الرفيق المجاهد صلاح المختار - أخلاقونيا
- مفكر قومي
- Jan 2, 2019
- 4 min read

أخلاقونيا
" الأزمة أزمة أخلاق وليست أزمة يمين أو يسار "
القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق معلقاً على أزمة عام 1963
في عام 1963 وبعد أن نجح البعث في إسقاط ديكتاتورية قاسم الشعوبية تفجرت أزمة داخل الحزب وأدت لانشقاق خطير في صفوفه وفتحت ثغرة كبيرة نفذ منها خصوم البعث لإسقاط نظامه اعتماداً على قوة الحزب العسكرية ! ، وبما أن أحد التفسيرات لتلك الأزمة كان يقول أنها ( صراع بين يمين ويسار ) داخل الحزب فقد كان القائد المؤسس عفلق ، رحمه الله ، حزيناً لتعرضه إلى الإساءات فاكتفى بعبارة بالغة الحكمة وهي ( إن الأزمة أزمة أخلاق وليست أزمة يمين ويسار ) .
وقد أثبتت كل الأحداث اللاحقة صحة تفسير القائد المؤسس لتلك الأزمة ، فلولا الانفلات والفردية والدعوة لإسقاط رفاق لما تعرضت أول تجربة للحزب إلى الانهيار وأعادت الحزب إلى مربع النضال السري .
أذكر هذه الحادثة لأنني تلقيت رسالة من رفيق عصبي المزاج وحاد الطبع يسألني ( لِمَ لا ترد على من يهاجمك تكراراً ومراراً وتلعن والديه وأنت الأقدر على مسحه بالأرض ؟ ) ، فقلت له : من يشتمني الآن سيندم غداً إذا كان نقياً وغير ملوث الضمير فلم أعقد علاقاتي معه وأنا واثق أنه سيعتذر بعد أن يهدأ ويرى أنه أساء لي بدون مبرر سوى حماقة الانفعال والتسرع ، وأضفت لرفيقي : وأنت كم مرة تجاوزت على غيرك وزعلت عليك وعرفت أنني ضد طريقتك القاسية والمنفعلة فتوقفت عن الاتصال بي خشية نقدي لك لكنك بعد فترة تعود وتعتذر مني على خطأك ضد آخرين ، فأقول لك انسى الموضوع لأن المهم أنك أدركت خطأك وهذا هو المهم ، فأنا لا يمكن أن أقتل الناطور من أجل أخذ العنب أبداً ، بل يجب أن آكل العنب دون قتل الناطور ، ولو أنني تصلبت معك وقتها وطلبت منك الاعتذار ممن تعديت عليهم هل كانت علاقتنا ستستمر ؟ ، كلا بالطبع ، لهذا حافظت عليك وحميت نفسي من آفة الغضب وتركت الأمر لحين صفاء الذهن وهدوء النفس فحلت المشكلة تلقائياً .
أجابني : صدقت رفيقي وأنت الوحيد الذي حافظ على صلتي به لأنك واسع الصدر ، فكتبت له ما يلي : لأي إنسان حقوق ثابتة لا أستطيع أنا ولا غيري إلغاءها وأهمها حق مسامحته على أخطاء يرتكبها ، وبما أن الإنسان ، كل إنسان ، وبلا أي استثناء ، خطاء ، فإن التسامح ومنح الفرص لمن يخطأ إحدى أهم قواعد الأخلاق والسلامة والإنصاف والترابط الاجتماعي ، وإلا تخيل أنني من أول خطأ ارتكبته أنت قاطعتك فماذا كان سيحصل ؟ ، سنخسر بعضنا ولن تصحح أخطاءك والحكمة كل الحكمة هي القناعة التامة بأن الإنسان حتى حينما يعتذر عن خطأ فإنه سيقع في خطأ آخر غيره ، وواجبنا أن نتحمله ونسامحه ونناقشه بروح الأخ الكبير والرفيق الحريص على رفيقه وليس الجلاد المقنع الذي ينهي حياتك وأنت لا ترى وجهه وما نطلبه منه هو أن لا يكرر نفس الخطأ السابق ! .
وأضفت : يا رفيقي تخيل أنك حكم عليك بالاعدام اجتماعياً من أول خطأ ومهما كان حجمه فماذا سيحدث ؟ ، ستعزل وتتحول إلى وحش ضار يتركز هدفه حول الانتقام ممن لم يعطه فرصة أُخرى ، وفي هذا خسارة لا تعوض ، ولهذا ففرص التسامح غير محدودة بشرط عدم تكرار نفس الخطأ ، وما لم نفتح أبواب الفرص ولا نقيدها لن نحترم آدميتنا ولا نحقق رضاء الضمير لسبب بسيط هو أننا سنقع في ازدواجية مقيتة حيث أننا نرغب بفتح كل أبواب التسامح لنا عندما نخطأ لكننا نغلقها بوجة الآخر عندما يرتكب خطأ واحداً فقط ! ، أليس ذلك هو الظلم بعينه ؟ ، يا رفيقي بقدر ما تتسامح وتقلب صفحة الخطأ وتبدأ من جديد مع رفيقك أو صديقك تضمن نقاء ضميرك والمحافظة على أخ لك يحميك حتى من نفسك ، أما إذا صرت منتقماً وتحاسب على الصغيرة والكبيرة فلن تجد من يرحمك ولا من ينصفك .
ولأن الإنسان ينقصه الكمال فإنه مشاريع أخطاء ترتكب في كل مرحلة حتى في أقصى حالات النضوج ومن ثم فإن بقاء المجتمع متماسكاً ومحافظاً على صلاته الطيبة رهن بالتسامح والمنع التام لإغلاق باب فرص التسامح ، أما إذا أردت يا رفيقي أن تقطع رأس كل من تتعارك معه فإنك ومهما فعلت خيراً وقدمت خدمات للآخرين وأنت من هذا الصنف فإنك مثل من يضع كل نقوده في جيب مخروم فتضيع ثروتك وتبقى فقيراً .
أكتب اليوم عن هذه المحاورة بيني وبين رفيق قديم أعرفه صلباً ومخلصاً وطيباً ولكنه حاد الطبع وعدوانياً عندما ينفعل ويرد على من أساء إليه ، ولكنني كنت أُروضه تدريجياً وبرفق وتعاطف ومحبة أخ أكبر منه وأكثر خبرة ، ولكن صديقي ورفيقي هذا الذي كنت أُعلمه ضبط النفس عزز لدي درساً آخراً مهما جداً ، وهو أن من يريد حمل رسالة إنسانية وخالدة عليه أولاً وقبل كل شيء لجم نوازعه الانفعالية فهي المصدر الرئيس للأخطاء القاتلة والتي تخلق مشاكل لا يريدها أحد خصوصاً من بدأ بها ، لهذا فإن من ينقلب على أخطاء المجتمع عليه أولاً وقبل ذلك حتماً أن يبدأ بنفسه وتلك هي الانقلابية التي علمنا إياها نبينا العظيم محمد ( ص ) وسيدنا المسيح عليه السلام والأخير هو القائل ( أحب لغيرك ما تحب لنفسك ) .
فنبينا الكريم كان مثالاً لضبط النفس الأمارة بالسوء وقدوة يقتدى به وهو القائل عن أبي سفيان بعد دخول الكعبة وانتصار الإسلام ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ) ، والحكمة هنا أن النبي أراد أن يبعث برسائل متعددة أولها أن أبو سفيان الذي كان معادياً ومعتدياً صار ضمانة لأمن وأمان من يدخل بيته ، وهو أراد قطع دابر استمرار المعارضة المعادية بفتح أبواب التوبة للجميع وبلا أي استثناء ، وهو يتصرف وفقا لحكمة ربانية ثابتة ودائمة : إن الله فتح أبواب التوبة ولا يمكن لبشري غلقها .
بتلك الأخلاق المتسامية فوق الأحقاد والانتقام والمروضة والكابحة للنفس الأمارة بالسوء وهي تحرض على الانتقام انتصر محمد وانتصر المسيح وسينتصر كل حامل رسالة ، وبدونها نخسر أنفسنا أولاً ثم نخسر أمتنا ونفقد رحمة الناس لنا .
الانقلابية تبدأ بأنفسنا ومن الأنانية المطلقة أن نطلبها من الآخرين ونحن ضمائر منتفخة من كثرة الأخطاء وضمير كل منا يعرف أننا أخطأنا كثيراً وربما أكثر ممن نحاسبه ، ولهذا فإنني أسامح من يهاجمني وأرد عليه بصمتي وأتركه لضميره فإن كان نقياً وبلا دوافع خارجة عن إرادته فهو سيأتي في يوم ما ليقول أنا آسف لقد أخطأت بحقك فأرد عليه كما تعودت على الرد على كل من يأتي للاعتذار مني : انتهى كل شيء ولا داعي للاعتذار المهم أن نبدأ من جديد وبلا تكرار نفس الخطأ .
أحمد ميشيل عفلق علمني وعلم غيري الصبر والرد بابتسامة تزخر بالألم لكنه ألم الحريص على رفيقه الخطّاء والسابح في نهر هائج تتقاذفه أمواجه العاتية .
وكل من أساء لي سابقاً والآن وكل من سيسيء لي مستقبلاً فهو ( داخل دار أبي سفيان ) مادام التسامح قاعدة إلهية لا نهاية له مع إنسان غير مكتمل التكوين .
فتحية احترام لكل من استهدفني وأساء إلي خصوصاً من كان يصور نفسه لي صديقاً ورفيقاً حميماً مؤكداً أنني سامحته على كل ما قام به تجاهي من عدوانات وسيجدني مبتسماً بصدق في وجهه عندما تلتقي الوجوه .
Almukhtar44@gmail.com
2-1-2019
Comments