top of page

دراسة : لماذا حزب البعث ؟ - الحلقة الثانية


- لماذا حزب البعث ؟ -

حزب البعث ضرورة فكرية ونضالية

وحاجة وطنية وقومية وحدوية

( دراسة في تحليل الأسباب والمراحل )

مكتب الثقافة والاعلام القومي

إصدارات العام 2018



لماذا حـزب البعث ؟

الحلقة الثانية


الانتقال بالعمل السياسي من دور الفرد إلى دور الجماعة


ولأنه من أهم أهداف العمل السياسي تغيير الواقع الفاسد الذي يتناقض مع مصلحة الطبقات المستغلَّة ، كان لا بد من تضافر جهود تلك الطبقات في عمل جماعي ، والعمل الجماعي يكون أشد تأثيراً وأسرع فعالية من الجهود الفردية .

ويتدرج العمل الجماعي من العمل داخل الأندية في المدينة أو القرية ، ويمر بتشكيل تجمعات على أساس المهنة الواحدة تدريجياً من منطقة إدارية واحدة وصولاً إلى السقف الوطني وهو ما تُعرَف بالنقابات على مستوى العمال والفلاحين وأصحاب المهن الحرة ، وينتهي بالعمل الحزبي المنظم وهو الإطار الذي يجمع كل تلك التجمعات وينسق جهودها .


أولاً : العمل النادوي

النادي هو جماعة منتظمة يقوم أعضاؤها بنشاط حر ، وفي إطار هذه الجماعة يتعرف الأعضاء على تجربة ديمقراطية مصغرة ، وعلى تجربة مصغَّرة من العمل الجماعي ، ويكتسبون فيها روح المبادرة وحس المسؤولية ، ويتدربون على مغالبة ميولهم الأنانية ، وعلى العمل مع الآخرين ، وتدبير الصالح العام ، وعلى التسامح ، ونبذ كل تفرقة أساسها الجنس أو العمر أو العرق أو الديانة أو الآراء السياسية أو البيئية الاجتماعية .

وقد يتخذ النادي تسميات أخرى ، مثل : ندوة أو رابطة أو جمعية ، وقد يجمع النادي نشاطات عديدة ، رياضية أو اجتماعية أو ثقافية ، أو أن يكون متخصصاً بنشاط واحد .

وأياً تكن أشكاله وأحجامه وتسمياته ، فالنادي ، أولاً وأخيراً ، يشكل حالة تواصل مهمة بين أبناء القرية الواحدة ، أو الحي الواحد ، وهو أحد الوسائل الجماعية التي يمكن الاستفادة منها في التغيير على مستوى ضيق ، سواءٌ أكان تغييراً مطلبياً تدفع بالجماعة الصغيرة إلى مراقبة أداء أولي الأمر ومساءلتهم ، أم على صعيد التغيير في ثقافة التخلف والأمية ورفع مستوى الوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، ويمكن الاستفادة منه على صعيد النضال المطلبي المحلي الخاص ، وعلى الصعيد المطلبي الوطني .

عادة تنحصر نشاطات الأندية على مستوى قرية صغيرة ، أو على حي من أحياء المدينة ، وعلى الرغم من ذلك ، فإنه يشكل تجربة مهمة للتدريب على الانخراط في الشأن العام ، وهو خطوة أولى على طريق ممارسة .


العمل الحزبي الشامل ، ويُعتبر تجربة مصغَّرة لعمل سياسي منظَّم ، والنجاح فيه يعطي مؤشراً للنجاح في أعمال أكثر تعقيداً وأكثر حركة ، فمن هو عاجز عن ممارسة عملية التغيير في وسط ضيق سيكون أكثر عجزاً من ممارسة عملية التغيير على المستوى الأشمل ، ولهذا يمكن القول : إذا كان يجب عليك أن تكون وطنياً ناجحاً فعليك أن تكون عضواً ناجحاً في وسط بيئتك الاجتماعية التي فيها نشأت ، أو التي فيها تعيش .

وهنا ، لا بدَّ من الإشارة إلى أن على الحزب أن يؤهل أعضاءه المنتسبين إليه لتمكينهم ليس من اكتساب ثقافة العمل النادوي وخبرة العمل فيه فحسب ، بل أن يدفعهم للانخراط في العمل النادوي أيضاً ، وتأسيس الأندية والجمعيات الأهلية في قراهم وأحيائهم ، فهو يشكل حلقة وسيطة بين واقع الناس وهمومهم واهتمامات الأحزاب السياسية وحركات التغيير الاجتماعي والاقتصادي .


ثانياً : العمل النقابي

يُعتبر العمل النقابي مرحلة أكبر من عمل النادي أو الجمعية المحدودة جغرافياً ووسطاً اجتماعياً ، وأقل من العمل الحزبي الذي ينتشر على المستوى الوطني وتشمل نشاطاته كل أوجه التغيير .

فالنقابة هي تنظيم قانوني ، يتكون من أشخاص يتعاطون مهنة واحدة أو مهن متقاربة أو صناعة أو حرفة مرتبطة بعضها ببعض ، وهي تستهدف تحسين ظروف عملهم قانونياً ومادياً ، وتعمل النقابات المهنية على تحقيق أهداف متعددة منها :


- تنظيم العمال والموظفين والحرفيين والمهنيين وتمثيلهم .

- الاطلاع على صعوبات ومشاكل المنخرطين المادية والاجتماعية ودراستها ثم تحويلها إلى مطالب .

- حث أرباب العمل والمسؤولين على تلبية مطالب المنخرطين .

- القيام بأنشطة اجتماعية يستفيد منها المنخرطون كصناديق التعاضد والتقاعد .

إن تشكيل النقابة أمر تفرضه بيئة العمل الخاصة بمجموعة من المهنيين أو العمال الذين يتشاركون في عمل محدد ، و هدفها الأساسي إيجاد مرجعية تدافع عن الحقوق ( العمالية أو المهنية ) لهؤلاء ، انطلاقاً من التغييرات التي يعيشها مجتمعهم مادياً و ثقافياً ، أو تلك التغييرات التي لحقت بمهنتهم نفسها وعكست نفسها على أدائهم وإنتاجيتهم .

إن العمل النقابي هو من أرقى الوسائل التي تستخدمها الطبقات المتضررة من هيمنة النخب من كبار الاقتصاديين والصناعيين والملاَّك الكبار .


ثالثاً : القطاع الطلابي

يبقى القطاع الطلابي ، وهو قطاع له خصوصياته ومميزاته ، فهو يمثل الشريحة الأوسع من صُنَّاع المستقبل ، ولأن منهم سيتخرج كل من سيشغل دوره في عملية الإنتاج أو الخدمات في القطاعين العام والخاص ، فحري بهم أن يستفيدوا من مراحل الدراسة لأجل تكوين وعي سياسي سيقومون بتوظيفه في النضال النقابي بعد التحاقهم بوظائفهم مستقبلاً ، ولأجل الهدف المستقبلي ، إضافة إلى مواكبة هموم الطلبة بشكل خاص وتحسين أداء العملية التربوية بشكل عام ، لابدَّ من تأسيس الروابط والاتحادات الطلابية .


بعد استعراض موجز ومكثّف لدور النادي والنقابة ، يتأكد لدينا كم هو مهم توظيف البنى الجماعية في النضال من أجل المطالبة بحقوق الشريحة الأوسع في المجتمع ، وهذا سيصبح أكثر تأثيراً إذا ما تم جمع تلك البنى في بنية حزبية أشمل ، وتوضيح هذا الجانب هو ما سنطرقه في الفقرة اللاحقة .


رابعاً : العمل الحزبي

الحزب هو أعلى درجات العمل الجماعي ، وهو الوسيلة التي تقوم بالتنسيق المنظم بين شتى بنى ومؤسسات التغيير الجماعية ، من أندية ونقابات وجمعيات ، وتساعدها على تخطيط حركتها ، وتشاركها .

تعتبر الأحزاب إحدى الظواهر البارزة في الحياة السياسية ولاسيما في الأنظمة الديمقراطية وذلك لما تقوم به من تنافس على السلطة ، كما أنها تعتبر تجسيداً لمبدأ المشاركة السياسية لكل أفراد الشعب في إدارة شؤون دولتهم ، بمراقبة الحاكم ومساءلته ، وإضافة إلى كل ذلك القيام بالتعبير عن إرادة المجتمع بكافة أطيافه ومصالحه .

وجاء في بعض تعاريف الحزب السياسي ، أنه يشكل « مجموعة من الأفراد يجمعهم الإيمان والالتزام بفكر معين ، واصطلاح الحزب يستخدم للدلالة على علاقات اجتماعية تنظيمية تقوم على أساس من الانتماء الحر » .



ويعرِّفه gorges burdeau بأنه : « تنظيم يضم مجموعة من الأفراد بنفس الرؤية السياسية ، تعمل على تنفيذ أفكارها بالعمل في آن واحد على ضم أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى صفوفها ، والعمل على تولى الحكم أو على الأقل التأثير على قرارات السلطات الحاكمة » .

وجاء في تعريف آخر ، أن الحزب هو : « جماعة اجتماعية تطوعية واعية ومنظمه ومتميزة من حيث الوعي السياسي والسلوك الاجتماعي المنظم ، ومن حيث الطموحات والآمال المستقبلية ولها غايات قريبة وبعيدة » .

وتهدف هذه الجماعة إلى الاستيلاء على السلطة « إذا كانت في المعارضة وإلى تغير سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وحياتي يتساوق مع قناعتهاواتجاهاتها » .

وعلى العموم فإن الانضمام إلى جماعة حزبية تنادي بفكرة أوعقيدة تؤمن بها وتعمل على تحقيقها هو التزام واعٍ يقترن فيه الوعي النظري مع الالتزام بالتنفيذ العملي .


أشكال الأحزاب السياسية

تختلف الأحزاب من حيث طبيعتها العضوية ، ونستطيع هنا التمييز بين نوعين :


- أحزاب الكوادر أو الصفوة :

تضم في الغالب أبناء الطبقة البرجوازية ، وترى هذه النخب أنها تمتلك من الخبرة والقدرة على إدارة الحملات الانتخابية ما يمكنها من كسب الأصوات وإيصال المرشحين إلى كراسي الحكم .


- أحزاب الجماهير :

تستقطب الجماهير لتحقيق غايات سياسية واجتماعية واقتصادية ، وتعمل على تثقيفها وتوعيتها سياسياً ، وإعداد نخبة منها لتولي المناصب السياسية والإدارية في الحزب والدولة إذا كان الحزب حاكماً ، وتندرج في هذا الإطار الأحزاب الشيوعية والقومية والدينية .


وظيفة الأحزاب السياسية

إن الأحزاب السياسية تضطلع بأدوار بالغة الأهمية داخل المجتمعات ، وهناك من يميز بين وظائف الأحزاب وفقاً لطبيعة النظام السياسي السائد ( ديموقراطي أو شمولي ) ، كما يمكن التمييز بين وظائف الأحزاب الحاكمة ووظائف الأحزاب خارج السلطة ( المعارضة ) .

ويمكن أن نجمل أهم وظائف الأحزاب السياسية فيما يلي :

- يضمن أسلوب عمل الأحزاب أن تكون النظريات والأهداف السياسية والاجتماعية في وضع قابل للتطبيق .

- يمارس الحزب وظيفة تجميع مصالح الناس من خلال مؤتمراته كالشكاوى والمطالب النقابية والعمالية والهيئات الأخرى ، ليقوم بعد ذلك بوضع سياسة بديلة من أجل مطالبة الجهات المعنية بتطبيقها ، كالحكومة أو أصحاب المؤسسات الخاصة ، فالأحزاب تختار القضايا التي تواجه المجتمع وما يحتاجه ، وتقوم بترتيب ذلك تبعاً للأولوية وتثير الانتباه إليها عبر كل وسائل النشر والإعلام .


- ومن أجل تنظيم حركة فاعلة للتأثير على الجهات المعنية ، تقوم الأحزاب باختيار أفراد لشغل أدوار من نسق اجتماعي ما وتجنيدهم لقيادة تلك الحركة ، بحيث يكون كل فرد مؤهلاً للنجاح في مجال نشاطه واختصاصه .


- إن الأحزاب السياسية هي بمثابة مؤسسات تعليمية ، فهي تثقف الشعب وتوجهه وتمده بالمعلومات اللازمة بطريقة مبسطة وواضحة وهذا ما يساعد في خلق الوعي السياسي وبالتالي تكوين رأي عام أكثر فاعلية في البلد ، لذا تقوم الأحزاب بالتنشئة الفكرية والسياسية لأعضائها ، وخاصة من المؤهلين لقيادة نشاط معيَّن يتطلب وعياً فكرياً وسياسياً عاماً لأهداف حزبه من جهة ، ووعياً مهنياً وتجربة مهنية في مجال معين من جهة أخرى ، وقد تقتصر هذه العملية على مجرد نقل الثقافة السياسية من جيل إلى جيل ، وقد تستهدف إحداث تغيير جزئي أو شامل في عناصر ومكونات هذه الثقافة ، وتعتبر الأحزاب من المؤسسات المهمة التي تقوم بهذا الدور من خلال تكوين رؤية المواطن نحو المجتمع والسياسة عبر صحافتها أو ما تقوم به من نشاط تثقيفي .


- تقوم الأحزاب بمراقبة تصرفات الحكومة وأعمالها الأمر الذي يؤثر عليها ويمنعها من التجاوزات والفساد ، وعلى أقل تقدير فإنها تحد منهما .


- وفي البلدان النامية ، وعبر مراكزها ومكاتبها المنتشرة في مختلف أنحاء الدولة ، تحث الأحزاب المواطنين على الانتساب إليها بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية أو الثقافية أو الدينية ، وهذا ما يسهم في إنقاذ المواطن من العصبيات الضيقة وشدِّه إلى المفاهيم الوطنية الشاملة .

وفي حالة استحالة اجراء التغيير المطلوب نتيجة لمقاومة الطبقة الحاكمة تقوم بعض الاحزاب باستخدام قدراتها النضالية لتغيير النظام بواسطة قواها الخاصة او بالتحالف مع اطراف داخلية اخرى .


الحزب السياسي ضرورة نضالية

خلاصة القول نرى أن الحزب يأتي في رأس الهرم المؤسساتي للوسائل التي ترمي إلى التغيير ، ولهذا ، في ظل نظام عام تترأسه وتقوده نخبة من الطبقات الاجتماعية العليا التي تعمل من أجل مصالحها الذاتية في الغالب ، وحيث إن الطبقات الفقيرة ، من عمال وفلاحين وموظفين صغار ... ، تُعتَبر صاحبة المصلحة في التغيير ، لذا لا يمكنها أن تحقق أهدافها من دون الانتماء إلى أحزاب منظمة ، وكذلك فانه لا تتكون أحزاب جدية من دون الاعتماد على تلك الطبقات .

ولخصوصية العمل النضالي على ساحة الوطن العربي ، لا بدَّ لأي حزب ، يرفع شعار الوحدة العربية ويعمل من أجل تحقيقها ، من أن تكون له فروع على مستوى الأقطار العربية .

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page