الرفيق المجاهد صلاح المختار - هل تحب المصارعة الحرة الامريكية ؟
- مفكر قومي
- Nov 8, 2018
- 6 min read

هل تحب المصارعة الحرة الامريكية ؟
عندما كنا صبيانا في بداية الخمسينيات كنا نتلهف على مشاهدة أفلام المصارعة الحرة الأمريكية في دور السينما وكنا لا نعرف أنها مجرد تمثيل واتفاقات مسبقة تعدها شركات ربحية وأنها ليست مصارعة حقيقية يتغلب فيها الأقوى والأفضل تدريباً ، ولهذا كنا نتحمس مع كل خطوة ونتخيل أنفسنا أحد المتصارعين فنفرح بانتصاره ونحزن إذا خسر ! ، وبعد أن كبرنا عرفنا أنها مجرد تمثيل لا غير تحدد فيه النتيجة مسبقاً مقابل مال .
ولكن ما يبقى الحماس هو تحوله مع الكبر إلى ما يشبه خداع النفس بتواصل التصرف كأنها فعلاً مصارعة حقيقية ، وهنا نرى بذور خداع الذات ورفض الانسجام مع الواقع لدى كثيرين من كبار السن ! ، وفيلم ترامب وهو يصرع شخصاً في حلبة تلك المصارعة ثم يحلق شعره هو مثال لهذا التمثيل .

هل العراك الأمريكي الإيراني منذ إسقاط الشاه وحتى الآن هو مصارعة حرة ؟ ، الجواب ، كل المؤشرات الواقعية تؤكد نعم إنه مصارعة حرة أمريكية لا تختلف عن تلك التي كنا نعشقها ونحن صغار حتى لو تخللتها أحياناً أعمال فيها ما يوحي بالعداء نتيجة غضب طارئ أو لكمة غير متعمدة ، تذكروا أن ترامب وعد بأن العقوبات في حزمتها الثانية التي بدأ تطبيقها يوم 5-11 ستكون الأقسى في التاريخ وأنه لم يسبق وأن فرضت أكثر قسوة منها ، وبين هذا الوعد وبين ما يطبق الآن فجوة كبيرة جداً يمكن ملاحظتها بوضوح :
1- أول نسف لقسوة العقوبات هو قرار ترامب استثناء ثمانية دول منها والسماح لها بمواصلة استيراد النفط من إسرائيل الشرقية ، فالدول الثماينة ومنها تركيا التي عدت البوابة الخلفية لإفشال كل العقوبات التي فرضت على إسرائيل الشرقية سابقاً والتي تبلغ قيمة تجارتهما أكثر من أربعين مليار دولار ، وهو مبلغ ضخم جداً بالنسبة لنظام الملالي يضمن له التنفس المريح نسبياً حتى في ظل أقسى مراحل تلك العقوبات ، والهند كذلك مستورد رئيس من إسرائيل الشرقية ويكفي استيرادها لتحييد الكثير من الآثار الصعبة للعقوبات ، واليابان وكوريا الجنوبية .
أما العراق فطبقاً لعادل عبدالمهدي رئيس الوزراء فإن العراق مستثنى من العقوبات وهذا أمر غريب فعلاً ويؤكد أن المصارعة الأمريكية الإيرانية هي مصارعة حرة فعلاً ، لأن العراق يقدم الدعم لنظام الملالي أكثر من تركيا فهو المركز الرئيس للقدرات الإيرانية البشرية ( الميليشيات ) وهو السوق الرئيس للسلع الإيرانية وهو المصدر الرئيس للعملة الصعبة سواء التي تنهب كل عام وبلغ مجموعها أكثر من 600 مليار دولار أو التي تحول بطريقة الغش بواسطة بنوك أو شركات تابعة لإسرائيل الشرقية .
ويمكن الجزم بأنه لو بقي العراق وحده مستثنى من العقوبات الأمريكية فإنها عقوبات فاشلة مسبقاً وهذا ما تؤكده مصادر إيرانية رسمية بكل صراحة لهذا فإن استثناء العراق من العقوبات هو تخفيف لشدتها إلى درجة التحمل السهل لها .
2- أما تحديد مدة ستة أشهر كاستثناء فإنه ضرورة لتحقيق التفاعلات المطلوبة من وراء نظام العقوبات وأبرزها إعادة تجميل وجه إسرائيل الشرقية أمام العرب والمسلمين وكل مناهض للامبريالية الأمريكية والصهيونية في العالم فتصويرها على أنها تتعرض لعقوبات أمريكية بالغة القسوة يوحي للعالم بأنها مناهضة لأمريكا والصهيونية فعلاً وتطمر صورتها الحقيقية وهي أنها دولة احتلال عنصرية أشد تطرفاً وخطورة من إسرائيل الغربية وهكذا ترمم صورتها المشققة ويزول قبحها أو بعضه وتعزز معنويات نغولها العرب ويزداد دعم العالم التقدمي لها وهي تطورات تعزز قوتها الداخلية المتضعضعة .
وبنفس الوقت تجري عملية مناقضة كلياً وهي شيطنة السعودية ودول الخليج العربي من خلال التركيز على الاتصالات بين إسرائيل الغربية ودول خليجية واعتبار تلك الصلات ( الدليل الحاسم على أن السعودية ودول الخليج تقف في المعسكر الصهيوني والاستعماري ) وهو تصوير يكفي لعزلها وجعلها معزولة عن الجماهير العربية ، وفي نهاية الستة أشهر أو قريباً من ذلك تبدأ الخطوة الأخرى ولكن ليس ضد إسرائيل الشرقية بل ضد السعودية ودول الخليج العربي بإدخالها القسري في نادي ربيع العرب مثل سوريا واليمن وليبيا .
3- قضية خاشقجي ضُخمت بطريقة لا تسمح إلا بتوقع وجود خطوة كارثية قادمة ضد السعودية ودول الخليح العربي كلها تعد لها أمريكا أصلاً وبدعم أطراف مختلفة منها الإسرائيليتين الشرقية والغربية .
4- أمريكا لن تدافع عن السعودية ولا عن غيرها بل هي من يحرض ويلفق التهم ضدها أو يورطها في خطوات تبدو مفيدة لكنها لغم قاتل ، لأنها تريد الاستيلاء التام على كل ثروات السعودية ودول الخليج العربي بكافة الطرق حتى بمصادرتها بحجة أن السعودية لم تعد موجودة – طبعاً بعد تنفيذ خطة تقسيمها – وهذا بالتأكيد سيشمل كل دول الخليج العربي حيث ستنتهي كدول وتصادر أموالها ، وكل وعد بالدفاع عن السعودية ودول الخليج عبارة عن كلام مجرد من الفعل .
5- الخطوة الحاسمة ستقوم بها إسرائيل الشرقية مسلحة بسمعة طيبة زائفة وهي ( أنها تقاتل ضد أمريكا والصهيونية وأتباعهما خصوصاً السعودية ودول الخليج العربي ) ، ولهذا فإن الأوراق سيزداد خلطها وهو حال سيسمح بغزو مكة والمدينة من قبل إسرائيل الشرقية وسيعقب ذلك إعلان الأماكن المقدسة منطقة دولية كالفاتيكان ، وهو مطلب ثلاثي الشر المطلق أمريكا والإسرائيليتين الغربية والشرقية ، وستجري عملية نبش تاريخ الإسلام وتعاد كتابته بصورة تناقض ما نعرفه الآن ، هل هذا كل الخطر ؟ .
كلا ، فما خطط أوسع ، لأن غزو الأراضي المقدسة في السعودية من قبل طهران وسط صمت أمريكي عالمي أو دعم مفتوح من قبل أطراف كثيرة خطوة نحو إعادة تشكيل العالم الإسلامي لتنتهي حالة وجود أقلية شيعية وأغلبية سنية فيه وحصول تقارب في النسب بينهما ! ، فما يجري منذ غزو العراق وحتى الآن هو عمليات توسيع التشيع الصفوي بدعم غربي صهيوني واضحين مقابل تراجع التسنن السلفي بدعم نماذج سلفية إرهابية منفرة ، أو هكذا يصور الأمر ، والهدف هو الوصول إلى توازن جديد أساسه تقارب نسبة السنة والشيعة ومن هنا تبدأ الخطوة الغربية والصهيونية الأخرى وهي حروب العالم الإسلامي الداخلية والتي ستكمل تدمير ما بقي منه ويتولى الغرب والصهيونية دور صب الزيت على نارها .
6- هذه الخطة الصهيوأمريكية تبدو الآن مدعومة من روسيا والصين وبعض أوربا لأنها ضمانة إنهاء صداع وجود عرب مهما ضعفوا فإنهم أصحاب الحق في فلسطين وهم أصحاب الثروات ولديهم ثلتي الطاقة العالمية ، وكل ما يقال عكس ذلك كوعد ترامب بإنهاء الخطر الإيراني هو للخداع لإبقاء الضحايا وهم العرب ساكنين ينتظرون الفرج والانقاذ من مهندس إبادتهم وتقويض دولهم وتشريد شعبهم .
7- ما حدث في العقود الأربعة الأخيرة من تطورات خطيرة صبت في صالح الإسرائيليتين الشرقية والغربية وكل ذلك تم بفضل خطة دعم ( التشيع الصفوي ضد التسنن السلفي ) وهنا نرى الهدف الواضح من دعم الغرب وإسرائيل الشرقية للقاعدة وداعش فهما خير من يعزز الدعم العالمي للتشيع الصفوي والذي يصور على أنه يقاتل ضد القاعدة وداعش ، وما عودة ظهور داعش في سوريا وشمال العراق إلا أحد الأدلة القاطعة على وجود مصارعة حرة أمريكية ! .
إليكم ما قاله صحفي بريطاني محترف وله صلات قوية بصناع القرار في الغرب في مقال كتبه في 13-1-2006 ونشره في صحيفة الغارديان البريطانية ، قبل 12 عاماً ، عنوان موح جداً وهو : إيران إسرائيل ستصبحان ملكا غابة الشرق الأوسط (Iran and Israel will be kings of the Middle East jungle ) ، وفيه يؤكد استناداً لآراء قادة عسكريين وخبراء بأن ( غزو العراق سيكون منصة تستخدم لإعادة تشكيل كل الشرق الأوسط ، واتساع الصراعات الطائفية والإثنية وهو ما سيؤدي إلى سيطرة إيران وإسرائيل على الشرق الأوسط ) .
هذا المقال ليس سوى أحد المؤشرات القديمة التي بشرت بما يجري الآن حتى وإن كُتب بطريقة تخدم الهدف المخايراتي الغربي وهو إخفاء الدور الأمريكي الحقيقي في كل ذلك ونسب التحولات إلى قوة الإسرائيليتين الشرقية والغربية ! ، وثمة عشرات الوثائق والأدلة التي تؤكد وجود مخطط أمريكي صهيوني لسحق العرب وقوميتهم ودعم الفرس وقوميتهم ضد العرب ، ومقال الصحفي التركي المقرب من الحكومة إبراهيم قراغول المنشور في صحيفة ( يني شفق ) 5 نوفمبر 2018 الذي قدم له بعناوين مثيرة منها : استعدادات " حرب الخليج الكبرى " : الفخ * نُصب للسعودية ، مستقبل مكة والمدينة : جدال حاد بانتظارنا ويقدم فيه تفاصيل مسربة عمداً عن مخطط غزو وتقسيم السعودية بواسطة إسرائيل الشرقية .
واضح أن نظام العقوبات في مرحلته الثانية كشف ما كان مستوراً وينكر وهو أن أمريكا لا تريد حرباً ضد إيران ولا إضعافها الآن مادامت تخدم أهدافاً مازالت ضرورية ومنها إنهاء السعودية ودول الخليج العربي وتنفيذ خطة قديمة لجعل الخليج العربي سوقاً تجارية ضخمة لا دول فيها حتى وإن بقيت نماذج صورية منها .
وما إصرار أمريكا على دعم عادل عبد المهدي مع إنها تعرف مسبقاً أنه سيفشل في تشكيل الحكومة إلا أحد المؤشرات على وجود فصل مثير في المصارعة الحرة الأمريكية .
السؤال الجوهري الآن هو : هل حقاً أمريكا مضطرة لاستثناء الدول الثمانية خصوصاً تركيا والعراق أم أن ذلك ضمانة لعدم انهيار إسرائيل الشرقية فعلا ؟ ، الجواب : لو أرادت أمريكا إنهاء نظام الملالي لأنهته منذ عقود لأنها تملك كافة متطلبات ذلك ولكنها هي وإسرائيل الغربية المستفيدان الأساسيان من دوره في تدمير الأقطار العربية وزرع الفتن الطائفية فيها لهذا استثنت من يستطيع جعل العقوبات مجرد مصارعة حرة تقترن بتوفير الشروط النفسية عربياً واقليمياً وعالمياً لغزو السعودية بأقل اعتراض عربي وعالمي .
فهل نعيد النظر كعرب ونحدد كيفية الحاق الهزيمة بهذه المخططات ونحن قادرون على تحقيق النصر دون شك ؟
Almukhtar44@gmail.com
8-11-2018
Comments