top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - ضميرونيا ( الحلقة الثانية )


ضميرونيا - 2



" حاجتان إذا نامتا ستتعب في حياتك أحداهما الضمير " .. برناردشو


قبل الرأسمالية كانت النظم السابقة كالاقطاع والعبودية تخدر الضمير أو تلغيه ولكن في إطار نخبة قليلة هي التي سميت بـ( حاشية السلطان ) ، أما عامة الناس حتى جنود السلطان فكانوا بغالبيتهم مقهورين وواعين لقهرهم ومحصنين ضد السلطان الجائر لكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم فينفذون أوامر السلطان مهما كانت ظالمة ولا إنسانية ، الظلم زاد حصانة الإنسان وعزز قيمه العليا ، ولكن الكارثة التي حلت بالإنسانية هي أن من دمر هذه الموازنة التاريخة بين ظالم معزول بكره الناس وبين المحافظة على القيم العليا كانت الرأسمالية التي اكتشفت أن تدمير منظومة القيم التي بناها الضمير طوال آلاف السنين شرط مسبق لجعل الضحية ينسجم مع جلاده وهو ما يضمن استمرار استغلالها للإنسان ، فكانت ظاهرة الاستعمار الحديث ثم الامبريالية بحروبهما الكونية وغزاوتهما الشاملة وما يزرع خلالها وينمو بعدها من بذور إبليسية أخطر عوامل تغيير قواعد تفكير الناس وقيمهم وروادعهم ! كيف ذلك ؟ ، لو قارنت غزوات الماضي ومهما كانت قاسية بغزوات الحاضر منذ استولت الرأسمالية على الغرب فإن غزوات الماضي كانت غزوات أعداء اقتصر ضررهم الرئيس على القتل والتخريب والنهب وهي أعمال تعزز الهوية الوطنية وتدعم القيم العليا وتصلب التضامن الاجتماعي ضد الغزاة والأهم أنها كانت تربي الأجيال القادمة ضدهم .

لكن اثار غزوات الاستعمار والامبرياليات الغربية الأوربية ثم الأمريكية كانت ومازالت الكوارث الأخطر التي حلت بالبشرية لأنها تستهدف أولاً القيم العليا والكيان السامي المسمى : الضمير . لم يكتفي الاستعمار وبعده الامبرياليات الغربية بالنهب والإبادات الجماعية للسكان الأصليين بل تعمدت نبش قبور الشر المدفون في أعماق الإنسان الذي يحمل في داخله جينات إبليس إلى جانب جينات صنعها الرحمن ، وأخرجوا كل شرور التاريخ وأضافوا إليها شرورا جديدة اخترعوها بفضل التكنولوجيا عندما وضعوا ثم نفذوا خطط تغيير الهويات الوطنية للسكان وفرض هجرات أوربية بالملايين إلى المستمعرات كما فعلوا في القارة الأمريكية ، أو كما فعلوا في جنوب أفريقيا واستراليا ونيوزيلندا ، أو كما فعلوا في فلسطين ، وكانت هجرة الأوربيين إلى تلك القارات تقترن بإنكار إنسانية السكان الأصليين واعتبارهم مخلوقات غير بشرية ! ، لم يهجر السكان الأصليون وإنما أُبيدوا بالملايين لأن التهجير كان غير ممكناً وكانت الإبادة خير وسيلة للانفراد بامتلاك القارات الأخرى ! ، ولهذا نرى الآن أوربيون يحكمون قارة أمريكا وأهم الأسباب هو إبادة أكثر من 112 مليون هندي أحمر فقط في شمال أمريكا ، لأن البيض قرروا الانفراد بالسيطرة على أمريكا الشمالية وإبادة الهنود الحمر وأبادوا معهم الجاموس ( بوفالوا ) والذي بلغ عدد ما قتل منها 50 مليون جاموسة فقط في أمريكا الشمالية وكانت مصدر الغذاء وصنع الخيم والملابس ! ، وللتذكير بحجم هذه الجريمة غير المسبوقة التي ارتكبها الأوربيون فقد كان عدد كل أوربا وقتها لا يزيد عن 52 مليون إنسان وهذا يجرنا رغماً عنا لإدراك أن من أُبيدوا كان يمكن أن يكونوا الآن أكثر من 400 مليون إنسان يعيشون في وطن أجدادهم .

ما هو التأثير النفسي العميق جدا لهذه الجرائم غير المسبوقة التي ارتكبها الأوربي الأبيض ضد الهنود الحمر على الأوربي بالذات وعلى من تبقى من الهنود الحمر ؟ ، ما هي الآثار النفسية التي تحاصر الضمير الإنساني حتماً وهو يرى ما لم تقم به أشد الحيوانات وحشية ولكن الأوربي الأبيض قام بها ؟ ، ثم نرى نفس الحالة في فلسطين حيث غزاها الصهاينة بقرار بريطاني رسمي ومباشر ( وعد بلفور ) وطردوا الشعب العربي الفلسطيني من أرضه وأرض أجداده ! ، مثلما نراها في الأحواز المحتلة وجنوب أفريقيا حيث غزا البيض جنوب أفريقيا ونظموا حفلات سمر اصطياد الملايين من سود أفريقيا لأجل استخدامهم كعبيد في أمريكا الشمالية والجنوبية وأثناء نقل الأفارقة إلى قارة أمريكا مات أكثر من 120 مليون أفريقي ومن وصل حياً عومل مثلما عومل الهنود الحمر : الإبادة والتحقير العنصريين والاستغلال البشع لقوة عملهم ! ، وهذا المستعمر الأبيض جاء أيضاً إلى آسيا فاستعمر الهند والعراق ومصر وبلدان أخرى وارتكب جرائم بشعة فيها ، ويكفي أن نشير إلى أن بريطانيا أثناء استعمارها للهند سرقت منها ثروات تعادل أكثر مما كان في كل أوربا من ثروات ، كما أكد كارل ماركس في كتابه ( في الاستعمار ) ، فرخاء بريطانيا وأوربا وتقدمها لم يكن ممكنا تحقيقة لولا مال النهب الاستعماري من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والذي اقترن بارتكاب جرائم غير مسبوقة عبر تاريخ البشرية كله وكان الضمير هو الضحية الأولى حيث اغتيل ببشاعة ! .

نحن في العراق وسوريا واليمن وليبيا الآن وليس بالأمس وقبلها والآن أيضاً في فلسطين والأحواز نرى جرائم البيض الأمريكيين والأوربيين ودعمهم للفرس والصهاينة يتواصل بعد تقطع قصير فرضه قيام الاتحاد السوفيتي لكن غيابه دفع البيض للعودة لممارسة الإبادات الجماعية للملايين وأضافوا هذه المرة إلى الأساليب السابقة أسلوب تلويث البيئة لزيادة عدد القتلى كما فعلوا في العراق وجزيرة العرب وسوريا ويوغسلافيا ، لذلك فنحن لا نحتاج لمن يقنعنا بأن الأبيض هو منجل الموت وجالب الكوارث ومشرد الملايين .

هل هذه كل جرائم الأبيض الاستعماري ؟ ، كلا ، فبما أن جينات إبليس هي التي تسيطر على الأبيض فإن الحربين العالميتين الأولى والثانية كانتا بين الأوربيين من أجل النهب ليس إلا .

كنا نرى اللافتة التقليدية للاستعمار عندما يغزو وينهب تقول ( جئنا لننقل البدائيين من البداوة للحضارة ولإستثمار ثرواتهم التي لا يعرفون كيف يستثمرونها ) ولكننا الآن نرى لافتة ما بعد إكمال اغتيال الضمير وهيمنة الأنانية المتوحشة والوقحة يجسدها قول ترامب ( كل ثروات العالم لي فقط ) ! ، وقرر الأبيض أن يقلص سكان العالم إلى مليار فقط لتسهيل السيطرة التامة عليه ونراه يعمل على تغيير جينات الإنسان لأجل إكمال استعباده بطريقة مختلفة وهي جعل الاستعباد إرادياً يختاره الإنسان لانه لا يستطيع مقاومة مخترعات عصر الانترنيت والموبايل وغيرهما فيصبح مكشوفاً أمام من يراقبه طوال اليوم حتى في غرف نومه ! ، وهذه حالة تعزل تصرفات الملايين عن سلطة الضمير ، الأمر الذي ينقل هذا المرض الأخبث في التاريخ البشري إلى مليارات الناس في كل القارات عندما يجردهم من تربية العائلة وروادع والدين والقيم العليا والهوية الوطنية ولا يبقى إلا ما يسمى بـ( القانون ) وهو نظام ضبط إداري لا صلة له بالضمير حتى وإن كانت بداياته بتأثير ضمير أراد تحقيق العدالة بين الناس .

الأوربيون ، خصوصاً عبر نغلهم المشوه نفسياً أمريكا ، هم مدمر الضمير والذين فرضوا الأنانية المطلقة وزرعوا الفساد في كل العالم وعطلوا تقدم بقيته عمداً .

هذه الجرائم وهي تحدث تهز الضمير وبتكرارها تزوال الرحمة والعدالة وتوصل إلى إسقاط الضمير من عرشه الذي لم يكن يعلوه أي عرش سوى عرش الرحمن وتنصيب الأنانية ديكتاتوراً متطرفاً في فرديته ! ، وهذا التغيير لم يقتصر على آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، بل ابتدأ أولاً بالبيض أنفسهم في أمريكا الشمالية وأوربا حيث جرد الإنسان عملياً من الضمير واستبدل بالأنانية التي تدمر جينات الشفقة التي زرعها الرحمن فينا .

هنا يغيب الضمير عمداً ولا يجد له مكاناً ، فالتربية تصبح بواسطة الانترنيت وليس المدرسة والبيت حتى وإن بقيت المدرسة والبيت ، ومن يكافأ ويدعم ويبرز هو خريج مدرسة الأنانية الفردية ومن يعزل ويعتم عليه حتى وإن كان عبقرياً هو الذي مازال متمسكاً بالضمير وأحكامه وأبرزها الإخلاص للوطن وللهوية وللعدالة وتقديم الجماعة على الفرد ، انظروا لمن منحوا جوائز نوبل ستجدون أنهم كلهم – باستثناء المختصين بالعلوم الصرفة – من نغول الفردية ومنظريها ودعاتها .

فهل يصبح غريباً في عالم فاسد ومفسد مثل عالمنا أن نرى كافة أشكال الموبقات والممارسات المشينة وهي تدعم ويقدم من يمارسها على من يرفضها لأن الضمير لا يقبل بها ؟ ، هل تفاجأ بصديق كنت تظنه لفرط تظاهره بالحرص عليك حارسك الشخصي لكنه يغدر بك ؟ انتبهوا : الأخطر الآن هو أن من فقدوا الضمير يجندون مخابراتياً ويكلفون بواجب الاغتيال الجسدي أو الاعتباري . حملقوا بعمق في عين الغادر سترون أنه مسير وليس مخير .

Almukhtar44@gmail.com

1-10-2018

Comentários


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page