الرفيق المجاهد صلاح المختار - كذبونيا ، فن الرقص فوق جراحنا
- مفكر قومي
- Aug 10, 2018
- 6 min read

كذبونيا : فن الرقص فوق جراحنا
﴿ وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ سورة يوسف : 18
تلقيت رسالة مؤلمة من إنسان تعرض لظلم ذوي القربى الذين اتهموه ولفقوا له ما لم يقم به وطلب من القضاء التحقيق بالتهم لإثبات براءته وقدم للمحققين كل أدلة البراءة ، وإذا بالمحققين يتبنون نفس اتهامات من لفقوا له التهم فكانت صدمته مركبة وباعثة على اليأس من عدالة البشر ! ، يسألني في رسالة مؤثرة : هل تستطيع تفسير هذا السلوك المحير المبني على غدر ذوي القربي وموت ضمير من طلبت أنا قيامه بالتحقيق ؟ ، هذا السؤال أحالني إلى ماض عميق وأحداث متداخلة برز فيها الإنسان بصفته المخلوق الأكثر استعداداً لقتل ضميره وبثمن بخس أحياناً ، وهنا تكمن مأساة الخُلق الإنساني الفاسد والمفسد من دون كل المخلوقات في الأرض ! ، وربما كانت قصة النبي يوسف من بين أول ما طرأ على بالي وأنا أقرأ رسالة ذلك المظلوم فأخوة يوسف أرادوا قتله غيرة منه وأنجاه الله ، ثم حاولت " زليخة " اتهامه بما أرادت هي القيام به ولكن الله انجاه مرة أخرى ! ، ولذلك كانت رسالتي الجوابية لذلك المظلوم خلاصتها : اصبر يا يوسف فالله لن يتركك لمن ماتت ضمائرهم فكل التلفيقات ضدك لا تنفع مع وجود قميصك الذي قد من دبر .
الآية القرأنية التي تصدرت المقال تصف وضعية يوسف عليه السلام عندما حاولت زليخة زوجة عزيز مصر أي ملكها جره إلى فراشها ليمارس معها الجنس فرفض فامسكته وهو يهرب منها فتمزق قميصه وهنا دخل عزيز مصر ورأي مشهداً صادماً ! ، عزيز مصر هو من تبنى يوسف ، عليه السلام ، منذ صغره ورباه في قصره وكانت زوجته زليخة مشهورة بجمالها فاتهمت يوسف بأنه حاول اغتصابها ! ، وعندما رأى الزوج أن قميص يوسف قد ( قـُدَّ من دُبـُرٍ ) أيقن أن زوجته " زليخا " هي الخائنة .
لقد كذبت زليخة واتهمت يوسف بما أرادت هي القيام به ، لكن الدليل الحاسم كان متوفراً وهو أن قميص يوسف تمزق من دبر فهي كاذبة بالدليل المادي وزوجها أول من اكتشف كذبها ، ولأن عزيز مصر كان حي الضمير ويمقت التلفيق ، خرج يوسف بريئاً من تهمة الاعتداء على زوجته وأدانها رغم أنها كانت الأغلى لديه .
وهكذا خلد القرأن عزيز مصر لعدله ، ويوسف قبلها تعرض لغدر أخوته من شدة غيرتهم منه فألقوه في الجب ، أي البئر المطوية ، لكن الله أنجاه ، أسئلة : كم " زليخة " موجودة في عالمنا تلفق وتدبر المكائد ؟ ، وكم يوسف تعرض للاتهام الباطل ووجد فرصة تكشف أنه مظلوم ؟ ، وكم يوسف في عالمنا لم يُنصف وبقي مظلوماً ؟ ، يقيناً عالمنا يقتل الأدلة التي تثبت براءة كل يوسف يتعرض للاتهامات الباطلة ويخفيها ويعمل على محوها وبدلاً منها يقوم بتلفيق أدلة كاذبة لإثبات أن يوسف فعلاً حاول مضاجعة " زليخة " وعندما يعين عشرات المحامين للدفاع عنه يكتشف في نهاية التحقيق أو المحاكمة بأن محاموه كانوا أول من تأمر عليه مقابل رشا ! ، فجعلوا الضحية جلاد والجلاد ضحية ! ، ولهذا فسمعة المحامين في أمريكا هي الأسوء وتقترن بالحقارة ، وأنا وعائلتي كنا ضحية محام فاسد وكلناه للدفاع عنا لكنه دعم خصمنا مقابل رشا ! ، عالمنا ظالم ومظلم لأن من يسود فيه يتعمد جعل الناس على شاكلته : غائصون في مستنقعات الشر والرذيلة ونبعهما وسنامهما الكذب ، والمستهدف الأول من قبل الكذاب هو حامل النور لأنه يفضح الوجوه الشيطانية والتي ارْتَدَت قناع طفل بريء ، ولئن كان ظلم أمريكا والصهيونية ومكملتهما إسرائيل الشرقية قاسياً جداً فإن هذا النوع من الظلم وقعه أخف بكثير من وقع ظلم ذوي القربى كأخوة يوسف فكيف يصدق أو يتخيل الأخ أن شقيقه أو رفيقه الذي لا يكف عن مخاطبته بـ( حبيب قلبي ) يمكن أن يرميه بسهم يصيب قلب الثقة ويدمرها إلى الأبد ويفتح جروحاً لا تندمل حتى لو توقف نزيف دمها ؟ ، هنا تكمن صدمة الضحية المدمرة والتدمير ، هنا ليس سببه الجرح والسم المزروق في جسده بل صدمة اكتشاف أن من كان يخاطبه بـ( حبيب قلبي ) هو قاتله وأنه استخدم الكذب وسيلة لطمأنته ! ، إنه ينزف ألماً أكثر مما ينزف دما وهو يرى الضمير منحوراً من الوريد إلى الوريد في رقبة بعض أخوته ورفاقه وليس أعداءه فيرمون يوسف في الجب ! ، نحر الضمير قبل ممارسة التلفيق والكذب هو مقدمة حتمية تسبق طقوس النحر ، ولهذا بقي التساؤل التالي ألفيات وقرون يتردد صداه بين الجبال وداخل جماجم الأبرياء ويتلألأ في حدقات أطفال الضحايا الذين قتلهم التلفيق ولم يجدوا من ينصفهم أو يكشف براءتهم كما حصل ليوسف : لِمَ يكذب الإنسان ؟ ، مادام عصرنا هو عصر الفساد الأعظم في التاريخ البشري كله فعلينا توقع كل أنواع الغدر ، وما دامت المخابرات لا تجمع المعلومات فقط بل أيضاً تلفق الأكاذيب للقضاء على من تريده فإن الغدر من أقرب الناس إليك متوقع فقد يكون هؤلاء مجندين لهذا الغرض ! ، والتلفيقات التي كان صانعها ينبذ ويحتقر ماضياً ، الآن يكافأ الملفق برفع موقعه وزيادة ماله بينما تجتث عندما تقول الصدق ! ، لأول مرة في التاريخ الإنساني تتولى دولة عظمى ومعها دول أصغر عملية إفساد العالم وفقاً لخطط موضوعة سلفاً ، انظروا لسجل أمريكا الوسخ في التلفيق : كلنتون كذب وهو تحت القسم في قضية لوينسكي الجنسية وأُعيد انتخابه وزادت شعبيته ! ، وقبله نيكسون كذب بإنكاره التنصت على مبنى " ووتر جيت " التابع للحزب الديمقراطي فأُقصي لأن أمريكا كانت تعد العدة لعصر تتويج الكذابين ملوكاً ، وبعدهما رأينا بوش الصغير يتفوق على كل الملفقين في عصرنا ووصلت أكاذيبه حسب المصادر الأمريكية حول العراق فقط أكثر من مائة كذبة ، ومع ذلك زادت شعبيته أضعافاً مضاعفة ! ، وأوباما الذي لفق الاحترام للملك عبد الله ، ملك السعودية ، ووصل به التلفيق حد تقبيل يده في أول لقاء بينهما وهو يمثل دور الخاشع لكنه أظهر حقيقته لاحقاً بتوفير الدعم المطلق لإسرائيل الشرقية لإنقاذها بإرسال 120 مليار دولار لها بطائرة خاصة لمنع انهيارها الاقتصادي بينما كان في الظاهر يهاجمها وكل ذلك فعله ضد السعودية والملك عبد الله الذي قبل يده ! ، أمريكا بدل معاقبة الكذابين والمزورين قدمت لهم مكافأت إعادة الانتخاب في تأكيد واضح لزيادة انحدار القيم الأخلاقية والإنسانية في أمريكا . أما لو نظرنا إلى شرقنا لرأينا ملفق الكذب تحت غطاء التقية هو الفارسي الحاقد من الامبراطور كورش مدمر بابل الذي لفق ادعاء أنه يحرر اليهود من الأسر البابلي بينما كان هدفه هو تدمير بابل ونهبها ، إلى خميني ملفق شعار ( نشر الثورة الإسلامية ) في العراق وغيره بينما كان هدفه الحقيقي هو نهب ثروات ومياه العراق وإبادة ملايينه وتغيير بنيته السكانية ! ، في عالم الفساد المنظم نرى بكل وضوح أن الحادلة الأقوى له والتي يستخدمها لتعبيد طرق افساده وإزالة المعوقات منها هي التلفيق وهو أعلى مراحل الكذب وأشدها فتكاً بالحقيقة ، ولكن خطر التلفيق يصبح مميتاً عندما يدس في صفوف الأخيار ، فما أن يجد إبليس بينهم عبر شياطينه من يسقط في فخاخه الكثيرة حتى تبدأ مسيرة جنود الرحمن بالتخلخل وتلك هي بداية تخريب إبليس في عالم الرحمن .
الكذب أبو وأم كل الرذائل فما أن يقع الإنسان في فخ الكذب حتى تبدأ رحلته النهائية نحو الانحطاط التام : فالشذوذ الجنسي تلفيق مسبق ، وخيانة الوطن مهدت لها عملية ممارسة الكذب على النفس لاقناعها بما هو مستحيل القبول ، والفساد هو الثمرة الأولى للكذب لأنه عبارة عن خداع متواصل ! ، يكفي أن تكذب كي تضع قدمك الأولى على طريق " الصد مارد " طريق لا عودة منه ولا نجاة ، لهذا علينا أن ننظر لمن يكذب ويلفق على أنه شر مطلق .
اليوم يبدو لطيفاً ، لغته حُبّية وابتسامته تلقاك وأنت مهموم ، فتتلاشى تقاسيم الحزن من وجهك وأنت تظن أن الراحة وصلت بقاطرات محبك الذي لا يكف عن ترديد ( حبيب قلبي ) لكنك تصدم بأنه كان يخفي خنجر " أبو لؤلؤة المجوسي " في تلافيف ابتسامته فيخرجه فيطعنك في بؤبؤ العين وأنت تستقبله بمحبة صادقة فيبرق لسيده حسن الصباح ليبلغه بإكمال المهمة ! .
تعلمنا الدروس وأهمها ضرورة الصمت أولاً وترك الكذاب يواصل كذبه وتلفيقه كي يغرق بقرار منه في مستنقع الجيف والنتانة وعندها وعندما يغطس حتى شعر الرأس نقول للناس : تعالوا انظروا إلى حالة من كان يرتدي ابتسامة النقاء لخداعنا وكيف صار بممارسته للكذب وحشاً كاسراً لا يعرف معنى الإنسانية ولا الأخلاق بعد أن باع ضميره ، وعندها لا نحتاج لأكثر من نظرة احتقار إلى الكذاب . الشهيد ، عزيز العراق ، طارق عزيز ، قال مرة في بيته في دعوة عشاء لمثقفين عرب : الكلاوجي يصنع الكلاوات ليضعها على رأس غيره ، ولكن هناك كلاوجية أغبياء ما أن يكملوا صنع الكلاو حتى يضعوه هم على رؤوسهم ! ، وكلاوجية زماننا من الصنف الثاني فقد وضعوا كلاوهم فوق رؤوسهم والحمد لله الذي ينصف كل يوسف .
( الكلاو ، كناية عن الخداع وهو نوع من القبعة )
قلت لمن اشتكى لي ظلم ذوي القربى : يا يوسف لحم الضحايا والأبرياء مر وسوف يتقيأ دماً من يحاول لوكُه ولذلك أؤكد لك بأن جنود إبليس سيُعادون إلى مستنقعاتهم التي خرجوا منها ، فابتسم لأن أخوة يوسف عراهم الله وأنجى يوسف الطيب البريء ، و" زليخة " كشف الله فسادها وعزز ثقة عزيز مصر بيوسف بدل حرقه ، وهكذا هي الدنيا في عالم الرحمن تترك أولاً الظالم يتمادى في استهتاره حتى تتكامل متطلبات الإدانة الخالية من أي شك أو تزوير .
Almukhtar44@gmail.com
9-8-2018















































Comments