ولاء سعيد - كل هذه الحكومات في العراق
- كاتبة مقيمة في فرنسا
- Nov 7, 2018
- 5 min read

لم تعد للشعب العراقي حاجة لانتظار أربع سنوات لكشف الحكومة الجديدة وأدائها ، بل هي من كشفت عن نفسها مبكراً ، سواء باللجوء إلى المحاصصة الطائفية التي تم ترويج نبذها لبناء العراق ، وإعادة اللُّحمة الوطنية بين أبنائه خلال الانتخابات ، أم بعملية إنشاء الموقع الحكومي الإلكتروني بآلاف الدولارات ، وثبت أنه لم يكن إلا حملة علاقات عامة ، لم يحصل أي من ستمائة متقدّم على أي منصب وزاري ، حيث تم استيزار غالبية الوزراء من أحزاب العملية السياسية الفاسدة نفسها ، وهذه الأحزاب هي التي فرضت مرشحيها على رئيس الحكومة المعيّن منذ البداية .
ليس ذلك فحسب ، بل يرتبط اسم شخص رئيس الوزراء الجديد لدى العراقيين ، منذ سنوات ، بأحداث سرقة أحد بنوك مدينة بغداد ، ولن تفيد معها أية حملات دعاية وتجميلية وادّعاء بمهنيةٍ وتكنوقراط ، بدليل صدمة المواطنين من اختياره لرئاسة وزارة ، تم تسويقها على أنها ستنقذ العراق ، وتستجيب لمطالب أبنائه المظلومين ، وما صدور تحذير من هيئة الإعلام والاتصالات ، قبل أيام ، تلوح فيه بإجراءاتٍ عقابيةٍ لمن يمس الرموز الوطنية والدينية ، إلا رسالة لمنع التذكير بماضي الرجل ، خصوصاً وأن مثل هذه الأحداث تلاحق صاحبها طوال حياته . هل ستتمكّن حكومة عادل عبد المهدي من إرجاع الحياة الطبيعية التي يطالب العراقيون بإعادتها ، أم أن حياتهم ستبقى متوقفةً ومعلقةً حتى إشعار الاحتلالين ، الأميركي والإيراني ؟ . بغض النظر عن التقليد الذي استنسخ من الديمقراطيات الغربية ، وهو إعطاء الحكومة مهلة 180 يوماً ، قبل أن تخضع لتقييم شامل بشأن أداء وزرائها ، ومدى تنفيذهم البرنامج المقترح من رئيسها ، فقد بدأ مسار الحكومة الجديدة بخلافاتٍ وتهديد تقليديٍّ ، تمت ممارسته في الحكومات السابقة ، بإخراج ملفات لفضائح فساد مالية وإدارية حول بعض الشخصيات المرشّحة للوزارات ، خصوصاً بين الكتل الشيعية التي تريد كل منها فرض وزرائها ، والحصول على الحقائب السيادية التي تضمن لها هيمنةً على السلطة ، كالداخلية والدفاع والثقافة والعدل والتعليم العالي والتخطيط والهجرة ، وعلى الرغم من مرور بضعة أيام على تصويت البرلمان على 14 وزارة من مجموع 22 ، لم تفلح الكتل في الاتفاق على الحقائب الثماني الباقية ، بسبب إصرار كل منها على منع وصول بعض الشخصيات غير المقبولة .
كيف يريد رئيس الوزراء تنفيذ " برنامجه الطموح " لبناء دولة سيادة القانون عابرة للطوائف ، في حين تقوم أحزاب الميليشيات ، من البداية ، بتهديد تشكيل الحكومة وتخريبها ، في حال عدم حصولها على ما تريد من وزارات ؟ ، لا تعيد هذه الخلافات والمناوشات فقط مجدّدا إنتاج حكومة محاصصة طائفية ، بل هي تذهب إلى أبعد في المحاصصة الطائفية لمفاصل أخرى من الدولة ، مثل الهيئات التي صنّفها الدستور العراقي مستقلةً ، كهيئة النزاهة والحج والإعلام والاتصالات والبنك المركزي وأمانة بغداد والأمانة العامة لمجلس الوزراء .
لم يخفق عبد المهدي فقط في تشكيل حكومة من المستقلين ، كما وعد ، بل إنه أخفق حتى في وضع وزرائه في المكان المناسب لتخصصاتهم ، وهذا ليس فقط دليلاً على الإخفاق المهني لرئيس الوزراء الجديد ، بل على إمكانية الاعتماد على حكومته في تنفيذ البرنامج المطروح . الفضيحة الأخرى التي وصمت الحكومة الناشئة هي مسألة الموازنة التي " أقرت " أو بانتظار الإقرار للجدل المستمر حولها ، للمحافظات المنكوبة ، والتي لا تتناسب مع حجم التدمير الذي حصل فيها ، وخصوصاً في مدينة الموصل الشهيدة التي دمرت عمداً مع سبق الإصرار والترصد ، بعد أن سلمها نوري المالكي لتنظيم داعش ، حيث لا تزال جثث مواطنين عراقيين تحت الأنقاض ، يعم فيها الخراب ويرفض إعادة بنائها ، وتعويض سكّانها ورجوع المهجرين إليها ، ويوجد تجاهل إجرامي تام من السلطات الحكومية . الأدهى من ذلك لا مبالاة الحكومة التي تدّعي برنامجا يستجيب لحل مشكلات الشعب .
ما يحدث ، منذ أسبوع ، لخمس محافظاتٍ عراقيةٍ شهدت حالات تسميم للأسماك ، ونفوق ملايين منها ، ما يعد كارثة بيئية واقتصادية ، جعلت أصحاب المهن فيها في حالةٍ من اليأس والاكتئاب ، وأثارت غضب الشعب العراقي الذي رأى في هذه العملية حرباً على قوته واقتصاده ، في حين أن الحكومة لزمت الصمت ، ولم تتحرّك حتى لنجدة المواطنين ، ومعالجة هذه الكارثة والتحقيق فيها ، بل العكس ما جرى ، إذ قلل مسؤولون حكوميون من أهمية ما حدث ، واعتبروه حالة طبيعية ، في وقتٍ يتحدث الصيادون عن عملية تسميم مقصودة لأحواضهم ، وللأنهار العراقية ، من التجار الإيرانيين الذين يهيمنون على السوق العراقية ، ويفرضون إرادتهم ، بمساعدة الحكومات العراقية المتوالية ، على حساب المنتجات العراقية الزراعية والصناعية .
وقبل الثروة السمكية ، أغرقت إيران السوق العراقية بمنتجاتها الزراعية ، فبينما كانت منطقة الجزيرة ، سلة الغذاء العراقية ، تنتج ما مقداره 80% من حاجة العراق للخضروات والفواكه ، هجر المزارعون مهنتهم ، وهبط إنتاجها إلى 10% فقط، تحت أنظار حكومات الاحتلال ، بسبب تفضيل استيراد المنتجات الإيرانية ، وفرضها على السوق .
أما حالات التسمم من المياه في البصرة ففي تزايد وارتفاع مستمر ، إذ بلغ عدد إصابات التسمم 118 ألف حالة ، أي ضعف ما كانت عليه قبل بضعة أشهر في عهد رئيس الوزراء السابق ، حيدر العبادي ، الذي أهمل كل ما جرى في المدينة ! ، وليست هناك حكومة في العالم تتجاهل بمثل هذه الطريقة ما يحدث من كوارث في بلدها ولمواطنيها ، وقد سبق لعادل عبد المهدي أن كتب ، في مقال له عن الإرهاب الذي ضرب بغداد قبل سنوات ، أن الحكومات في الديمقراطيات تسقط وتستقيل ، حينما تحدث مثل هذه العمليات وباستمرار ، لعدم قدرتها على المعالجة ، وهو على صواب ، ولكن لماذا ؟ ، وهو الذي عاش أكثر من ربع قرن في الديمقراطية الفرنسية ، ويعرف معنى حدوث مثل هذه الكوارث ، ودور السياسيين في التخفيف منها ، وردود أفعال المواطنين ، لم يحرك ساكناً ، ولم يكلف نفسه بإرسال رسائل إلى المحافظات الخمس المنكوبة ، ولم يرسل مبعوثاً لهم للاطلاع على حقيقة ما يدور على أقل تقدير ؟ ، لماذا لا يلتفت إلى حالات التسمم في مدينة البصرة ، ويتخذ إجراءات مستعجلة ، ليثبت للعراقيين ، بشكل ملموس ، أن برنامجه ليس فقط دعاية ، بل إنه مسؤول قريب من هموم العراقي ومشكلاته ومطالبه ؟ ، هل قرأ أو سمع تقرير منظمة مجلس اللاجئين النرويجية التي ذكرت أن أكثر من ربع مليون طفل بصري في مواجهة خطر الإصابة بالأمراض الناجمة عن تلوث المياه ، مع بدء العام الدراسي الجديد وانخفاض درجات الحرارة ؟ . بدايةً ، هذه الحكومة بشرى غير سارة للشعب العراقي المظلوم الذي يرزح تحت حكوماتٍ أحرقت الأخضر واليابس منذ 15 عاماً ، والذي خرج مطالباً بالتغيير الحقيقي ، من إلغاء المحاصصة ومحاسبة الفاسدين وإرجاع العراق من ساسة المستعمرة الخضراء إلى أهله ، وقد أصاب عندما لم يذهب بأغلبيته إلى الانتخابات ، فهذه الحكومات ليست أكثر من دمى وبيادق ، وضعت ستاراً يخفي تنفيذ خطط الاحتلال الأميركي الإيراني الصهيوني ، لتدمير أهم بلد في المشرق العربي وتفتيته ، وتهجير شعبه ، ومن هذه الحكومات حكومة عبد المهدي الجديدة ، وهي قديمة لا تختلف عن سابقاتها كما اتضحت مع بدايتها ، ولن تستجيب لمطالب الشعب العراقي لإعادة الحياة إلى كل المرافق ليعيش العراقي حياة طبيعية ، بل تعمل رهن إشارة المحتلين ، وتلتزم بتنفيذ مخططاتهم ، ولن يوقفها عن ذلك كله إلا انتفاضة وثورة شعبية عارمة ، تكنس مشاريعها وبيادقها ، وتقذف بهم إلى دجلة والفرات ، لتعود الحياة إلى بلاد ما بين النهرين ، وإلى شعب هذه البلاد الكريم .
Comments