الرفيق المجاهد صلاح المختار - ألغام تسمية الذي حدث 5
- مفكر قومي
- May 29, 2018
- 6 min read

الحلقة الأخيرة
8- قام نظام أسد في مرحلتي حكم الأب حافظ والابن بشار بتحويل سوريا من قلب العروبة النابض إلى أهم منصات انطلاق الشعوبية الفارسية ممثلة بنظامه وإسرائيل الشرقية التي أسست لها قواعد وكيانات لم تكن موجودة قبل أسد وهذا عمل خطير يشبه جلب المستوطنين الصهاينة إلى فلسطين لاحتلالها بل هو أخطر بكثير لأن تفريس سوريا والعراق يدعم ويكرس صهينة فلسطين ويبعد تحريرها لزوال أو تقزيم العروبة في أهم قطرين قريبين من إسرائيل الغربية مؤهلين شعبياً ونفسياً للتحرير ، وهذا يؤكد وجود رابط عضوي بين المشروع الاستعماري الاستيطاني الإيراني في أكثر من قطر عربي والمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين ونرى بوضوح أن الاثنين يكمل أحدهما الآخر بوجود العامل المشترك بينهما وهو إزالة الهوية العربية من سوريا كما من العراق واليمن وغيرها بتهجير ملايين العرب وزرع أجانب محلهم ، مما جعل نظام أسد طوال أربعة عقود احتياطاً استراتيجياً لكلا الطرفين المعاديين لأمتنا العربية وهما الشعوبية الفارسية والصهيونية العالمية ، فكيف يمكن اعتبار الضربات التي صممت لإعادة تجميل وجه نظام أسد لأجل إطالة الحرب وعدم توقفها عدواناً مثل العدوان الثلاثي على مصر ؟ .
9- إذا كان المستهدف بالضربات هو قوات إسرائيل الشرقية ونغولها العرب والأجانب في سوريا مثلاً هل سيكون ذلك مقبولاً منا أم لا ؟ ، الجواب قدمه خامنئي وقبله خميني اللذان تعاوناً علناً ورسمياً مع إسرائيل الغربية وأمريكا مثلاً في " إيرانجيت " من أجل دحر العراق في الحرب التي شنها خميني لأجل غزوه ، وفي تلك الفضيحة استلم خميني سلاحاً ودعماً مخابراتياً من أمريكا وإسرائيل الغربية التي جندت ضباط الموساد لشراء أسلحة من أسواق العالم وأرسالها لنظام خميني ، أو ما فعله خامنئي بالتعاون المفتوح مع أمريكا من أجل تسهيل وإنجاح احتلال العراق في عام 2003 وكما قال نائب الرئيس الإيراني محمد علي أبطحي : ( لولا المساعدة الإيرانية لما نجحت أمريكا في غزو أفغانستان والعراق ) ! ، والأهم من ذلك هو قيام نظام خامنئي بتنفيذ خطة تدمير العراق بعد غزوه عبر مشاركته الرسمية في احتلال العراق وتكريسه بالاعتماد الرئيس من قبل أمريكا على ميليشيات النظام الإيراني في تشكيل الحكومة وأجهزتها الأمنية الفاشية وإجراء تغييرات سكانية ملايينية وقتل أكثر من ثلاثة ملايين عراقي بعد الغزو فقط وتهجير مابين ستة وثمانية ملايين عراقي – حسب المرحلة - ولذلك كافأت أمريكا نظام خامنئي بتسليم العراق إليه عندما أجبرتها المقاومة العراقية على الانسحاب في عام2011 ، بل أن أمريكا تعد واقعياً وعملياً هي من سلّم لبنان لحزب الله وفقاً لخطة شاملة بدليل أنها منعت دعم وتسليح القوى اللبنانية التي كانت مدعومة من الغرب تقليدياً والتي أرادت منع انفراد حزب الله بالسيطرة ، وسمحت ، أي أمريكا ، بتدفق آلاف الأطنان من السلاح والمال الإيراني علناً إلى لبنان لبناء قاعدة إيرانية فيه تمهد للسيطرة عليه مع إنها كانت قادرة على منع أو عرقلة أو تقليص كل ذلك ، وهنا نذكّر بأن أمريكا منعت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من دحر اليمين اللبناني في سبعينيات القرن الماضي عبر الطلب من حافظ أسد دخول لبنان ومنع هزيمة التنظيمات اللبنانية المسلحة الموالية للغرب ليبقى لبنان متعدد الهوية وملغوماً ، واستناداً لمبدأ المعاملة بالمثل من حق العراق وكل العرب معاملة إسرائيل الشرقية بالمثل باعتبارها العدو الرئيس في هذه المرحلة وكل إضعاف لها يخدم قضايا العرب مادامت تعاديهم وتحتل أراضيهم وتعمل على تغيير هوية أقطارهم القومية وتزرع المستوطنين الفرس وغيرهم في العراق وسوريا وغيرهما ، ولكن يبقى السؤال هو ، هل حقاً ستقوم أمريكا بضرب إسرائيل الشرقية ونغولها العرب ؟ ، ثمة شك عميق بحصول ذلك .
10- نأتي الآن إلى استخدام وصف العدوان الثلاثي فهذا الوصف يضع نظام بشار في موقع واحد مع عبد الناصر رغم أن نظام أسد بتركيبته مناقض لنظام عبد الناصر ، فالعدوان الثلاثي في عام 1956 وقع على نظام تحرري وطني وقومي أمم القناة وأجرى إصلاحات تقدمية في مصر وطرد الاستعمار الأوربي ودشن عهد النهوض القومي الجامح لأول مرة منذ مئات السنين ، فكان العربي في مراكش يهتف ( من المحيط الهادر ) فيرد عليه اليمني ( لبيك عبد الناصر ) في أعظم إنطلاقة قومية تحررية حتى تلك المرحلة ، فهل لبشار أعمال وطنية ومأثر تاريخية كي نستخدم نفس الوصف الذي أُطلق على حرب عام 1956 ؟ ، كلا ، ولقد قدمنا أمثلة تكفي لتأكيد أن نظام أسد منذ قيامه وحتى الآن أداة بيد قوى الاستعمار والصهيونية وتاريخه مغمس بدم الشعب والخيانات الوطنية والقومية والغدر بالعرب وبالفساد المتجذر ، إضافة إلى أنه لا يمكن مقارنة هذه الضربة الشكلية التي لم تستمر أكثر من 50 دقيقة لبعض مقرات النظام ولم يقتل فيها إنسان واحد بالحرب الشاملة ضد مصر عبد الناصر والتي استمرت عشرة أيام وألحقت دماراً هائلاً بمدن مصرية وفقدنا شهداء كثر وأدت إلى أزمة كادت تؤدي إلى حرب عالمية وهو ما جعلها تطلق أكبر نهوض قومي عربي تجلى في مقولة عبد الناصر الخالدة ( ارفع رأسك يا أخي فأنت عربي ) ، وعلى النقيض من ذلك أدت سياسات أسد إلى انحناء رأس العرب وكسر رقابهم وهو يتمتع بميزة دعم الغرب والشرق له لأنه نظام يحقق أهداف كافة القوى المعادية للأمة العربية ، والحرب تشن على سوريا وليس على النظام والنظام أحد الأطراف التي تساهم في حرب تدمير سوريا ، وهو لذلك لا يتمتع بأي احترام لا من الغرب ولا من الشرق وطريقة منع بشار من الالتحاق ببوتين من قبل ضابط روسي تقدم لنا صورة لاحتقار الروس لبشار وهزاله الشخصي بينما كان ناصر تنحني له قامات عمالقة الغرب الاستعماري وتتمنى الوقوف إلى جنبه ! .
11- ماهي التسمية التي تناسب ما حدث ؟ ، الذي حدث هو خطوة في مسار حرب المصالح الامبريالية الدولية والاقليمية ، فالضربة ليست أكثر من تبادل لكمات بين أطرف كلها تعمل على تدمير سوريا وهو صراع فيلة وقرود وضباع فوق بيوت السوريين التي تهدم ومعها تزهق أرواح آلاف السوريين شهرياً ، وتلك الحقيقة هي التي تجعلنا نؤكد على أنها ضربة تؤدي بالنتيجة إلى التمهيد لما هو أخطر وإلحاق أضرار إضافية بالشعب وما تبقى من البنية التحتية بينما نظام بشار يسخرها لاستعادة بعض قوته ليواصل قتل الشعب .
واذا كان المقصود بالعدوان هو العدوان على سوريا فنعم إنه عدوان عليها ولكن علينا أن ننتبه إلى حقيقة لا يمكن تجاهلها ، وهي اأن العدوان على سوريا لا تقوم به الأطراف الثلاثة أمريكا وبريطانيا وفرنسا فقط ، بل هو عدوان يقوم به أيضاً وقبل غيره نظام بشار الذي بدلاً من الاستجابة لمطاليب سلمية مشروعة للشعب قام بذبح حوالي مليون سوري ، وإسرائيل الشرقية مجرمة أخرى دخلت هي ونغولها لدعم نظام بشار فألحقت الخراب بسوريا وهجرت أكثر من 13 مليون سوري وغيرت هوية الكثير من سكان سوريا وصارت هي قوة الاحتلال الرئيسة في سوريا ، وكذلك روسيا التي دخلت الحرب كوسيلة للضغط على أمريكا للاعتراف بها شريكا لها في قيادة العالم ، هؤلاء كلهم يشاركون في العدوان على سوريا ، وإذا اعتبرناه عدوانا على النظام فإننا سندعم كل الجرائم التي ارتكبت ومنها إبادة حوالي مليون سوري وتهجير 13 مليون سوري وتدمير مدناً سورية بالكامل وتبرير سياسات نظام بشار الإجرامية إضافة لدعم غزو إسرائيل الشرقية لسوريا .
12- وأخيراً نناقش أهمية اللغة ومعاني الكلمات في الصراعات السياسية المعقدة كما حصل حينما استخدم البعض وصف العدوان على ماجرى لنظام بشار وأحد الأسباب هو الالتباسات اللغوية ، فلقد استخدم العرب حكومات وقوى سياسية وصفا لحرب عام 1956 هو ( العدوان الثلاثي ) على مصر و( عدوان عام 1967 ) الذي شنته إسرائيل الغربية على مصر وسوريا والأردن وفلسطين طبعاً ، وهما وصفان خاطئان فهما لغوياً عدوان ولكنهما أكبر بكثير من مصطلح العدوان فقد كانا حربان استعماريتان دامت الأولى عشرة أيام قاسية ودموية بينما دامت الأخرى ستة أيام أدت إلى استشهاد مئات العرب وخراب شامل خصوصاً الخراب النفسي والمادي ، وكان يجب على العرب عدم استخدام وصف العدوان بمفرده وإنما استخدام لغة واضحة تحدد حقيقة ما حصل بنوعيته وآثاره وأهدافه فهي كانت حرباً عدوانية استعمارية ولم تكن مجرد عدوان ثلاثي .
إذاً : كلمة ( عدوان ) وحدها وصف يقزم تلك الحرب والتي غيرت مسار الوطن العربي والعالم كله ، وبعكسنا فإن الغرب عرف كيف يحدد الاسم المناسب لأهميته الإيحائية فوصف حرب عام 1956 في موسوعة ويكيبيديا مثلاً كالتالي : ( وتعد واحدة من أهم الأحداث العالمية التي ساهمت في تحديد مستقبل التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ، وكانت حاسمة في أفول نجم القوى الاستعمارية التقليدية ، وتألق نجوم جديدة على الساحة الدولية ) ! ، انتهى الاقتباس .
وبناء عليه سمى الغرب ما حصل بـ( حرب 1956 ) أو ( أزمة السويس ) أو ( حرب السويس ) أو ( حرب سيناء ) أو ( حملة سيناء ) .
إن ضرورة التحديد الدقيق لما حدث تظهر حينما نلاحظ أن العدوان يمكن أن يكون قذفاً بالكلام أو شتيمة كما يمكن أن يكون حرباً كارثية مع إن الفارق بين الاثنين نوعي وكبير ، وهنا تبدو لنا نتيجة وصف حرب كارثية بالعدوان فقط وهي تقزيم الحدث وجعله مثل شتيمة وهي عدوان أيضاً وهو ما يخفي الطابع الكارثي للعدوان عن الرأي العام مع إنه أهم عناصر تقييم الحدث وتلك النتيجة تخدم من شن الحرب خصوصاً أمام الرأي العام في بلده .
فلكي نثبت وجود طرف معتدي في حرب شاملة كلفت عدداً ضخماً من الشهداء وخسائر مادية للعرب وانهيارات معنوية كارثية لابد من تحديد درجة ونوعية العدوان ونختار التسمية المناسبة لنوعيته التي تتجنب إنزال مرتبته إلى مستوى يخدم العدو إذا صورناه على إنه مجرد عدوان وليس عدوان بمستوى حرب شاملة مدمرة ، فالتسمية الصحيحة هنا ليست ضرورة قانونية فقط بل هي إلزاماً لغوياً وواجباً قومياً بنفس الوقت .
نلاحظ هنا لغماً زرعناه نحن نتيجة ضعف وعينا بقدرة الحروف على تصفية قضايا عادلة ، فلم نكتشف اللعبة اللغوية للورد " كارادون " عندما قدم مشروع قرار 242 في عام 1967 وهو ملغوم فأقره العرب ووقعوا في فخ مدمر ، وقبله وقعنا في فخ آخر قزم الحرب العدوانية في عام 1956 بالاكتفاء بوصفها بالعدوان ، والآن نقع بنفس الفخ بوصف ما حدث في سوريا بأنه مثل العدوان الثلاثي على مصر وتلك إهانة لآلاف الشهداء السوريين وتضييع لحقوق الشعب العربي السوري البطل .
Almukhtar44@gmail.com
27-5-2018















































Comments