الدروس الفوائد في استشهاد القائد - الدرس الرابع ( الأمان )
- جومرد حقي إسماعيل
- Apr 27, 2018
- 5 min read

الدروس الفوائد ... في استشهاد القائد
( الدرس الرابع الأمان )
قال سيدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم في الحديث القدسي عن مولانا رب العالمين (( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ، ولا أمنين : إذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة ، وإذا آمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة )) ، والأمن يوم القيامة هو امتداد لاطمئنان يبشر به العبد في دنياه إذا كان مستقراً في مقامي الخوف والرجاء ، حيث يقول الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ () أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، و{ فلا خوف عليهم } دالة على توكيد الاطمئنان وهذا حادث في دنيا العباد بدليل قوله جل جلاله { أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، حيث يبشر الله تعالى أهل الاطمئنان أصحاب مقام الخوف في الدنيا بالجنة ، ونفوس العباد المتقين ، نفوس مطمئنة ، واطمئنانها كما أسلفنا حال يقيمها الله تعالى بها ، فلا يغادرون الدنيا بأي معنىً من معاني الخوف ، بل يغادرونها بمقام الرجاء الذين استقروا عليه ، بأن ينالهم الله تعالى برحمته رغم أنهم قد بشروا بالجنة ، وهذا حال في رقي المؤمنين والمحسنين في المقامات الروحية المتصلة بالحضرة القدسية ، وفي دلائل الرجاء عند الصحابة والتابعين وأهل الإحسان كثيرة ، وبالرغم من أن بشارة رضوان الله تعالى لهم الفوز بالجنة قد أصابتهم إلا أنهم يبقون في حال الرجاء ناظرين إلى رحمة الله تعالى ونعيمه ، ولنا في فرح بضعة النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم ، سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام عندما أخبرها حضرة سيدنا النبي محمّد صلّى الله تعالى عليه وسلّم بأنها أول الملتحقين به ، هذا هو فرح المؤمن الحقيقي في مغادرة الدنيا إذا اشتاق إلى حياة الخلد والجوار عند عرش الرحمن ، ويقيناً فإن المتربعين في هذا المقام في دنياهم ، هم الذين طلقوا الدنيا بالثلاثة ، وعملوا لأُخراهم في منشطهم وقد أيقنوا أن ما في يد الله تعالى أبقى مما في يد أمريكا وإيران وغيرهم من دول الكفر والضلالة في زمننا هذا { يَا أيَّتُها النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ () ارجِعِى إلى ربِّكِ رَاضِيةً مَرضِيةً ()فادخُلِى في عِبادي () وادخُلِى جَنَّتِى } .
وبعد مقدمتنا هذه ، نقول ، كنا نسمع عن الأمان والاطمئنان ، وفرح المحسنين بالآخرة وبلقاء ربهم ، لكننا ، لم ندرك ذلك مشاهدة إلا بعد مشاهدة ذلك الأمان المرسوم على وجه قائدنا المجاهد صدام حسين المجيد في الدقائق التي سبقت لحظة الاستشهاد ، أمان بائن بينونة الشمس فينا ، أمان ، لأنه قد أيقن علو معنى الشهادة ، مطمئن ، لأنه تدبر كتاب الله تعالى وعلم حق اليقين أن قول الله حق ، وعلم عين اليقين ، أن له حظاً { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } .
يقول العارفون بالله تعالى ( من خاف غير الله ، خاف من كل شيء ، ومن خاف الله ، خاف منه كل شيء ) ، وفي هذا الحال ، لا يخالفنا صديق ولا عدو ، من أن إمامنا المجاهد الشهيد ما كان يخاف إلا الله وحده لا شريك له ، ما خاف أمريكا وغيرها من طواغيت الكون ، فكان مجاهداً من أجل قيام شرعة الله في خلقه ، مجاهداً في ساحات الوغى من أجل الدفاع عن حرمات الله تعالى ودينه ونبيه وعياله من أن تنالها الطواغيت والمجوسية بسوء ، فكان أميناً على دين الله تعالى ، فجعله الله تعالى مأموناً وهو يغادر الدنيا إلى دار البقاء .
ومن الأمان الظاهر عليه ، قدّس الله سره ، إدراكه للشهادتين ( أشهاد أن لا إله إلا الله ، واشهد أن محمّداً رسول الله ) ، وتعالوا معنا نبين قمة معنى الأمان في ذلك ، وقد يقول قائل أن كل مسلم سوف يدرك الشهادتين ، فنقول له ، لا ، والدليل قول سيدنا المصطفى صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنّة )) ، وهذا يعني أن ليس من كان نطقه بـ ( لا إله إلا الله ) في دنياه ضامناً لها لتكون آخر كلامه ، ولبلوغ هذه الخاتمة ، لابد من تعود اللسان هذا الذكر ويكون الذاكر في حال التوحيد العظيم عندما لا يشرك بالله أي من الخلق الفاني ، فليس بمنطق العقل أن يخاف المرء الله موحداً ويخاف أمريكا وأهل الفتنة في الوقت نفسه ، ولكي يضمن المرء خاتمته بـ ( لا إله إلا الله ) ، علمنا النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم ذلك في قوله عندما سأله أحد الصحابة عن شيء يكفل به الجنة ، فقال له صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( لا يزال لسانك رطباً بذكر الله )) ، وسؤال الصحابي عن الشيء ، كان سؤال عن الحال الذي يكون عليه ليكفل الجنة ، وكان جواب الحبيب صلّى الله تعالى عليه وسلّم من جنس السؤال ، فالمعنى أنك تقول ( لا إله إلا الله ) وأنت في حال التوحيد الفعلي ، حيث يكون المرء قائم بالله وفي الله ولله ، ثم نعود إلى معاني الاطمئنان في بلوغ القائد المجاهد الشهادتين ، فنقول بالحديث القدسي الذي أخبرنا به نبينا صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن ربه ، فقال (( لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمن من عذابي )) ، وفي رواية (( لا إله إلا الله حصني ، من قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن عذابي )) ، وهذا دليل على أن القائد المجاهد كان في الحصن الرباني الآمن ، ثم في شهادة ( أن محمّداً رسول الله ) أمان مضاف إلى أمن ( لا إله إلا الله ) ، واستنادنا في ذلك يكون في قول رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( أنزل الله علي أمانين لأمتي { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة )) ، وقول الله تعالى { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } تأكيد على أمان المتبع لخطى النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم وذاكرا له بالصلاة عليه وكذا تدخل الشهادة بأنه رسول الله في ذلك الأمان .
ثم ، من ينكر حضور القائد الشهيد في ساحات القتال في كل المعارك التي خاضها دفاعاً عن أرض الإسلام وعِرض عيال الله في العراق العظيم وفي أمته ، من ينكر حضوره بين رفاقه المجاهدين وهو يقاوم الاحتلال وأهل الكفر والضلال ، وفي ذلك دعونا نذكركم بقول سيدنا النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( من مات مرابطاً في سبيل الله أجرى الله عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل ، وأجرى عليه رزقه ، وأمن من الفتان ، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع )) ، وأهوال يوم القيامة هي سبب من أسباب الخوف من الموت ، لكن ، ولأن القائد الشهيد قد بُشِّرَ بالأمان ، فإننا قد رأينا محياه الشريف منوراً مستبشراً بأمان الطريق الموصل إلى المقام الأمين عند العرش .
هذا هو حال قائدنا الشهيد صدام حسين المجيد ، هذا هو الأمين المأمون ، يعلمنا درساً مضافاً إلى الدروس التي تعلمناها في مدرسته الفكرية الروحية العظيمة ، درس يضيفه لنا في لحظة استشهاده حيث يأبى أن يغادر الدنيا إلا أن يقدم النصح والإرشاد لأمته وشعبه ورفاق دربه ، مفاده ، أن الأمان في الجهاد والنضال ، وأن الخير كل الخير في مغادرة هذه الدنيا بالاطمئنان الذي ذاق حلاوته فانطبعت حلاوة الأمن والإيمان على وجهه الشريف وهو يتقدم إلى نقطة الشهادة لينطلق منها في رحلة الآخرة ، رحلة السعادة الأبدية إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم أمن مطمئن ، والله أكبر وليخسأ الخاسئون .
Comments