الرفيق المجاهد صلاح المختار - اليوم انتفاضتنا صارت ثورة
- مفكر قومي
- Mar 14, 2020
- 4 min read

اليوم انتفاضتنا صارت ثورة
التاسع من شباط - فبراير عام 2020 يوم تاريخي فاصل تحولت فيه الانتفاضة الى ثورة عراقية حاسمة بعد أن طهرت صفوفها من اتباع مقتدى الصدر وثبتت هويتها الوطنية وأنهت ازدواجية التأثيرات عليها ، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها أنها أسقطت بصورة فعالة الطائفية في شكليها السياسي ، وهو الثقل الكبير منها لأنه يستمد قوته من ميليشيات مسلحة وأحزاب ، وفي شكلها الاجتماعي المتمثل في تأثير اجتماعي كان محدوداً قبل الغزو لكن الغزو تعمد تضخيمه والآن تلاشى جوهرياً ، والانتفاضة بطبيعتها الوطنية الواضحة خير دليل .
ولكي تكون الصورة أوضح من الضروري تأكيد أن الساحة العراقية فيها ثلاث قوى رئيسة :
1- إسرائيل الشرقية التي تسيطر على الدولة ومؤسساتها القمعية إلى حد كبير ، مستخدمة الميليشيات التابعة لها لكنها فقدت أغلب الكتلة البشرية بعد الانتفاضة ، ولم يبقى لطهران سوى التيار الصدري فراهنت على مقتدى الصدر بصفته الخيار الأخير لها ، لكن جريمة النجف وما بعدها أدت إلى عزله عن أغلب الجماهير التي كانت تلتف حوله والتحقت بالثورة وتجسد ذلك اليوم 9-2 في المظاهرة المليونية التي انطلقت في مدن العراق الثائرة تهتف بصورة علنية ومباشرة بسقوط مقتدى وإيران ، وبسقوط خيار مقتدى فقدت إسرائيل الشرقية زمام المبادرة وتهاوت خططها التي تنفذها منذ قرون .
وبناء على هذه الحقيقة الميدانية فإن إسرائيل الشرقية تخوض في العراق وليس في غيره معركة وجودها التاريخية فإما أن تنتصر ويبقى مشروعها منتشراً في المنطقة ، أو تهزم وتنكفأ إلى الداخل في عزلة ستستمر عدة قرون ، والاحتمال الثاني هو المرجح في ضوء موازين القوى في العراق ، ومؤشرات إقليمية ودولية ، وهذا هو السبب في دموية ما يجري .
2- القوة القوة الثانية في العراق الآن هي أمريكا والتي تحاول استعادة زمام السيطرة الكاملة على العراق بعد أن أعطت لإسرائيل الشرقية توكيلاً مفتوحاً في عام 2011 عندما انسحبت عسكرياً ، والآن وقد أكملت طهران مهمتها ، وهي إكمال تدمير قدرات العراق الأساسية ، حان وقت اعادتها إلى ما بين السكتين وهو ما ترفضه إسرائيل الشرقية بالتأكيد ، فاشتد الصراع بينهما وتحول إلى لعبة كسر عظم .
ويراهن البعض على ( أن ثمة فرصة تاريخية لأمريكا للتكفير عن غزوها للعراق وتصحيح أخطائها القاتلة ) لأنها هي التي سلمته لإسرائيل الشرقية بعد أن بدأت بتدميره وتفكيك الدولة والمجتمع لكنها عجزت عن تحمل تكاليف الصراع معها وقررت تسليمه لإسرائيل الشرقية لإكمال الهدف ، حينما تعرضت لعمليات المقاومة الوطنية العراقية غير المسبوقة بعددها في حروب التحرير في فيتنام وفلسطين والجزائر وكوبا ، وبلغت 250-300 عملية في اليوم طبقاً للمصادر الأمريكية الرسمية .
ويطالب المراهنون على أمريكا بإنهاء الغزو الإيراني للعراق وليس فقط ممارسة الضغوط الاقتصادية وهي محدودة لأنها استثنت منها دولاً عديدة في مقدمتها العراق فأصبحت العقوبات ضعيفة لأن موارد العراق صارت بيد طهران وهي تكفى لتعطيل أكثر من 80% من نظام العقوبات الأمريكي عليها وبلغ ما سرقته من العراق ما بين 600-800 مليار دولار وبه أدامت إرهابها الإقليمي وعملياتها وتسليحها ، فمقتل إسرائيل الشرقية في العراق ويمكن القيام به بطريقتين : فإما أن تطردها أمريكا بإنهاء ميليشياتها وهي وعدت بذلك وتملك القدر عليه ، وفرصة الانتفاضة العراقية هي خير بيئة لإنهاء التوسع الاستعماري الإيراني إقليمياً ، أو أن تمنع واشنطن بصورة جادة ودقيقة أي نهب لموارد العراق وتسخيرها لخدمة الاقتصاد الإيراني .
فهل ستفعل أمريكا ذلك وتعيد بناء علاقات إيجابية مع العراق المتحرر ؟ ، من المؤكد أن أمريكا إذا لم تفعل ذلك ستخسر المنطقة بكاملها وستستغل روسيا والصين الفشل الأمريكي للتغلغل فيها وتحويل المنطقة إلى قوة صد لأمريكا تمنع عودتها مجدداً إليها وبالطبع سيكون واجب شعب العراق وقواه الوطنية دعم كل جهد دولي لإنهاء الوجود الأمريكي في هذه الحالة ، فعندما نتذكر بأن العراق هو ساحة المعركة الرئيسة بين القوى العالمية المتصارعة نرى كم ستخسر أمريكا وتكسب تبعاً لموقفها الحالي وتطوراته .
3- القوة الثالثة هي قوة الثوار وهم وإن كانوا القوة الاستراتيجية الأساسية في العراق فإنهم الاحتياطي الاستراتيجي لترسيخ الطابع الوطني والتحرري في فلسطين وسوريا وليبيا واليمن والسودان والجزائر ، وهم حماة عروبة الخليج العربي ، لماذا ؟ .. لأنهم يقاتلون في منطقة القتل والانقاذ في آن واحد للجميع وتبعاً للموقف ، وبانتصار الثوار في العراق سوف تنقلب كافه موازين القوى إقليمياً وعربياً وعالمياً ، وذلك رهن بانتصار الثورة الشبابية ، فهي معركة المصير العربي الواحد ، مثلما هي معركة الوجود لكل من المشروعين القومي الفارسي والصهيوني ، وهي معركة أمريكا لإنقاذ اقتصادها وعرقلة التوسع الصيني الروسي ، وهي معركة روسيا والصين لمنع أمريكا من عرقلة نهوضهما فالعراق يقع في المخرج الأفضل لطريق الحرير إلى الغرب .
4- ولكي تكون الصورة أوضح لابد من إعادة التاكيد على البديهيات التالية الخاصة بمفهوم الثورة وسبب تمييزنا بدقة وإصرار بين الثورة والانتفاضة والانقلاب :
أ- الثورة الحقيقية بمفهومها العقائدي ، وليس بالمعنى الشعبوي ، هي عمليه التغيير الجذري لواقع سياسي أو اقتصادي ... الخ ، وليس مجرد التغيير الفوقى السلطوي سواء تم بانقلاب عسكري أو بانتفاضة شعبية تزيح الدكتاتور لكنها تبقى على ( أفراخه ) التي تكبر بعد الانقلاب وتصبح هي الديكتاتور الجديد وتحتوي الثوار الذين ساعدوها على الوصول إلى الموقع الأول في السلطة ، وما لم تتم عملية اجتثاث النظام القديم بكافة مؤسساته وبناه التحتية والفوقية فإن الثورة تبقى حلماً رومانسياً وسوف يبعد الثوار الحقيقيون .
ب- ويمكن للانقلاب العسكري أو الانتفاضة الشعبية أن تكونا مقدمة لتغيير جذري يرفع مستوى الحدث إلى الثورة في حالة قيام السلطة الجديدة بتغييرات جذرية لصالح الجماهير فتصبح ثورة بجذريتها ، والمثال هو ثورة 17-30 -1968 التي غيرت وضع العراق جذرياً وأنهت تخلفه وصار قوياً متقدماً وشعبه مرفهاً .
ج- ما يجري في العراق هو إسقاط حاسم للطائفية وكانت أخطر تهديد ليس لهوية العراق ووجوده فقط بل للأمة كلها أيضاً ، لأن الفتنة الطائفية لو نجحت لهدمت أسس هويتنا القومية العربية ، وهذا الانجاز وحده يجعل ما يجري في العراق ثورة حقيقية ، وباجتثاث الطائفية توفرت مستلزمات تغيير قواعد ما يسمى في الغرب بـ( اللعبة ) الاقليمية والعربية والدولية ، فلئن كانت الصراعات السياسية لعبة بالنسبة للغرب لأنه مستعمر وامبريالي يسرق وينهب فإنها بالنسبة للشعوب الثائرة ومنها الشعب العربي معركة المصير الواحد لأمة ذبحت ويتكرر ذبحها منذ خطة " بنرمان " بخطوات تصفية الاقطار العربية وكانت أولها فلسطين على أن تكون هناك لاحقاً وبالتدريج أكثر من فلسطين ، لذلك .. فإن معركة العراق هي معركة كسر الموجة وعكسها لتنهض الأمة كلها انطلاقاً منه .
إنها معركة الأمة العربية والإنسانية كلها فحينما ينتصر شباب العراق سيصنعون واقعاً جديداً للأمة العربية به تنهض من كبواتها ويصبح شباب الثورة العراقية أيقونة التحرر العالمي ضد الاستبداد الذي تمارسه الامبراطوريات الصاعدة والنازلة والتي تضحي بحياة الملايين من أجل مصالحها .
البداية الكارثية كانت في العراق والبداية النهضوية العربية الانقاذية ستنطلق منه أيضاً ، وشباب الثورة العراقية هم وقودها وشعلتها وقادتها .
Almukhtar44@gmail.com
9-2-2020
Comments