الرفيق المجاهد صلاح المختار - أصول استراتيجية اجتثاث البعث
- مفكر قومي
- Apr 7, 2018
- 5 min read

- أصول استراتيجية اجتثاث البعث -
ونحن نحتفل ذكرى تأسيس البعث نرى ضرورة الاهتمام بالأسباب الرئيسة وراء تبني استراتيجية اجتثاث البعث ، بطرح سؤالين جوهريين :
لِمَ استهدفت أمريكا البعث وعدّته العدو الأخطر وجندت إمكاناتها وكل من استطاعت دفعه للمساهمة في الحرب العالمية الأطول في تاريخ البشرية ( مستمرة منذ عام 1991 وحتى الآن ) والتي شنت ضد نظام البعث ؟ .
وما الذي جمع الغرب الاستعماري بقيادة أمريكا بكل من الصهيونية وكيانها الاستعماري في فلسطين وإسرائيل الشرقية وشكل هؤلاء ثلاثي الشر المطلق الذي سخر قواه كلها لتدمير البعث واجتثاثه إذا كان مجرد حزب يمكن تصفيته بطريقة أقل شمولية ؟ .
ثمة ثلاثة مشاريع دولية وإقليمية ، امبراطورية الطبيعة ، متنافسة حول موارد الوطن العربي أهمها الآن المشروع الامبريالي الأمريكي ، إمبريالي فقط لأنه بدون استيطان سكاني ، والمشروع الامبريالي - الاستعماري الصهيوني ، لأنه يعتمد على الاستيطان السكاني ، والمشروع الامبريالي - الاستعماري الإيراني ، لأنه ومثل المشروع الصهيوني يعتمد على الاستيطان السكاني الفارسي ، وهي مشاريع تعادي المشروع القومي العربي النهضوي لأن المشاريع الثلاثة تعتمد على نفس الرقعة الجغرافية ومواردها وهي أرض وموارد الوطن العربي .
المشروع الامبريالي الأمريكي يشبه مصاباً بالسرطان في مراحله الأخيرة ويكتشف أن دواءه الوحيد موجود في مكان واحد فقط لهذا يتركز جهده الأخير قبل الموت على الحصول على الدواء بأي طريقة وثمن ، وأمريكا التي دخلت طور الأزمة البنيوية ، وهي أزمة شيخوخة كما في البشر ، منذ السبعينيات وصلت مرحلة الاحتضار في نهاية القرن الماضي فقررت الاستيلاء بالقوة المفرطة على دواء سرطانها المميت وهو مصادر الثروة التي تعوض بها تفاقم عجزها بتحولها إلى دولة مدينة للعالم بأكثر مما تنتج وتملك ، فهي تعيش على الدين وتحارب وتمارس النهب بالقوة لتوفير مصادر بقاءها ، والوطن العربي هو أحد أهم مصادر تحقيق هذا الهدف بحكم امتلاكه المال بأرقام هائلة إضافة لمصادر الطاقة النفط والغاز والموقع المتوسط بين أمريكا وبين القوى الصاعدة والتي تهدد الدور الأمريكي خصوصاً الصين وروسيا والهند .
لهذا تصر على منع العرب من امتلاك أي مصدر قوة لإبقاءهم تابعين ومتشرذمين وضعفاء ، وهذه السيطرة تعادل بقاء أمريكا قوية رغم تدهور مواردها الذاتية مما يجعلها تنظر لأي طرف عربي يناضل من أجل تسخير موارد العرب لخدمة نهضتهم وتحررهم وتوفير شروط العيش الكريم بصفته عدواً يجب تصفيته .
هل تسمح أمريكا بتعاظم قوة واقتدار أي طرف عربي يناضل من خلال مشروع نهضوي يعزز قوة العرب ويمكنهم من السيطرة على ثرواتهم وموقعهم ؟ ، الجواب هو كلا ، لأن أي مشروع نهضوي عربي يوحد العرب يصبح تلقائياً وفوراً هدفاً للعداء الأمريكي ، وهو ما واجهه المشروع القومي العربي في زمن ناصر في مصر وفي زمن البعث في العراق لأنه مشروع يوحد الأمة اعتماداً على مبدأ المواطنة المتساوية وبغض النظر الخلفية الدينية والإثنية .
بعد تصفية ناصر وانحسار الناصرية بقي البعث ونظامه الوطني أهم عقبة أمام المشروع الامبراطوري الأمريكي لجعل القرن الجديد قرنا أمريكياً كما وعد بوش الأب علناً وكما حلمت أمريكا طوال أكثر من قرنين .
وهنا نرى تناقضاً حاداً بين المشروع الأمريكي والمشروع القومي البعثي في العراق وهو أساس قانون اجتثاث البعث بعد أن فشلت كافة المحاولات غير العسكرية ثم العسكرية منذ الثمانينيات وحتى غزو العراق في احتواء النظام الوطني ونجاح البعث في تحرير قاعدة عربية أساسية وجعلها منطلقاً له ومصدر تعزيز قوته ودوره القومي وهي العراق .
أما الصهيونية وكيانها فأزمتها أكثر خطورة من أزمة أمريكا البنيوية فالمشروع الصهيوني خطط له كي يعيش ويتوسع أن لا يبقى محصوراً في فلسطين أبداً لأن ذلك يعني موته التلقائي وبدون حروب لأن فلسطين بسيطة الموارد وهي تكفي لدولة بسيطة وصغيرة ولكنها لا تكفي لامبراطورية إقليمية تسيطر على العالم كما خططت الصهيونية ، ولهذا فإن أول وأهم أهداف الصهيونية هو تنفيذ شعارها التقليدي ( أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ) والذي كان معلقاً في الكنيست ، ويترجم بجعل إسرائيل الغربية دولة تقع بين النيل في مصر والفرات في العراق ، والسبب معروف وواضح : فهذه المنطقة هي منطقة الخصب والنماء عبر آلاف السنين وإذا أُضيف النفط والغاز صارت أكثر أهمية لكافة الأطراف الاقليمية والدولية ، وكان ذلك السبب الرئيس لتصفية نظام ناصر في مصر والعمل على تقزيمها بتفتيتها وتحويلها إلى كيان يعتمد على الغير .
وبتغييب ناصر بقي العراق بقيادة البعث العقبة الأساسية ، فكان استهدافه الهدف الصهيوني الأول فما دام النظام البعثي قائماً فإن العراق سيبقى قوياً بل وقادراً ليس فقط على منع تحقيق المشروع الصهيوني بين الفرات أو النيل ، وذلك يعني عملياً انهيار إسرائيل الغربية تلقائياً ، بل وأيضاً يمكنه تهديد الكيان الصهيوني مباشرة وتجلى ذلك عملياً بقيام العراق بقيادة صدام بإسقاط أهم النظريات الصهيونية وهي ( نظرية الأمن الإسرائيلي ) التي قامت على جعل كافة الحروب تجري في أرض العرب وتمنع وقوعها في فلسطين المحتلة فكان قصفها ب43 صاروخاً استراتيجياً في عام 1991 من قبل العراق إسقاط مباشر لتلك النظرية وفتح كافة الأبواب لنقل الحرب إلى داخل فلسطين المحتلة وهو الخطر المميت الذي كانت تتجنبه طوال عقود الصراع .
وهكذا ، أدركت إسرائيل الغربية ومعها الغرب الامبريالي بأن منطقة ما بين الفرات والنيل من المستحيل غزوها ما دام في العراق نظام وطني وقومي قوي وفعال ، وهنا نرى المصلحة الصهيونية الأساسية في اجتثاث نظام البعث في العراق فهو مطلب حياة أو موت للمشروع الامبراطوري الصهيوني .
أما مشروع الطرف الأكثر عداء للعراق والأمة العربية وهو إسرائيل الشرقية فهو ومثل المشروعين الأمريكي والصهيوني لا يمكن إقامته إلا بالاعتماد على موارد العرب خصوصاً الماء والأرض الزراعية والنفط والغاز ، فأرض فارس تتميز بأنها منطقة هضاب جرداء وفقيرة وتتجلى هذه الحقيقة الجغرافية في أن ما يصلح للزراعة من أراض فارسية لا تزيد نسبتها عن 15% من مجموع الأرض الواسعة ، والأخطر من تلك الحقيقة هو أن هذه النسبة لا توجد مياه تكفي لإرواءها ، وهنا يكمن مقتل المشروع القومي الفارسي إذا لم يتم احتلال العراق أولاً لضمان الماء والأرض الزراعية وغيرها . وهذه الحقيقة هي التي تفسر ظاهرة معروفة في التاريخ وهي أن غزوات الفرس وهجراتهم الجماعية الرئيسة عبر التاريخ كانت تتجه نحو الغرب أي العراق وليس إلى الشمال أو الغرب لأن العراق تتوفر فيه المياه والأرض الصالحة للزراعة وهو ما تحتاج إليه بلاد فارس .
ولتأكيد هذه الحقيقة فقد اعترف شاه إيران في كتاب ألفه بعد إسقاط المخابرات الأمريكية له عنوانه ( رد للتاريخ ) بأن بلده يواجه أزمة قحط ومجاعات إذا لم تمطر السماء سنتين متتاليتين .
في ضوء ما تقدم نرى أن المشاريع الامبراطورية الأخطر وهي المشاريع الأمريكية والصهيونية والإيرانية ، كلها تعتمد في نجاحها على تحقيق هدف حاسم وبدونه لن تنجح أو تحل مشاكلها الخطيرة وهو غزو منطقة ما بين الفرات والنيل أولاً ، ثم التوسع لاحقاً في بقية الوطن العربي ، وهذا يفرض فرضاً إجهاض أي مشروع قومي عربي لأنه يوحد العرب ويعزز قوتهم ويمنحهم القدرة على دحر المشاريع الثلاثة وبناء دولة عربية واحدة تتحكم في الإقليم وتلعب دوراً أساسياً في العالم وهو أمر مرفوض استراتيجياً .
وهذه الحقائق المادية والميدانية تحدد لنا بدقة الدوافع الاستراتيجية الأهم لتبني استراتيجية اجتثاث البعث وليس فقط إسقاط نظامه .
إن التيارات الإسلاموية ، شيعية وسنية ، تقوم على أيديولوجيا طائفية أهم آلياتها وقوانينها التشرذم ومنع التوحد ، فوجود طوائف وتعدد الاتجاهات والفرق داخل الطائفة الواحدة يجعلها خير مناخ لتفتيت العرب ومنع وحدتهم ، ناهيك عن الطبيعة الميتافيزيقية للدين والتي تنتج تلقائياً نظريات من المستحيل الاتفاق حولها .
وهنا نرى بيئة تفريخ التشرذم الدائم والمتوسع بلا توقف ، بعكس القومية العربية التي توحد الناس لبعدها عن الميتافيزيق ومفاقس الطوائف ، وهذا هو ما جعل المشروعين الأمريكي والصهيوني يدعمان المشروع الامبراطوري الإيراني مباشرة لأنه مشروع معاد للعرب ويملك أدوات شرذمتهم وهو الأداة الطائفية .
هل نفهم الآن لِمَ تلاقت هذه القوى الثلاثة على موقف مشترك وهو معاداة البعث والإصرار على اجتثاثه ؟
Almukhtar44@gmail.com
6-4-2018















































Comments