك عن إكمال خطط تدمير قيم العالم الأخلاقية والقانونية التقليدية ومواصلة سقاية بذور التحلل الأخلاقي التي زرعها من جاء قبله ! ، وكما أن بلداً يواجه احتمال غزو يسلم السلطة لعسكري محترف قادر على حمايته فإن أمريكا المتراجعة بحاجة لتاجر جشع لا يهمه إلا جنى المال .

رأينا ترامب يحول استثمار المال الخليجي إلى نهب علني تحت غطاء حماية دول الخليج العربي من خطر صنعته أمريكا ذاتها وهو الخطر الإيراني ، ويهدد أوربا بتركها إذا لم تكثر من مساهمتها في حلف النيتو ، ويلغي الاتفاقيات التجارية مع كندا والمكسيك ( النفتا ) والتي فرضتها أمريكا على شريكتيها ، ويتمرد على منظمة التجارة العالمية التي سبق لأمريكا أن أسستها ومارست كافة أنواع الابتزاز للالتزام بقواعدها وأهمها حرية التجارة العالمية وعدم فرض قيود على التجارة .

ترامب بهذه المواصفات هو التاجر المؤهل أكثر من غيره لتحقيق كل تلك الخطوات الفريدة والمناقضة لكل ما رسخته أمريكا في القرن الماضي قبل أن تتراجع وتفقد زمام المبادرة العالمية .

وهنا ، نرى الدافع الأساس لقرار إبقاء ترامب رئيساً لدورة ثانية ومنع الديمقراطيين من إقصاءه رغم توفر أدلة أكثر من كافية على إدانته .

4- وهكذا تتكرر في ثلاثة عقود ظاهرة تؤكد التراجع الأخلاقي في أمريكا : فرد فعل أمريكا على كذب الرئيس ريتشارد نيكسون في السبعينيات بإنكاره معرفته بالتجسس على مقر الحزب الديمقراطي ثم ثبت أنه كان يعرف ، كان وضعه أمام خيارين إما المحاكمة أو الاستقالة ، فقرر الاستقالة ، ولو قارنا حالة نيكسون بحالة بيل كلنتون ثم ترامب لوجدنا أمريكا قد تراجعت أخلاقياً كثيراً فكلنتون لم يكتفي بالكذب بانكار أنه مارس الجنس مع مونيكا لوينسكي كما فعل نيكسون ، بل زاد عليه محاولته ( عرقلة العدالة ) و( استغلال موظفة أمريكية جنسياً ) وهي المتدربة في البيت الأبيض لوينسكي فثبت أنه ارتكب ثلاثة مخالفات قانونية ومع ذلك أُعفي من العقوبة وأُعيد انتخابه وزادت شعبيته وكان ذلك مؤشراً خطيراً للتراجع الحاد في ( القيم الأمريكية ) ، والآن ترامب تتوفر ضده أدلة أكثر بكثير مما توفرت ضد كلنتون ومع ذلك تعد العدة لتبرأته ويمهد لإعادة انتخابه رئيساً ! ، وضمن هذا السياق التطوري لحالة أمريكا فإن ترامب يمثل ذروة انهيار ما كان يسمى بـ( القيم الأمريكية ) وفي مقدمتها القانونية والأخلاقية .

5- من المرعوب الأول تأثيرات الفيلم الأمريكي الجديد هذا ؟ ، دون ادنى شك أنه " علي خامنئي " ديكتاتور إسرائيل الشرقية الذي عول كثيراً على هزيمة ترامب في الانتخابات وتمسك بأمل فوز الديمقراطيين بعزله والعودة لـ( وعد أوباما ) بدعم رئيس ديمقراطي جديد لإسرائيل الشرقية مرة ثانية ، الآن يمكن القول بثقة بأن هذا الباب قد أُغلق وعزل ترامب استبعد ، وتلك الضربة الفنية إن كانت أطارت رزانة بيلوسي فإنها أفقدت خامنئي عقله كله ، فقد تلاشى آخر أمل بإنقاذ نظامه من الضغوط الأمريكية والتي لن تنتهي إلا بأحد أمرين : فإما أن يستسلم لشروط أمريكا وتلك نهايته ، أو يواصل الرفض للشروط الأمريكية وتلك نهايته أيضاً ولكن بطريقة أشد مأساوية .

ما تريده أمريكا من إسرائيل الشرقية ليس تدميرها كما فعلت بالعراق وإنما اعادة تأهيلها للعب دور في إطار نظامها الاقليمي الذي يعد ليكون درع أمريكا الصاد للتوسع الصيني والروسي .

Almukhtar44@gmail.com

5-2-2020

ملاحظة : بعد انتهاء كتابة المقال وردني ما يؤكد توقعي وهو خبر تبرئة مجلس الشيوخ الأميركي لترامب من كافة التهم المسندة إليه ففاز الفيلم باعظم جائزة اوسكار منحت حتى الان ! فتهانينا علي خامنئي .

Comentarios


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page