الرفيق المجاهد صلاح المختار - ترامبونيا
- مفكر قومي
- Feb 15, 2019
- 6 min read

ترامبونيا :
هل القرار الامريكي بيد الرئيس ؟
نلاحظ وجود فهم شكلي لمسألة من يصنع القرار الأمريكي ، فهناك من يروج لفكرة أن القرار في السياسة الخارجية الأمريكية بيد الرئيس ، وأنه قادر على اتخاذ كافة القرارت التي يقتنع بها ، فهل هذا صحيح ؟ .
كيف نفهم أمريكا ومن يتخذ القرار النهائي ؟ :
1- نعم هناك دستور يقسم السلطات بين ثلاثة أجهزة وهي السلطة التنفيذية ويمارسها الرئيس والسلطة التشريعية ويمارسها الكونغرس والسلطة القضائية التي تحكم في خلافات السلطتين السابقتين إضافة لصلاحيات أخرى ، وهدف توزيع السلطات ، وكما أكد الدستور الأمريكي هو منع الاستبداد الفردي وضمان التوزان بين السلطات بجعل اتخاذ القرارات لا تنفرد بها جهة واحدة .
2- ولكن هذه السلطات ليست هي وحدها من يصنع القرارات وهذا ما لا يذكره الدستور الأمريكي ، لكنه عُرف واضح وهو وجود جهة تضع الخطوط العامة لصناع القرارات كي تعمل الأجهزة الدستورية وغيرها ضمنها ، وتعتمد الجهة على تكليف مراكز البحوث والخبراء (Think tank) بإعداد الخطط الكفيلة بتنفذ تلك الخطوط العامة بعد إقرارها ، وهذه الجهة المتحكمة فعلياً في أمريكا ، تتشكل اساساً من الأغنى والذين يمولون الحملات الانتخابية للرؤوساء وأعضاء الكونغرس وحكام الولايات ... الخ ، بعد اختيارهم وتوقيع اتفاقية الجنتلمان* معهم مسبقاً .
هذه هي السلطة الأعلى من الجميع التي تضبط حركة ومواقف الهيئات الدستورية والسلطات الثلاثة المذكورة هي بعض أدواتها لخلق التوزان ، ولكنها تستخدم أيضاً أدوات أُخرى لضمان اقناع الجميع بما تريده مثل أجهزة الأمن ، والاعلام ومعاهد البحوث ، وهذه الأجهزة تبدو مستقلة أو شبه مستقلة رغم أن بعضها أجهزة حكومية مثل المخابرات لأنها تخضع لنظمها الداخلية ولقوانين تأسيسها وليس للرئيس وحده ، وهذا ما نلاحظه الآن مثلاً ، حيث أن مكتب التحقيقات الفدرالية يحقق في التهم الموجهة للرئيس ترامب دون أن يستطيع الرئيس فرض توجه عليها وعندما حاول التدخل بإقالة مدير مكتب التحقيقات جيمس كومي عين محقق خاص هو روبرت مولر للتحقيق في التهم الموجهة له وأخطرها العمالة للروس ! ، تخيلوا مثلاً لدينا الأمن العامة تحقق مع رئيس الدولة وتتهمه بالعمالة لدولة أُخرى ، هل هذا ممكن ؟! ، السلطة التنفيذية يمارسها الرئيس لكن الكونغرس يملك صلاحيات تقيد الرئيس وتمنعه أحياناً من تنفيذ أفكاره ، وهو ما حصل لترامب حيث تخلى عن الكثير من أفكاره وقناعاته التي جاهر بها قبل وبعد انتخابه ، لدرجة أن ترامب وصف بأنه متقلب جداً وأكثر رؤوساء أمريكا تراجعاً عن مواقفه ، وآخرها ما حصل في قرارات الانسحاب من سوريا والذي حدد له شهراً ثم تراجع وتولت وزارة الدفاع ظاهرياً وضع جدول زمني له بطريقة تبقيه فعلاً ، وكانت أهم وسائل الضغط عليه استقالة وزراءه أو مستشاريه لعدم تقيده بما أعلنه وهذه الاستقالات تحمل ضمناً تهديداً للرئيس بالإقالة لأن تراكم الاستقالات مع وجود آراء سلبية جداً بالرئيس يمهد لعزله دستورياً وهو ما عرفه ترامب كما أن الاعلام يمارس دوراً فعالاً في الضغط عليه لإجباره على التراجع عن مواقف معينة ، ولذلك كان سريع التراجع حرصاً على بقاءه رئيساً .
3- عندما يريد الرئيس إجبار الكونغرس يستطيع إذا كانت لأمريكا مصالح مادية أو استراتيجية في ذلك ، مثلاً ، عندما عقد رونالد ريجن في الثمانينيات صفقة الأيواكس مع السعودية اعترض الكونغرس بغالبيته الساحقة ووقف اللوبي الصهيوني ضدها ، وهكذا وجد ريجن أنه في مواجهة الكونغرس واللوبي الصهيوني والاعلام الفعال جداً ولكنه أدرك أن الجهة المتحكمة في القرار النهائي تريد للصفقة أن تمر لأنها تفيد أمريكا وهي تحتاج لذلك المال بشدة فقرر تحدي الكونغرس وأعطاه مهلة يومين للتراجع وإلا سيستخدم صلاحيته لإمرار الصفقة ، وقبل انتهاء المدة وافق الكونغرس والاعلام واللوبي الصهيوني وكل اللوبيات الأخرى ! ، والسبب هو أن لأمريكا مصلحة في المال وقتها .
4- وعلى العكس من مثال ريجن فإننا الآن نشهد كيفية سيطرة الكونغرس على الرئيس ومنعه من مواصلة سياسات معينة مع روسيا ، فبالرغم من صلة ترامب القوية بروسيا وببوتين ورغبته الواضحة جداً في تعزيز العلاقات إلا أن الكونغرس يعارض ذلك بشدة وهو ما دفع ترامب لعدم تجديد اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ النووية المتوسطة المدى رغماً عنه وعن رغباته المعلنة ، وسبب عجز الرئيس عن فعل ما فعله ريجن هو أن العلاقات مع روسيا في وضعها الحالي لا تخدم أمريكا فتفوق روسيا استراتيجياً على أمريكا في التسلح وفي كسب المواقع ، مثلا في سوريا إذا استمر سوف يقلص الدور الأمريكي بصورة خطيرة وهذا تهديد مباشر لما يسمى المصالح الاستراتيجية الأمريكية ، ولهذا كان يجب منع ذلك أو عرقلته ، ومن اتخذ القرار ليس الكونغرس بل نفس الجهة التي دعمت ريجن ضد الكونغرس ومكنته من إمرار صفقة الأيواكس وهي الجهة المالكة للمال والممولة للاعلام وللحملات الانتخابية والتي تضمن فوز الرئيس وأعضاء الكونغرس وحكام الولايات ... الخ .
5- هنا نصل إلى جوهر الموضوع وهو ، هل يستطيع ترامب تغيير السياسة الأمريكية تجاة الأمة العربية عموماً والعراق خصوصاً ؟ ، الجواب الواضح كل الوضوح هو التالي : إذا كانت الجهة التي أقرت استراتيجة تمكين إسرائيل الغربية من التفوق التام على العرب لإجبارهم على الاعتراف بها وأقرت استخدام إسرائيل الشرقية كوكيل تنفيذي لتلك الاستراتيجية في الإقليم كله تريد تغيير السياسة الحالية فيمكن لترامب القيام بذلك ، ولكن ماذا إذا كانت نفس الجهة التي تبنت خطة تقسيم الأقطار العربية وتسييد الإسرائيليتين وتركيا عليها مازالت تريد مواصلة تنفيذ تلك الخطة ؟ ، هل يستطيع ترامب تغيرها ؟ ، الجواب هو أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر قرار أمريكي رسمي بتغيير سياستها تجاه العراق مثلما لم يصدر عنها إلا ما يؤكد تعاظم دعمها لإسرائيل الغربية وخطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس الآن والإعداد للموافقة الأمريكية على ضم الجولان لإسرائيل الغربية وإجبار حكام عرب على التطبيع مع الكيان الصهيوني علناً بعض الشواهد التي تؤكد ذلك .
وتنفذ إدارة ترامب خطوات خطيرة تمكن الصهاينة من إكمال أهدافهم ليس في غزو كل فلسطين فقط وإنما وهذا هو الأهم السيطرة على ما بين الفرات والنيل ( أرضك يا إسرائيل بين الفرات والنيل ) .
أما إسرائيل الشرقية فإن الموقف الأمريكي منها واضح وهو ما أجبر ترامب على لحس مواقفه النارية وإعلاناته المتكررة بأن نظام الملالي سوف يزول قريباً وتأكيده يوم الأحد 3-2-2019 بأن وجوده في العراق مستمر ولن تنسحب أمريكا منه وستجعل قواعدها فيه لتراقب إسرائيل الشرقية وأكد أنه لن يضربها مستبعداً كل ما روج للتضليل والخداع منذ سنوات .
6- سياسة ( الاحتواء المزدوج ) مازالت معتمدة بدليل أن الموقف من إسرائيل الشرقية لم يتغير : لا إسقاط للنظام الإيراني بل احتواءه بتغيير سلوكه عن طريق الضغط عليه بوسائل اقتصادية وسياسية وبالترهيب العسكري دون شن الحرب وهذا تأكيد لثبات الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل الشرقية .
ما يجري الآن هدفه المعلن رسمياً من قبل أمريكا هو إحكام سيطرتها على العراق وعلى دول المنطقة التي تريدها وهو ما يؤكده ترامب وغيره وما إعادة نشر القوات إلا خطوة على هذا الطريق ، والسبب المعلن هو ضرورة تحويله إلى مركز متقدم لخوض الصراع الاستراتيجي الأخطر مع روسيا والصين خلال السنوات القادمة فنحن العرب مازلنا وسط نفس الطريق الذي اختاره الاستعمار البريطاني لنهب توابل الهند والآن نحن وسط طريق الحرير الصيني الجديد ووسط خطوط نقل الطاقة الروسية وغيرها .
والدقة تقتضي تأكيد أنه يريد تقليم أظافر إسرائيل الشرقية في العراق والمنطقة لتسريع الهيمنة الأمريكية بلا منازع ، وهذا الهدف مرحب به من العراقيين لأنه يخفف من كوارثهم الخطيرة رغم أنه لا يحقق أهداف الشعب الرئيسة .
إذاً : هل يستطيع الرئيس الأمريكي فرض ما يريد وفقا لصلاحياته الدستورية ؟ ، نظرياً نعم ولكن عملياً كلا ، فمخابرات أمريكا هي التي اغتالت كندي عندما أراد التغيير خلافاً للخطط المعدة له مسبقاً كي ينفذها ، وهي التي أحرقت نيكسون وأجبرته على الاستقالة عندما أنهى حرب فيتنام رغم أنها كانت تريد استمرارها ، وهي التي ضبطت كلنتون بفضيجة مونيكا لوينسكي عندما أراد الخروج على النص ، وهي الآن تضع ترامب بين مطرقة المحقق الخاص مولر وسندان الاعلام والكونغرس لمنع ميوله من الاستمرار .
وأخيراً وليس آخراً الضرورة تقتضي التذكير بأن من أهم أهداف أمريكا إقامة نظام إقليمي يضم الإسرائيليتين وتركيا وتوابع عربية بقيادة أمريكا وهذا يفرض تغييرات داخل إسرائيل الشرقية بدون حرب عسكرية وتقييد توسعها الاقليمي أو إنهاءه وحسب الأقطار ، ولهذا تراجع ترامب عن تهديداته النارية ووعيده بإسقاط النظام الإيراني بالقوة وقام بأكبر مناورات عسكرية منذ غزو العراق من أجل الإيهام بأنه مقدم على شن حرب على إسرائيل الشرقية ! ، وأعاد فرض نظام العقوبات والذي وصفه بأنه الأقسى في التاريخ مع أنه مخرم ويسمح لإسرائيل الشرقية بالتجارة مع عدة دول واستثنى أربعة دول تكفي لتحييد الآثار التدميرية للعقوبات بعكس العقوبات التي فرضت على العراق وكانت بلا حتى خرم واحد ! .
ترامب مدير تنفيذي وليس قائد تغيير وهذا هو مفتاح فهم أمريكا ومواقفها بصورة صحيحة وهو ما يجنب كل مخلص من الوقوع في فخ التضليل المتعمد بالقول بأن ترامب سوف يغير .
Almukhtar44@gmail.com
14-2-2019
* اتفاقية الجنتلمان ، هي اتفاقية شفهية تتم بين من يرشح للرئاسة أو الكونعرس أو حاكماً لولاية أو غيرها وبموجبها يتقيد المرشح بتنفيذ ما يطلبه من رشحه وهم أصحاب المال بعد توليه المسؤولية .
Comments