top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - دولة وطنية ام دولة مدنية ؟


دولة وطنية ام دولة مدنية ؟



كثيرون يستخدمون مصطلحات جديدة دون فحص دقيق لمعناها ونتائجها ، ومن بين المصطلحات التي صدّرها الغرب لنا مصطلح ( الدولة المدنية ) والذي صار أيقونة يلهث خلفها كل محب للسلق والتسلق أو جاهل لمضامينها ونتائجها ، مع أنه مصطلح ملغوم يمكنه جرنا إلى مأزق إذا لم ننتبه مبكراً ، ولهذا سأتناول هذ المصطلح مركزاً على النتائج الأكثر سلبية لاستخدامه .

والدولة المدنية تعريفاً هي نظام يقوم على مساواة المواطنين بغض النظر عن دياناتهم وإثنياتهم ومناطقهم وثقافاتهم ، فالمواطنة هي الأساس وما عداها لا يعتد به ، وهذا المبدأ صحيح وهو قاعدة مفهوم القوى الوطنية للمواطنة ، ولكن لو دققنا في التطبيقات الميدانية سنجد بسهولة أن الغرب لم يحصر مفهومها بما قلناه بل حشر فيه ألغام مناقضة لمفهوم الدولة الوطنية .

أين تتشابه مضامين الدولة الوطنية والدولة المدنية ؟ ، وما الفروق الجوهرية بينهما ؟ .

1- لابد أن نشير إلى اللحظة التي أصبح فيها الترويج لمفهوم الدولة المدنية طاغياً في الاعلام والسياسة فقد حصل تشويه خطير لمفهوم الدولة وهويتها مع وصول خميني للحكم وصعود القاعدة في أفغانستان وتطبيق المفهوم القديم - الجديد وهو الدولة الدينية كنقيض للدولة الوطنية ومعاد لها ، فأدى ذلك إلى حدوث انقلاب اقليمي وعالمي ، من أخطر نتائجه إضعاف الدولة الوطنية لصالح علاقات ما قبلها كالطائفية والإثنية والعشائرية وغيرها ، فأصبحت الطائفية بديلاً عن الوطنية بالنسبة لكتل ليست قليلة على الأقل في فترة صعود الخمينية ، وسارع الغرب بدعم عملية نقل مفهوم الدولة المدنية من إطاره ومناخه الأصلي وهو الغرب المتقدم إلى العالم الثالث رغم عدم ملائمة بيئته للمفهوم كبديل عن الدولة الدينية التي دعا إليها خميني والقاعدة على الأقل كغطاء لأهداف استراتيجية مخفية ! ، وهنا كمن الشر المخابراتي لأن الغرب ومخابراته كانا يعلمان بيقين كامل بأن الترويج لمفهوم الدولة المدنية ليس الهدف منه تطبيقه كي ينجح بل استخدامه كوسيلة فعالة لشرذمة وتقسيم الدول والمجتمعات في الوطن العربي .

2- في مفهوم الدولة المدنية التأثير الرئيس والأقوى هو للحقوق الفردية – الليبرالية - ولما يسمى ( منظمات حقوق الإنسان ) المختلفة بينما في الدولة الوطنية التأثير الأقوى للكتل الجماهيرية المنتمية لمهنة واحدة أو لمصالح مشتركة كالنقابات والمنظمات الشعبية والأحزاب الجماهيرية .

هنا نلاحظ فروقاً مهمة جداً ، فمنظمات حقوق الإنسان تفتت النقابات والأحزاب والكتل الجماهيرية الكبيرة وتلغي دورها عملياً وتستقطب الناس على أساس حقوق فوقية ذات طبيعة فردية أو كتلوية ولكنها صغيرة ، فتُجرد الإنسان من محيطه المهني وتربطه ببيئات متعددة ومختلفة السمات وحسب مهنة الأفراد وهو ما لا يسمح بحصول اندماج اجتماعي حقيقي ، وهكذا تجعله مجرد فرد له حقوق وعليه الدفاع عنها فردياً وعند الحاجة ، أي في مواسم معينة ، بينما النقابات تجمع الناس على أساس مهني مستمر فتعزز الصلات الاجتماعية وتبلور مصالح عامة خاصة بطبقة أو فئة كبيرة فتكون أكثر فاعلية وتعبيراً عن روح الجماعة .

وطبقاً لذلك فإن الدولة المدنية تفتت النقابات المهنية والأحزاب الجماهيرية وتضعفها وتبرز منظمات المجتمع المدني كبديل لها لأن منظمات المجتمع المدني تضمن تفتيت القوى الجماهيرية والنقابات والأحزاب وتمنع نشوء قوة جماهيرية فعالة ومؤثرة جداً ، وهكذا فإن وجود حقوق فردية تدافع عنها منظمات غير مهنية تعد تجمعاً كيفياً لمن لديه مشاكل لكنه تجمع موسمي محدود الأهداف ويعمل من أجل ترقيع نظام انتاجي استغلالي يجب تغييره وليس ترقيعه ، وهذا التجمع الموسمي يمنع ، أو على الأقل يعطل نشوء علاقات اجتماعية صلبة بين مجاميع بشرية تربطها مهنة دائمة وحزمة أهداف مشتركة ، وهذا هو المطلوب غربياً فلابد من تفتيت قوة الجماهير وتغليب الفردية التي تسمح بالسيطرة على الموجات المطلبية وتوصلها لحلول غير جذرية .

الفرد هنا في الدولة المدنية مقابل الجماعة في الدولة الوطنية ، الفرد تحميه منظمات المجتمع المدني مقابل الكتل الجماهيرية التي تدافع عن نفسها من خلال النقابات والأحزاب .

3- في الدولة المدنية تتقزم الدولة وتضعف لصالح ما يسمى منظمات المجتمع المدني وهي منظمات تعمل ظاهرياً من أجل الحريات الفردية ونظام ديمقراطي ليبرالي بينما في الدولة الوطنية تتعزز قوة ومركزية الدولة وتتحكم في الأطراف كلها ، وأهم نتائج تقزيم الدولة وأخطرها إضعافها في مواجهة التحديات الخارجية لأن منظمات المجتمع المدني تنفذ خطط قوى معادية وهي كتل متفرقة على شكل حقوق فردية تجمع كمياً ومهما كان عدد الأفراد كبيراً يبقى الناتج هو تجميع عددي وموسمي لأفراد وبدون وجود قوة فعالة للدولة التي فقدت زخمها بتوزعه على المحافظات من جهة ، وتولت منظمات المجتمع المدني دوراً انتزعته من مسؤوليات الدولة الوطنية من جهة ثانية ، وهذا هو المطلوب أمريكياً وغربياً وصهيونياً وإيرانياً لأن من مصلحة هذه القوى إضعاف الدولة الوطنية العربية وأن تتصدر المطاليب حقوق الأقليات الإثنية والدينية والشواذ جنسياً وليس حقوق الملايين من المستغلين اقتصادياً ، وهو ما لا يسمح بتعزيز قوة الدولة لمواجهة الضغوط الخارجية .

4- في الدولة المدنية يحرم اللجوء للقوة لحسم صراعات وصلت طريقاً مسدوداً وإذا كان ذلك صحيحاً في الغرب المتقدم لأنه منطقة دول ذات مؤسسات دستورية ويتحكم القانون في كل شيء فإنه مفهوم خاطئ بل مخرب في دول من العالم الثالث لم تصبح بعد دول مؤسسات والقانون يتعرض لمؤثرات كثيرة ، لهذا ، فإن فتح الطريق المسدود أثناء الأزمات الكبرى ، في هذه الحالة ، يتم بواسطة الأحزاب أو القوات المسلحة أو انتفاضة النقابات المهنية المسلحة ، وهذه ضرورة تاريخية حاسمة .

وإذا منعنا الاحزاب والنقابات والعسكر من التدخل لفتح طريق مسدود في دولة عالم ثالثية فإننا نساعد على إبقاء ظلم نظام فاسد واستبدادي أو فاشي أو تابع لقوة معادية .

العلاج بالكي مفهوم يصلح لكل زمان ومكان عندما تعجز القوانين السائدة عن اعطاء الحقوق .

5- في الدولة المدنية يكون المجتمع متطوراً ثقافياً واجتماعياً ومستقر حقوقياً ومؤسساتياً ويصبح رأس الدولة مجرد مدير يحرك ويطبق قوانين وخطط بدأها من كان قبله في الحكم وعليه اكمال جزء منها ثم الرحيل ، بينما في الدولة الوطنية هناك تناقضات اجتماعية وفقر وأمية وتخلف فكري واجتماعي وثقافات قوية سابقة للوطنية ، وانعدام أو ضعف المؤسسات الدستورية والقانونية مما يجعل الدولة القوية ضرورة لا غنى عنها لتعويض نواقصها البنيوية من جهة ولمنع انعكاس تأثيرات مكونات ما قبل الوطنية على ممارسات أجهزتها المتنوعة من جهة ثانية ، وهذه الحالة تشبه أرضاً زراعية مهملة لعقود فسادت فيها الاعشاب الضارة والاشجار غير المنتجة وفقدت التربة الكثير من خصوبتها واندرست مجاري الري أو تحطمت الآبار ... الخ ، لذلك فإنك تحتاج أولاً لاعدادها للزراعة بإزالة كل المعوقات وتوفير كل متطلبات الزراعة الناجحة وهذه العملية تحتاج لبلدوزرات تجرف الاحجار وما تراكم وتقتلع كل السموم وتعيد حفر الآبار لتوفير المياه وتعد مجاري المياه كي تصل إلى كل الأرض ثم تضع ضوابط عمل صارمة لمواصلة إعادة البناء والتعمير ، وهذا البلدوزر هو الدولة الوطنية القوية والمنظمات الشعبية الفعالة .

فهل تشبه هذه الحالة حالة أرض معدة سلفاً لكل متطلبات الزراعة الناجحة ولا تحتاج إلا لإدارة بشرية ؟ ، الدولة الوطنية بهذ المعنى تبني وتؤسس وتزيل المعوقات فهي إذا تحتاج لصلاحيات واسعة وإمكانيات كبيرة تتجاوز بمراحل دور المدير المؤقت فقط وتفرض وجود القائد القوي أو القادة الأقوياء وبصلاحيات حاسمة تضمن نمو وتقدم المجتمع .

6- في الدولة المدنية يكون تأثير الخارج قوياً جداً على الداخل لأن المنظمات المدنية عالمية التكوين ومركزها في الخارج وتلعب دوراً عالمياً يتجاوز الحدود الوطنية ويقوم على قاعدة طاغية وهي التدخل حتى في القضايا السيادية للدول في العالم الثالث ، وهنا مكمن الخطر الشديد كما أظهرته تجارب القرنين الأخيرين حيث لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً تخريبياً مشتقاً بصورة وأخرى من أهداف القوى الغربية والصهيونية خصوصاً تجاه النظم التقدمية في العالم ، وهي وفقاً لهذا الواقع خدمت مباشرة الدول الغربية والمعتدية على الأقل بترويجها لدعايات ضد الدولة الوطنية تحت غطاء خرق حقوق الإنسان وهي التمهيد المطلوب للتدخل الغربي ، ويعود هذا الدور لسببين السبب الأول إنها منظمات تجاوزت مفهوم الأمة والدولة الوطنية وتبنت مفهوم عولمة الحقوق فهي لذلك تتدخل حيثما تعتقد أن هناك خرقاً لحقوق الإنسان ، أما السبب الثاني فهو أنها مرتبطة من الرأس وفي حالات كثيرة من الفروع أيضاً بأجهزة مخابرات دول غربية تمولها وتحركها فيكون أخطر دور لها هو تنفيذ سياسات غربية وصهيونية .

7- الدولة المدنية بتركيزها على الحقوق السياسية كحق التعبير عن الرأي والتعددية السياسية وحرية التعبد وحق الشذوذ وتطبيق الديمقراطية ... الخ ، تهمل عملياً الحقوق الأهم وهي الحقوق الأساسية للإنسان ، بينما في الدولة الوطنية فإن هدفها المركزي هو ضمان الحقوق الأساسية للإنسان كالعيش الكريم وتوفير العمل والخدمات الرخيصة بدعم من الدولة ومجانية التعليم والصحة وبعدها تأتي الحقوق السياسية ، فلكي يستطيع الانسان ممارسة حقوقه السياسية يجب أن يكون أولا وقبل كل شيء متعلما بطريقة تكفي لفهم ما يقوم به سياسياً ، ومتحررا من العوز والفقر والمرض والاستبداد والاستغلال لمنع خضوعه لابتزاز أصحاب المال ، وإلا فإن ممارسة الحقوق الفردية في مجتمعات متخلفة ثقافياً وعلمياً أو في منتصف الطريق وتسودها تقاليد ما قبل الأمة والوطنية والأمية تفضي إلى الفوضى الهلاكة التي تمزق المجتمع شر ممزق .

8- في الدولة المدنية يستطيع المواطن ممارسة ضغوط وانتقادات حادة واحيانا مهينة جدا تحقر رموز الدولة خصوصا الرئيس ولا يخشى أحدا لأن أي مسؤول من رئيس الدولة ونزولا ليس اكثر من مدير مؤقت ينفذ قوانين وخطط وضعت قبله وسيذهب لاحقا بالانتخابات ويأتي غيره لإكمال العمل الاداري بينما الدولة الوطنية هدفها عادة بناء الانسان والدولة والمجتمع وترسيخ تقالد حديثة تناسب روح العصر وتضمن الاستقلالية الاقتصادية والسياسية ، لهذا ، فالمسؤول ليس مديرا بل قائدا لعملية تغييرات جذرية وعليه حل كافة الاشكالات التي تظهر اثناء تطبيق خطط اعادة بناء الانسان على اسس العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستغلال والأمية والتخلف والعوز المادي .

وهنا نرى مخاطر تمتع منظمات حقق الانسان بمسؤوليات كبيرة حيث انها تتجه لإضعاف دور القادة في الدولة والمجتمع بنقدهم بطريقة تجردهم من القدرة على مواصلة اعادة البناء للانسان والمجتمع والدولة فيبقى التخلف والاضطراب وتحرض الرأي العام الخارجي ضد الدولة وقادتها كما حصل للعراق قبل الغزو .

ما معنى كل هذا ؟ .

الدولة المدنية تقع تحت تأثير أو حتى سيطرة منظمات المجتمع المدني رغم أنها مرتبطة بمخابرات دول غربية أو تتصرف وفقا لثقافات غريبة عن العالم الثالث وهذه الحالة تضع الدولة تحت نفوذ وتأثيرات دول أخرى وتجردها من الكثير من سيادتها ، بينما في الدولة الوطنية فإن تركيب القوة هرمي يبدأ من النقابات المهنية التي تجمع الناس وتنسق جهودهم صعودا للحكومة وهذا التركيب هو الذي يجعل الحكومة قوية وفعالة جدا وذات دور جوهري وليس إداري وهامشي ويضمن لها الصمود بوجه التحديات الخارجية .

واستنادا لذلك فإن ترويج مفهوم الدولة المدنية هدفه الاساس ليس حل مشاكل الناس ولا منح الافراد حقوقا كثيرة بل زيادة حرمانهم منها بادخال المجتمع في جحيم الفوضى الهلاكة ومنع خروجه منها بسبب عدم ملائمة ممارسات الدولة المدنية لمجتمع عالم ثالثي .

الدول الاستعمارية تستطيع اختراق الدولة الوطنية بمساعدة منظمات المجتمع المدني ، وهو ما رأيناه بوضوح في العراق قبل الغزو حيث كانت هذه المنظمات تلفق اكاذيب حول خرق حقوق الانسان لتأليب الرأي العام ضد العراق تمهيدا لغزوه بينما اهملت عمدا قيام الدولة الوطنية بانقاذ 30 مليون عراقي من الفقر والأمية ووفرت لهم الطب والتعليم والخدمات المجانية ... الخ ! ، ورأينا مفهوم الدولة المدنية بعد الغزو يستخدم لتفتيت القوى الجماهيرية والمقاومة المسلحة ومنع التغيير الجذري وبأسم منظمات المجتمع المدني دعمت العملية السياسية الفاسدة تحت غطاء ديمقراطية زائفة .

Almukhtar44@gmail.com

22-8-2018

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page