الرفيق المجاهد صلاح المختار - ما الذي يجري في العالم ؟
- مفكر قومي
- Mar 9, 2019
- 6 min read

ما الذي يجري في العالم ؟
في شهادته أمام الكونغرس قال المبعوث الأمريكي إلى فنزويلا " اليوت ابرامز " يوم 7-3-2019 : إن أمريكا لن تلجأ للخيار العسكري ولكنها ستواصل الضغط على الرئيس الشرعي مادورا حتى يسقط .. وقبلها رأينا " ترامب " يؤكد بوضوح إنه لا يريد إسقاط النظام الإيراني بل مراقبته والضغط عليه ليغير سلوكه ، ورأينا أمريكا تغير قواعد لعبتها مع كوريا الشمالية ونرى غزل غير عذري ، وفي الخليج العربي وبعد انقلاب الحوثي المهندَس إيرانياً وغربياً رأينا الأمم المتحدة وعبر مبعوثيها تتعمد منع الحل بعدم السماح بإكمال المفاوضات من خلال الانحياز تارات للحوثي وتارة لحكومة هادي والشعب العربي اليمني يزداد معاناة وفقراً وكوارثاً ، ورأينا السعودية والإمارات تغرقان في بحر الاستنزاف القاتل وتزداد أعواد الثقاب انتشاراً حول آبار النفط ليشتعل الخليج العربي كله بمجرد إشعال عود ثقاب واحد ! .
أما إسرائيل الشرقية فتزداد تفككاً داخلياً بسبب عبودية ولاية الفقيه أكثر مما مضى فترى ملايين الإيرانيين يفقدون كل بوصلة ويتجهون للمجهول ، وفي السودان وبعد أن قدمت كل التنازلات لأمريكا والغرب وفصل الجنوب نرى الأمور تدخل منعطفاً حاسماً وهو الانفلات الشامل والذي سيؤدي في حالة ضعف أو تشرذم القيادة البديلة إلى إكمال مخطط تقسيم السودان ، ونرى الجزائر تلحق بتونس فتشتعل براكين كانت خامدة ولا أحد يعرف متى سيطلق سباق الانفلات لتجر الجزائر رغماً عن قواها الوطنية إلى مناطق القتل الجماعي للدولة والمجتمع إذا لم تتوفر القيادة الموحدة والمنسجمة ، وفي سوريا تمنع أمريكا الحل وتشاركها الإسرائيليتان الغربية والشرقية في منعه كل من منطقة حثه الغريزي .
إكمالاً للصورة نرى داعش حياً وميتاً في آن واحد ليكون الرافعة لتقسيم سوريا والعراق واستعمارهما بعد التقسيم من قبل كل هذه الأطراف ، فما الذي يجري ؟ ، وماذا تريد أمريكا من العالم ؟ ، ومن أجبرها أولاً على ترك الأسلوب العسكري والاكتفاء بتطبيق ما نراه الآن من أساليب كلها تتمحور حول نشر التفتيت عبر فوضى تستمر ويمنع إيقافها فتنهار الدول بعد أن تفشل عمداً ، ويصاب بالخيبة المريرة أصحاب النوايا الطيبة الذين هتفوا بحماس حقيقي ( نريد إسقاط النظام ) ؟ ، وهو ما رأيناه في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا ونراه الآن في السودان والجزائر .
قبل كل شيء ، يجب أن نؤكد على حقيقة واضحة الآن وهي أن اللحظة المفصلية التي غيرت فيها أمريكا أساليبها في محاولة فرض نظامها العالمي الجديد الذي تريد إقامته هي لحظة المقاومة العراقية التي جرّت أمريكا إلى مستنقع مميت لم يترك لها أي خيار سوى تغيير طرق تنفيذ خطتها الأعظم وهي السيطرة على دول العالم التي قررت استعمارها ، فلقد توصل جنرالات أمريكا وقبل غيرهم إلى قناعة قوية تقول أن البقاء في العراق والمقاومة تنتصر بصورة مذهلة رغم كل الوحشية الأمريكية سوف يكون مقبرة ليس لأحلام إقامة نظام عالمي تتربع أمريكا وحدها على عرشه بل الأخطر أنه سيكون مقتل أمريكا كدولة بذاتها لأنها اقتربت من حافة الانهيار الكامل بوصول الدين العام إلى ما فوق الواحد والعشرين تريليون دولار ، انسحبت أمريكا عسكرياً من العراق وبقيت أمنياً مضطرة نتيجة الاستنزاف البشري والمادي الذي ألحقته المقاومة العراقية بها ، فتعلمت الدرس العراقي الأعظم : الضرورة القصوى لاستبدال الاحتلال المباشر بالاحتلال غير المباشر ، فكيف تقوم أمريكا بالاحتلال غير المباشر وتتجنب دفع الثمن المميت الذي أجبرتها المقاومة العراقية على دفعه ؟ .
1- بدل التدخل المباشر يجب استخدام كل الوسائل المتاحة خصوصاً سياسة ( فرق تسد ) البريطانية الأصل لتفتيت الدولة والمجتمع وإن كان بطريقة أمريكية جهنمية تعتمد على إحياء علاقات ما قبل الوطنية .
2- ولكي تحقق ما سبق يجب تدمير الدولة وكلما كانت الدولة قوية تزداد ضرورة تدميرها خصوصاً تدمير القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي لأن ذلك هو البلدوزر الذي يعد طرق ظهور الميليشيات وهيمنة التشرذم فتتحول الدولة إلى دول يتحكم فيها أمّي أو نصف أمّي أو مثقف لكنه إما مخبول أو مصاب بعقدة التذلل من أجل رفعه ولو فوق تلال نفايات بشرية مقززة ، والعراق المحتل يقدم صورة واضحة عن ذلك .
3- وعندما تضيع البوصلة الوطنية وتحل محلها البوصلات الطائفية والإثنية والمناطقية والأيديولوجية ... الخ تضعف الدولة وقوتها الرادعة ممثلة بقواتها المسلحة تنشر أمريكا ( كتائب طوارئ ) أعدتها سلفاً في معاهد ( الديمقراطية وحقوق الإنسان ) وعلمتها كيف تسقط الأنظمة بطرق سلمية ، فقد انتشرت الفوضى وصارت القوات المسلحة حائرة أو مفككة وفي فترات سابقة تم تجنيد جنرالات فيها يمارسون دور المحيّد لها بعدم تنفيذ أوامر الرئيس كما حصل في مصر أثناء الانتفاضة ضد نظام مبارك .
ونرى أمثال " وائل غنيم " الذين أعدتهم المخابرات الأمريكية والإسرائيلية يتصدرون المشهد ويركز الغرب إعلامياً عليهم ويصورهم كقادة ( لثورات ) الشعوب تماماً مثلما فعل الغرب بالتركيز على إبراز خميني وحجب الأضواء عن ثوار إيران الحقيقيين ضد الشاه ، فتسيّر الملايين الغاضبة بحق وصدق خلف هؤلاء وليس خلف القوى الوطنية والتقدمية التي سبق وإن أُضعفت أو حُيدّت بزرع الانشقاقات في صفوفها أو بفرض قادة فاسدين أو مجندين على مفاصل حيوية منها وهو ما حصل تدريجياً منذ عقود ، ولهذا وبسبب فشل القوى التقدمية والوطنية بالسيطرة العملية على مسار الانتفاضة العفوية خصوصاً في مرحلة الحسم فإن أمثال " وائل غنيم " هم من يحددون مساراتها بتوجيه مخابراتي فتجد الانتفاضة نفسها دخلت طريقاً مظلماً وأزقته مستنقعات تعج بالوحوش المدربة على الاغتيالات وحرق المدن وتهجير الملايين .
4- وما إن تصل الانتفاضة إلى حد إسقاط الرئيس كما حصل لحسني مبارك ولبن علي والشهيدين معمر القذافي وعلي عبد الله صالح حتى نرى الجماهير تنكمش وتتراجع فقد سقط الرئيس وحان وقت التغيير ولكن التغيير الوحيد الذي رايناه في ربيع بني صهيوني هو انهيار الدولة التام كما حصل في اليمن وليبيا وسوريا أو الانهيار التدريجي والمخطط كما حصل ويحصل في مصر والسودان وتونس .
أما الجزائر ، فقد شهدت إرهاباً دموياً مخططا له في التسعينيات أحرق المستقبل المتوقع للجزائر بصفتها الأكثر قدرة على التحول إلى رافعة نهضة وتقدم المغرب العربي ، ومكملة نهضة المشرق العربي التي كان العراق رافعتها الأساسية ، ثم تنفيذ خطة أخرى لاحقاً تكمل عملية تدمير الدولة والمجتمع الجزائريين ، فهل ما يجري الآن فيها هو ذلك المخطط ؟ ، أم أن القوى الوطنية قادرة على ضبط مسار الأحداث ؟ .
والانهيار التدريجي وظيفته إكمال متطلبات تدمير المجتمع ، ولذلك فإن الطبخ على نار هادئة لإنضاج الوليمة ضروري وهو ما نراه خصوصاً في مصر والجزائر ودول الخليج العربي والعامل الأكثر تأثيراً في إنضاج الطبخ على نار هادئة هو زيادة الفساد والفقر والأمية والتمايزات الإثنية والطائفية واحتكار السلطة .
5- وعندما تقود نخب لاهوية سياسية واضحة لها وتكوينها الثقافي فقير اكتسبته أساساً من الانترنيت وهذه الثقافة تدمر الوعي الفردي الرصين والوعي الثوري في آن واحد وتنجب نغلاً غريباً هو الوعي الآني المتعلق بقضايا تشغل الإنسان عن قضاياه الحقيقية مثل الفقر والأمية والتمييز والنهب الغربي فتجعله أسيراً لمشاكل الفضاء الكوني وللأمراض الجديدة وللشذوذ الجنسي والترويج لزنا المحارم ، وتغليب التفاهة في الفن والأدب والسياسة وكل مجال ، والتبسيط المهين للعقل الإنساني خصوصاً في فتاوى ( علماء ) الدين وهي فتاوى تصنعها المخابرات قبل إطلاقها لزيادة الفوضى والاضطراب النفسيين والفكريين وفقدان أي بوصلة بينما الثقافة الوطنية والثورية تهتم أولاً وقبل كل شيء بكشف المظالم التي يتعرض لها الإنسان وتناضل من أجل إزالتها .
6- بعد أن يقع كل ذلك ماذا نرى ؟ ، نرى تطبيقاً واضحاً لما أسمته " كوندليزا رايز " وزيرة خارجية أمريكا ( الفوضى الخلاقة ) وهي خلاقة لأنها تخلق العوامل المفقودة التي يضمن توفرها انهيار الدولة الممهد الحتمي لانهيار المجتمع بقيمه العليا وبهوية الشعب ، أنها فوضى هلاكة من وجهة نظرنا وهي أيضاً فوضى خلاقة من وجهة نظر من حفر لنا مقابرنا الجماعية كشعب وكهوية وكأمة .
واعترفت رايز بعد تركها وزارة الخارجية بأن أمريكا لم تكن تفكر أصلاً بنشر الديمقراطية عندما قررت إسقاط الأنظمة العربية وإنما كان الهدف الحقيقي هو نشر ( الفوضى الخلاقة ) تمهيداً للسيطرة على المنطقة بعد تفتيتها الشامل .
7- ما أن نرى انتفاضة شعبية عارمة تهتف فيها الجماهير ضد نظام فاسد في ظل غياب أو وقتية القيادة الموحدة للقوى التقدمية والتي نراها إما على الهامش أو أنها جزء التحق بالانتفاضة دون أن يخطط لها أو أنه خطط لها لكن قدرات الغرب والصهيونية المخابراتية والمالية والاعلامية جعلت بإمكان من دربتهم المخابرات المعادية قادرين على خطف القيادة ، ما أن يحصل ذلك فإن أهم خطوة تتخذ هي إبعاد القوى الوطنية عن المشهد وصعود آخرين من العسكر أو ممن سبق تجنيدهم غربياً وصهيونياً للحكم ، وهذا ما يجب الانتباه إليه في السودان والجزائر الآن .
8- ويستمر المخطط في إكمال خطواته ، فليس مسموحاً لأي نظام عربي ومهما كانت هويته بأن ينهض ويتمكن من اجتياز حواجز التخلف والأمية والفقر والفساد والاستبداد لأن ذلك يفضي حتماً لانتهاء العصرين الصهيوني والأمريكي وتنهار أحلام الصقور في العالم ، وبما أن رغبات التغيير ضعيفة لأنها أحلام وتعتمد العفوية وليس التخطيط الاستراتيجي فإنها تنهار قبل أحلام الصقور المبنية على التخطيط التفصيلي المسبق فتتلقف السلطة فئات معدة سلفاً أو تستمر الفوضى لتقسم الدولة .
ما يجري في فنزويلا وسوريا واليمن والعراق والجزائر والسودان وليبيا وكوريا وإسرائيل الشرقية وفي الاتحاد الأوربي – الاتحاد يتفتت بتخطيط أمريكي – وروسيا والصين وغيرها ما هو إلا نتاج صراع مخابراتي والمؤثر الرئيس فيه هو المخابرات الأمريكية وليس ترامب الذي لا يعرف مما يجري إلا الجزء الطافي منه فقط ، الآن وأكثر مما مضى بكثير علينا أن ننظر للمستقبل خارج القفص الذي وضعه الغرب والصهيونية والفرس لنا بتلك الخطط لنبقى فيه بأحلامنا وتطلعاتنا ولا يبقى لدينا من خيار سوى الاستسلام النهائي لمن خطط باحكام استعمارنـا .
Almukhtar44@gmail.com
8-3-2019
Comments