جومرد البياتي - الغيبة
- كاتب ومحلل سياسي
- May 9, 2018
- 4 min read

الغيبة
الحمد لله الرحيم المنان ، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان رسول الله محمد الصادق البرهان ، وعلى آله الطيبين الطاهرين أهل الكرم والإحسان
أما بعد
فقد أمرنا مولانا ربّ العالمين بتجنب الغيبة بقوله تعالى { وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً } ، وهذا يكفي أن نفهم أنه أمر رباني واجب علينا السمع والطاعة بحال التسليم لأمره عزّ وجل ، ولكن اللطف الإلهي وعلم الخالق سبحانه وتعالى بتكوينات خلقه وأنه خلق الإنسان ضعيفاً ، وفطرة النفس البشرية كونها خُلقت أمارة بالسوء ، فقد جعل الله جل وعلا مع هذا الأمر تشبيها لو تدبره أي عاقل لما وقع في غيبة أخيه قط ، فقال سبحانه وتعالى في ذلك التشبيه { أيُحِبُّ أَحَّدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتاً فَكَرِهتُمُوهُ } فتصورك شناعة الفعل يساعدك على الامتناع عن الغيبة ، وهكذا يمدك اللطيف الخبير في جهاد نفسك ومنعها من تناول لحوم الناس .
في زماننــا هـذا حيث تجـد فيـه الحليم حيراناً لا يدري لماذا آل حال المجتمـع الإسلامي إلى ما هـو عليه اليـوم ، ولو تدبـر أحدنـا حال الأمـة وتفشـي الغيبـة عنـد الناس لخـرج الحليـم من حيرتـه ، وكما يقولـون ( إذا عرف السـبب بطـل العجـب ) .
الكثير ممن ينتسبون إلى هذه الأمة صار مغروراً بصلاته وصيامه وتلاوته وفنه في الكلام وبعلمه متناسين أن الله تعالى غني عن العالمين وعن الشركاء وأنه فوق كل ذي علم عليم ، أناس مغرورون بصلاتهم وأعمالهم وعندهم ألسنة تمحوا ما عملوا في جلسة دقائق معدودات وقد نسوا قول سيدنا رسول الله صلّى الله تعلى عليه وعلى آله وسلّم (( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، ما زادته عن الله ألا بعدا )) وفي رواية (( لا صلاة له )) ، وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم (( ما صام من ظل يأكل لحوم الناس )) ، فنفهم أن الغيبة لا تبقي عملاً حسناً في سجلات من يغتاب الناس ، وكذلك فإنها عطية يعطيها إلى هذا وذاك فيأتي يوم الدين صفر اليدين ، وترى أناساً يدخلون الجنة بحسناته التي قد أعطاها لهم باغتيابه وقرض أعراضهم ، فيدخل صاحب الغيبة النار - أعاذنا الله وإياكم منها - بغفلته عن ذكر الله تعالى وانصرافه إلى ذكر وتعقب عيوب الناس ، حيث أن مجالس الغيبة ضدٌ لمجالس الذكر ، فمجالس الغيبة تفضي إلى النار ، ومجالس الذكر روض من رياض الجنة تحفها الملائكة ، فلا نكن كالذين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وفي ذلك قال أحد العارفين ( إذا كنت لا تستطيع ترك الغيبة ، فاغتب والديك ، فهما أحق الناس بحسناتك ) .
والغيبة ، قد بينها حضرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلّم حيث قال (( أتدرون ما الغيبة ؟ ، ذكرك أخاك بما يكره ، إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته )) ، وهذا يعني عدم صحة من ذهب إلى قول ( لا غيبة في فاسق ) فيجعلها حجته في اغتياب الناس ، أما في الاستشارة والنصيحة في أمور الزواج والتجارة وما إلى ذلك من الأمور التي فيها مصالح للناس في معاملاتهم ، فقد أجاز الشرع بيان ووصف حال من فيه من المثالم التي تضر بالمستشير .
صوم وصلاة وتلاوة ، ثم تنال ألسنتهم أعراض الناس ، كأنهم يبنون بنياناً جميلاً ثم ينسفوه في دقائق نسفاً ، الغيبة مأكلهم ومشربهم وينظرون نصر الله تعالى ، وكيف ؟ ، ألا يذكروا قوله تعالى { إن تَنصُروا اللهَ يَنصُركُم } ، فكيف ينصرنا الله عز وجل ويَعزُّنا ونحن في غفلتنا هذه فلا نلق بالاً لكلمة تخرج من أفواهنا وقد نسينا تحذير حضرة سيدنا النبي صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم في قوله (( إياكم والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنا ، إن الرجل يزني ويتوب فيتوب الله عليه ، وإن صاحب الغيبة لا يُغفر له حتى يغفر له صاحبه )) .
جاهدوا أنفسكم وتناصحوا وذبّوا عن إخوانكم إن أتي عليهم في مجلس فإن سيدنا محمد رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم يقول (( إذا وقع في رجل وأنت في ملأ ، فكن للرجل ناصراً وللقوم زاجراً وقم عنهم )) ، وقوله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم (( من أغتيب عنده أخوه المسلم ولم ينصره وهو يستطيع نصره ، أذله الله تعالى في الدنيا والآخرة )) ، فكيف إذا كان حال العموم في هذه الأمة هو الانغماس في الغيبة ، فهل نستطيع من يومنا هذا بتجنب مسببات الذلة والأخذ بمقومات النصر ؟ .
والمسلم مأمور بترك كل ما هو منهي عنه في رمضان وغيره وكل ما ورد تحريمه في الكتاب والسنّة ، ومن تلك المنهيات ، الغيبة ، فاحرص أخي المسلم أن لا يكون حظك من رمضان فقط جوع وعطش تعانيه ، كالذي يكون عنده الصيام عادة وليست عبادة ، فتجنب نفسك الدخول في قول سيدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم (( وأيما امرء ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش )) ، وقد تعرفنا إلى عدد من المسلمين ، أنهم ، في نهار رمضان إذا اغتابوا أحداً سهواً ، فإنهم يتمون صيامهم ويقضون ذلك اليوم بعده ، مستندين في ذلك إلى حديث (( ما صام من ظل يأكل لحوم الناس )) .
وفي قباحة هذه الكبيرة ورد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم ، فارتفعت ريح جيفة منتنة ، فقال (( أتدرون ما هذه الريح ؟ ، هذه ريح الذين يغتابون الناس )) .
ومن رحمة الله تعالى ورحمة سيدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم للذي يقع في أخيه سهوا فقد جعل استغفارك له كفارة لك حيث قال صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم (( من اغتاب أخاه المسلم فاستغفر له ، فإنها كفارة )) ثم عليك أن تستسمحه بذلك .
وقد جاء في التفسير الكبير للأمام الرازي رحمة الله عليه قوله ( إن عرض الإنسان كدمة ولحمه ، وهذا من باب القياس الظاهر ، وذلك لأن عرض المرء أشرف من لحمه ، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الناس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى لأن ذلك ألم ) .
وقال أحدهم ، دخلت على ابن سيرين ، فتناولت الحجاج ، فقال ابن سيرين : ( إن الله تعالى حكم عدل ، فكما يأخذ من الحجاج يأخذ للحجاج ، وإنك إذا لقيت الله عز وجل غداً كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج ) .
ويتبين لك أخي المسلم أن الغيبة ليست كلاماً فيها صفة الخيرية وعليه فقد أمرنا حضرة النبي محمد صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم بالسكوت عنها فقال (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت " ليصمت " )) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة على المرسلين .
اللهم صلِّ على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
Kommentarer