الرفيق المجاهد صلاح المختار - لماذا يُعادي الغرب كل قائد عربي قوي ؟ / 3
- مفكر قومي
- Dec 8, 2018
- 6 min read

لماذا يُعادي الغرب كل قائد عربي قوي ؟
الحلقة الثالثة
نصل الآن الى قضية العراق وتوضيح خطة تصفية القائد القوي والمعتمد على قواعد شعبية منظمة لا تسمح بإجهاض الانتقال الثوري أو احتواءه ، فلقد سجل كتاب المقاومة العراقية منذ غزو العراق وحتى الآن ملاحظات أساسية مبنية على ما جرى فعلاً من أحداث وتفاعلات بلورت تلك الملاحظات :
1- لقد كان الهدف الأول لغزو العراق من حيث التسلسل الزمني والذي لا يمكن تنفيذ بقية أهدافه إلا بتحقيقه هو إنهاء القائد الشهيد صدام ، ولهذا رأينا كافة الأجهزة الأمنية خصوصاً الأمريكية والإيرانية تخصص أغلب جهدها لأسره ، والسبب هو أن بقاء القائد صدام حياً ويقود المقاومة العراقية وأنصارها سوف يجعل المهمة الأمريكية مستحيلة ، وبالفعل فإن أسر القائد الشهيد أدى مع توجيه ضربات مكملة للضربات السابقة المدمرة للحزب إلى إلحاق أضرار فادحة بالتنظيم ، ولكن المفاجئة التي صدمت الاحتلال هي أن الرفيق نائب أمين سر القطرعزة إبراهيم استلم المسؤولية الأولى وشرع في إعادة بناء الحزب وقام قبل ذلك بإنشاء منظمات مقاومة من العسكريين وقوى الأمن والجهاز الحزبي ، ونفذت عمليات نوعية كانت صدمة لأمريكا ومخابراتها .
لقد أُعيد بناء الحزب وتوسعت تشكيلات المقاومة المسلحة وتصاعدت حرب التحرير الشعبية حتى وصلت العمليات عدداً أفزع الإدارة الأمريكية وهدم معنويات قوات الاحتلال ، فطبقاً للمصادر الأمريكية فإن عدد عمليات المقاومة في الفترة بين 2004 و 2006 بلغ ما بين 200 إلى 300 عملية في اليوم استهدفت قوات الاحتلال ، وهذا الرقم مذهل ولا سابقة له في تاريخ حركات التحرر العربية والعالمية .
وهنا برزت ضرورة أساسية للتخلص من الرفيق عزة إبراهيم ، لكن البعث كان أقوى فأحبط تلك المحاولات واجهضها واحدة بعد الأخرى فتبلورت حقيقة ميدانية وهي أن وجود البعث تحت قيادة الرفيق عزة إبراهيم هو العقبة الأساسية التي تمنع تقسيم العراق وإنهاء هويته الوطنية ، وهو ما جعل من الضروري تفتيت البعث .
2- ومن بين تلك الخطوات تنسيق المخابرات الأمريكية مع مخابرات عربية أبرزها المخابرات السورية من أجل شق البعث واستغلت المخابرات السورية وجود مئات الكوادر وآلاف البعثيين العراقيين فيها بعد الغزو من أجل تحقيق هذا الهدف وبالفعل رتبت عملية تأمر مخابراتية في سوريا كان هدفها التخلص من قيادة الرفيق عزة إبراهيم كمقدمة لإنهاء البعث بتحويله إلى هيكل مجرد من المضمون البعثي العقائدي والاستراتيجي ، لكن وعي الحزب وجماهيره ومناضليه أحبط المخطط الأمريكي - الأسدي .
3- وعندما تلاشت فصائل من المقاومة العراقية بقي البعث وحلفاءه ومقاومته في ساحة العراق بصفته القوة الجماهيرية الوحيدة التي تمثل كافة مكونات العراق تبلورت قناعة عامة تؤكد بأن أي حل لأزمة العراق مستحيل من دون دور أساسي للبعث وحلفاءه وأن من يريد حقاً حلاً شاملاً وجذرياً عليه التفاوض معه مباشرة وإلا لن يكون هناك أي حل وطني وسليم لكوارث العراق ، ورغم القناعة الأخرى بأن كافة الكتل الصغيرة غير مؤهلة لتحقيق حل شامل ، إلا أن امريكا اعتمدت عليها مباشرة في سلوك لا يمكن تفسيره إلا على أنه إصرار على تقسيم العراق ، ولجأت إلى ما يلي لتنفيذه :
أ- تأسيس ودعم أحزاب وكتل صغيرة جداً ولا وجود جماهيري لها وتوفير المال والمقرات والصحف والفضائيات لها وتشجيع الانتهازيين ومن يطلب المال على الانخراط فيها ، والهدف كان تفتيت القوى الشعبية وتوزيعها على عشرات التنظيمات التي يمكن بسهولة احتواءها وهذا لا يتم إلا بسرقة الجماهير من القوة المركزية وهي البعث لمنع بقاءه قوة جبارة قادرة على تحقيق ما تقرره ، وذلك شرط مسبق لاستبعاد الحل الجذري والشامل لكوارث العراق .
ب- الضغط المباشر على الأنظمة العربية لمنعها من التحاور مع البعث أو دعمه لتجريد البعث من القدرات الاعلامية والدعم المطلوب لتحرير العراق خصوصاً الضغط على تيارات في بعض الدول الخليجية اقتنعت بأن دعم البعث شرط ضروري لإنهاء الخطر الإيراني في العراق وعلى دول الخليج العربي .
ج- البحث وبالإبرة في حلقات معينة عمن قد يرتد أو يخون من عراقيين وعرب لاستخدامه ضد مركز الحزب ثم على قائد الحزب بطرق مموهة .
د- القيام بحركات مخابراتية تحت غطاء التفاوض مع البعث ومع الكتل الوطنية الأخرى هدفها كشف حقيقة قدرات تلك القوى وما تخطط له وكشف كوادرها الأنشط ... الخ .
4- لكن البعث تمكن من إفشال تلك الخطوات وأسقطها واحدة بعد الأخرى ، فماذا بقي للمخابرات الأمريكية والإيرانية والموساد ؟ ، كان طبيعيا اللجوء لوسائل أخرى مختلفة ومنها :
أ- كان يجب تحطيم بنية الحزب التنظيمية والنفسية عن طريق التركيز على إفشال عمل بعض أكثر كوادره نشاطاً وفاعلية في الميدان عن طريق شيطنتها لأجل إنهاءها أو إضعاف دورها طبقاً لما خطط .
ب- وهدف الفقرة ( أ ) هو تجريد الحزب من حزام الأمان الأول له بالتخلص من كوادر البعث الذين يقودون العمل الجماهيري العام إعلامياً ونقابياً وثقافياً وتنظيمياً ، خصوصاً بعد وصول هذا العمل مرحلة ممتازة أرهبت الأعداء كافة .
ج- وبما أن الحزب خلية نحل عضوية الترابط ويعتمد على جهود كل الرفاق فإن التخلص من الكوادر الأكثر نشاطاً سوف يخلق فراغاً ويحدث ثغرة أو ثغرات .
د- لابد من التركيز على إضعاف الكادر المتقدم أو إشغاله بقضايا جانبية لأنه تمهيد لضرب القلب وهو الرفيق الأمين العام للحزب والقائد الأعلى للجهاد والتحرير وتنصيب قيادة هزيلة على شاكلة عبد الله الأحمر الأمين العام المساعد في تنظيم حافظ أسد وبشار كي تبدأ عملية إفراغ الحزب من مناضليه وهويته وعقيدته ، وهذه الخطة تتقنها المخابرات الأمريكية والإيرانية حيث رأينا ذلك بعد سوريا في اليمن عندما أجبر الحوثيون كوادر في حزب المؤتمر بعد اغتيال رئيسه علي عبد الله صالح ، رحمه الله ، من قبل الحوثيين على العمل تحت قيادتهم وباسم حزب المؤتمر ، وهو ما تفعله الآن في العراق عبر ما يسمى ( سنة إيران ) ، وكما حاولت المخابرات الإيرانية دعم مجموعة عراقية للتحدث باسم البعث في العراق ، وكما يحصل في لبنان في قضية ( سنة حزب الله ) الذين وضعت طهران لهم دور إنهاء سعد الحريري أو إضعافه .. الخ ، فالمهم بالنسبة لأجهزة المخابرات هو استخدام الاسم لخداع البسطاء أو تجنيد الانتهازيين ولكن مع التشدد في تصفية عقيدة الحزب وهويته ومناضليه الحقيقيين .
هـ - شهدت مرحلة ما بعد الاحتلال بروز مجاميع تهاجم البعث كله وتركز على الكوادر الأكثر نشاطاً واستخدام منصات الإعلام العربي والعالمي لتحقيق ذلك ، ولكن انطلاقة البعث الجبارة وعزلها لتلك المجاميع المخابراتية أدت لظهور أشكال جديدة من العمل المعادي للبعث خصوصاً منذ عام 2015 تمثلت في شكلين أساسيين : فقد ظهرت عناصر تهاجم البعث وقائده عزة إبراهيم والكادر الذي يتولى مسؤولية العمل الإعلامي والسياسي والجماهيري ولكنها تستخدم اسم القائد الشهيد صدام حسين وتدعي الدفاع عنه في عمل مخابراتي هدفه شق الحزب ! ، وبعد انكشاف هذه اللعبة ظهرت لعبة مخابراتية جديدة وهي تركيز الهجمات الشرسة على بعض الكادر المتقدم البارز وبنفس الوقت إدعاء أنها مع نهج الرفيق عزة إبراهيم ! ، وهذه اللعبة كسابقتها مكشوفة لسبب واضح وهو أنه ليس بعثياً من يهاجم كوادر البعث مهما تستر باسم الحزب ، وتوضح وبلا لبس جوهر الخطة : لكي تكون الضربة الأخيرة غير منظورة لابد من تصفية حراس البعث تدريجياً وعندها يصبح الطريق ممهداً للخطوة النهائية وهي ضرب القائد عزة إبراهيم مثلما ضرب رفيقه وأقرب الناس له الشهيد صدام .
وفي ضوء ما تقدم يمكن تأكيد حقيقة واضحة : أن سنام خطة اجتثاث البعث هي إنهاء القائد عزة إبراهيم وتلك الخطوة لو حدثت لا سامح الله لمهدت لاستعمار العراق لعدة عقود والتخلص من أي قائد ثوري يأخذ شكلين : فأما أن توجه له ضربة مباشرة بانقلاب عسكري أو عمل عنفي مباشر أو أن يجرد من نطاق حمايته ودعمه بضرب الكادر القريب منه فتسهل عملية التخلص منه .
5-هنا نصل إلى مجموعة بديهيات لابد من الانتباه لها :
أ- أن الغرب الاستعماري والصهيونية واسرائيل الشرقية ليس من مصلحتها بروز قائد عربي قوي ومتنور ولديه مشروع نهضوي عصري سواء كان اشتراكياً أو رأسمالياً ، مادام الهدف هو منع العرب من النهوض والتوحد ، فما أن يبرز قائد قوي حتى تبدأ عملية إعادة ترتيب البيت الداخلي بصورة عقلانية وينهض البلد وهو ما رأيناه في النمور الآسيوية التي نهضت وفقا لنمط الانتاج الراسمالي بينما نهض العراق تحت قيادة صدام حسين ومصر تحت قيادة عبد الناصر وفقاً لمنطلقات تحررية وتقدمية .
ب- هناك من يقع في فخ مشاعره المضطربة عاطفياً فلا يرى إمكانية أن يبرز قائد بورجوازي أو حتى إقطاعي التفكير لكنه عصري ومتنور وهذ خلل في التفكير ، فالقادة يظهرون في كل المعسكرات المتعادية والحربين العالميتين الأولى والثانية كان لها قادة في الطرفين ، وعقد المقارنات بين هؤلاء القادة لا يسيء للقائد الوطني أو التقدمي منهم ولا يعني امتداح البورجوازي أو الاقطاعي التفكير بأي حال من الأحوال لأن المقارنة لا تعني مساواة الوطني بغيره وإنما الكشف عن قدرات من يتولون قيادة دول أو أحزاب ، ورفض الاعتراف بوجود قادة أقوياء ومتنورين في المعسكرات المتقابلة فخ يضلل الفرد ذاته ، مثلا ماو تسي تونج أو جيفارا أو كاسترو ، أو موشي دايان ونتنياهو وتشرشل وستالين ..الخ ، قادة سواء كنا معهم أو ضدهم ، ولذلك فتفسير المقارنة على أنها امتداح لطرف لا يستحق ذلك ليس إلا نوع من قصور الوعي ، وبهذا المعنى فإن القول بأن محمد بن سلمان يقود مشروعاً تنويرياً في السعودية ليس مدحاً ولا ذماً له ، كما أنه ليس مساواة له بعبد الناصر أو صدام ، فلكل منهم هويته ونهجه وكل منهم ظهر في فترة مختلفـة كثيراً عن فترة الآخرين وبالتالي تختلف المعاييـر في التقييـم .
والغريب أن من ينزعجون عند وصف بن سلمان بأنه قائد يتجاهلون أمرين مهمين جداً : الأول أن وصف القائد ليس مديحاً ولا ذماً وإنما تقريراً لواقعة موجودة فابن سلمان قائد السعودية الفعلي الآن ، والثاني أن بن سلمان يتعرض لهجمات شاملة من الغرب والصهيونية وأكثر مما يتعرض له من إسرائيل الشرقية رغم كل تقربه من الغرب ، فهل لهذا الهجوم الشامل من معنى غير أن الغرب والصهيونية ضد بن سلمان لأن لديه مشروعاً تنويرياً ؟ ، وإذا اعترفنا بما سبق فلصالح من مهاجمته الآن مع أن ذلك دعم للمخطط الغربي الصهيوني ؟ ، أكرر : بصفتي بعثياً اشتراكياً ثابت الهوية منذ ستين عاماً مقتنع بأن الأولوية الآن لطرد إسرائيل الشرقية وليس لمهاجمة أي نظام عربي ، وإزاحة بن سلمان نتيجتها الحتمية هي نشر الفوضى الشاملة في السعودية كما حصل في العراق واليمن وليبيا ولهذا لا يشرف أي وطني عربي تكرار نفس خطيئة المعارضة العراقية التي حرضت على ، ووقفت مع ، غزو العراق بدافع الحقد الأسود نكاية بالنظام الوطني وهذه هي النتيجة الكارثية للأحقاد : عراق مدمر وكوارث تترى .
Almukhtar44@gmail.com
6-12-2018
Comments