الرفيق المجاهد صلاح المختار - تركيا : ألغاز متعمدة
- مفكر قومي
- Aug 18, 2018
- 6 min read

تركيا : ألغاز متعمدة
ثمة تفسيرات كثيرة لسبب تفجر الأزمة بين أمريكا وتركيا الآن لكن الكثير منها خاطئ وأول تفسير مضلل هو أن اعتقال القس سبب التشدد الأمريكي ، فرغم أن الأزمة الجديدة بدأت عندما طالبت إدارة ترامب بإطلاق سراحه وفسرت تصعيدها للحملة ضد تركيا على أنها من أجل إطلاق سراحه إلا أنها أكدت أن إطلاق سراحه لن يحل المشكلة مع تركيا وأنها لن تتراجع عن التصعيد ضدها ! ، وذهب البعض إلى افتراض أن الأزمة السورية هي السبب ولكن مؤشرات سوريا تؤكد أن الموقف التركي لم يتغير ولا الموقف الأمريكي بصورة جوهرية ، وهو ما زاد غموض ألغاز التصعيد مع تركيا .
ثم جاء تفسير أشد تبسيطاً يقول بأن الأزمة مع تركيا سببها دعمها للإخوان المسلمين ولكن هذا المنطق سقط أيضاً مع ملاحظة أن أمريكا تدعم قطر وتمنع السعودية والأمارات من إنهاء نظامها السياسي مع أن قطر متهمة بأنها الداعم والممول الأول للإخوان وبتشجيع أمريكي معروف ! ، ألغاز تتعمد أمريكا تعقيدها وزيادة غموضها لتصبح دخاناً كثيفاً يمنع رؤية ما يجب رؤيته كي نفهم حقيقة ما يجري من موريتانيا إلى عمان خصوصاً تغذية وإدامة كل أشكال التشرذم والحروب والكوارث .
وقبل أن نبدأ بعرض ملاحظاتنا لابد من التذكير بأهم عوامل كشف حقيقة المخطط الأمريكي وهو الموقف من إسرائيل الشرقية ففي حين كانت الأغلبية الساحقة من العرب والعالم تنتظر ضرب نظام الملالي بعد التصعيد الأمريكي الخطير ظاهرياً كان ترامب يضع الألغام في الموقد التركي ويفجرها بدل الموقد الإيراني ! ، وهذه المفارقة تذكرنا بمفارقة أبرز وهي أن أمريكا كانت تهاجم نظام الملالي إعلامياً لكنها شنت الحرب العسكرية على العراق وغزته بالتعاون مع نظام الملالي ! ، لم تضرب إسرائيل الشرقية رغم كل التهديدات وتبادل الشتائم وتحول الأمر الآن إلى طلب التفاوض معها وتأكيد ما كنا نكرر قوله منذ التسعينيات بأن أمريكا لن تضرب إسرائيل الشرقية بل تريد منها التقيد بالخطوط الحمر الأمريكية لأنها ذخيرة استراتيجية لها هي الأغلى من أي ذخيرة إقليمية أخرى بما في ذلك أغلى من إسرائيل الغربية بمعايير مرحلة شرذمة العرب كهدف سوبر استراتيجي ، والدليل لم يعد سراً بل انكشف فمن حقق الهدف الأهم استراتيجيا لإسرائيل الغربية ولأمريكا وهو تدمير وتفتيت الأقطار العربية وتعطيل قدراتها العامة خصوصاً القتالية لربع قرن على الأقل هو نظام الملالي بالذات وليس إسرائيل الغربية أو أمريكا أو بريطانيا ، وهذه هي الخدمة الأعظم التي حصلت عليها أمريكا وإسرائيل الغربية خلال ستة عقود من الصراع العربي الصهيوني ، فهل يعقل أن أمريكا تضرب الآن هذه القوة التدميرية المتخصصة بتدمير الأقطار العربية وإيجاد المبررات لنهب أمريكا ثرواتها وإبادة وتهجير عشرات ملايين العرب من وطنهم وإحلال الغرباء بدلاً عنهم وهو من أهم الأهداف الاستعمارية منذ الحروب الصليبية ؟ ، واضح رسمياً أن المطلوب من إسرائيل الشرقية الآن هو العودة للنص الأمريكي فقط بعد أن تصور خامنئي أن فشل أمريكا أمام المقاومة العراقية وقيامها بتسليم العراق له دليل عجزها عن ايقافه إذا قرر التوسع على حساب مصالح أمريكا .
نغول خامنئي في العراق صوروا له أنهم يستطيعون تركيع أمريكا إذا أرادت تأديب نظام الملالي وإعادته للمربع المخصص له مسبقاً ، لكن الإصرار الأمريكي على إعادة ضبط السلوك الإيراني اقترن بتصعيد تنفيذ خطة نقل الفوضى الهلاكة إلى تركيا وكانت مقدماتها التي فاتت على كثيرين هي التالية :
1- شجعت أمريكا تركيا على لعب دور سلبي جداً في غزو ليبيا من قبل حلف النيتو .
2- شجعت أمريكا تركيا أيضاً على تعقيد الأزمة السورية بتغذية صراع البنادق في سوريا بدل الانتفاضة الشعبية السلمية ضد نظام الفساد والاستبداد والطائفية .
ولكن ، بخلاف توريط تركيا في الأزمة الليبية فإن توريطها في الأزمة السورية كان مقدمة لانتقال الصراع إلى داخل تركيا بالذات ، وهذا كان هدف مخطط له لاستثماره الآن ضد تركيا .
3- بدأت خطوات أخرى من المخطط الأمريكي تنفذ بدعم منظمات كردية تعمل ضد وحدة تركيا وسُلِّحت وأُعيد تنظيمها وأُهلت لدور خطير في سوريا كي تمارس تأثيرات هذا الدور لاحقاً في تركيا بالذات ، فوجدت تركيا نفسها في حالة حصار وأزمة ، فهي تورطت ولا تستطيع الانسحاب وهي أيضاً تعرف أن تورطها سيكلفها غالياً من سمعتها أولاً ، ثم من وحدة تركيا بالذات .
وبالفعل فقد تحولت حركة سياسية كردية بسيطة ومعزولة في شمال سوريا إلى قوة مسلحة وفعالة لديها القدرة على تهديد تركيا بعد أن تدربت وتسلحت بسلاح ثقيل والأهم بعد أن تمتعت بحماية أمريكية رسمية .
4- أما انقلاب غولن والذي خططت له المخابرات الأمريكية في قاعدة أنجليرك التركية بالذات فكان خطوة أُريد منها حسم الأمر في تركيا ليس لصالح العسكر ولا لصالح غولن بل لصالح بدء مرحلة تفتيت تركيا من الداخل كما حصل في أقطار عربية .
علينا أن نتحرر من وهم أن أمريكا تريد وصول فتح الله غولن إلى السلطة والاستقرار فيها فقد حرضته ودعمته ولكن ليس ليحكم هو أو أحد أنصاره ، بل ليشعل ناراً لن تخمد إلا بعد انتشار الحرائق في كل تركيا كما حصل في العراق وسوريا ، وإلا ، لم انتظرت أمريكا سنوات طويلة نجح خلالها نظام حزب العدالة والتنمية في تقليم أظافر العسكر وبناء شعبية ممتازة ولم تحاول وقتها إسقاطه وكانت قادرة لأن العسكر كانوا هم القوة المسيطرة بلا منازع وهم تحت سيطرتها ؟ ، لقد حدث في تركيا شيء شبيه بما حدث في إسرائيل الشرقية حينما أراد الشاه سحق الانتفاضة الشعبية بالدبابات وأصدر أوامره للقيام بذلك واستعد الجنرالات لتنفيذ الأمر بحماس شديد لكن الجنرال هويزر مبعوث مستشار الأمن القومي الأمريكي زبجنيو بريجنسكي وكما قال في مذكراته وصل طهران وأمر الجنرالات بعدم تنفيذ أوامر الشاه فالتزم الجنرالات بأوامر واشنطن وكانت النتيجة هي انتصار خميني وكل ذلك حصل لأن أمريكا أرادت إسقاط الشاه وإيصال الملالي للحكم كي يحققوا ما نراه الآن من كوارث في المنطقة كلها .
ويجب أن نقر الآن بأن المخابرات الأمريكية هي التي منعت جنرالات تركيا من إسقاط نظام حزب العدالة والتنمية عندما كان مازال ضعيفاً عسكرياً ليس دعما للحزب وأردوجان بل كي يكمل بناء قواعده العسكرية والشعبية لأن المطلوب ليس وجود عسكر متفوقين ويستيطعون بسهولة إعدام أردوجان كما أعدموا " عدنان مندرس " بلا مقاومة فلا تقوم فتنة حرب أهلية بل كانت تريد تشكل فريق قوي مقابل فريق قوي آخر لا يمكن لأحدهما حسم الصراع بسهولة ، ومن ثم نشوب صراعات دموية متسلسلة في تركيا وتؤدي لخرابها كما خرب العراق وسوريا واليمن وليبيا وأكثر وصولاً إلى تقسيم تركيا .
لكن أدروغان انتبه لهذا الهدف الأمريكي ضرب حيث أوجع أمريكا بتصفية الجيش والمخابرات من نغول أمريكا وبلا رحمة أو تردد .
5- تركيا تواجه انقلاباً بعدة مراحل بدأ بالعسكر ففشل ثم انتقل إلى خيار التدمير الاقتصادي ، والهدف الواضح هو تغيير الاستقطابات السياسية والاجتماعية التركية التي يراد إعادة تركيبها وخلط الأوراق ، فكما أوصل العراق وسوريا رغماً عنهما إلى مرحلة تفكيك الكتل الكبيرة أحزاباً وعشائر وطوائف وإثنيات وخلق حالة تبعثر القوى ، فإن المخطط يدفع تركيا بهذا الاتجاه .
ما يجري في تركيا خطوات متعاقبة ومترابطة من أجل تقسيمها ومن لا ينتبه لهذه الحقيقة لن يصل إلى نتيجة واضحة :
كل الخطوات التي تتضمنها الخطة الأمريكية هدفها النهائي تقسيم تركيا ، ومقابل ذلك يقتصر الهدف الأمريكي في إسرائيل الشرقية على تقليم أظافر نظام الملالي وإعادته إلى خلف الخطوط الحمر التي وضعتها أمريكا له منذ أسقطت الشاه ، أما شرذمتها فهي هدف مازال بعيداً إن وجد فعلاً .
هل هذه الخطة منفصلة عما جري ويجري في العراق وسوريا واليمن وليبيا وبقية الأقطار العربية التي تعدها أمريكا للسلق بنار هادئة كالسعودية ومصر والجزائر وغيرها ؟ ، كلا ، فما دامت أمريكا مأزومة وتجاوز دينها العام سقف العشرين تريليون دولار فإنها لن تهدأ إلا بشرذمة الأمم القوية والغنية وتركيعها وتقسيمها ونهب ثرواتها أو عرقلة منافستها لها ، وهذا يشمل الاتحاد الأوربي وروسيا والهند والصين ولو بتدرج ، وإذا قسمت تركيا فإن تقسيم العراق وسوريا وغيرهما يصبح محتملاً أكثر ، وهكذا تتحول الأقطار العربية وتركيا إلى ممالك وجمهوريات موز لعدة عقود وتضعف قدرات المقاومة ضد التمادي الأمريكي والإسرائيلي الغربي في التغلغل والانتشار الإقليميين .
يبقى سؤال مهم جداً وهو : هل انتخاب ترامب رئيساً يعود إلى مزاجيته لأنها سمة تحتاجها أمريكا الآن لتسويق سياسات متناقضة وغير منطقية وتحميل ترامب مسؤوليتها ولكن بعد أن يقوم بالدور المرسوم له وهو نشر التفكك والفتن في كل مكان تماماً كما حدث مع جورج بوش الصغير الذي صار رئيساً لأنه ( أغبى رئيس في التاريخ الأمريكي ) كما توصل استبيان أمريكي كي يقوم بجريمة تدمير وطن كامل وإبادة وتهجير ملايين العراقيين ثم يذهب وتذهب معه المسؤولية وتنتقل أمريكا لتدمير بلد آخر وبواسطة رئيس آخر يحمل أيضاً المسؤولية ؟ ، ما تريده أمريكا ليس إسقاط النظام في تركيا ولا عزل رئيسه رجب طيب أردوجان بل إسقاط تركيا كلها هذه المرة في مستنقعات الفوضى الهلاكة كما حصل للعراق وسوريا واليمن وليبيا والتي بدأت كلها بحجج واهية تبين لاحقاً أنها مجرد دخان يخفي الأهداف الخطيرة لأمريكا ومن معها ، وهنا نرى الضرورة السوبرستراتيجية بل المصيرية لقيام تحالف عربي عام مع تركيا ، وليس مع قطر فقط ، لمواجهة المصير الواحد وبغض النظر عن كل الاعتراضات على بعض السياسات التركية فما نواجهه هو صراع وجود ، فمن دون هذا التحالف لن يستطيع العرب التحرر من ابتزاز أمريكا في عهد التاجر الجشع شايلوك ( ترامب ) ، كما لن تستطيع تركيا تحمل آثار أزمتها الاقتصادية وحدها ومن دون المال العربي القادر على تحييد الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية .
Almukhtar44@gmail.com
17-8-2018















































Comments