top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - متى تصبح الديمقراطية صندوق باندورا ؟ ، الحلقة الثانية


متى تصبح الديمقراطية صندوق باندورا ؟

الحلقة الثانية

في رسالة الرفيق اليمني وعي متقدم جداً يعبر عن أصالة قومية أصيلة فهو يعود في رسالته إلى التاريخ اليمني والعربي عموماً ليثبت أن نظام الشورى في الوطن العربي قبل وبعد الإسلام كان نظاماً منتشراً وسائداً وسبق مفهوم الديمقراطية الأوربي بمراحل فيقول : ( وبحسب رأيي المتواضع ولأنك أستاذي وأنت من كبار مفكري الوطن العربي يجب التركيز على موضوع مهم للغاية .. وهو أننا الآن بعد كل الويلات التي حدثت في الوطن العربي جراء تطبيق الديمقراطية الليبرالية الجميع في مرحلة ما بعد الصدمة من النتائج الكارثية لها ، ويجب الآن توعية النُخب بشكل عام بتحليل نتائجها وبلورة أفكار جديدة تتناسب مع تكون المجتمعات عندنا وكذلك إحياء النماذج التاريخية للحضارات العربية القديمة وشرح نظم الحكم فيها ) . هنا يضع الرفيق اليمني اصبعه على جوهر العقيدة القومية الاشتراكية وهو الدمج الحي بين وجود جذور تاريخية للشورى كنظام وتراث غني جداً والحاضر فيضيف هذا الدمج قوة وتفوقاً ابداعياً ، فاوربا عندما وصلت إلى الديمقراطية الليبرالية لم تكن لها حضارات سابقة بلورت نظم حكم في الماضي كانت استبدادية ووحشية بصورة تامة وتخلو من أي ملمح ديمقراطي ، ولا قدمت للبشرية إنجازات علمية وتكنولوجية نتيجة انتقالها من عصور التخلف والأمية والتوحش بكافة مظاهره إلى عصر التقدم والمدنية والدليل هو قصر فترة المدنية في اليونان وروما القديمة وحصرهما في مناطق محدودة ، بعكس العرب الذين يتميزون بوجود ماض عريق وغني بأشكال التجارب السياسية والفكرية والحضارية فترك بصماته وتقاليده على التربية العائلية والاجتماعية حيث تتوارث العوائل الثقافة والمعلومات في البيت والمجتمع ، وهذه الخلفية الحضارية فيها نظم سياسية تستحق الاستفادة منها الآن . يقول رفيقنا اليمني : ( فالديمقراطية الليبرالية كما سميتها أستاذي لا تصلح في ظل بيئة فقر ، فالناخب الفقير مستعد لبيع صوته مقابل القليل من الطحين والزيت ، وأيضاً لا تصلح في ظل مجتمعات لا زالت تحكمها علاقات ما أسميتها ما قبل الدولة ( الوطنية ) كالقبلية والمناطقية ، فالديمقراطية هي نتاج تطور المجتمع الغربي وفي أي دولة أوربية لو سألت أي مواطن من أي قبيلة أنت ؟ ، لسخر من هذا السؤال بل الكثير منهم لا يعرف من هو جده ؟؟؟! ، أما في الوطن العربي فستجد الشخص يحصل على أعلى الشهادات من أرقى الجامعات العالمية لكن عندما يعود إلى بلده ويحدث خطب ما في عشيرته يحمل بندقيته ويذهب ليقاتل مع العشيرة ، وعليها ينعكس عندما يترشح أبن العشيرة للانتخابات فستجد العصبية تطغى على المصالح ويذهب أبناء العشيرة لانتخاب ابن عشيرتهم ، ولا تصلح الديمقراطية الليبرالية في ظل بيئة جهل فتجد أن حركات الإسلام السياسي استغلت الديمقراطية الليبرالية وتماهت معها فاستخدمت الدين في ترهيب الكثير من الأميين أو أنصاف الأميين بأنهم إن لم ينتخبوا مرشحيهم فقد ارتكبوا بهتانا مبينا ) . ويتابع معتمداً على التاريخ وما فيه من انجازات فيقول : ( وعليه فالحل من وجهة نظري هو بإعادة إحياء النماذج التاريخية من الحضارات العربية القديمة وتطويرها بما يتناسب مع العصر الحديث لاستيعاب كل القوى الخيرة في الوطن العربي ، ولو رجعنا لتاريخنا الحضاري وكيف استطاع أجدادنا العظام بناء حضارات عظيمة لم يكن لها أن تصل لما وصلت إليه إلا في ظل وجود نظام حكم مستقر وعادل استطاع أن يوفر البيئة المناسبة للنهوض ، والعامل المشترك في كل أنظمة الحكم في الحضارات العربية القديمة هو القيادة الجماعية والشورى ، صحيح كان يوجد ملك لكن كان هناك مجلس حكم معه يشاركه في اتخاذ القرارات المصيرية كخوض الحروب مثلا او سن قوانين ففي مملكة آشور مثلا كان يوجد ( بيت إليم ) وهو ما يشابه مجلس للمدينة وكان هو المركز الإداري الأعلى مرتبة في مدينة آشور بعد الملك وكان يقر القوانين التجارية وينظم العلاقات مع الدول الأخرى ويحدد الضرائب المفروضة على البضائع التجارية وغيرها من الصلاحيات ) . ويضيف : ( وفي مملكتي سبأ وحمير في اليمن كان هناك ما يعرف بـ( مجلس الاقيال ) ، والاقيال هم رؤساء القبائل الكبيرة وكان مكون من 80 قيل وكان الملك يشاورهم في القضايا المصيرية ، فقد كان « مجلس الاقيال الثمانين » في تلك الدولة وعصور ملوك سبأ التبابعة ، برلماناً تشمل اختصاصاته التشريع المركزي ومراقبة السلطة التنفيذية وانتخاب وتنصيب الملك ، بل كانوا إذا قرروا عزل الملك القائم عزلوه وانتخبوا واحداً منهم ملكاً للبلاد ) .

هذه اضاءات نوعية على الجذور العربية الاصيلة للتفكير الجماعي والشوروي وهي تشبه الديمقراطية العصرية يؤكدها رفيقي اليمني ، وطبعاً توجد أمثلة كثيرة مثلها لعل أبرزها مسلة حمورابي القانونية والتي تؤكد أن الحكم العربي قبل الإسلام كان محكوماً بقوانين وأنظمة ملزمة وحازمة تحمي الناس وحقوقهم الأساسية وهي الأهم في الحياة ، إذ كيف تقوم الديمقراطية بدون ضمان الحقوق الأساسية للإنسان وأهمها العدالة وحق الحياة الحرة الكريمة ؟ . ويتابع ، ( ويشير الكثير من الباحثين وعلماء الآثار إلى أن ملوك سبأ قد مارسوا الديمقراطية الشوروية وعرفوا البرلمان وكانت لهم قاعة أشبه بقاعة البرلمان اليوم تم اكتشافها في مدينة مأرب في عام 1952م عندما قام علماء آثار بالتنقيب عن الآثار في اليمن وقد عثروا على قاعة أشبه بقاعات مجلس الشعب في زمننا هذا وأكدوا أن البنيان ما هو إلا مبنى وقاعة لمجلس الاقيال الثمانين « برلمان دولة سبأ » معرفاً الاقيال بأنهم المشايخ أو وجهاء القوم ) . ويقدم رفيقي اليمني دعما لما قاله من القرأن الكريم فيقول : ( فقد ثبت تاريخياً وعلمياً ذلك والدليل ما ذكره الله سبحانه في القرآن الكريم من قصة الملكة بلقيس مع نبي الله سليمان عليه السلام بقوله سبحانه { قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } ، وفي قريش قبل الإسلام والتي كانت لها زعامة العرب في الجزيرة العربية كان هناك ( دار الندوة ) والذي كان يجتمع فيه حكماء مكة من قبيلة قريش وقبيلة خزاعة وشيوخهم الذين تجاوزوا الثلاثين من العمر للتشاور والتحاور وإبداء الرأي فيما بينهم، واتخاذ القرارات المهمة بما يتعلق بالتجارة والحرب وغيرها من الأمور ، ووفق نفس السياق كان الرسول محمد ، صلّى الله عليه وسلّم ، يشاور أصحابه في جميع الأمور وحثه الله سبحانه بقوله { وشاورهم بالأمر } ، وعلى نفس المنوال سار الخلفاء الراشدين من بعده ) . ويختتم تعقيبه بالقول : ( إذن لا بد لمفكري الأمة الربط بين التجربة التاريخية والحاضر للأمة فالتجربة الإنسانية هي تجربة تراكمية ولا يتعلم الإنسان إلا من تجربة الصح والخطأ ، وهذا هو الوقت المناسب لنقد المرحلة نقدا بناء أولا يُخلص الأمة من عقدة الضعف والعجز ويعيد لها الثقة بأنها خير أمة أخرجت للناس إن وجدت أولا ذاتها ) .

ماذا نرى في هذا الشرح الرائع والواعي ؟ ، هذا الشاب اليمني القومي العربي ثبت هنا أن الأصالة هي فرق نوعي بين الإنسان العربي والإنسان الأوربي : حضارات عربية عميقة الجذور في العراق واليمن ومصر والمغرب العربي والشام تغلغت تأثيراتها في أعماق النفوس وتحولت إلى طبيعة ثانية حتى بعد زوال تلك الحضارات ، فبلورت نظماً سياسية لم تكن كلها سلبية كما يصور المستشرقون الغربيون بل كانت فيها جوانب ايجابية جداً في عصور بدائية وضع العرب فيها أسس عالم جديد مختلف عن عالم الرعي وعالم قطف الثمار الجاهزة كما كان حال اوربا قبل قرون . وربما لا يدرك البعض قيمة هذا السبق والتفوق العربي على الأوربي من الناحيتين التربوية والنفسية ولهذا لابد من التذكير بأننا نجد فلاحاً أو راعياً عربياً أميّاً لديه قيم ثابتة وإرث ثقافي غني – الشعر مثلاً كان انترنيت الماضي تجد فيه كل شيء - وتقاليد أخلاقية واجتماعية صارمة منفصلة عن أميته وتخلفه وتبدو مناقضة لهما ولكنه يكتسبها بالتوارث ومن أهله شفاها وهي ثمرات حضارات قديمة انتقلت من جيل إلى جيل ، بينما الإنسان الأوربي صاحب المدنية الحالية خرج من عصر الوحشية منذ بضعة قرون وبدون وجود تراث حضاري أو ثقافي سابق متبلور أو واسع ولهذا نراه ما زال يحمل أصالته البدائية رغم دخوله عصر المدنية وهو عصر تنظيمي قبل كل شيء يقمع التراكيب البدائية ويخفيها تحت قوانين وتربية مدرسية أولاً ثم عائلية . لقد حقق الأوربي تقدماً مدنياً يتمثل في سن قوانين كانت ثمرة دروس الحروب العبثية بين الأوربيين والتي أدت إلى خسارتهم كلهم فتعلموا أن تنظيم الحياة ضرورة لضمان الاستقرار ومنع الحروب بينهم فظهرت الدولة المدنية التي نعرفها الآن وهي عبارة عن كيان منظم بدقة تتحكم فيه قوانين وضعية وعلى رأسها دستور يحدد طبيعة الدولة والحكومة والحقوق ، فظهرت المدنية الأوربية وامتدادها الأمريكية وهي تقوم على تنظيم دقيق للحياة لكنه يفتقر للقيم الإنسانية والحضارية الحقيقية والعصر الحديث شهد ويشهد أن أكبر الكوارث التي حلت بالبشر هي التي تسبب بها الأوربي والأمريكي نتيجة لافتقارهما إلى الرادع الأخلاقي والضميري وهيمنة أنانية متطرفة عليهما . ولكي ندرك الفرق بين المدنية والحضارة علينا ن نحلل التربية فيهما فالأوربي ورغم أنه منظم ويلتزم بالقوانين بدقة وحقق تقدما مدنياً ( صناعياً وتكنولوجياً ومعلوماتياً ... الخ ) إلا أنه مازال متوحشاً حد التطرف بدليل أنه هو وليس الشرقي من دمر ويدمر الكرة الأرضية وأباد مئات الملايين من البشر والحيوانات ولوث البيئة ومنع غيره من تحقيق تقدم وسرق ثرواته واستعبده لدرجة أن الأوربي يهتم بحقوق الحيوان أكثر من حقوق الأنسان في العالم الثالث ! ، ويكفي هنا التذكير بأن ما تفعله أمريكا ومعها أوربا الغربية تحديداً في فترة زوال الرادع لهما وهو الاتحاد السوفيتي هو دليل مطلق الصحة على أن الأوربي والأمريكي لا يعرفان معنى العدالة ولا التعاطف الإنساني وتتمحور حياتهما حول الأنانية وزيادة الثراء بالنهب من بشر يموتون جوعاً ويتعرضون لمسلسلات حروب إبادة جماعية يشنها الغرب عليهم بلا رحمة . عندما تتعامل مع الأوربي تعجب بتنظيمه وتربيته المدرسية والمنزلية التي تعلمه الانضباط ومساعدة الغير واحترام القوانين وعدم اضطهاد الآخرين ... الخ ، لكنه ما ان يختلف معك حتى ينزع هذا الوجه الجميل ويظهر الإنسان البدائي الذي تتحكم به الأنانية المطلقة التي تجرده من الرحمة والانصاف وتجعله مجرد نهاب وقاتل أناني ! .

تاريخ العصر الحديث فيه عشرات الأدلة على صحة هذه الحقيقة وما نعيشه الآن دليل هو الأكثر حسماً ، فعندما تكون ضحية للأوربي والأمريكي تتيقن أنه ليس أكثر من مخلوق بدائي بالغ الوحشية والأنانية ، تعلم الانضباط وكيفية النجاح لكنه أتقن فن نهب الآخرين وتعذيبهم والتلذذ بذلك ! ، وعلى النقيض من الأوربي والأمريكي ، فالعربي حتى ولو كان أميّاً فستجد أنه مستعد للتضحية من أجلك وإكرامك ويتجنب جرح مشاعرك ويحترم كلمته ولا يغدر بك كما يفعل الأوربي والأمريكي النمطي . Almukhtar44@gmail.com 2-9-2018

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page