top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - هوامشونيا


هوامشونيا



في مقال نشرته في شبكة البصرة يوم 16 تشرين الأول 2011 تحت عنوان ( أيها الوطنيون العرب استيقظوا ، نتنياهو يتجول في عواصمكم )! - أشرت كغيري من الكتّاب إلى أن نتنياهو وهو رمز إسرائيل الغربية يلعب دوراً محورياً في تحريك أحداث ما سمي زوراً بـ( الربيع العربي ) ، وهي خطوات كبيرة من استراتيجية استعمارية غربية ، وما حدث بعد ذلك ليس سوى امتداد متدرج في إطار ذلك المخطط ، ولكنه يطبق بواسطة أدوات استخدمتها القوى الاستعمارية وهي هوامش أو حواشي العرب وليس متنوهم أو مراكزهم ، إلى جانب دور حاسم للأطراف الاقليمية .

فما المقصود بعرب المتون والمراكز وعرب الهوامش والحواشي ؟ ، ومن هي القوى الطرفية التي تساهم في تنفيذ مخططات تدمير الأقطار العربية ؟ ، ولِمَ اعتمدت القوى الاستعمارية على الهوامش والأطراف بينما ناصبت المتون والمراكز العربية العريقة العداء المطلق ؟ ، متون العرب هي أقطار مراكز الحضارات المتعاقبة والتي سجلت في التاريخ أنها مثّلت عبقرية شعب دشن عصور التقدم الإنساني وعلى يد متون – مراكز العرب ظهرت اللغة والعجلة والقانون والعلوم والرياضيات والفلك ... الخ ، وترك قادة المراكز لنا كل مظاهر عظمة الأمة العربية .

من يصنع التاريخ والحضارة هم رجال المركز ، وكان الغزاة عبر التاريح يستهدفونهم مباشرة مستغلين إما كتل الهوامش والحواشي داخل الوطن أو أطرافاً محيطة بالوطن لأجل تحقيق اختراقات تدميرية لنهضته وعظمته . هذه واحدة من أهم حقاق التاريخ والتي عرفها المستعمر العالمي ( بريطانيا وفرنسا أولاً ثم أمريكا ) والمستعمر الاقليمي ( الإسرائيليتين الشرقية والغربية وغيرهما ) فاعتمدوا على هوامش العرب وعلى الأطراف الاقليمية من أجل تدمير نهضة العرب ومنع وحدة أقطارهم وغزوها ونهبها أو الانتقام منها .

ومنذ تدمير مراكز العرب في مصر بعد غياب عبد الناصر والعراق بعد غزوه وقبلها في سوريا منذ سيطرة عائلة الأسد ، كان للأطراف والهوامش دوراً أساسياً في ذلك خصوصاً الدور الاستعماري الاقليمي الإيراني – الصهيوني ، ومهما بدت الهوامش والأطراف فعّالة فإنها تبقى هشة وقابلة للهزيمة مقابل إرادة القلب التي حتى عندما تهزم فإنها تبدأ فوراً بإعادة بناء قوة الذات لتحقيق نصر حاسم لاحقاً .

الدليل على سلامة القلب هو أن التطبيع ورغم مرور حوالي أربعة عقود على زيارة الشؤوم الساداتية للقدس لم يخترق صلابة شعب مصر ، ولم تظهر قوة شعبية كبيرة ومنظمة في مصر تطبع ، وبقي المتساقطون في مستنقع التطبيع عناصر مهمشة أصلاً ، وهذا ينطبق على كافة الأقطار العربية حيث لم يجد التطبيع مجالاً له على المستوى الشعبي وتحدّت الجماهير ترتيبات التطبيع كلها ورفضت كافة أنواع الرشا لأجل التطبيع ! ، ولهذا نرى أمريكا وإسرائيل الغربية تعتمدان على الهوامش العربية والأطراف المحيطية من أجل تدمير الأمة وهويتها القومية .

ومادام القلب سليماً رغم كل جروح الجسد العربي العميقة فلا مستقبل لكافة خطوات الهوامش والأطراف مهما بدت قوية ومزلزلة ، فالهامش هش وتكفي عصفة ريح قوية لإسقاط كافة ثمراته السامة وهذه الحقيقة تفسر لم بقيت الهوامش صامتة وتابعة للمراكز طوال عقود .

الهوامش مجرد محطات عبور وليست مراكز استقرار ، وهي عاجزة عن الصيرورة مركزاً ثابتاً له ، فلولا حماية قوى الاستعمار لها وتشجيعها وتحريضها لما تجرأت على التجاوز على أصول الأمة وحقوقها مثل فلسطين والعراق وسوريا ، أما الأطراف فهي عنصر غريب ومهما دام زمن بقاءه في جسد الأمة فإنه سيلفظ كما لفظ سابقاً بعد احتلاله لأرض الوطن .

الاعتماد الاستعماري على الهوامش والأطراف قام أصلاً عن خطة تدمير المراكز ، فما إن تمركزت قوى الأمة الأساسية في قلب بعض الأقطار حاكمة وراسمة لطريق النهوض القومي الشامل ، وهو ما رأيناه في مصر تحت قيادة عبد الناصر والعراق تحت قيادة البعث ، حتى حشدت قوى الشر الاستعمارية إمكانياتها كلها وسخرت أولاً الأطراف خصوصاً الإسرائيليتين الغربية والشرقية ، وهي أقوى من الهوامش ، ولكن صلابة المركز العراقي الذي هزم إسرائيل الشرقية بعد حرب ثمانية أعوام ثم أسقط ( نظرية الأمن الإسرائيلي ) في عام 1991 فأجبرت قوى الاستعمار على استخدام الهوامش وقدراتها المالية الضخمة ، فكان جمع الهوامش والأطراف تحت قيادة أمريكا هو التسونامي الذي هدم المركز العراقي وقبله المركز المصري .

وانهيار المركزين ليس سببه ضعفهما بل اختلال موازين القوى في ساحات الصراع ، فأمريكا ومعها الغرب هي التي استخدمت قواها وما تملكه الأدوات الهامشية من مال وموقع جغرافي ، وأغرت القوى الطرفية على الغزو وتدمير المراكز القومية .

الهوامش يمكن أن تصبح مضخة قلب صناعية لكنها لا يمكن أن تصبح قلباً للأمة ، فالقلب الصناعي ليس بديلاً للقلب الطبيعي وهو مجرد وسيلة للبقاء في الحياة ولكن أي حياة تلك التي لا يستطيع فيها الإنسان النزال المباشر بسبب قلبه الاصطناعي ؟ ، والخطر كل الخطر والقوة كل القوة هي التي تنبعث من قلب سليم وطبيعي لا أثر فيه للترقيع ولا لشراء القوة من غيره .

والآن ، ألم يصبح ضرورياً طرح السؤال التالي : لِمَ يركز تحالف الأعداء على تحطيم المراكز وإبراز الهوامش ؟ ، لأنه يعرف أن المراكز إذا تركت تكمل برامجها فإنها سوف تطرد شياطين الاستغلال وتحرر الأرض والمال من غزوات ضباع الجشع والأنانية وتحقق وحدة الأمة وهي شرط مسبق لإكمال تطهير أرض الوطن الكبير ، أما الهوامش فإنها فقاعات بصرية لن تدوم إلا بحماية خارجية ، بينما القلب أو المركز يقوم على مداميك فولاذية تعجز الأعاصير وكافة أشكال التسونامي عن اقتلاعها بدليل ما يحصل منذ زيارة السادات للقدس وحتى الآن حيث فشل التطبيع في المراكز فاعتمد على هوامش الأمة وفقاعاتها ! .

أيها السادة : تذكروا أن الوطن ليس سيارة أو شقة سكنية يمكن بيعها أو التخلي عنها بعد أول ضغط ! ، الوطن كيان مغروس في التكوين النفسي للإنسان ومندمج ببدايته وموصول مع نهايته ، وفيه البيئة التي يستطيع بقوتها الشعور بالأصالة والانتماء لقوة طاغية ، فالبشر من أهل وأقرباء وأصدقاء والحيز المكاني من أبنية وذكريات وطرق ، والأفراح والأتراح بكل ألوانها ، والإدراك الواعي للأشياء بمراحله المتعددة للحياة وللأشياء يحصل في وطن عريق ، وكل تلك المكونات تدخل في انبثاق وتبلور الهوية الوطنية لذلك حينما نقول وطن فإننا نتحدث عن ماضينا كله عن طفولتنا التي تبقى حية في نفوسنا مهما شخنا ، ونرى أهلنا وأرضنا وزرعنا وماضينا ونسمع قهقهاتنا الطفولية وأنين بكاءنا ، فيه نمت ذاكرتنا وعلى أديمه حطت أحلامنا وفوق جرانيته حفر تصورنا لمستقبلنا ، وبه نرى كل من أحببناهم ورحلوا عنا وكل من ناصبونا العداء ومازالوا ، فهو ليس مجرد بيت نؤجره كي نتركه بلا أثر ولا هي هدية غالية نقدمها للغير فننساها ولا هو شيء يسرق فنستسلم .

هل تريدون أُنموذجا للوطن ؟ ، إنه العراق وسوريا ومصر والجزائر والسودان والأحواز وكل قطر عربي وقبلها كلها فلسطين ، داست سنابك خيول برابرة أزمان القهر الوطن ولكن الشعب بقي يقاوم وسيبقى يقاوم حتى يطرد الغزاة ، وهنا نرى الفرق بين ابن الأنبار وابن البصرة وابن وهران في الجزائر وابن القدس في فلسطين وابن بورسعيد في مصر وابن الشام الذين قاتلوا المحتل حتى أجبروه على الانسحاب أو وضعوه على حافة قبره لإسقاطه فيه غداً أو بعد غد ، متحملين أشكالاً من التعذيب لو تعرض لها أي أمريكي لانقرضت أمريكا بعد أول جولة عذاب وهرب المهاجرون إليها عائدين إلى أوطانهم لأن الأمريكي كما الإسرائيلي الغربي ، ليست لديه هوية أصلية بعد أن فقد أصوله ولم يكتسب أصولاً جديدة طبيعية بل لفقت هويته ، كان الأمريكي هشاً عندما يحتدم القتال ويصبح قريباً من الموت ، وكان الصهيوني منهزماً أمام مقاوم فلسطيني .

أمريكا تتراجع وتتفاقم أزمتها الداخلية وتتقلص رقعتها الخارجية وهي لذلك تستعجل تدمير العراق وكل قطر عربي قبل انتهاء سطوتها .

وأهم أدوات أمريكا في عمليات تقسيمنا تتراجع أيضاً ، فإسرائيل الغربية تتعرض للتأكل الداخلي لذلك تعوض عنه بالمزيد من التسلح وهو حل كارتوني لأن من يحمل السلاح منخور ، والنخب القومية الفارسية دخلت طور نهاية لعبتها بعد أن كشفت أطماعها من خلال جرائمها البشعة ، ولم تعد هناك أغطية ولا تقية تخفي ما كانت تخفيه للتضليل فتكونت قناعات شاملة بأن العدو الأخطر الواجب تدميره أولاً وقبل غيره هو إسرائيل الشرقية . الآن لا تنفع الصهيونية ولا الفارسية ولا أمريكا كل مغامرات نتنياهو وقاسم سليماني وزياراتهما ، فالنتيجة واضحة وهي أنهما يعتمدان على هوامش العرب ، وكلكم تعرفون من هم هوامش العرب ، وكلكم تعرفون أن القلب والمكان السوبرستراتيجي للأمة العربية يتشكل من العراق ومصر وسوريا ، وأصول القوة فيها سليمة . صفقة القرن التي أثاروا ضجة حولها مجرد إبعاد نظر عما جرى فعلاً ، فهذه الصفقة لم تبدأ في هذه الأوقات بل بدأها السادات باعترافه بإسرائيل الغربية وتسارعت خطوات صفقة القرن مع كل اعتراف أو لقاء تطبيعي سري أو علني ومع تدمير قلاع العروبة المقاتلة ضد الاعتراف والتطبيع حتى وصلنا إلى زيارة نتنياهو لعمان وقبلها زيارات من سبقه من رؤوساء وزراء إسرائيل الغربية لعدد من الأقطار العربية .

إنها صفقة القرنين وليست صفقة القرن وتوزيع خطواتها على قرنين تم من أجل امرارها دون أن ينتبه العرب إلى أن هناك صفقة خطيرة وخطرها الأعظم ليس تسليم فلسطين للصهيونية بل تسليم الأمة العربية كلها للغرب الاستعماري وللصهيونية العالمية ، وما يجري منذ غزو العراق يؤكد أن الهدف لم يعد احتلال فلسطين فهي احتلت عملياً ولكنه انتقل إلى ما هو أخطر وهو احتلال بقية الأقطار العربية بعد أن تخضع لكوارث وحروب طاحنة تحرق الأخضر واليابس وتجعل الناس تطلب الانقاذ من مهندسها ومديمها .

وهنا تفرض أصالة القلب – المركز النهوض بقوة ومواجهة الغزو ومقاومته بكافة الأسلحة المتاحة وتقطيع سياق هذه العملية التدميرية التي دشنها السادات ومنع اكتمالها ، فهل ننهض ؟ ، هوامش العرب لن يغيروا هويتنا ولا تاريخنا ولا واقعنا لأنهم هوامش والقلب هو الذي يحمي الجسد ويقيه مقاتل فايروسات محملة فوق جسد الهوامش .

Almukhtar44@gmail.com

1-11-2018

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page