الرفيق المجاهد صلاح المختار - لو أن أمريكا !
- مفكر قومي
- Dec 16, 2018
- 6 min read

لو أن أمريكا !؟
مازال كثير من العرب يأملون خيراً من أمريكا اعتماداً على إداراتها وما تعلنه ، ولكن الحقيقة كامنة في السلوك العملي الأمريكي وليس في التصريحات والمواقف الرسمية .
وهنا سنطرح ملاحظات جوهرية ربما تسهم في توضيح الصورة الحقيقية لمواقف أمريكا :
1- لو أن أمريكا أرادت فقط إسقاط النظام الوطني لابد أن نسأل بإلحاح : لِمَ دمرت الدولة والمجتمع عمداً وتخطيطاً ويستمر الدمار بعد 15 سنة على الغزو وهو موقف لم يصنعه بوش الصغير ولا بريمر لأنهما مجرد أدوات تنفيذية لقرارات مركزية صارمة هي الجزء المركزي من استراتيجية إنهاء العراق ؟ ، كان يمكن إسقاط النظام مع إجراء تبديلات في الجيش والدولة وتغيير الحكومة جذرياً دون تدمير الدولة والمجتمع .
2- ولو كانت أمريكا تريد إقامة عراق ديمقراطي يصبح أُنموذجاً يقتدى به في الشرق الأوسط كما روجت الحكومة الأمريكية ، فهل كانت ستدمر بناه التحتية والفوقية وهي الدولة والمجتمع والقيم العليا رغم أن الديمقراطية لا تقام إلا في بيئة دولة مستقرة وآمنة ؟ .
3- لو كانت أمريكا تريد بناء عراق قوي وآمن لم سلمته لإسرائيل الشرقية وهي تعلم وبالتفاصيل أن القوميين الفرس المرتدين عمامة الآن يكنون للعراق أحقاداً لا تحتمل وحشيتها جبال الماس ؟ ، لقد سلم العراق للفرس لأن المطلوب هو تقسيمه تدريجياً .
لقد أحدث الغزو وتسليم العراق إلى إسرائيل الشرقية تدميراً هائلاً بالدولة وهي ليست ملكاً لحزب أو جماعة وإنما هي الإطار الهوياتي والقانوني لكل العراقيين وتعرض النسيج الاجتماعي والأخلاقي إلى ضربات موجعة جداً فسخت الكثير من الناس وعزلتهم عن تاريخهم وخلفياتهم الثقافية والأخلاقية وتكونت كتل منحرفة أخلاقياً وفكرياً ، وهو هدف جوهري في المخطط .
أمريكا ومعها الإسرائيليتين الشرقية والغربية تصر على تواصل ما بدأ تنفيذه قبل الغزو منذ الحصار وحتى الآن وما نتائج الانتخابات الأخيرة المزورة وإعادة نفس الوجوه إلى الحكومة إلا دليل حاسم على أن الهدف الأمريكي - الإيراني – الصهيوني ليس إعادة البناء بل إكمال خطة إنهاء العراق التاريخي .
4- لو أن أمريكا كانت تريد فعلاً طرد إسرائيل الشرقية من العراق وتخليص المنطقة كلها من شرورها المميتة لِم تختار التعاون مع كتل هزيلة القدرات وبلا خبرة وتتميز بالفساد والتلون بدل الاعتماد على من يستطيع الحسم وإنهاء الوضع في العراق خلال بضعة ايام ؟ .
أمريكا تتعمد حتى بعد الاعتراف بأن البعث قوة جبارة في العراق ولا يمكن اجتثاثه عدم التعاون معه لإنهاء كارثته ، وتحاورالبعث للتضليل وكشف أوراقه القوية وبنفس الوقت تواصل عملية دعم كتل عاجزة عن تحقيق الحل الجذري ! ، لم تفعل ذلك إذاً ؟ .
5- لِمَ هددت أمريكا بالويل والثبور كل نظام عربي اقتنع فعلاً بأن بالإمكان إنهاء كوارث العراق والوطن العربي بخطوة واحدة وهي التعاون مع البعث وحلفاءه من أجل إنهاء حالة العراق الشاذة وإقامة نظام وطني ديمقراطي حقيقي يستطيع إعادة البناء والاستقرار إلى العراق والأقطار العربية ؟ ، في مجرى زرع ونمو كوارث العراق والأقطار العربية أدرك الكثير من الحكام العرب وفي مقدمتهم قادة خليجيون بأن إنهاء الكوارث رهن بعودة العراق القوي ولعل ما صرخ به ، وليس ما صرح به ، الأمير السعودي تركي الفيصل مدير المخابرات السعودية السابق في عام 2010 في مؤتمر علني في الإمارات العربية المتحدة بأن دول الخليج العربي ارتكبت خطأ استراتيجياً عندما دعمت إسقاط النظام الوطني في العراق ، والآن يمكن تصحيح الخطأ بدعم القوى الوطنية الحقيقية والتي تستطيع إنقاذ العراق من شرور إسرائيل الشرقية وهي خطوة لازمة وحتمية لإنقاذ الأقطار العربية كلها خصوصاً الخليجية منها ، وكرر نفس الفكرة الكثير من المفكرين الخليجيين والعرب .
لهذا نلاحظ أن الحكام العرب المعنيين وهم يدركون أن الانقاذ الشامل يأتي من العراق بقوة أبناءه تراجعوا وابتعدوا عن فكرة التعاون مع البعث وبدلاً من ذلك قبلوا الوعود الأمريكية بـ( حمايتهم ) من الخطر الإيراني مع أن كل المؤشرات العملية تؤكد أن أميركا مازالت تدعم الدور التخريبي لإسرائيل الشرقية بدليل ما جرى بعد الانتخابات المزورة في العراق وما يجري من انفراد حزب الله بالحكم في لبنان .
والأهم والأخطر تجريد العقوبات على إسرائيل الشرقية من قوتها الحقيقية باستثناء دول منها العراق فجعلت العقوبات مجرد أداة للتضليل وتطمين العرب لأجل افتراسهم والبدء بافتراس أموالهم وعندما تتنتهي الأموال تذبح النظم الخليجية كلها ، من لا يقتنع بتلك الحقيقة فعليه انتظار قطع رأسه ورفعها فوق رمح في عاصمته قريباً .
6- ولأن إسرائيل الشرقية هي الأداة الأخطر المستخدمة في تدمير أُسس الدول العربية ونسيجها الاجتماعي باستبدال الانتماء الوطني في كل قطر بالانتماء الطائفي فإن الهدف الصهيوأمريكي القديم والثابت وهو منع العرب من تحقيق أي نهضة وتقدم ووحدة – خطة بنرمان - هو الذي يجعل دعم ( الخيار الإيراني ) في تنفيذ تلك الخطط ضرورة استراتيجة وليس تكتيكية ، وهو التفسير الوحيد استراتيجياً الذي يسمح بفهم لِمَ لم تحاول – نكرر : لم تحاول أبداً من الناحية العملية – إنهاء الخطر الإيراني واكتفت بألعاب مكشوفة ظاهرها معاداة إسرائيل الشرقية وباطنها وحقيقتها هي دعم دورها الإقليمي .
أما خلافاتها معها فهي خلافات تنحصر تحديداً بقمع تطلعات القوميين الفرس بإقامة امبراطورية فارسية على حساب العرب وانفرادهم بالسيطرة على العراق وأقطارعربية أُخرى منها دول الخليج العربي ، وهو ما لا تقبله أمريكا أبداً ، فالأداة الإيرانية بهذا المعنى لا تستطيع تجاوز حدود تخويلها التدخل في العراق وغيره وإلا تعرضت للضغوط .
هل يحتاج ذلك لطرح سؤال ، لِمَ تفعل امريكا ذلك ؟ ، تأملوا في الواقعة التالية : لِمَ أصرت أمريكا على فرض حصار قاتل ذهب ضحيته أكثر من ثلاثة ملايين عراقي وترفض فرض حصار قاتل أيضاً على إسرائيل الشرقية رغم اعترافاتها بممارستها الإرهاب والتدخل وامتلاك صواريخ استراتيجية وغيرها ؟ .
إن مجرد سماح أمريكا لدول مهمة جداً بمواصلة التجارة مع نظام الملالي هو إنهاء لأي ضغط فعال يشابه ولو جزء من الضغوطات القاتلة التي فرضت على العراق .
7- لو أن أمريكا أرادت حقاً حل مشكلة العراق لكان ذلك ممكناً منذ سنوات وقبل أن يصل خراب الدولة والمجتمع إلى حد الكارثة ، ويكفي أن تتصوروا ما يلي : أمريكا تتفاوض مع البعثيين وحلفاءهم حول حل جذري وشامل لمشاكل العراق ويتم التوصل إلى حل يرضي الطرفين فكم يوم تتصورون أن العراق يحتاج لإعادة الأمن والاستقرار ؟ ، يقينا أن أغلبكم سيقول أسبوع ، وأنا أؤكد لكم أن ذلك صحيح فما أن ينزل آلاف المقاتلين المحترفين ومنهم فصائل المقاومة العراقية والأخوة والرفاق من كافة الأحزاب حتى تهب الملايين وليس الآلاف لتقف معهم وبيدها السلاح وتقف تحت قيادتهم منضبطة ومستعدة للموت من أجل إنقاذ العراق ولن تستطيع لا أمريكا ولا كل نغول الأرض وشياطينها دحر شعب تعرض للإذلال والإهانات ومس الشرف والمقدسات أن تجبره على إلقاء السلاح بعد أن وجد قيادة تقوده للتحرر ورأى الخلاص أمامه ، فالاستشهاد ولو بالملايين أفضل من العيش تحت رحمة نغول وحثالات ساقطة أخلاقياً وإنسانياً .
سنرى آلاف يسلمون أنفسهم وسلاحهم بلا قتال وتعلن حكومة وطنية برنامجها الفوري وسنامه إعادة الخدمات والأمن وهيبة الدولة ، وخلال أسبوع سوف نرى العراق وقد هدأ وزالت أكوام النفايات البشرية كلها وبدأت عملية إزالة النفايات المادية بحملات شعبية تطوعية شاملة ، وبعد أسبوع آخر سنرى العراق يعود وجها باسماً مشرقاً وتزدحم مطاراته وطرقه البرية بآلاف السيارات للعراقيين العائدين لبعث الحياة الحرة الكريمة في عراقهم العظيم .
هذا الحل ليس خيالاً ولكنه الإمكانية الفعلية المتوفرة فوراً لأن من سيقوم بالعمل تنظيمات شعبية تشكيلاتها مجربة ولديها نقاوة ضمير وإخلاص للعراق مقابل هؤلاء الأسود هناك حثالات بشرية استأسدت بفضل دعم أمريكا وإسرائيل الشرقية لها وهؤلاء سيحولون بنادقهم من كتف إسرائيل الشرقية إلى كتف العراق فوراً .
مشكلتنا الجوهرية هي أمريكا أما مشكلة إسرائيليتين فهي تستمد خطورتها ، ومهما بلغت ، من توحش رأسمالية أمريكا المحتضرة وإصرارها المرضي على نهب العالم كله وهو ما يجعلها توكّل كيانات أُخرى لتنفيذ المهمات .
أُذكركم بالمزيد من الأدلة :
أ- أمريكا وبالتعاون مع بريطانيا وفرنسا اسقطت الشاه – باعترافه شخصياً - وأوصلت خميني للحكم .
ب- أمريكا وبريطانيا وأطراف أُخرى حرضت خميني على شن الحرب على العراق وقدمت السلاح له ( ايرانجيت ) ، وبعكس السائد فإن أمريكا هي من رفضت إيقاف الحرب وهو ما شجع خميني على رفض إيقافها .
ج- غزت أمريكا العراق وأدخلت إسرائيل الشرقية ونغولها إليه ، ثم سلمتهم الحكم في عام 2011 ، وتركت الأبواب مفتوحة كلها لتنامي تغلغلها في سوريا واليمن ولبنان ودول عربية أُخرى ، أنقذت نظام بشار بالتراجع عن هدف إسقاطه ، ومن أبرز مظاهر الدعم لإسرائيل الشرقية هو عدم مقاومة دخول قوات إيرانية ونغول الفرس إلى سوريا وهو ما أخل بموازين القوى في سوريا لصالح النظام والفرس .
د- ورطت أمريكا دول الخليج العربي بمشاكل خطيرة ليس أقلها تفجير الصراع بين قطر والسعودية وآخرين ، وهو ما منع اختناق إسرائيل الشرقية ، وبنفس الوقت واصلت عملية تهديم العراق بدعم الانتخابات المزورة وتكرار تشكيل حكومة بنفس المواصفت التي وضعها دستور بريمر ، نتيجة إتفاق أمريكي إيراني على عادل عبدالمهدي ... الخ .
8- لو أن أمريكا أرادت إنهاء الخطر الإيراني حقاً ، فهل هناك ساذج واحد ينكر بأنها تستطيع تدمير إسرائيل الشرقية بالكامل بقصف جوي وصاروخي شامل وباستخدام الأسلحة القديمة فقط التي تريد التخلص منها ، وهو ما فعلته بالعراق قبل غزوه بفرض مناطق الحضر الجوي واقتران ذلك بشن حرب منخفضة الحدة Low intensity war لتدمير اقتصاده وقواته المسلحة ومعنويات شعبه تدريجياً وببطء تمهيداً لغزو قطر فقد الحد الأدنى من قدرات جيشه واقتصاده .
ولكن أمريكا التي فعلت ذلك مع العراق لم تفعله مع إسرائيل الشرقية ! ، بل أن حربها الإعلامية على نظام الملالي أدت إلى تقديم أعظم الخدمات له وهي خدمة تعزيز دعايته الكاذبـة بأنه يحارب أمريكا والكيان الصهيـوني !
الخلاصة التي على كل عربي أن يدركها بوضوح وقبل أي تعامل مع أمريكا هي أن كل ما تفعله وكل ما فعلته أمريكا خصوصاً منذ عام 1988 وحتى الآن يؤكد بالأدلة والوثائق والمواقف العملية وبعيداً عن التصريحات المضللة أنها تنفذ خطة شاملة لإنهاء العراق العربي القوي والمقتدر برجاله وتفتيته وتحويله إلى جمهوريات موز متنافرة نهايتها التقسيم وانتهاء عراق بابل وآشور وسومر والعباسيين والعراق الملكي والعراق الجمهوري ، والسبب ليس سراً وهو واضح فعراق قوي وفعال كيان يمنع تنفيذ خطط القوى المعادية .
مصيبتنا هي أن أمريكا مصرة على إكمال تنفيذ مخطط وضعت ملامحه الأخيرة بعد تأميم العراق لنفطه فلا رئيس ولا كونغرس يستطيع تغيير المخطط لسبب بسيط هو أن سيد أمريكا المطلق هو مؤسسة غير رسمية تملك وتحكم وهي سنام طبقة من يملك الأخضر أي السيد دولار .
الداء هو أمريكا والدواء هو تجنب التعويل عليها ، وعندها فقط وبقوتنا ووضوح رؤيتنا يمكننا أن نفاوضها ونفرض عليها الحل الوطني التحرري كما فعلت كوريا الشمالية ، وما إن تنحل عقدتنا مع أمريكا حتى نرى إسرائيل الشرقية تذوب كقطعة ملح في ماء ساخن .
Almukhtar44@gmail.com
15-12-2018
Comments