الرفيق المجاهد صلاح المختار - لماذا يعادي الغرب كل قائد عربي قوي ؟ 1
- مفكر قومي
- Nov 28, 2018
- 5 min read

لماذا يعادي الغرب كل قائد عربي قوي ؟
الحلقة الأولى
من بين أبرز دروس أحداث العقود الماضية ، درس أن الغرب الاستعماري ومعه إسرائيليتين الغربية والشرقية ، يتمسك بهدفين جوهريين أولهما الوقوف ضد قيام حكومة مركزية قوية وعصرية وتخضع لتنظيم عقلاني في أي قطر عربي ، وثانيهما معاداة بروز قائد عربي ذكي متنور ووصوله إلى الحكم ، أو يقود تنظيم ثوري جماهيري ويحظى بشعبية كبيرة تمكنه من تحقيق أهداف استراتيجية تقلب معادلات وضعها الغرب ومن معه ، وإذا وصل قائد تاريخي إلى الحكم أو كان ممكناً أن يصل إليه يقوم الغرب ومن معه إقليمياً بتدمير ذلك النظام العربي أو اجهاض التنظيم الثوري وتحييد قائده ، أليس هذا ما حصل جمال عبد الناصر ، رحمه الله ؟ ، ومع الشهيد صدام مثلاً ؟ ، أليس هذا ما يحدث في العراق حيث تجري عملية مبرمجة لمنع إنهاء كوارثه من خلال استهداف واضح للقائد الأكثر قدرة على إنقاذ العراق وهو قائد أكبر وأقوى حزب جماهيري ، هو الرفيق عزة إبراهيم ؟ ، وأخيراً ، هل ما يجري حول محمد بن سلمان جزء من خطة منع بروز قائد متنور في السعودية ؟ .
في عصر النهوض القومي العربي التاريخي في مصر عبد الناصر وفي عراق البعث توفرت امكانية واقعية لتحقيق نهضة عربية شاملة وبدأت مصر والعراق هذه المسيرة وتحقق الكثير على طريق إكمال شروط النهضة القومية ، لكن الغرب وتدخله بصيغ حروب وأزمات مفتعلة خنق تجربة مصر الناصرية ، وعندما انتقل مركز الاشعاع القومي إلى العراق بعد عام 1968 وحقق تقدماً هائلاً خصوصاً محو الأمية بالكامل ومجانية التعليم والطب والخدمات الأساسية للجميع ، ووفر استقرار أمني واجتماعي غير مسبوقين ، عندما تحقق كل ذلك وقبل إكمال بقية الأهداف النوعية وقف الغرب ومعه الإسرائيليتين الغربية والشرقية ضد نهضة وتقدم العراق وفرضت كافة أنواع الأزمات والحروب عليه حتى توجت تلك العمليات بغزوه وتدميره تماماً وإعادته لعصر ما قبل الصناعة كما هدد وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر .
عندما كنا نقول أن الغرب واستناداً لتجاربنا يقف ضد نهضتنا وتقدمنا كعرب كان البعض يدعي بأن سبب حروب الغرب علينا ووقوفه ضد نهضتنا هو تبنينا للفكرالتقدمي والاشتراكي ، هنا كانت الأيديولوجيا والصراعات بين نظم اقتصادية متناقضة هي المظهر الخارجي لما جرى للعرب ولكن هذا كان مجرد وهم ، فالواقع يثبت بالأدلة المادية بأن الغرب والصهيونية وإسرائيل الشرقية ضد العرب كشعب وضد نهضته الوطنية والقومية وليس ضد النظم فقط ، وأسباب العداء متعددة كما سنرى لاحقاً .
ولدينا الآن تجربة واضحة الدلالات تثبت بأن نهضة العرب حتى لو تمت بشروط أمريكية صرفة وظهرت امكانية قبول قادتها التطبيع مع إسرائيل الغربية مباشرة أو بالايحاء فإنها سترفض وسيجد الغرب ومن معه الحجج لمعاداتها وإجهاض خطط النهضة على الطريقة الرأسمالية وتصفية من خططوا ونفذوا تلك الخطط ، والمقصود هو مشروع عام 2030 لتحقيق نهضة شاملة في السعودية وتصنيعها ، خصوصاً مشروع تصنيع الأسلحة المتقدمة سعودياً وهو خط أحمر على العرب عدم تجاوزه حتى لو وقعت عقود لتنفيذه ، وتحديث الزراعة والاعتماد على تكنولوجيا العصر الرقمية وتغيير التربية الاجتماعية بإضعاف دور رجال الدين وفكرهم المتخلف الذي يستغل الدين غطاء له ، ودعم المراة بتحريرها تديجياً ، وفتح دور السينما والمسرح ... الخ ، وهو تحول مدهش حقاً للشعب العربي في السعودية والعالم ، أما بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل الغربية فقد أُرسلت إشارات غزل لها من أشخاص مثل الجنرال المتقاعد أنور عشقي ، أو صحفيين وهو عمل لم يصل حد التطبيع كما فعلت أقطار أخرى وبعضها خليجية !!! ، ودافع الغزل السعودي هو القلق الشديد من تعاظم الخطر الإيراني عليها في وقت تتدهور العلاقات مع أمريكا ليس في زمن أوباما فقط بل في زمن ترامب أيضاً خصوصاً بعد تفجير قضية خاشقجي ، وكان الغزل سببه وهم يقول بأن ( التقرب من إسرائيل الغربية فيه نجاة لعرب يتعرضون لمشاكل خطيرة ) .
وكان التصور الخاطئ للنظام السعودي يقوم على فرضية أن العدوان الإيراني على السعودية ضد مصالح أمريكا متجاهلة أن الدور الإيراني في الوطن العربي يخدم المصالح الاستراتيجية للغرب ولإسرائيل الغربية وأنهما وراء تنصيب الملالي حكاماً في إسرائيل الشرقية وهم رعاة سياسة إثارة الفتن الطائفية التي يقوم بها نظام الملالي ، لهذا ، فإن خطيئة السعودية والتي اكتشفتها متأخرة في زمن أوباما هي أنها لم تقبل مبكراً حقيقة أن أمريكا هي راعي التوسع الامبريالي الإيراني .
اما خطأ بن سلمان فهي اعتقاده بأن الغرب سيدعم مشروعه العملاق لأنه يحقق مطاليب كان الغرب طوال عقود يضغط من أجل تنفيذ السعودية لها ، وكانت الدعاية الغربية والصهيونية تركز على ( أن العربي طفيلي تكنولوجياً وعلمياً ويتمتع بثروات لا يستحقها وهو كسول ويقمع المرأة ويقوم فيها رجال الدين بترسيخ قيم رجعية متخلفة ... الخ ) ! ، وبناء على هذه الدعايات الغربية والصهيونية أراد بن سلمان اثبات خطأ هذه الدعايات وان هناك خطط لتجاوز الظواهر التي ينتقدها الغرب بنقل السعودية الى حالة تزول فيها كل اسباب الهجوم الغربي عليها كسباً لدعمه في صراعها الوجودي مع إسرائيل الشرقية والذي تعاظم عندما سيطر الحوثي على السلطة وصارت السعودية محاطة من جنوبها وشمالها وشرقها بقوى تابعة لإسرائيل الشرقية وتهدد علناً بدخول السعودية في أي وقت ، ولكن ماذا حصل في الواقع ؟ ، بعد توقيع أمريكا لعقود مع السعودية تجاوزت قيمتها النصف تريليون دولار وهو مبلغ أُسطوري وعقود أخرى مع قطر والإمارات العربية المتحدة بلغت أكثر من نصف تريليون أيضاً تفجرت أزمة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين هندستها مخابرات أمريكا كما تشير الوقائع ، أربكت كافة مشاريع بن سلمان وعتمت صورة المستقبل الخليجي خصوصاً مستقبل السعودية ، وزاد القلق السعودي بتملص ترامب من وعوده المبهجة وكشف عن وجهه كتاجر لا همَّ له إلا ابتزاز السعودية ونهب مالها ! ، ولكن الضربة المخابراتية الأخطر كانت قتل جمال خاشقجي والتي تميزت بكثير من الغموض ، ولكن الأمر الواضح فيها هو الدور الأمريكي في هندستها وبغض النظر عمن نفذها مثل الأزمة الخليجية ، استناداً للحكمة الشهيرة ( إبحث عن المستفيد ) .
وهذه القضية أدت حتى الآن لما يلي :
1- تلاعب ترامب بكافة التعهدات القوية بالوقوف مع السعودية فقد أخذ يلوح لها بمواقف متناقصة خلاصتها أنه لا يرفض أو يقبل الاتهامات الموجهة لابن سلمان بقتل خاشقجي وهو موقف ابتزازي صريح لأن ترامب من خلاله يحاول ممارسة ضغوط أشد لأجل الحصول على المزيد من المال وبلا حدود .
2- السعودية الآن تواجه خطراً حقيقياً فقد أصبح ممكناً بعد الحملات العالمية ضده اتهام بن سلمان بأنه هو من أمر بقتل خاشقجي وبما أن خاشقجي وضعت خطة مخابراتية لقتله لأجل ابتزاز السعودية والتمهيد لتقسيمها فإنها قضية ستبقى مفتوحة وتقلق بشدة السعودية وهو المطلوب أمريكياً .
لماذا تفعل أمريكا ذلك مع أن السعودية قدمت لها ما لا يمكن تصوره من مال وخدمات وأبدى بن سلمان استعداده ليكون مهندساً لنظام سعودي عصري مطابق لما كانت أمريكا والغرب يطالبان به ؟
1- مشروع بن سلمان الطموح ورغم أنه يخدم الراسمالية العالمية لكنه يسمح بنقل السعودية من حالتها التقليدية المنغلقة دينياً واجتماعياً إلى دولة منفتحة على العالم وتستطيع التفاعل معه بإيجابية وهذا بالضبط هو ما ترفضه أمريكا ومعها الإسرائيليتين ، ففي يوم ما سيأتي نظام آخر يعيد النظر بعلاقته بالغرب وهو يملك مصادر القوة الذاتية من مصانع وتقدم وتماسك شعبي لهذا فالمصلحة الاستراتيجية لأمريكا وآخرين هي إبقاء السعودية في حالة انفصال حضاري عن العالم ، كما أن بقاء السعودية تحت سيطرة تفسيرات رجال الدين للدين أحد أهم مبررات التدخلات الغربية والصهيونية والإيرانية في الشؤون العربية واستخدام ذلك لابتزاز أغنياء العرب وشن الحروب عليهم ونهب ثرواتهم حتى إيصالهم للفقر التام ، فهل من مصلحة أمريكا عصرنة السعودية وتقدمها ؟ ، كلا طبعاً .
الغرب أجهض تجرية ناصر وتجرية البعث والسبب الحقيقي الأكثر أهمية هو بروز قيادة وطنية وقومية متحررة ومنفتحة ومقتدرة كان بإمكانها نقل العرب إلى عصر الوحدة الشاملة والتقدم العلمي والتكنولوجي .
2- في حالة العراق ومصر كان الاستهداف يتجه للمهندس القوي في النظام الذي ضمن أهم عناصر نجاح تجارب النهوض وهو الاستمرارية والاستقرار ، فعبد الناصر كان قوياً ويمتلك كاريزما هائلة ، وصدام كان قوياً ويمتلك كاريزما هائلة وبفضل مواصفاتهما القيادية نجحا إلى حدود كبيرة في تجميع طاقات الشعب وتوحيدها وتحقيق الاستقرار والديمومة وهذه أهم شروط بدء النهضة الجذرية .
وهنا نضع اليد على الجرح ، فوجود قائد قوي أو قيادة قوية منسجمة الشرط الأهم في العالم الثالث لتحقيق النهضة والتقدم وحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ، إضافة للقيام بثورة تحررية ناجحة ومسيطر على مسارها .
الغرب ومعه الصهيونية وكيانها وبلاد فارس أيضاً لهم إرث تاريخي سلبي ومعقد مع العرب يزخر بالثارات ، الغرب بسبب الحروب الصليبية والمطامع الاستعمارية ، والصهيونية بسبب فلسطين ، وبلاد فارس بسبب مطامعها في الأقطار العربية ونزعة الثأر القوية لديها للانتقام من العرب الذين اسقطوا امبراطوية فارس .
وبناء على ما تقدم لم يكن من مصلحة هذه الأطراف الثلاثة تحقيق نهضة للعرب وتوحدهم حتى لو تم ذلك تحت نظام رأسمالي وتابع للغرب ومتصالح مع الصهيونية ... يتبع .
28-11-2018
Comments