الدروس الفوائد في استشهاد القائد - الدرس الثالث ( البشرى )
- جومرد حقي إسماعيل
- Apr 27, 2018
- 5 min read

الدروس الفوائد .. في استشهاد القائد
الدرس الثالث ( البشرى )
البشرى ، هو كل ما يسرُّ الإنسان من خبر أو فعل أو رؤية يراها ، حيث أن الرؤية الصالحة من الله ، بشرى يبشر بها المؤمن ، وهي حظ من النبوة ، ويقول سيدنا المصطفى صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( أيها الناس ! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له )) ، والبشرى أعلى مراتب السرور ، وهي تأتي موهوبة بالرحمة الربانية كجزاء عن فعل واجتهاد ، فيبشر المجاهد بإحدى الحسنيين ، ويبشر الزارع بالحصد الوفير ، ويبشر طالب العلم بالنجاح ، والبشرى فرح واطمئنان سرمدي { وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } ، فكل بشرى سرور وليس كل سرور بشرى ، ولذلك فإننا نقرأ عن المبشرات في كتاب الله تعالى ، وعلمنا بالمبشرين بالجنّة ، وأخبرنا الباري سبحانه وتعالى ببشرى الصابرين ، وأن البشرى خصوص للمؤمنين { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } ، وقد تأتي البشرى بمعنى الوعيد ، فهذا خاص بالكفار والمشركين ، أي أنه خبر مصيرهم المشؤوم ، أعاذنا الله وإياكم أن نكون في ذلك المصير ، والبشرى إذا كانت مفرحة أو وعيداً ، فإنها ترتسم على وجه حاملها ، فتعلم وأنت تراه أنها البشرى مرتسمة على وجهه المنور بالنور الربّاني ، أو وعيداً قد مسخ الله تعالى بها صورته ، فترى الوجوم على الممسوخة وجوههم ، خصوصاً إذا كان من أولائك الذين ختم الله على قلوبهم .
وليس من بشرى أعظم من بشرى الجنّة ، حيث يبشر المؤمن بها في الدنيا قبل الآخرة ، وهي للمؤمن ، لأن العامل في مرتبة الإسلام يغادر الدنيا وهو لا يعلم إلى أين ذاهب ، أجنّة أم إلى نار هو ذاهب إليها ؟ ، والبشرى غالباً ما تكون راحة في القلب واطمئنان في العيش ، وهذا الحال نراه عند الزاهدين في الدنيا والصابرين عليها وزخرفها ، وقمة البشرى تستقر على محيا وفي قلوب المجاهدين الذين جعلوا أنفسهم وأموالهم ، قولهم وفعلهم ، في سبيل الله تعالى ، حيث استقر عندهم اليقين بالبشرى فوزاً بإحدى الحسنيين ، وأن الجنّة أعدها الله تعالى للمتقين الذين تستقر معاني التقوى عندهم حالاً ومقاماً في حضورهم ساحات الوغى مجاهدين في سبيل الله تعالى ، يضربون بقوة الله ، متوكلين عليه سبحانه القوي ، فكانوا وما يملكون لله ، ويكون قولهم وفعلهم بالله وفي الله ولله { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وفي حال إمامنا الشهيد ، قائدنا المجاهد ، صدام حسين المجيد ، نجد أنه ، فدا اسمه نفسي وولدي ، قد كان محمّدياً فينا ، وحاله داخل في البشرى والبشارة ، فكان في حياته الدنيا مطمئناً لقدر الله تعالى ، ومؤمناً بأمّته وخيريتها على سائر الأمم ، وموقناً بأن النصر حليف هذه الأمّة ومن جاهد في سبيل الله تعال من أجلها ، فتراه مناضلاً حاملاً روحه على أكفه يعمل في الصفوف الأولى متقدماً رفاق دربه في حزب البعث العربي الاشتراكي ، حتى أتاه البشير له وللحزب العظيم ، بانتصار الثورة المجيدة ، ثورة السابع عشر - الثلاثين من تموز من عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين ، فكان حضوره في صدارة الحزب والدولة مجلبة للبشائر العظيمة للشعب ولكافة جماهير الأمّة ، بأن في الأمّة قوة لا تنضب ونبض لا يفتر ، ودماء طاهرة شريفة تتدفق لتروي اطمئنان الأرض بأن على ظهرها رجال يقدمون الغالي والنفيس في حفظها وطهارة ترابها الغالي .
ومن أحواله المحمّدية ، قدّس سرّه ، أنه قد أدركت الأمّة بأن بشائر النصر آتية مادام فيهم قائد ما انفك يضرب الطاغوت وأهله بقوة الله وتمكينه { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ } ، وكان إذا حل في أرض بدت على تلك البقعة بشائر الخير العميم ، وفي البشرى التي كانت ترتسم على محياه الشريف ، أنه ومع تضارب أخبار فعل الرجال في ساحات الوغى في القادسية المجيدة وأم المعارك الخالدة ، كان إذا ظهر إلى الناس وقد ارتسمت على وجهه الشريف ابتسامة نورانية قد عهدناها فيه ، علم الناس أن رجال القادسية وأم المعارك قد لبسوا حلّة النصر ، فيستبشر الشعب وتستبشر الأمّة بوجهه الفليح المبارك ، وهذا حال محمّدي ، نعم ، لأنه كان موافقاً ومتأسياً بالخطى المحمّدية ، جده البشير والنذير صلّى الله تعالى عليه وسلّم ، وقد روي عن أبي طلحة قوله ( أتى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم والبشرى يرى في وجهه ) .
وفي مشهد الاستشهاد ، قد تجلت على وجهه الشريف علامات البشائر ، برضا الله تعالى ، وبشرى الجنّة والنصر المبين ، حتى أنك توقن كم استغرق القائد المجاهد ، قدّس سرّه ، في ألطاف البشائر الربانيّة وهو يتقدم نحو نقطة الاستشهاد ، بوابة الخير التي قد أعدها الله تعالى له ، ليجعل له خاتمة الشهادة أعظم بشرى له يحظاها في حياته الدنيا ، وهو الذي اعتاد البشائر من الله تعالى في نضاله وجهاده ، في الحرب إذا اشتدت أوزارها ، وفي السلم إذا اشتغل العراقيون البناة في إعلاء صروح دولتهم وبنيتها التحتية ، وكانت البشرى معه في الخطوط الأمامية في ساحات القتال ، وكانت البشرى معه إذا حل في المصنع أو الحقل أو في بيت وقد اعتاد زيارة الناس في بيوتهم ومعاملهم ومزارعهم ، ليطمئن على حالهم وأحوالهم ، وكانت البشرى معه بين رفاقه في صفوف المقاومة البطلة ، وكانت البشرى معه في ما يسمونها محكمة الدجيل المشبوهة .
الذي يتدبر مشهد استشهاد القائد المجاهد ، قدّس سرّه ، سيرى أنه حقيقة كان يستمع إلى صوت غير صوت أولئك المجرمون الخونة ، لأنهم كانوا يحدثونه عن ترتيبات الموت في زعمهم ، وحديث الموت صعب وشديد ، لا يجلب تلك الابتسامة التي قد دوخت العالم في أسرارها ، هنا ، توقن مداركنا وتطمئن القلوب بأن القائد المجاهد كان يستمع إلى صوت فيه النفحات والتلطيفات الربّانيّة ، وكان يستمع إلى البشائر المحملة إليه من العزيز القوي سبحانه ، حيث بُشِّرَ بمرضاة الله تعالى ، وبُشِّر بإدراك الشهادتين ، وبُشِّرَ بالمقام العظيم عند جده المصطفى صلّى الله تعالى عليه وسلّم ، وبُشِّرَ بالجنّة ومقعده فيها ، فاستقرت على وجهه المبارك ابتسامة مكنونها الفرح العظيم بالكرم الربّاني العظيم ، فأيقن أنه ذاهب إلى حياة النعيم لا موت فيها { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } ، فبالله عليكم ، الذي يسمع ويرى كل ذلك اللطف الإلهي ، هل يبقى في جوارحه ارتباط في أثر من الدنيا ؟ ، وهل يُقبِلُ على الله تعال ويلقاه إلا بمثل تلك الابتسامة التي غادر بها المجاهد الشهيد ظاهر الدنيا ؟ .
وهذا هو درس من دروس القائد قدمها لأمّته في دقائق معدودات ختم بها جهده وجهاده في حياته الدنيا ، ليعطي رفاقه وأمّته معنىً في الاطمئنان لما في يد الله تعالى وليذكر أمّته بقول الله تعالى { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { } الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } ، ويدعونا سيدي وحبيبي إلى تذوق طعم البشائر الربّانية ، وأنه من عمل لدينه وأمّته وأرضه وعرضه فإنه ستناله بشرى من الله تعالى بالفوز العظيم ، ومن عمل لنفسه ودولاراته فليراجع نفسه قبل فوات الأوان ، والله أكبر وليخسأ الخاسئون .
Comentários