الدروس الفوائد في استشهاد القائد - الدرس الأول / الإقبال على الله
- جومرد حقي إسماعيل
- Apr 24, 2018
- 5 min read

الدروس الفوائد ... في استشهاد القائد
- الدرس الأول : ( الإقبال على الله ) -
- جومرد حقي إسماعيل -
الإقبال على الله تعالى مطلوب في كل عمل مراد به وجه الله تعالى ، وفي ذلك درجات ، تعتمد على درجة بلوغ المراتب الإيمانية عند المؤمن ، وفي آيات الله تعالى وما جاء في السنّة النبوية الشريفة إشارات واضحة على اختلاف القلوب في المعنى الحقيقي للإقبال على الله تعالى ، فقال سيدنا المصطفى محمّد صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه )) ، قالت عائشة ( رضي الله تعالى عنها ) : إنا لنكره الموت ! قال : (( ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه )) .
وبالتأكيد ، فإن المقبل على الله تعالى قاصداً لقاءه هو ذلك المؤمن الموقن المبشر بفرحة الآخرة وأمانها { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ () ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } ، أما الذي يكره لقاء ربه ، فهو ذلك العاصي القاسي قلبه الممسوخ وجهه بالفعل الشيطاني المتبع { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ () تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ () أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } .
ومن تدبرنا لوجه قائدنا المجاهد الشهيد ، صدام حسين المجيد ، في لحظات اغتياله ونيله وسام الشهادة ، أيقنا أنه ما كان مقبلاً على موت ، بل إنه كان مقبلاً على الله تعالى بكل معاني الرضا والتسليم والصبر واليقين ، ذلك لأننا رأينا الأمان على وجهه المنور بنور جده المصطفى صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم المتصل بنور الحضرة القدسية .
من المعلوم ، أنه ليس من إنسان لا يخاف الموت ، حتى جعله العارفون خير واعظ للناس ، وفيه قال حضرة سيدنا النبي محمّد صلَى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم (( أكثروا ذكر هاذم اللذات ، الموت )) ، هاذم : مُغيِّب ، لكن ، وعند الذين اجتهدوا في التحقيق وعلوم الحقيقة قد وقفوا على مراتب للكمالات الإنسانية ، وكذا تدني صفاتها ، فالإنسان الذي يرتقي في كمالاته الإنسانية إنما هو يبتعد عن المادية مقترباً من الصفات الملائكية ونورانيتها حتى يكون ربانياً في خلق الله يذكر الناس بالله إذا رأوه ، وبالعكس تماماً هو حال تدني الصفات الإنسانية حتى بلوغها الصفات البهيمية الإبليسية ، فلذلك نجد المترقي في مراتب الكمالات الإنسانية لا يرهبه الموت لاستواء الحال لديه في انقطاعه عن ماديات الدنيا واتصاله الروحي بالمعاني الخالدة في فسحة الحياة الأبدية ، ثم أن من أتاه الموت وهو في حال الاتصال الروحي العظيم بشره الله تعالى بالجنّة { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
الناظر لمشهد اغتيال القائد الرمز بتدبر ، سيوقن أن القائد الشهيد ما كان يرى حبل المشنقة ، بل إنه كان يرى مقعده في الجنّة وكان يرى الملائكة من حوله تبارك له درجة عظيمة هو ذاهب لها ، وهذا هو من عظمة الانقطاع المادي عن الدنيا ، بل هو فرح نراه على وجهه الشريف حتى بعد أن تدلى به الحبل ، وهذه هي الوجوه المستبشرة ، الفرحة بلقاء ربها { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ () لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ () فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } .
وفي حقيقة الأمر ، أن الله تعالى قد منَّ على قائدنا المجاهد بمرتبة الشهادة ، وهي منَّة على هذه الأمّة أن جعل فيها قائداً كصدام حسين مقبلاً على الله في سفر حياته المليئة بالمواقف والثوابت الإيمانية قد لا نبالغ إذا قلنا بعدم تماثل قادة كبار سبقوه في الشهادة معه ، على مستوى الحضور والتحدي الميداني وظروفها وخاتمته التي يتمناها كل مؤمن في هذه الأمّة ، لأنه قائد فينا ، وخاتمته وسام على صدور الشرفاء في هذه الأمّة أَن رضوه قائداً وإماماً فيهم ، ولو تدبرنا سير الصحابة الكرام ، ومع ثبات درجاتهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فإن الكثير منهم لم ينل خاتمة كخاتمة الشهيد المجيد ، ولا اعتراض شرعي في ذلك حيث يقول مولانا ربُّ العالمين { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } .
لقد كان القائد الشهيد مقبلاً على الله تعالى في حياته ، ومن قراءة لتأريخه النضالي نفهم الحقيقة التي عمل بها القائد الشهيد على رأس السلطة أو قبلها وكذا في فترة نضاله السري ، في السلم وفي الحرب ، في ساحات الجهاد أو في الأسر ، القائد صدام هو صدام ، ذلك الداخل في قول الله تعالى { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } .
إن الجهد والجهاد الذي عمل فيه قائدنا الشهيد وهو يبني عراقاً كبيراً عظيماً بعد أن أعاد ثقة العراقي بنفسه حتى وصل إلى أن يتحدى المستحيل ويمضي مع قائده في بناء العراق ، فكان بناء الشخصية العراقية وبناء العراق العظيم ديدن القائد وأهم منجز كفُل الانتصار حيث يدخل البانون في قول الله تعالى { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، وهكذا ، وبرحمة من الله وعمل تحروا فيه مرضاة الله تعالى ، كتبت لهم وتكتب هذه الخواتيم المباركات وهم لها ناظرون وناظرون ، بخلافهم ، أولئك الذين كانت الدنيا أكبر همهم ، فتركوا ساحة الجهاد وفرصة الشهادة وأمر الله تعالى خوفاً على حياتهم وأموالهم وزرعهم ، أولئك الذين يبكي البعض منهم ندماً على ما فرط فيه في جنب الله تعالى وترك ميدان الجهاد والإقبال على الله تعالى ليقبل على الدنيا وهو يعلم أنها فانية ، فتراه خاسراً في دنياه وخاسراً في أخراه إذا لم يستثمر الهداية الربانية ويلتحق برفاقه في ساحات الوغى ، وفي نيته الالتحاق بقافلة الشهداء ويوافق دعواه في انقياده للمنهج البعثي والحقيقة الصدامية ودعواه التي طالما كان يرددها وهي القتال تحت راية الله أكبر والذود عن حما الأرض والعرض ، وفي ذلك قد أقسم الكثير ممن يلوون رؤوسهم اليوم ذارفين دميعات لا تسمن ولا تغني من جوع ، والله أكبر .
وهنا ، نذكر بقول سيدنا المصطفى محمّد صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( من لقي العدو فصبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره )) وقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله تعالى ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله تعالى له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا جعل الله قلوب المؤمنين تغدوا إليه بالود والرحمة ، وكان الله تعالى إليه بكل خير أسرع )) ، وهذا هو درسنا في هذا المشهد العظيم ، ثم أرأيتم كم من النفوس التي كانت تحمل بغضاً منكراً وباطلاً للشهيد المجيد ، فصارت اليوم تجلّه وتمجده لما قد رأته فيه من الثبات حتى بعد أن لُفَّ حبل الاغتيال ( المشنقة ) على رقبته ، ذلك الثبات واليقين الذي جعلاه وبفضل من الله تعالى أن يدرك ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ) مرتين ، في أعظم كلمة يغادر بها الدنيا ، ليقول للناس أجمع من كان الله ربّه ومحمّد نبيه والإسلام دينه ، وعبد الله تعالى لا يشرك به شيئاً ، وأقبل على الله تعالى محباً لقاءَه ، فإنه سيتذوق حلاوة الشهادتين وهو يودع بها هذه الدنيا ، بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } ، والله أكبر وليخسأ الخاسئون .
Comments