الرفيق المجاهد صلاح المختار - إشكالونيا
- مفكر قومي
- Dec 24, 2018
- 6 min read

إشكالونيا :
الجيوبولتيكا ومزامير التاريخ
ثمة حقيقة جيوبولتيكية ثابتة تفسر الأسباب الحقيقية المعلنة والمخفية لوجود تناقضات أو صراعات علنية أو مخفية بين ثلاثة أطراف إقليمية العرب والفرس والترك ، وطرف خارجي زرع في فلسطين هو الصهيونية اليهودية وكيانها الاغتصابي ، وهي حقيقة تشكل قاسماً مشتركاً يدفع دفعاً الأطراف غير العربية للقاء أو التلاقي أو التحالف تبعا للمرحلة التاريخة ضد العرب مباشرة أو بالتحالف مع أعدائهم ، فما السبب في ذلك ؟ ، وما هي الحقيقة التي تفرض على استراتيجيات هذه الأطراف التأثر بها وتزجها قسراً في أزقة الموت والخراب ؟ ، الجواب هو كلمة واحدة فرخت فيها مصائبنا الحالية : الجيوبولتيكا .
الجيوبولتيكا تقول ما يلي : القوى العظمى الدولية أو الإقليمية كي تتشكل تحتاج لموارد أساسية بدونها لن تصبح قوى عظمى أبرزها المياه والأرض الصالحة للزراعة والموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي غير المغلق ، والقوة البشرية القادرة على تنفيذ المشروع الكبير ...الخ ، وإذا توفرت هذه المتطلبات يمكن لتلك الدولة أن تبدأ مسيرتها للتحول إلى قوة عظمى إقليمية أو دولية ، وبناء عليه يطرح السؤال التالي : هل تتوفر هذه الشروط في كل من الإسرائيليتين الغربية والشرقية وتركيا وهي الأطراف الإقليمية الفاعلة ؟ ، وإذا لم تتوفر ، كيف تحل هذا التناقض الكبير بين طموحاتها الامبراطورية الضخمة وإمكانياتها المحدودة ؟ ، لنبدأ بتحليل مواردها كي نحدد طبيعة ما تحتاجه كل منها لتحقيق هدف التحول الى قوة عظمى :
1- إسرائيل الغربية : تتميز بأنها أُقيمت وفي أحشاءها بذور موتها متمثلة في أنها كيان مصطنع لا يملك أرضاً وطنية ، وبلا شعب حقيقي ، لأن المستوطنين اليهود جمعوا من كل أنحاء الارض ، وفلسطين المحتلة بلا موارد تكفي لتكون قاعدة إقامة قوة إقليمية عظمى وهو ما أدركته الصهيونية مبكراً فاعتبرت ( أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ) وهي منطقة تتوفر فيها متطلبات قوة عظمى لتعويض النقص الخطير في أرض فلسطين ، فالمشروع الصهيوني لا يقوم إلا على جثث المشروع النهضوي العربي وبموارد العرب .
2- إسرائيل الشرقية : بلاد فارس فقيرة جيوبولتيكياً ، أرض هضابية تفتقر للأرض الصالحة للزراعة التي لا تتجاوز الـ 15% من مساحة بلاد فارس وهذه النسبة لا توجد مياه كافية لإرواءها فتبقى أراض شاسعة بلا زراعة ، ويعترف شاه إسرائيل الشرقية في كتابه ( رد للتاريخ ) بأنه إذا لم تمطر السماء لسنتين متتاليتين فإن القحط والجوع سيحلان ، وهذه الحقيقة الجيوبولتيكية تفسر لم كانت هجرة وغزوات الفرس تاريخياً إلى الغرب أولاً ، لأن العراق غني بالمياه والأرض الزراعية وهما شرطان حتميان لإقامة امبراطورية عظمى ، أما ضم الأحواز إلى بلاد فارس فهدفه توفير ثروات طبيعية : نفط وغاز ومياه من الأحواز العربية ، والاقتران الشرطي بين نهوض بلاد فارس وغزوها للعراق ظاهرة تاريخية معروفة سببها تأثيرات الجيوبولتيكا .
3- تركيا أيضاً تتميز بفقر مواردها العامة ولم تقم وتستمر الامبراطورية العثمانية إلا بقوة موارد الأمم التي صارت جزء من الامبراطورية العثمانية ، فتركيا لا تملك نفطاً ولا غازاً ، ولهذا تحتاج للأسواق والموارد وإن كان أقل من الإسرائيليتين الغربية والشرقية .
أما الجانب الآخر المهم جداً ، فهو ، أن تركيا حتى وإن توفرت إمكانية نهضتها فهي نهضة مشروطة في استمراريتها وتوسعها بوجود أسواق مفتوحة لها في الخارج وكانت تراهن على عضويتها في الاتحاد الأوربي طوال عقود ، أما بعد أن كشف الاتحاد الأوربي عن رفضه لدولة إسلامية تكون عضواً فيه فإن المشروع التركي القومي اتجه مجدداً للوطن العربي أولاً وللعالم الإسلامي ثانياً لتوفير السوق الحتمي لنمو نواة المشروع القومي التركي وبدونه ستموت البذرة الامبراطورية .
وهكذا ، نرى ان الوطن العربي ساحة صراع على الموارد وعلى شروط إقامة امبراطورية أو توسعها بين القوى الاقليمية الثلاثة ، وليس ثمة أي مجال لإهمال حقيقة أن إضعاف أو تقسيم الأقطار العربية أحد أهم أهدافه السماح بصعود كل من الإسرائيليتين وتركيا وإقامة منظومة إقليمية تسيطر على الشرق الأوسط كله ويوضع في خدمة أمريكا وإسرائيل الغربية بالدرجة الأولى .
إذاً ، نحن بأزاء تعقيدات سببها الأصلي الجيوبولتيكا وهي لذلك تعقيدات خطيرة خصوصاً الارتباط القسري بين نهوض المشروعين القوميين لكل من إسرائيل الشرقية وتركيا والمشروع الصهيوني بالاستيلاء الكامل على المشرق العربي ومصر ، لهذا نرى أن هذه القوى الثلاثة يرتبط مستقبل مشاريعها التوسعية بالقدرة على السيطرة على الوطن العربي كلاً أو جزءاً وبدون ذلك تفشل هذه المشاريع ، وهنا نرى الأسباب الحقيقية للأزمات الدورية .
ونتيجة لما تقدم يواجه العرب وضعاً خطيراً وهو وجود قواسم مشتركة بين دول إقليمية وتوافق ذلك مع استراتيجيات دولية امبريالية تجعلهم محاولات متكررة لغزو أقطارهم أو محو الهوية العربية وتدمير الأمة العربية كلها بسبب تفككهم وإسقاط قياداتهم الوطنية ونشر الفوضى الهلاكة وسطهم .
وإذا أضفنا تحديات الغرب الاستعماري والتي ترتكز أساساً على مطامع استعمارية نجد أن الغرب ممثلاً بأمريكا ودول أوربية يتحالف مع الأطراف الثلاثة ويقف ضد العرب .
ويترتب على أحكام الجيوبولتيكا أن النضال العربي من أجل الوحدة العربية والتحرر والتقدم يصطدم بمشاريع إقليمية ودولية لن تقوم إلا على أنقاض المشروع النهصوي العربي الذي يجب أن يدمر كلما نهض .
وهكذا ، نرى أن الصراع الاقليمي يتميز بسمتين : عدائية واضحة بين هذه الأطراف من جهة والعرب من جهة ثانية ، وإمكانية قيام تحالفات مفاجئة وآنية وأحياناً بطريقة مبرمجة ، وهذا ما نلاحظه بشكل أُنموذجي في العلاقات الإيرانية -التركية ، العلاقات التركية - الأمريكية وفي العلاقات التركية - الروسية وفي العلاقات الإيرانية - الروسية والعلاقات العربية مع هذه الأطراف وفي العلاقات الإيرانيه – الأمريكية ، فكل هذه العلاقات تتعرض لتغيرات فرعية وتبدو غير منطقية ويصل التناقض أحياناً مرحلة الحروب الإعلامية ولكنها حروب تتحكم بها العوامل الجيوبولتيكية بالدرجة الأُولى وهي أقوى من الانتماءات الأيديولوجية لهذه الأطراف .
هنا نسجل ملاحظة جوهرية : فالصراع العدائي العثماني - الفارسي السابق لن يتكرر حتى لو نشبت معارك سياسية بين طهران وأنقرة خصوصاً بعد أن ثبت من خلال الأحداث في سوريا والعراق وغيرهما أن الإسلام بالنسبة لتركيا وإسرائيل الشرقية يخضع لمصلحة قومية تركية وإيرانية بالدرجه الأولى ، وهدف التنافس الفارسي - التركي الحقيقي الآن هو كسب المواقع في الوطن العربي وهذه الحاله تشكل مظهرين متناقضين : المظهر الأول ، هو الصراع على المواقع في الوطن العربي ، والمظهر الثاني ، هو التوافق ضد المشروع القومي العربي .
و تزداد الصلات التركية - الإيرانية قوة لأن قادة البلدين يعرفون أن المشروع الأمريكي الامبراطوري يقوم على إنشاء ( شرق أوسط جديد ) أو ( كبير ) تلعب فيه كل من تركيا وإسرائيل الشرقية دوراً محورياً إلى جانب إسرائيل الغربية ، وهذا الإدراك من قبل الأطراف الاقليمية يجعلها تتمسك في آن واحد بالصراع والتوافق ، فيبقى صراعها منضبطاً وتوافقها مقرراً دولياً وإقليمياً .
وما سبق يقدم تفسيراً واضحاً للتنافس الإيراني - التركي القائم ظاهرياً على التناقض الطائفي بينهما ولكنهما ينتقلان متفقين كما يتضح الآن من التناقض الطائفي إلى صراع استراتيجي ليس بينهما بل مع المشروع النهضوي العربي الذي إذا تقدم ولو قليلاً يأخذ من مساحة الطموح التركية - الإيرانية - الإسرائيلية ، فنهضة العرب وتوحدهم تحت قيادة كارزمية قوية تنظر إليها هذه الأطراف على أنها تحرمهم من مناطق تعد جوهرية لتحقيق أهدافهم القومية العظمى .
والعامل الذي يشجع إيران و تركيا على تعزيز علاقاتهما هو وجود ظاهرتين مهمتين جداً : ظاهرة تدهور مكانة أمريكا وهي اللاعب الرئيس الآن في المنطقة مما يجعل الظاهرة الثانية طبيعية وهي بروز روسيا والصين وتعاظم دورهما فيدفع ذلك الطرفين الإيراني والتركي لإقامة علاقات قوية معهما ليس فقط للتخلص من بعض الضغوط الأمريكية ، بل وأيضاً للاعتماد على قوى دولية صاعدة لتحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة ، ومرة أخرى يظهر تأثير الدور العربي على هذه المعادلات فكلما تراجع الدور العربي زادت شهية إسرائيل الشرقية وتركيا لتوسيع نفوذهما على حساب العرب ، ويكفي أن نتذكر بأن تركيا وإسرائيل الشرقية كانتا تتجنبان استفزاز العراق قبل الغزو خصوصاً بعد الهزيمة الكارثية لطهران في حربها ضد العراق .
ومما يلفت النظر ويزيد القلق العربي العام أن تركيا وإسرائيل الشرقية تستغلان مقتل جمال خاشقجي بطريقة صادمة : ففي إسرائيل الشرقية أصبحت قضية خاشقجي قضية لطمية تشابه اللطمية على الحسين ، يبكيون بحرقة على خاشقجي باللغة الفارسية نكاية بالسعوديه وسعياً لتقسيمها ، أما تركيا فإنها حولت قضية خاشقجي إلى أم القضايا ، بل وصل الحال إلى حد تهديدات تركية للسعودية برفع قضية خاشقجي إلى المحافل الدولية لمعاقبة السعودية ، وهو تطور لا يعني الا نتيجة واحدة : تقسيم السعودية وغزوها وإنهاء الكيان الوطني السعودي كما حصل للعراق مثلاً ، في حين لم تهدد تركيا باستخدام هذا السلاح ضد إسرائيل الغربية رغم كل جرائمها البشعة الآن ولا ضد إسرائيل الشرقية رغم احتلالها لأقطار عربية ! ، وهذا التصعيد يعيد التذكير بالدور التركي الفعال في تدمير ليبيا ! ، ولابد من تأكيد أن رفض تركيا تنفيذ العقوبات على إسرائيل الشرقية موقف يساعد على إنقاذ نظام الملالي من خطر مميت ويبقي الظلم الإيراني على العرب في كامل قوته ! .
فكيف تحول الصراع التركي - الإيراني الذي صور على أنه حقيقي ورئيس إلى حالة التوافق شبه الكامل في الوقوف ضد العرب ؟ ، ليس هذا كل شيء في تعقيدات الصراع ، فأمريكا ورغم كل الحملات الاعلامية المعادية لإسرائيل الشرقية تنفذ خططاً كلها تصب في صالحها ، فالعقوبات والتهديدات مع تعمد إفراغها من من قوتها الفعلية تؤدي إلى نتيجة واحدة ، وهي ، تجميل صورة إسرائيل الشرقية بعد أن تقبحت ، بجعلها تبدو كمن يقاوم أمريكا وإسرائيل الغربية (!) ، وهي ليست كذلك في الواقع ، وهذه اللعبة تتكرر فكلما غطى السواد وجه نظام الملالي قامت أمريكا بلعبة تجمل فيها صورتها وتمنع عزلتها ! .
ولابد من الانتباه إلى أن تغيرات الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل الشرقية وتركيا فهي تخضع لنفس القاعدة ، فالخلافات تصل حد تصور وقوع الحرب بين أمريكا وتركيا أو بين أمريكا وإسرائيل الشرقية ، لكننا نفاجأ بظهور حل يمنع تفجر أي صراع عدائي بين هذه الأطراف الثلاثة والسبب كما قلنا أنها كلها أعضاء في الشرق الأوسط الجديد أو الموسع ، ولهذا فكل ما يجري بينها ما هو إلا لعبة عض أصابع وكسب منافع خاصة .
هل يستطيع الحكام العرب اكتشاف وملاحظة هذه الطبيعة التي تتضمن التناقض والتوافق في آن واحد ؟ ، واذا لم يستطع بعض القاده العرب اكتشاف هذه الجدلية المعقدة ، فما هو مصير العرب ومستقبلهم ؟ .
الأنظمة العربية وحدها هي التي تبدو ساذجة ولا تعرف ما يجب أن تعرفه عن تعقيدات الوضع وكيفية حصول التبدلات بكافة أشكالها ، ولهذا فأغلبها ( مثل الأطرش بالزفة ) وهو بالضبط ما يخدم الصهيونية الأمريكية والقوى الاقليمية الطامعة في أرض العرب وثرواتهم .
Almukhtar44@gmail.com
22-12-2018
Comments