top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - القومية بين عرب وفرس واتراك


الرفيق المجاهد صلاح المختار

القومية بين عرب وفرس وأتراك



سؤال مهم أُثير على تويتر وصلني برسالة من صديق وهو التالي :

لماذا يرتفع منسوب القومية لدى الإيرانيين والأتراك وينخفض لدى العرب ؟ ، هل السبب هو الخطوط التي رسمها المستعمر أم أن الأمر يتعلق بالعقيلة العربية .



للإجابة نثبت الملاحظات التالية :

1- أحد أهم الفروق بين العرب من جهة والإيرانيين والأتراك من جهة ثانية هو أن العرب صنفهم الغرب الاستعماري والصهيونية كعدو لعدة أسباب أهمها وجود حوالي ثلثي الاحتياط العالمي من الطاقة لديه وأراضيه خصبة ، خصوصاً في العراق والسودان ، وهو ما يمكن العرب من إقامة وإدامة كيان قومي واحد مكتف ذاتياً وغني ولديه القدرات الابداعية البشرية ، وبما أن الطاقة هي محرك القوى الدولية في القرن العشرين ، والآن ، فإن القومية العربية عُدَّت العدو الرئيس للغرب وليس الأتراك ولا الإيرانيين لأن الغرب كان يرى نهوضاً قومياً عربياً أول مطاليبه تحرير الثروات العربية من سيطرته ، وهذا الأمر لم يكن موجوداً في حالتي تركيا وإسرائيل الشرقية لشحة أو انعدام الموارد الطبيعية فيهما والضرورية جداً لدعم قيام نظام امبراطوري توسعي ، ولأجل تحويل بلاد فارس إلى قوة إقليمية عظمى تقمع العرب وتسند الكيان الصهيوني الذي تقرر إقامته ضمت بريطانيا الأحواز العربية إليها بنفطها وغازها واللذان يشكلان أكثر من 80% من ثروتها الآن ومصادر مياهها فعززت الدور الإقليمي لإيران ، وصارت هي وتركيا عضوان في حلف بغداد .

2- وهذه العضوية في المعسكر الاستعماري كانت عضوية دولة واحدة تخضع لقيادة واحدة بعكس العرب الذين كانوا دولاً وصل عددها إلى 22 دولة !!! ، وكانوا خاضعين للاستعمار ، والهدف الاستراتيجي للأطراف الثلاثة ( العرب والفرس والترك ) كان مختلفاً فقد كان نضال الفرس من أجل التوسع الإقليمي على حساب العرب طبقاً لشعار ( إحياء امبراطورية فارس ) ثم نظرية ( نشر الثورة الإسلامية ) ، أما بالنسبة لتركيا ففيها تيارات وقادة يطالبون بضم الموصل وكركوك وحلب إليها ناهيك عن تطلعات إحياء الامبراطورية العثمانية ، وهذه الأهداف التوسعية الفارسية والتركية غذّت المشاعر القومية في البلدين بينما العرب وضعوا لنضالهم أهدافاً محدودة ومتواضعة وهي الاستقلال القطري والتنمية والقضاء على الفقر والأمية ، وهذه أهداف قطرية تقلل من قوة الدافع القومي كما نرى في واقع العرب المعاصر .

3- في ظل حالة التخلف والتدهور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي أصاب العرب بعد ضعف الدولة العباسية تراجع دورهم في حين تصاعد دور الأتراك خصوصاً تحت قيادة أتاتورك والفرس تحت قيادة الشاهين رضا وابنه محمد ، فالعرب كانوا يفتقرون لوجود الدولة القومية الواحدة الحقيقية بعد خضوعهم للدولة العثمانية حوالي خمسة قرون زاد فيه التخلف والأمية والفقر والتشرذم بعكس الأتراك والفرس اللذين كانت لهما دولة وطنية قوية نسبيا مقارنة بالعرب .

4- الشروط التي وضعها المستعمر لمستقبل العرب كانت سلبية ابتداءً من اتفاقية سايكس بيكو التي شرذمت العرب ومنعت الوحدة القومية العربية لتسهيل الهيمنة على ثروة النفط المكتشفة حديثاً ، بينما ظهر وعد بلفور لدعم الصهيونية التي اختارت فلسطين وطناً لغرباء عن المنطقة ، وما سبق أدى لوضع خطط قاسية تمنع نهضة العرب وتوحدهم وتبقيهم ضعفاء مشتتين لضمان نشوء وترسخ الكيان اليهودي في فلسطين ومواصلة السيطرة على الوطن العربي بثرواته وموقعه ... الخ ، وصار القاسم المشترك بين الغرب والصهيونية هو إبقاء العرب متخلفين ومنع توحدهم وتقدمهم كما ظهر من خطة بنرمان .

هنا ، نلاحظ الفرق الجوهري بين الأطراف الثلاثة العرب والأتراك والفرس : العرب أصحاب ثروات ضخمة وماض زاخر بالانجازات الحضارية والثارات مع الغرب ( الحروب الصليبية ) فأصبح بقاء هيمنته هدفاً استراتجياً بعكس تركيا وإسرائيل الشرقية اللتان كانتا فقيرتان نسبياً وكان ما يغري الغرب بهما دورهما الإقليمي في المساعدة على السيطرة الدائمة على الوطن العربي .

5- القومية العربية نهضت في بيئة عداء الغرب الاستعماري لها وشارك في العداء وبدرجات مختلفة كل من إسرائيل الشرقية وتركيا في إطار استراتيجية أمريكا وهي ( الحرب بالنيابة ) ، وعداء الغرب سببه الحرص على منع العرب من استعادة ثرواتهم وتحريرها وتسخيرها لخدمة التنمية العربية للإنسان والمجتمع وهو هدف تحرري يهدد المصالح الاستعمارية والصهيونية ، الأمر الذي حدد الوظيفة الإقليمية لكل من تركيا وإسرائيل الشرقية وهي دعم خطط الغرب ضد نهضة العرب .

إذاً ، الغرب لم يكن ضد إسرائيل الشرقية بعد سقوط الشاه في عام 1979 بل كان يدعمها كحليف له بحكم دورها في خدمة أهم أهداف الغرب والصهيونية وهو تفتيت الأقطار العربية على أسس طائفية وكانت " إيرانجيت " مثالاً واحداً فقط يثبت ذلك تبعتها عملية تسليم العراق لها من قبل أمريكا ، بينما كان العرب في حالة نضال من أجل التحرر الوطني وهو ما كان الغرب يمنعه كما حصل في مصر والعراق وغيرهما .

6- تركيا وإسرائيل الشرقية تتشكلان من قوميات متعددة بعكس العرب الذين شكلوا أمة واحدة وهوية قومية واحدة ولكن المفارقة كانت أن لدى الأتراك والفرس دولة واحدة قوية نسبياً رغم أنهما تضمان تركيبات قومية متعددة ألغت أحد أهم شروط الهوية القومية الواضحة وهو وجود قومية رئيسة ومعها أقليات ، ففي تركيا القومية الكردية يصل عددها إلى حوالي 18 مليون كردي بينما في إسرائيل الشرقية يصل عددها إلى أكثر من ثمانية ملايين ، إضافة لوجود قوميات أخرى كالقومية العربية والبلوشية والأذرية .. الخ ، وهو ما جعل القومية الفارسية لا تزيد عن 30% من عدد سكان إسرائيل الشرقية .

ولإخفاء الطبيعة القومية للتوسعية الفارسية أسقط الشاه القومي الفارسي الرسمي ونصب خميني ونظام الملالي وهو نظام فارسي قومي الجوهر لكنه أراد التخفي خلف الدين لإبعاد شبهة الدافع القومي الفارسي وتضليل بعض العرب والمسلمين بينما اختارت تركيا العثمنة لإخفاء الطابع القومي التركي .

أما العرب فهم شعب واحد بينهم أقليات أكبرها لا تتجاوز الثلاثة ملايين قبل عام 1991 وهذا الواقع يجعل العرب في الحالة الطبيعية السابقة للتغييرات السكانية المتعمدة في يتمتعون بهوية قومية عربية واحدة واضحة وانسجام المكونات البشرية ثقافياً ولغوياً وتاريخياً ونفسياً ودينياً ، وعدم وجود خلل في تركيب الأمة ، ولهذا رأينا الصهيونية وأطراف غربية تعمل على إحياء هويات فرعية سابقة للقومية وبث دعايات تنمي روح العداء للعرب لدى أقليات ... الخ .

العرب مجزأون بقرار استعماري غربي ومحرم عليهم التوحد وتحقيق تقدم حقيقي ، فالصراع واضح بين مشروع نهضة قومية عربية وبين الغرب والصهيونية اللذان يريدان منعها بينما النهضة التركية أو الإيرانية دعمت من الغرب وأُقيمت للبلدين صلات بالصهيونية وآخرها غزو إسرائيل الشرقية للعراق وسوريا واليمن ولبنان وتركها تدمرها بدعم غربي وصهيوني لم يعد سراً .

7- وفي هذه البيئة كانت النزعتان القوميتان التركية والفارسية قويتان وكان العرب عدوهما الرئيس وهو ماجعل العرب يناضلون ضد قوى دولية وإقليمية في ظل اختلال توازن القوى لصالح مناهضي العرب .

8- وعندما احتدم الصراع بين حركة التحرر الوطني العربية والغرب الاستعماري والصهيونية وكيانها في فلسطين المحتلة بعد النهضة القومية في الخمسينيات بعد ظهور عبد الناصر وتوحد مصر وسوريا زاد الغرب عداءه للعرب ونفذ خططاً عدائية شرسة ضدهم منها فصل سوريا عن مصر وإشعال الحروب والأزمات ضد حركة التحرر العربية ، وكانت تركيا وإسرائيل الشرقية لاعبان أساسيان في تلك الحرب حيث وقفتا مع الغرب والصهيونية ضد العرب .

9- وهذا الاصطفاف هو الذي رسم مسار كافة التطورات في القرن الماضي وهذا القرن حتى وأن حدثت تغيرات غير جوهرية لأن الجوهر هو بقاء الصراع الرئيس بين العرب وحركتهم الوطنية التحررية في كل قطر ونضالهم القومي على المستوى العربي وبين قوى الغرب الاستعماري والصهيونية ومعهما تركيا وإسرائيل الشرقية حتى بعد إسقاط الشاه حيث صارت الأخيرة أكثر عداء للعرب ونجحت بفضل الدعم الغربي الصهيوني في إحداث انقلاب استراتيجي خطير نقل المنطقة من الصراع الأصلي والطبيعي بين حركة التحرر العربي وبين الغرب الاستعماري والصهيونية إلى الصراعات الطائفية والإثنية التي زادت أزمات العرب وحولتها إلى كوارث .

10- وما أن تفشت الطائفية والإثنية في الأقطار العربية وبدعم غربي صهيوني ولعبت إسرائيل الشرقية الدور الأكثر خطورة فيه حتى انتقل العرب من حالة الهجوم في عهدي عبد الناصر في مصر والبعث في العراق إلى التراجع وتزايد حجم الفقاعات الطائفية والعرقية والقطرية ، وهكذا تراجعت الهوية القومية العربية وانغمس العرب كل في قطره يدافع عن هويته القطرية ! ، وفي حالات العراق وسوريا واليمن وليبيا صار الدفاع عن النفس والعائلة والمحلة ... الخ أسبق من الدفاع عن الوطنية والقومية لدى كتل ضخمة وهذا أمر طبيعي فعندما يتعرض الإنسان للموت فإن مطلب المحافظة على وجوده الفردي يصبح هو المتحكم .

وفي ضوء ما تقدم فإن قوة النزعة القومية في تركيا وإسرائيل الشرقية ناجم عن توحدهما المسبق في دولة واحدة وتحت قيادة واحدة وترسخ كيان الدولة والتثقيف المتواصل باسم الأمة الفارسية أو الأمة التركية لأجيال كثيرة مقابل تثقيف قطري أو محلي في أقطارعربيـة فرضته حالة التجزئة ومواجهة الكوارث فتراجعت الأولويـات .

فالسبب الرئيس في تراجع الحماس القومي العربي ليس العقلية العربية كما يروج الغرب والصهيونية وأدواتهما ، بل الخطط الغربية والصهيونية والنزعة القومية الفارسية التي اعتبرت القومية العربية هي العدو الأخطر الواجب تدميره أولاً بكافة الطرق .

بقيت تركيا وإسرائيل الشرقية بلا صراعات رئيسة مع الغرب والصهيونية والصراع إن وقع لا يتجاوز القضايا الفرعية كالتسابق من أجل الغنائم والنفوذ بدليل أنه لم تقع حرب بين أمريكا وإسرائيل الغربية وبين إسرائيل الشرقية طوال أربعة عقود من تبادل التهديدات وحصل العكس وهو تعاون هذه الأطراف الثلاثة ضد العرب خصوصاً في العراق وسوريا واليمن .

التساؤل المهم هو: لِمَ كانت القومية العربية أكثر قوة من الدعوة القومية الفارسية والدعوة العثمانية في الخمسينيات وحتى نهاية السبعينيات وهو تاريخ وصول خميني للحكم ؟ ، وكيف انقلب الحال وتراجعت المشاعر القومية لدى البعض ؟ ، هل حصل ذلك عفوياً أم أنه نتاج تنفيذ خطط غربية وصهيونية وإقليمية وضعت العرب على حافة الموت فاختار بعضهم البقاء حتى ولو بالتخلي عن الهوية القومية ؟ .


Almukhtar44@gmail.com

5-11-2018

Comentários


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page