top of page

الرفيق المجاهد صلاح المختار - فرصونيا


فرصونيا



أتابع ما يقال عن مؤتمر واشنطن كما تابعت ما قيل ويقال عن مؤتمر مشيجن ، والمتابعة الهادئة خير وسيلة لكشف الأسباب التي تجعل أمراً ما موضع صخب وجدل تخترقه أساليب نابية ومستهجنة مثلما يسمح بالتقرب العملي من العمل المطلوب ، فنحن نتعامل مع مصير ملايين العراقيين والعرب الذين يواجهون الموت الزؤام في كل دقيقة ، ولهذا فما يقال يجب أن يكون مقيداً بمستلزمات الواجب الوطني العراقي والالتزام القومي العربي .

ولذلك يجب أن أسجل ملاحظاتي حول الموضوع :


1- ( السياسة فن الممكن ) هذه قاعدة بداهة معروفة في كل العالم والفن هنا هو أنك يجب أن تعرف كيف تلتقط من غابة الأشجار الكثيفة الثمرة المطلوبة والتي تحتاجها من بين آلاف الثمرات المتشابهة ولا تخلط بينها كي لا تموت جوعاً وبدون التعرض لسموم موجودة في بعض الثمار ، والنجاح في هذه الحالة يتوقف على الخبرة فحتى الببغاء في الجو تعرف الدواء عندما تمرض وتذهب إليه وتلتقطه بدقة فتشفى فكيف عندما يكون على البشر معالجة كوارث طاحنة لم تبقي إلا الخراب والمقابر ؟ ، هل يجوز للبشر وهو يواجه كوارث هائلة أن يكتفي بالتفرج وانتظار معجزة تأتيه من دون عمل ؟ ، وهل يجوز في أجواء كوارث مصطنعة مثل حالتنا في الوطن العربي كله خصوصاً في بؤر الدم والدموع العراقية والسورية واليمنية والليبية والأحوازية توقع معجزات خارقة بدون عمل ومبادرة ؟ ، الجواب الوحيد هو كلا ، فعلى الإنسان مثل باقي مخلوقات الله الأقل ذكاء منه الببغاء أن يعرف أين يعثر على الدواء فيذهب إلى مكمنه بلا تردد مع الحرص الشديد على الانتباه لعدم ارتكاب خطأ التقاط الثمرة السامة وهنا تظهر خبرة ومبدئية الإنسان .


2- وقلنا منذ الشهور الأولى للغزو بأننا لا نرفض الحل السلمي سواء كان كاملاً أو خطوة على طريق الأفضل مادام ذلك يقلص من معاناة شعبنا ولا يجبرنا على التنازل عن الثوابت الوطنية والقومية ، وهذا ما فعلناه طوال 15 عاماً فشاركنا في مبادرات ومؤتمرات ، واتفقنا واختلفنا من منطلق استراتيجيتنا القطرية المؤطرة باستراتيجيتنا القومية .

وفي كل مشاركاتنا وحواراتنا كنا نبحث عن حل لكوارث العراق والأمة مع التمسك بمبدأين : المبدأ الاول ، هو التمييز بين الحل الجذري وهو طموحنا والحل المرحلي وهو خطوة على طريق الحل الجذري تخفف من المخاطر والمعاناة وتوفر البيئة المناسبة لخطوات أفضل نحو الحل الجذري بعد أن يتمتع الشعب وقواه الوطنية بنوع من الانفراج ، واستناداً لذلك فاننا كنا نطالب برفع الاجتثاث وإلغاء كل قوانين التقييد والاضطهاد المادي والمعنوي والطائفي ونضع شروطنا وفقا لذلك فنوافق أو نرفض تبعا لها ، وفي عام 2014 برز خيار آخر إلى جانب المقاومة المسلحة في حل أزمة العراق بعد أن انكشفت كل جوانب العملية السياسية الفاسدة والمفسدة والتي لا أمل فيها ولا حل ينتظر منها فطرح حزب البعث العربي الاشتراكي المشروع الشامل لحل مشكلة العراق وفيه اقترح عقد مؤتمر دولي للمصالحة الشاملة بشروط واضحة وأبرزها تجاوز ما ترتب على الاحتلال وإلغاء قوانينه الجائرة وبضمانات دولية واضحة رغم قناعتنا بأن أكثر الأطراف رأت فيه إنهاء لدورها التخريبي فرفضته ، لم نترك الفرصة تمر على الأقل للوصول للمزيد من الكشف لجهات كثيرة .

وهذه المطالبة لم تكن هي الحل النهائي بل كانت خطوة على طريقه فحينما يعود ملايين الناس لوطنهم ولبيوتهم ولوظائفهم وتتوقف عمليات الاعدامات والاعتقالات والتعذيب ويسود القانون كلاً أو جزء فإن نوعية التفكير تتغيير حول الأهداف وكيفية الوصول إليها .


3- الآن ثمة تتوفر فرصة ربما يؤدي اغتنامها إلى ازاحة جزء من الاحتلال الإيراني للعراق وهو المرجح ، أو كله وهو الاحتمال الضعيف ، بواسطة من جاء به وهي أمريكا ، فقد تغيرت المرحلة بعد أن حققت إسرائيل الشرقية أهم ما في دورها المرسوم لها في تدمير العراق دولة وإحداث شروخ في مجتمعنا وإضعاف الهوية الوطنية لصالح الهويات الفرعية خصوصاً الطائفية والعنصرية ، فحان وقت قطف أمريكا ثمار عمل نظام الملالي والعودة الرسمية للإمساك بالعراق كثمن لما قدمته من خسائر بشرية هائلة ومادية لا يمكن لأمريكا أن تتخلى عنها أبداً لصالح إسرائيل الشرقية ، وهنا تبرز إمكانية ربما تكون قابلة للتحقق للتنفس براحة إذا أُزيحت إسرائيل الشرقية ولو جزئياً برفع الاجتثاث وإيقاف تفريس العراق ومنح العراقيين حقوقهم .

هل يوجد عراقي عاقل معذب يرفض عودته للعراق بعد تهجير قسري ؟ ، وهل يوجد عراقي واحد يرفض إنهاء العزل السياسي والحرمان المادي بالفصل من الوظيفة ؟ ، وهل يوجد عراقي لديه ولو حد أدنى من الخبرة يرفض بديلاً سياسياً فيه نوع من الأمن والاستقرار والتخلص حالة الإرهاب الدموي وسيادة الميليشيات ؟ ، الجواب كلا ، فنحن البعثيون مثل كل القوى الوطنية عشنا تحت ظل مختلف الأنظمة ومارسنا دورنا بالمشاركة فيها أحياناً مثلما حصل في عهد قاسم قبل ردته حيث كنا طرفاً حكومياً في أول حكومة بعد إسقاط النظام الملكي ، وتحولنا للنضال ضده في مجتمع مستقر وهادئ فيه ضوابط ولو نسبية ومحدودة في التعامل مع البشر مقارنة بحالتنا في ظل الاحتلال الإيراني الذي جعل قاسم سليماني وعصاباته تتحكم بالعراقيين وفقاً لأحقاد متطرفة فمارست القتل والاغتصاب والتهجير للملايين .


4- إذا أخذنا كل ذلك بنظر الاعتبار يصبح تعاملنا مع فرصة بروز امكانية حل جزئي ومرحلي متمثلة في توجه أمريكا للإمساك بنفسها مباشرة بالعراق وفرض نوع من الاستقرار الذي تحتاجه الشركات الأمريكية للعمل في العراق وليس حبا بالشعب العراقي ، فكما أن النظام السياسي في أمريكا يحترم قوانينه الخاصة بحقوق الأمريكيين من أجل أن تعمل الشركات في بيئة مناسبة من الاستقرار والأمن فإن أمريكا تتجه الآن كما يبدو لفرض نوع من الاستقرار الخادم لمصالحها الاستراتيجية وهي كلها تتمحور حول الاستثمار الرأسمالي ، وطبعاً هذا لن يتحقق إلا بإنهاء ظاهرة ازدواجية التأثير في العراق وانفراد أمريكا بالدور الحاسم بينما تبقى إسرائيل الشرقية محددة بمتطلبات المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة كلها .

هل توجد ازدواجية تأثير ونفوذ في العراق ؟ ، الجواب البسيط والواضح أيضاً هو نعم ، فما إن كلفت أمريكا إسرائيل الشرقية في عام 2011 بإكمال أهداف غزو العراق وانسحبت عسكرياً وبقيت أمنياً حتى شرعت إسرائيل الشرقية بالعمل على تجذير نفوذها وتحويله إلى احتلال كامل ليكون في فترة ما أقوى من التغلغل الأمريكي لكن أمريكا ليست كما قلنا مراراً ، ليست جمعية خيرية تقدم لنظام الملالي فائدة بلا ثمن فأخذت تعمل على فرض سيطرتها الكاملة على العراق تدريجياً وبهدوء وإ نهاء الازدواجية.

5- من يريد أن يفهم موقفنا من مؤتمر مشيجن ومؤتمر واشنطن عليه أخذ كل ما سبق بنظر الاعتبار ، فهما فرص قد تثمر وقد لا تثمر والاثمار هنا نسبي وما نقصده تحديداً هو أننا إذا نجحنا في إلغاء اجتثاث البعث وأنهينا القوانين الجائرة سواء تلك التي فرضتها أمريكا بعد الاحتلال أو التي فرضها قاسم سليماني خصوصاً عودة الملايين لوظائفهم وتوفير ضمانات بالأمن والأمان والاستقرار وإيقاف عملية التغييرات السكانية سواء جذرياً أو جزئياً فإننا نحقق خطوة مهمة إلى أمام على طريق إنقاذ العراق وشعبه .

فما الضير في ذلك ؟ ، نحن لن نقدم نتازلات لسبب بسيط جداً وواضح وهو أن من يقدم تنازلات هو من يريد الحكم أو المشاركة فيه ونحن قلنا على لسان الرفيق الأمين العام للحزب ، عزة إبراهيم ، بأننا ( لا نريد السلطة ونضعها تحت أقدامنا ) وكل ما نريده هو إنهاء الحالة الشاذة أو على الأقل التخفيف منها كمرحلة انتقالية لابد منها .

فإذا نتج عن مؤتمر واشنطن موقف إيجابي تجاه العراق حتى ولو بحدود دنيا وهي التي حددناها فمرحباً بذلك وإن لم يثمر فإنه مثل كل الحوارات والمؤتمرات السابقة يدخل تاريخ ما حصل بدون نتيجة ملموسة إلا زيادة مساحة الوعي بمشروعية إنقاذ العراق وضرورته القصوى .


6- إننا في حزب البعث العربي الاشتراكي لدينا آراء وملاحظات سلبية كثيرة ونختلف فيما بيننا داخل حول الكثير من الأمور ولكننا عندما نصل لرأي تقرره الأغلبية نلتزم جميعاً بلا إبطاء وننفذه بدقة ، وهذا أحد أهم أركان الديمقراطية بمختلف أشكالها ، فنحن لسنا فرداً يقول ما يشاء ويعمل ما يريد بقرار فردي بل نحن حزب ثوري فيه آلاف الناس ومئات الكوادر وآلاف المناضلين ومن حق كل واحد أن يكون له رأي ولكن ولكي يعمل الحزب بنجاح يجب أن يكون رأي الجماعة وليس الفرد هو الحاكم في النهاية ، وهذه القاعدة هي الضامن الرئيس لتهذيب السلوك الإنساني وضبطه وإطفاء النزوات والنزعات الفردية وسد نواقص التفكير .

ما نتوقعه من كل عراقي حريص على إنقاذ العراق أن لا يضيع أي فرصة تتاح لإنقاذه سواء بحل الحد الأعلى وهو مطلبنا الأساس ، أو بحل الحد الأدنى الذي يخفف معاناة العراقيين وهو مطلب الناس العاديين ، أما إذا ثبت بأن تلك الفرصة كانت سرابا فالعمل يستمر للوصول إلى نهاية النفق المظلم لنرى النور وهو إنقاذ العراق دون فقدان الفرص وهذا هو ما فعله الثوار والمناضلين في العالم ماضياً وحاضراً .

Almukhtar44@gmail.com

6-3-2019

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page