الرفيق المجاهد صلاح المختار - هل انتصرت ثورة الشباب ؟
- مفكر قومي
- Mar 26, 2020
- 5 min read

هل انتصرت ثورة الشباب ؟
في الحروب عندما تدمر القوة الاستراتيجية للعدو من سلاح أو مطارات أو ذخيرة أو بشر تتركه معتمداً على ما في يديه فقط وهي قوة محدودة ستتبخر تدريجياً ولن يضاف لها دعماً ، فتصبح هزيمته محققة ، والآن الثورة الشبابية نجحت بصورة حاسمة في تدمير القوة الاستراتيجية الأعظم للمشروع القومي الفارسي وهو الذخيرة العراقية التي أُعدت لتكون القوة الأساسية للاستعمار الفارسي ، فكيف تم ذلك ؟ ، وما هي مظاهره ؟ .
1- لنحدد أولاً نقطة الضعف القاتلة في المشروع القومي الفارسي وهي أن الفرس ورغم عنادهم وضعف عقلانية تفكير نخبهم عندما يتعلق الأمر بتوسعهم الاستعماري هي أنهم عاجزون عن القتال الطويل والحاد خارج وطنهم حتى وإن أبدَوا عند الانطلاق اندفاعاً قوياً ، فما إن يواجهوا قوة ذات معنويات عالية ومؤمنة حتى تنهار قواهم وتتبخر حماستهم تدريجياً ، ولعل مثال الحرب التي شنها خميني على العراق يقدم لنا أفضل دليل على صحة ذلك ، فرغم أن نظام خميني تمتع بأفضل امتياز حربي وهو وجود ملايين الإيرانيين المستعدين للموت بإشارة منه ، وهذا رأيناه في الموجات الانتحارية للإيرانيين الذين كانوا يأتون بالآلاف بالدراجات البخارية والركض وبسلاح وبدون سلاح ويهاجمون القوات العراقية وهم مخدرون بغسل الدماغ والمخدرات أيضاً ، وكان ذلك يصيب الجنود العراقيين بصدمات نفسية لأنهم كانوا يرون تلالاً من جثث الإيرانيين تتراكم أمامهم ، لكن هذه الموجة انتهت بهزيمة ماحقة ومذلة للإيرانيين وكان أبرز تجلياتها قول خميني مُكرهاً : ( بانني أقبل وقف اطلاق النار وكأنني أشرب السم الزعاف ) .
ازدواجية الشخصية الفارسية ( العناد الحاد ونقيضه الانهيار الحاد ) ما كان لها أن تطغى لو لم يبدي العراق وشعبه صموداً وشجاعة لا متناهيتين تجاه هجمات إسرائيل الشرقية عليه فتوقف العناد عند حدوده وبدأت تداعيات هذا الاكتشاف تظهر حتى وصلت حد التيقن بأن الاستسلام أفضل من الموت بنار عدو لا يستسلم ، هذا الدرس تذكرنا به حادثة تاريخية شهيرة وهي أن " هاشمي رفسنجاني " الرئيس الإيراني دخل على خميني وقال له ( مولانا الجيش العراقي سيدخل الأراضي الإيرانية مجدداً وقواتنا انهارت ولم نعد قادرين على مواصلة الحرب فيجب قبول وقف اطلاق النار وإلا سنجد الجيش العراقي في طهران ) ، فاستسلم من عد الأكثر عناداً وشعبية وقوة ، وهذا درس يجب تذكره دائماً ونحن نتقاتل مع الفرس لأنه مفتاح النصر .
2- الثورة تجاوزت احتمالات الفشل وتسلقت قمة النصر التاريخي حتى مع بقاء نظام التبعية حتى الآن ، فقد مرت أربعة شهور مترعة بالتضحيات السخية من الشهداء والجرحى والمفقودين ، ولم يتراجع الثوار أبداً عن هدفهم الأسمى ومفتاح النصر والخلاص وهو إنهاء الاستعمار الإيراني وبدايته الحتمية إنهاء الميليشيات التابعة له ، وبهذا حققت الثورة أهم الأهداف وهو الوصول إلى نقطة اقناع الفرس بأن الثوار في العراق لن يستسلموا أبداً ومهما كانت التضحيات ، مقابل تبدد قوى إسرائيل الشرقية بسقوط الحجر الأول من دومينو المخطط الاستعماري الإيراني وهو الحجر العراقي الذي أخذ يسقط على ما وراءه وسيسقطه بحتمية لا مفر منها تبعاً لقوانين فيزياء لعبة الدومينو ، ولذلك نسال مجدداً : ما الذي أسقط الحجر الأول في لعبة الدومينو وسيسقط بعده حتماً بقية الأحجار بحكم آليات لعبة الدومينو ؟ .
3- راهنت الخمينية وبعدها الخامنئية على تغطية نقطة الضعف القاتلة في المشروع الفارسي وهي عجز الفرس عن القتال خارج وطنهم الأصلي باختيار الاستراتجيية الصهيونية نفسها وهي القتال في الخارج ولكن بأدوات غير فارسية ، وهي ما يسمى بـ( الحاضنات ) التي تتولى القتال والدعم نيابة عن نخب الفرس وبأمر منها ، إضافة لحقيقة أُخرى تميز المشروعين الاستعماريين الفارسي والصهيوني وهي أنهما كلاهما يفتقران للموارد المادية لقيام مشروعهما ويعتمدان على موارد العرب المادية من مياه وأراضٍ زراعية وثروات معدنية وغيرها ، فكانت استراتيجية الصهاينة تتمثل في ( أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ) والمشروع الفارسي ( نشر الثورة الإسلامية ) تعبيراً عن هذه الحاجة الحتمية فإن فشلاً في حيازة موارد العرب انهار المشروعان .
4- خطة الحاضنة إذا تقتضي تحقيق ضمانتين أساسيتين لا غنى عنهما : الضمانة الأولى أن يكون تحت قيادة النخب القومية الفارسية عرب منظمون في ميليشيات تنفذ الخطط والأوامر الفارسية وكتل شعبية داعمة لها تغذيها ، والضمانة الثانية أن تسيطر هذه الكتل والميليشيات على موارد العراق وتسخرها لخدمة أهداف الاستعمار الفارسي ، وبدون هاتين الضمانتين ينهار المشروع الفارسي ، والثورة العراقية نجحت في إسقاط فكرة الحاضنة بتفجير الثورة في جنوب العراق وهو مكانها المفترض طبقاً لحسابات المشروع الفارسي ، فأثبت أهل الجنوب بأنهم عرب أولاً وقبل الدين والطائفة وأن عروبتهم هي هويتهم السيدة ، وإسقاط نظرية الحاضنة أفضى إلى نتيجة خطيرة أُخرى وهي بدأ عملية إنهاء استيلاء الفرس على موارد العراق التي كانت تشكل نسبة تزيد على 80% من موارد إسرائيل الشرقية التي تستخدمها لتغذية توسعها في الأقطار العربية ، وكان هدف وشعار ( نريد وطن ) الذي رفعه الثوار بإصرار ثابت تعبير دقيق عن رفض جعل العراق حاضنة ومنع استخدام موارده لدعم الاستعمار الفارسي في آن واحد ، وبسقوط الحاضنة وظهور مقدمات توقف الموارد العراقية يكون الاستعماري الفارسي قد وصل حالة جيش فقد قوته الاستراتيجية من السلاح والرجال ولم يبق له إلا كتائبه المحدوة وهي تتناقص تدريجياً مع كل معركة .
5- هذا التغيير هو الذي دفع خامنئي لإصدار أوامره باستخدام العنف في أقسى أشكاله لقمع الثورة ، وكان اختيار مقتدى الصدر لتنفيذ المرحلة الحالية من الخطة الإيرانية أحد أبرز أدلة ضمور خيارات إسرائيل الشرقية لأنها وضعت التيار الصدري كاحتياطي استراتيجي لا يستخدم إلا كأخر حل ، والحقيقة الأساسية الآن التي أخذ يراها بصورة متزايدة كل مراقب أو مشارك في الثورة هي أن قوة الميليشيات تتأكل وتتقلص يومياً مقابل اتساع مشاركة الجماهير في االثورة خصوصاً الزيادة ذات الأهمية الخاصة للنساء في الثورة ، وهو تطور يعزز بقوة هائلة معنويات الثوار وبنفس الوقت يعجل بانهيار من تبقى مع الغزو الفارسي .
6- بتجريد إسرائيل الشرقية من المراهنة على وجود حاضنة لها في العراق وبالتقلص الهائل في إعداد الميليشيات خصوصاً بعد ترك أغلب جماهير الصدريين لجيش المهدي وسرايا السلام وعزل مقتدى والهتاف ضده مباشرة من قبل الكثير من أنصاره السابقين ( لا الله إلا الله ، مقتدى عدو الله ) ، تحقق للعراق أهم الانتصارات الاستراتيجية وسقطت قطعة الدومينو العراقية على ما بعدها في لبنان وسوريا واليمن ما سيؤدي الى تساقط أحجار تلك الأقطار حتما في عملية متتابعة لن تستطيع لا إسرائيل الشرقية ولا إسرائيل الغربية ولا الغرب إيقافها لسبب بسيط هو أنها جوهر عملية الدومينو المتحكمة بالصراع الآن .
7- تلك هي ضمانة النصر النهائي وهي تتويج طبيعي للنصر الذي تحقق الآن وهو تجريد إسرائيل الشرقية من أهم عوامل توسعها وبروز قوة صد شعبية صامدة هي الثوار الذين أبدوا استعداداً عظيماً للتضحية وعدم التراجع صدم خامنئي وبث الرعب في صفوف الفرس ونغولهم العرب في العراق وغيره ، ولا يقتصر الأمر على ذلك فالصراع الحالي تم فيه النصر ليس بدعم خارجي عربي أو دولي بل بقوة وتضحيات الثوار أولاً وأخيراً لأن دعم البعض كان مجرد كلمات بدليل تأييد الغرب والأمم المتحدة لاختيارمحمد علاوي لرئاسة الوزارة في حين أن نفس الجهات تحفظت على نجاح البرلمان اللبناني بدعم وزارة إحسان دياب ! ، وهو تعبير واضح عن موقف غربي أساسه منع تحول الانتفاضة إلى ثورة جذرية تحرر العراق ثم تتعاقب عملية سقوط أحجار الدومينو العربية وفي هذا تهديد لمصالح قوى عديدة .
لقد حققت الثورة العراقية كل تقدمها بقوتها الذاتية ودعم الشعب للشباب الثائر وليس بفضل أي دعم خارجي ولهذا ستستمر الثورة وتتعاظم حتى تسقط العملية السياسية وتنهي الميليشيات الإيرانية ، وهذا التحول النوعي في الصراع حسم لصالح حركة التحرر العربية على الأقل من زاوية إسقاط المشروع القومي الفارسي .
إنه الانجاز الأهم وهو تحول تاريخي إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المشروع الفارسي لم يكن يتوسع بقوته الذاتية وإنما بدعم الغرب والصهيونية له خصوصاً عبر إسقاط النظام الوطني في العراق وتسليمه بطاقاته البشرية والمادية لنظام خامنئي ، ويترتب على ذلك أن زخم الثورة الشبابية سيتغلب على كافة العقبات وستحقق الثورة هدفها الاستراتيجي الأهم مرحلياً وهو طرد الفرس من العراق وهي خطوة على طريق طويل فيه محطات نضال أُخرى متتابعة .
الثورة العراقية جردت الفرس ونغولهم من المعنويات وأخذت تمنع عنهم موارد قوتهم وما المحاولات الفاشلة لإطلاق قمر صناعي إلا تعبير عن يأس نظام الملالي حيث يحاول رفع المعنويات المنهارة ، وإذا بقي على عناده سيموت جوعاً وعطشاً في صحراء العزلة الشعبية وصمود الثوار اللانهائي .
Almukhtar44@gmail.com
12-2-2020
Comments