الرفيق المجاهد صلاح المختار - ضميرونيا 3
- مفكر قومي
- Oct 13, 2018
- 7 min read

ضميرونيا - 3 تعقيبات
" حاجتان إذا نامتا ستتعب في حياتك إحداهما الضمير " برناردشو
بعد نشر ضميرونيا الجزء الثاني وردتني عدة تعليقات ومتابعات من أصدقاء وأشخاص لا أعرفهم ، وبالنظر لأهمية تلك التعقيبات سوف أكتب تعقيبي على التعقيبات تلك لأجل إضافة مكونات أخرى لصورة بني آدم وليس إكمالها لأن إكمالها قدرة حصرية لله .
في التعقيب الأول الذي استلمته جاءني من الدكتور ع. س ويقول فيه : ( وهل تعتقد بأن هناك ضمير بقي حياً حتى الآن وبعد أن شاهدنا كل ما جرى وكل حادث منها يؤكد اجتثاث الضمير من البشر ؟ ) .
أما التعقيب الآخر فهو سؤال من دكتور ه. س يقول فيه : ( قرأت لك قبل سنوات مقال عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك وصفته فيه بـ( عاهر الضمير ) وهو وصف دقيق طبقاً لخبرتي بصفتي دبلوماسياً قديما ولكن ما هي الصلة والتناسب بين عهر الضمير وعهر الجسد ؟ ) .
أما أحد خبراء الانترنيت ، كما وصف نفسه ورفض حتى ذكر اسمه ، فقد قال : ( هل تعتقد بأن الانترنيت ساعد على انتشار ظاهرة ضعف الضمير أو زواله ؟ ، فأنا شخصياً أشعر الآن ولا أقول واثق بأنني فقدت الكثير من قوة ضميري بعد أن استخدمت الانترنيت وعرفت بأنني استطيع فعل أشياء كنت أعجز حتى عن التفكير بها ولكنني الأن أقوم بها بسهولة رغم أنها تؤذي كثير من الناس وبعضهم من أصدقائي الذين أحبهم صدقاً ، لكن إغراء لا يقاوم يتملكني منذ صرت خبيراً بأن أتسلى بالتلاعب بمشاعرهم ) ! .
سأكتفي بهذه التعقيبات الآن وربما أعود لغيرها لاحقاً .
في هذا التحليل سأتناول مسألتين فقط هما :
هل تم اجتثاث الضمير حقاً ودفن كما تدفن الجثة ؟ ، وماهو دور الانترنيت في حملة تعهير الضمير المخططة عالمياً ؟ ، ربما يظن البعض بأن من يرتكب جرائم أو يمارس انحرافات بشعة ميت الضمير ولكن هذا الاعتقاد خاطئ فالضمير ليس من صنع الإنسان وهو لذلك لا يموت أبداً ، ولكن يمكن تخديره أو إضعافه وهذا يعني نتيجة مأساوية : عاهر الضمير يبقى ضحية عهر ضميره ، أي يتعذب داخلياً وينمو فيه سرطان معنوي أشد هولاً من السرطان الجسدي ، فالذي يعتدي على الناس أو يرتكب جرائم بحقهم في كافة المجالات يواجه صراعاً يومياً إن لم يكن كل ساعة بين الضمير وبين نقيضه ، أي الأنا المتوحشة المتطرفة الأنانية ، وكلاهما كيانان افتراضيان لكنهما موجودان بنيوياً في البشر .
هل تساءلتم ، لِمَ يتميز المجرم والمعتدي والغادر برفيقه أو شقيقه والخائن لوطنه... الخ بأنه يدمن السكر وربما المخدرات ؟ ، وهل فسرتم لم يعلو صوته وينفجر غضباً مع من هو تحت سطوته بطريقة هستيرية ؟ ، قبل أيام وردني تسجيل صوتي لعاهر ضمير يعتدي على الناس بتلفيق الأكاذيب ضدهم لابتزازهم مالياً يخاطب امرأة يعرفها بطريقة جنونية فقد فيها سيطرته على نفسه وهو يخاطبها ويوجه لها أقسى التهديدات والشتائم ، وكان بإمكانه أن يتحدث معها بهدوء واحترام لو كان طبيعياً لكنه محترف تجاوز على الناس واحتيال عليهم وخرق المحرمات ، لهذا فإنه أدمن الخمر وصار لا يتحمل أي خلاف مع أي شخص فينفجر وتتدفق من فمه حمم تحرقه أولاً قبل حرق ضحيته ! ، هذه الحالة المتوترة جداً لمن أصيب بعهر الضمير هي نتاج تعاظم الصراع بين الضمير والأنا ، فالضمير موجود لأنه كيان فوق الإنسان وليس عبداً له وعندما يرتكب الإنسان عدوانا أو عملاً لا أخلاقياً فإن الضمير يتصدى للمنحرف فيحدث الصراع الداخلي العنيف والذي يحاول إخماده بالسكر أو المخدرات لأنهما يفتحان أبواب عالم خيالي أو يساعدانه على التوقف ولو للحظات عن تذكر جرائمه وعدواناته ، فإذا رأيتم شخصاً ما يتصرف بعصبية شديدة مقترنة بعدوانية لا مبرر لها فالتفسير المرجح هو أنه واقع تحت ضغوط صراع مرير بين الضمير والأنا الشريرة .
الضمير لم يخلقه الإنسان كي يموت نتيجة انحرافاته بل هو كيان وجد بقوة متعالية على البشر هي قوة من خلق الكون ومنه الإنسان ، وواضح إن الله خق الضمير ليكون رقيباً وبوصلة تميز بين الشر والخير وترفض تعدد المعايير في تحديدهما تبعاً للفلسفة البراغماتية الأمريكية .
وبما أن الضمير لا يموت فإن عاهر الضمير هو الذي الذي يتجاوز على ضميره بارتكاب أفعال يعرف سلفاً أو يعرف لاحقاً أنها شذوذ عن الحق والأخلاق والسراط المستقيم ، والأخير مبدأ ثابت لا يتغير يتجسد في مقولة ( أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ) وعكسها ومكملها وهو ( إكره لغيرك ما تكرهه لنفسك ) ، هذه القاعدة تمنع نشوء أكثر من معيار لتقييم الأفعال وتحصرها في معيار واحد هو الضمير الناطق بتلك المقولة التي توصل إليها ليس السيد المسيح (ع) فقط بل كل المصلحين والأنبياء والثوريين قبله وعبر آلاف السنين .
نعم العصبية ليست سمة لها صلة بعهر الضمير لأنها أصلاً نتاج التناسب الكيميائي في الجسد ، فإذا زادت عناصر معينة صار الإنسان عصبياً ، وإذا زادت أكثر صار عصابياً أو مريضاً ، والعكس صحيح أي إذا نقصت عناصر كيمائية معينة يصبح الإنسان هادئاً وبارد التصرفات ، لكنه ليس عاهر ضمير في حالة العصبية فهي سمة ربما لأغلب البشر خصوصاً عندما يواجهون المتاعب ، ويصبح الإنسان عاهر ضمير فقط حينما يعتدي على غيره سواء بقتله أو سرقته أو تلفيق تهم ضده أو يخون وطنه ويجعل من نزواته حاكمه الأعلى وهنا نرى التزاوج الحتمي بين عهر الضمير والقسوة والعصبية والتي يحاول لجمها والسيطرة عليهما لأجل خداع الناس بمظهر هادئ ولطيف بتعاطي المخدرات أو الأدوية المهدئة للأعصاب ، لكنه ما إن يواجه من يعتقد بأنه لا ينفذ ما يريد حتى يفقد القدرة على السيطرة على تلك المعركة الأبدية داخله بين الضمير والعدوان على الآخرين .
أما الانترنيت فقد سبق وكتبت مراراً بأن أكبر كوارث البشرية إطلاقاً هي تلك التي صنعها ومازال يصنعها الانترنيت بعد أن تحول إلى المربي الأول والأكثر تأثيراً على الناس خصوصاً أجيال القرن الجديد ، وربما يكون مصدر الخطر الأكبر للانترنيت هو أنه أخذ يكشف الستار عن غموض التركيب الإنساني ، فالإنسان كما قلنا مخلوق فيه إبليس وفيه الرحمن وما يجعل الرحمن مسيطراً على الإنسان هو التربية العائلية والقيم العليا والمدرسة الوطنية والمدرسة العلمية ففيها يتربى على قاعدة ( أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ) ، أما الانترنيت فهو مملكة إبليس وكل شياطينه من بني آدم التي تحفر قبور الإثم والجريمة من خلال عبادة الأنا وتشجيع تغليبها على الروادع والقيم العليا والتربية العائلية ! ، وتلك هي أسس المجتمع الأمريكي بالذات الذي يتربى الفرد فيه على الفردية المطلقة وهي منبع الأنانية الأساس ومصدر كل الانحرافات اللاحقة لأنها تقوم على نسف قاعدة ( أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ) وتفرض محلها قاعدة براغماتية تقول ( كل ما يجعلني سعيداً فهو حق وخير وبغض النظر عن أثره على غيري ) ! ، هنا نرى إبليس وخلفه جيوشه الجرارة من الشياطين .
الانترنيت بتوفيره فرصة التخفي يطلق الشرور الكامنة في الإنسان والتي قيدتها الأديان والإصلاحات والقوانين ويحول الإنسان الذي كان طبياً ومؤدباً إلى آخر عدواني وأناني ومتطرف الأذى لغيره ، فما دام الآخر الذي أتجاوز عليه لا يعرفني فلأفعل كل ما يسرني ويجعلني أضحك عليه او أهينه أو أسرق حقوقه المادية والاعتبارية ! ، ابليس الكامن في الإنسان وهو يرى هذه الفرصة يسارع فوراً لاغتنامها والتحول إلى مقاتل شرس يخرق كافة الضوابط الاجتماعية والأخلاقية ويحاول تجنب خرق القواعد القانونية لأنها تجره لمواجهة العقاب ، ولهذا نرى التخفي أقوى محفز لإطلاق كل النزوات والرغبات المكبوتة في الانترنيت .
ولكن هناك أفراد لا يتخفون عندما يتجاوزون على الآخرين ظلماً وعدواناً والسبب واحد من اثنين :
فإما أن يكون هذا الشخص مدعوماً من جهات قوية تحميه من العقاب بل وتدفعه لفعل الجريمة أو أن يكون مريضا نفسياً لا يستطيع السيطرة على مرضه .
ولعل أحد أبرز ما يشجع هؤلاء هو أن الانترنيت تصعب السيطرة عليه من قبل دولة واحدة فالذي في أمريكا مثلاً يستطيع شتم الذي في العراق وفي هذه الحالة فإن الشكوى عليه صعبة جداً وأقصى عقاب هو غلق صفحته من قبل الانترنيت لكنه يقوم بفتح صفحة أخرى وباسم آخر أو باسمه وهكذا يستمر في العدوان دون عقاب ! ، ووصل تخريب الانترنيت حد أن هناك من يدعي أنه الله في صفحته وآخر من يدعو للشذوذ الجنسي وآخر من يدعو لارتكاب زنى المحارم علنا ! ، ما المغزى العميق من إثارة هذه الأفكار الآن ؟ .
تخيلوا جيلاً جديداً ينشأ على قراءة هذه المواقع والصفحات كيف سيكون رد فعله تجاه ما يتعرض له من تدفق هائل للمعلومات والصور المغرية جداً باسلوبها وهو الذي لم تعد العائلة تسيطر على ما يتلقاه من معلومات وأفكار وانطباعات ولا أن تمنع الاغراءات القوية له بممارسة سلوك يتناقض مع ما تربى عليه في البيت فيلجأ للسرية ويمارس كل ما يعجبه سراً ! .
أول نتيجة هي هيمنة قيم إبليس محلها وأبرزها ( اعمل ما تشاء إذا كنت ترى فيه فائدة أو لذة لك ولا تفكر بالآخرين ) .
ربما الفائدة الرئيسة للانترنيت والتي لم تستخدم على نطاق واسع حتى الآن هي أن علماء النفس والطب والمفكرين يمكنهم أن يتوصلوا إلى اكتشاف ممكنات أخرى في الإنسان لم تكن معروفة قبل الانترنيت أو كانت قبله جنينية وتمارس بخجل وسرية تامة ولكن الانترنيت أطلقها وحولها إلى حقوق فردية صدرت قوانين في الغرب بحماية من يمارسها ويعتقد بها كقوانين زواج المثليين والتسابق على كسبهم ! ، وهذا تأكيد حاسم على أن قوانين إبليس ترعاها مخابرات دول معينة تريد ترويج قيم مهيمنة تتناقض مع قيم الله أولاً والتي تجسدت طوال آلاف السنين في تعاليم الأنبياء والرسل .
الآن يمكن لعالم نفس أو طبيب أن يدخل الانترنيت ويدرس تلك الحالات النفسية والسلوكية بدقة مستعينا بآلاف بل بملايين التعليقات والكتابات التي تشكل تعبيرات عن المكنون النفسي والذي أطلق وكان علماء النفس سابقاً ينومون الفرد مغناطيسياً ليطلق ما يخفيه خجلاً أو خوفاً ! .
الانترنيت مخزن ( مول ) هائل الحجم تستطيع عند دخوله رؤية بضائع إبليس معروضة علناً وكتبت عليها كل مواصفاتها ! ، فهل استخدم هؤلاء المعلومات المتوفرة للتعمق في فهم الإنسان ومكنوناته الخفية التي تتوفر الآن مجاناً لأول مرة في التاريخ في الانترنيت ؟ .
يبقى التناسب بين عهر الضمير وعهر الجسد فأقول ، عهر الجسد سببه الحاجة المادية للعاهرة فهو أمر مفروض عليها وهو يؤذي مئات بإصابتهم بالأمراض الجنسية وهي أضرار محدودة جداً ، أما عهر الضمير فإنه كارثة البشرية الأعظم لأنه يجرد الإنسان من أي رادع ويجعل أنانيته وفرديته هي الحاكم وهي المقرر لكل شيء ولهذا نرى عاهر الضمير عندما يكون سياسياً أو حاكماً فإنه يهدد حياة المليارات من البشر ويقتل الملايين كما نشهد في حروب الغرب علينا في العراق وسوريا واليمن وليبيا وفلسطين .
ولعل نموذج دونالد ترامب يقدم لنا صورة عن عهر الضمير في أوضح صوره النمطية : فشخصية ترامب مبنية على الاستحواذ على كل ما يعود لغيره ولا يأبه لقانون أو أخلاق أو حقوق ، وهذا هو السبب الرئيس الذي جعل النخب المتحكمة في أمريكا تختاره رئيساً في هذه المرحلة من تاريخ تدهور الامبراطورية الأمريكية وهي أكبر خزانات الشر في التاريخ الإنساني .
فقط حللوا تصرفات ترامب سترون إبليس فوق رأسه وبين قدمية وخلف ظهره وأمامه .
وصفت جاك شيراك بعاهر الضمير لأنه هاجم القائد الشهيد صدام حسين رغم أنه كان يتملقه وهو قائد للعراق !، وما أن أسقط الاستعمار النظام الوطني حتى كان شيراك من بين من هاجمه ! ، هل هذا السلوك شيء غير بيع الضمير ؟ ، من يبيع صديقه بثمن صفقة أو يغدر به للتخلص منه بتلفيق تهم ضده لأنه يعتقد بأنه عقبة تمنع تحقيق أحلامه غير المشروعة ليس سوى عاهر ضمير كامل المواصفات .
لو عاش برناردشو حتى عصر الانترنيت لاستبدل عبارة ( ستتعب في حياتك ) بـ( ستستعبد لإبليس في حياتك ) ، وإبليس ليس الشخصية الميثولوجية بل هو ( صديقك ) الذي يخفي في عبه خنجر الفارسي حسن الصباح كي يطعنك به وأنت غافل عنه ! .
Almukhtar44@gmail.com
13-10-2018
Comments