top of page

الأستاذى ولاء سعيد - لماذا يستمر قتل الموصل ؟


لماذا يستمر قتل الموصل ؟



احتفلت حكومة المنطقة الخضراء في العراق ، قبل أيام ، بشكل باهت ، بمرور عام على ما سميت " معركة الموصل " التي قادها حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) ، وفي مقدمته فرنسا وبريطانيا واستراليا ، الدول التي افتخرت بمساعدتها الولايات المتحدة في حربها ، وبأدوارها المتميزة بقصف طائراتها ، رافال وغيرها ، المدينة التي تضم أكثر من خمسة ملايين مدني .

وكانت مساهمة القوات العسكرية العراقية ، أو الميليشيات ، رمزية وخطباً تنفذ فقط تعليمات القيادة الأطلسية العامة التي تريد معاركها صفر موتى من قواتها ، وليس هناك معلومات عن أعداد القتلى العراقيين ، لا من القوات المشاركة ، ولا من المدنيين الذين ما زالت جثثهم يخرجها الأهالي أو بعض منظمات المجتمع المدني الموصلية التي أغضبها رفض الحكومة انتشال جثث المدنيين ، والقيام بواجبها من أجل دفن من قتل تحت القصف والأنقاض ، ورأى المواطنون جثث كثيرين من أبناء المدينة ، وكذلك الخراب والدمار الذي سببه القصف ، لكنهم لم يروا أي جثة لأي من مقاتلي " داعش " ، ولا أسرى لهم ، ولا لقوات الدول المتعاونة مع الاحتلال الأميركي في هذه المعركة ، ولم تتطرق المراسلة الصحافيّة الأميركية المرافقة لجيش بلدها ، عصمت خان ، والتي أنجزت تحقيقات مهمة وميدانية لما يحدث لسكان الموصل ، إلى خسائر المعركة .

ربما لأنه فعلاً لا توجد خسائر ، إلا " الخسائر الجانبية " ، كما يسميها الغرب وإعلامه ، وهي أرواح آلاف العراقيين التي لم يتجاهلها الإعلام العراقي والعربي فحسب ، بل اعتبرها " مدانة بالإرهاب وتستحق الموت " ، بدليل تغطية الإعلام العربي المنحازة تماماً إلى معسكر المحتلين وبرلمان المنطقة الخضراء والميليشيات الطائفية ذات الهوى الإيراني ، ليس ذلك فقط ، فالموصل ما تزال ، حتى بعد انتهاء معركة تدميرها من دول الأطلسي ووكلائها ، تقتل يومياً بعد مرور عام ؟ .

لماذا لم تتخذ أية تدابير حكومية أو أممية من الأمم المتحدة التي عليها مسوؤلية قانونية ، لكي يتم انتشال ضحايا القصف الذي استمر أكثر من ستة أشهر ؟ ، هل هي مصادفة أن كل مستشفيات المدينة العشرة يقصفها تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) ؟ ، أم أن تدمير المؤسسات الصحية هذه لم تكن إلا واحدةً من عمليات حلف شمال الأطلسي ، لتدمير المدينة وقتل أبنائها ومنع الإسعافات عنهم بعد القصف مع سبق الإصرار ؟ ، هذه الدول التي تسبح بحقوق الإنسان والقيم الإنسانية لم تتحرّك لإسعاف العزل والمدنيين ، ولم تسرع بإحضار مستشفيات متنقلة ، كما تفعل في أماكن الحروب والزلازل ، وهي موجودة على الأرض ، مثل منظمة أطباء بلا حدود ، والتي كانت تعالج حصرياً الميليشيات الطائفية ، أما حكومة المنطقة الخضراء فقد منعت أي إسعاف ، وأي انتشال للجثث ، وهذا غريب ، لم يحدث حتى في الحروب ، لأن اتفاقيات جنيف وكل القوانين تفرض إرجاع جثث العدو وتسليمها إلى الطرف الآخر ، وهذا ما لم يحدث في الموصل ، ولم يحدث لمواطنيها الذين ما تزال جثث أبناء منهم تحت حطام المنازل وغيرها ، لا تبدي الحكومة اهتماما بانتشالها ودفنها ، والأدهى أن الحكومة كانت قد ألقت من الجو مناشير تطلب من المواطنين البقاء في بيوتهم ، ليطمروا بالآلاف تحت أنقاض القصف ، وهذا كله موثق بالصوت والصورة والورق ، ولم ينسه أبناء الموصل .

أما من غادر منزله خوفاً من القتل والقصف إلى المعسكرات التي قالت الأمم المتحدة ومفوضيتها للاجئين إنها هيّأتها لاستقبال المواطنين ، فقد أصبحت سجوناً ومقارّ إقامة إجبارية للمواطنين ، لا يسمح لهم بمغادرتها ، وهي مراقبة بشكل بوليسي كبير ، لا يسمح إلا لمن يرتبط بالحكومة أو بدول الغزو الدخول لها ، يُبتز فيها المواطن ، ويهان بكل الطرق والوسائل ، لأنه " متهم " بتهمة الداعشي ، على الرغم ، كما تذكر عصمت خان في صحيفة نيويورك تايمز ، من أن هناك عشرين مدينة عراقية استعيدت منذ أربع سنوات ، لكن أهلها ما يزالون في المعسكرات ، فلماذا لا يُعاد المواطنون إلى مدنهم ومساكنهم ؟ ، ما هو دور الحكومة ؟ ، لماذا يترك العراقيون في الخيم وفي العراء ، بينما مدنهم آمنة ، بحسب الصحافيّة الأميركية ؟ .

عادت هذه الممارسات التي كانت موجودة قبل دخول " داعش " المدينة بقوة ، فالقوات الحكومية من أمن وشرطة تمارس الاعتداءات السافره على المواطنين ، لسرقتهم وسرقة ممتلكاتهم من أموال وعربات ، وانتهاك للأعراض ومساومة النساء ، ففي الدوائر الحكومية يطلب أفراد الشرطة مئتي دولار لإصدار هوية جديدة ، تفرض تجديدها الدولة بين فترة وأخرى ، هي وبعض أوراق الأحوال الشخصية ، أو المتعلقة بالجنسية وسندات الملك وإثباتات الولادة والصدور .. إلى غيرها من الوثائق التي أصبحت ، منذ تاريخ الغزو ، تجارة رابحة للموظفين والطائفيين ، ومصدر فساد ولصوصية لا مثيل لها ، تشجعها كل مفاصل الدولة المنخورة .

أما الاعتقالات العشوائية فقد استؤنفت بحق المواطنين الأبرياء بالحجج نفسها ، وعاد نهج التعذيب في السجون ، من دون رادع ولا قانون ، على الرغم من وجود جمعيات قانونية بمسميات الدفاع عن الحقوق والمعتقلين ، إلا أن قانون الميليشيات هو المعمول به ، ويطلب من يديرون هذه السجون من المعتقلين اعترافاتٍ تحت التعذيب بأنهم من الدواعش ، فلو كان بيد الحكومة دواعش ، فلماذا تُطلب من الأبرياء هذه الاعترافات ، أم أن " داعش " أصبحت تهمةً لتطهير طائفي .

تتجاهل حكومة المنطقة الخضراء ذلك كله ، بل وتصر على النهج الذي بدأ في عام 2003 من استهداف الشعب العراقي بأشكال عنف متعدّدة ، ليس " داعش " آخرها ، إذ هو يترجم ، مع حكومة عادل عبد المهدي ، عبر الموازنة بتعاملٍ مختلف ، واستهانة وإهمال متعمد وإصرار على التدمير وتخريب المدن الكبيرة ، وتهجير أهلها ومحاربتهم ، حتى في خيامهم وبؤسهم ، تحت أحكام الميليشيات العنصرية المتعجرفة والإجرامية ، فقد خصصت الموازنة الحكومية لعام 2019 أقل من مئتي مليون دولار لمدينة الموصل المنكوبة والمدمرة كل بناها التحتية ( خمسة ملايين نسمة ) ، تم تعديلها لتصبح ما يعادل 260 مليون دولار ، لا يمكن إعادة بناء واحدة من المستشفيات العشرة التي هدمت بهذا المبلغ ، بينما فساد الطبقة السياسية المعلن يصل إلى سرقات بمليارات الدولارات .

إذا استعملت دول حلف شمال الأطلسي ، والولايات المتحدة في مقدمتها ، " داعش " ذريعةً لتدمير مدينةٍ يصعب السيطرة عليها ، مثل الموصل ، قلعة العسكرية والوطنية العراقية ، ومدينة رفض الاحتلال ، لإخضاع من يرفض العملية السياسية ، بتعبير موفق الربيعي ( مستشار الأمن القومي العراقي ) ، فالحكومة تقوم اليوم بالتطهير الطائفي والتغيير الديمغرافي في المدينة وما حولها ، تستبيح كل ما فيها ، وتتجاوز ، في إجرامها ، عصابات الشذوذ الأميركية في سجن أبو غريب . وإنهاء الرئيس الأميركي ، دونالد ترامب ، صفحة " داعش " في سورية الأربعاء الماضي ، وإعلان انتصار بلده عليه ، واتفاقه مع الرئيس التركي ، رجب طيب أردوغان ، على وضع نهاية له ، هو اعتراف رسمي بأن هذه الأساليب والخدع في زمن الحرب لم تستخدم إلا لإسكات المقاومة الوطنية ، وإبادة أكبر عدد من الشعب العراقي وتهجيره ، للتمكّن من السيطرة على العراق ، وتمرير سرقة ثرواته من الدولة المحتلة ، ووكلائها المعمّمين الذين يجمعهم غرض تدمير العراق .

كل الوسائل مشروعة للشعب العراقي من البصرة إلى باقي المحافظات للثورة والانتفاضة ، وتخليص البلاد من معاول تدميره وتهجير شعبه ، فحكومة عبد المهدي لن تتخلى عن نهج تدمير العراق ، ومدينة البصرة وما يحصل فيها أكبر شاهد ودليل .


Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page