الرفيق المجاهد صلاح المختار - البعث ، الاشتراكية ، الإسلام وأساليب النضال 2
- مفكر سياسي
- Jan 31, 2018
- 6 min read

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نهضت المخابرات الغربية كلها خصوصاً الأمريكية والبريطانية لتنفذ حملات تشويش أيديولوجي محورها التشكيك بالاشتراكية عموماً إستناداً إلى التجربة السوفيتية خصوصاً نماذجها المشوهة للاشتراكية التي قمعت المبادرة الإبداعية ، وهي مصدر تفوق الرأسمالية ، وحولت الإنسان إلى قط سمين شبعان البطن لكنه فقير الروح وجائع للحرية ، وكانت الأطروحة الرئيسة تقول بأن سقوط الاتحاد السوفيتي يؤكد فشل الاشتراكية على وجه الاطلاق ، وطرحت الليبرالية خصوصاً الاقتصادية بديلاً عن الاشتراكية ، وروجت فكرة خاطئة تقول بأن العالم وقع في قبضة أمريكا وأن على العالم أجمع الاستسلام لها ولنظامها العالمي المنفرد القطبية – نظام لم يقم حتى الآن - لأن مقاومتها عبث غير مجد . بل ان الامريكي فرانسيس فوكوياما لفق نظرية كاملة وضمنها في كتابه ( نهايةُ التّارِيخ والإِنسانُ الأخير ) في 1989 ، وأُطْروحَتهُ الأساسيَّة تقول ( أن الديمقراطيَّة الليبراليَّة بقِيَمها عن الحرية الفردية ومبادئ الليبرالية الاقتصادية ، تُشَكِّلُ مرحلة نهاية الصراع العالمي والتطور الأيديولوجي للإنسان فتكاملت شروط عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية ) .
وظهرت نظرية ( صِدام الحضارات ) The Clash of Civilizations لصموئيل هنتنجتون والتي قالت أن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية ، بل ستكون الاختلافات الثقافية هي القوة المحركة الرئيسة للنزاعات بين البشر وطبعاً فإن الثقافات يقصد بها منابعها القومية والدينية والتاريخية ، تلك كانت مقدمات لحروب أيديولوجية طاحنة ضد الاشتراكية والتحرر ، وبطبيعة الحال كانت نظرية بريجنسكي الخاصة بتسخير الدين لتدمير الشيوعية والحركات التحررية القومية هي الأطار العام لتحريك الصراعات منذ الثمانينيات .
أما على المستوى الاستراتيجي فقد دعمت الحرب الأيديولوجية تلك بسياسات أبرزها سياسة ( الاحتواء المزدوج ) Dual containment لمارتن أنديك الإسرائيلي الأمريكي لأجل احتواء العراق و( إيران ) وألفت كراساً حللها ونقدها بالتفصيل ونشر مما دفع وزراة الخارجية الإيرانية لدعوتي لإلقاء محاضرة حولها في طهران في نهاية عام 1995 وبالفعل ألقيتها في طهران وركزت وقتها على فكرة جوهرية فيها أثبتت الأحداث اللاحقة كلها خصوصاً ما يجري الآن صحتها وهي أن سياسة الاحتواء المزدوج أكدت على ضرورة احتواء العراق بالقوة بينما ثبتت بلا غموض أن احتواء إيران يجب أن يتم بالوسائل السلمية فقط ولذلك أسميت بـ( سياسة الاحتواء التمايزي ) ، وبعدها كانت سياسة (محور الشر) . كل ذلك كان تمهيدا لغزو امريكي للعالم بشرط ان يبدا بالعراق لاسباب جيوبولتيكية وتاريخية .
رداً على تلك الأُطروحات قمت منذ بداية التسعينيات بنقد صارم لنظرية فوكوياما وأكدت أنها فقاعة ساذجة ومتهافتة وأنها سوف تنفجر في وقت قصير وهذا ما تحقق بالفعل حيث كان فوكوياما مجبراً على الاعتراف بخطأها وفشلها رغم أنها تحولت إلى بدعة جعلت حتى بعض الرفاق في الحزب وقتها يقعون في فخ الموضة السائدة هذه وروجوا لفكرة ( ضرورة التكيف مع العصر الجديد وإعادة النظر في أيديولوجيا الحزب ومنطلقاته ) خصوصاً الاشتراكية ووصل الحال بحزبيين إلى ( الدعوة للتكيف مع العصر الأمريكي وعدم مقاومته ) !!! ، وقمت أيضاً بنقد شامل لنظرية صِدام الحضارات في المجلة الفصلية ( شؤون سياسية ) والتي كنت رئيساً لتحريرها .
والآن ، وبعد أن رأينا أن المقدمات الأيديولوجية تلك منذ نهاية السبعينيات وما يدعمها من استراتيجيات عامة لم تكن سوى تمهيد لما سيأتي وليس مجرد نظريات عائمة مما يجبرنا على الاقتناع بأن ما يطرح الآن من أفكار وآراء تتعلق بالعقيدة والاستراتيجية القومية للحزب من الصعب جداً اعتباره عابراً وعفوياً ولابد أن يكون له صله بما يعد للخطوات اللاحقة حتى لو كان بعض من يشاركون في طرح ذلك أنقياء الضمير والنوايا ، لهذا علينا التساؤل : كيف يعبر الآن ونحن في ذروة أسوأ كوارث العرب إطلاقاً عن نفس الأفكار المهزومة التي تشتق من الليبرالية الغربية ؟ .
1- يجب بداية لفت الانتباه إلى واحدة من أهم حقائق ما بعد انتهاء الحرب الباردة وهي أن هيمنة أمريكا وانفرادها لفترة ما بتحديد مسار أحداث العالم وصولاً لغزو العراق وتدميره وما كشف عنه من نزعات استبدادية كونية أمريكية اضطر كبار مفكري أمريكا وأوربا إلى وصفها بـ( الوحشية ) ووصف الرأسمالية التي تفرعنت بأنها ( الرأسمالية المتوحشة ) ، وهذا الوصف ينطبق على خادم الرأسمالية وهو الليبرالية .
ونحن في العراق ضحايا أمريكا نعرف معنى الرأسمالية المتوحشة لأنها عبرت عن جوهرها الذي كان مخفياً جزئياً أثناء الحرب الباردة لكنها كشفت عن الأوجه المبرقعة لمعاداتها للجنس البشري بصفتها أشد النظم في التاريخ وحشية ولا إنسانية واحتقاراً للبشر وسعياً وراء المال والمال فقط .
أما الليبرالية فكانت وظيفتها الأساسية تفتيت الضحايا داخلياً وكان فرضها على العراق يقصد به تفتيته وإعداده للتقسيم ليس إلا من خلال اجتثاث القوى الكبيرة الموحدة للشعب مثل البعث ومنع نشوء قوى كبيرة ودعم إنشاء كتل صغيرة تسمى في الغرب بـ( أحزاب الفرد الواحد ) وهي كفيلة بالإعداد لتقسيم الدولة بعد تقسيم المجتمع ومسخ الهوية .
ولهذا دعمت أمريكا وإسرائيل الشرقية إقامة أكثر من مائتي حزب !!! ، افتضاح الرأسمالية أكد بقوة حقيقة مناقضة وهي أن الاشتراكية هي البديل الأوحد لكافة النظم الاجتماعية والاقتصادية في العالم كله بحكم احترامها لكينونة الإنسان وقيامها على ضمان أمنه الاجتماعي الشامل للغذاء والطب والتعليم ... الخ ، فحينما توفر للإنسان تلك الضمانات فإنك تطلق طاقاته الخبيئة وتفجرها وتجعله إنساناً مبدعاً ( لا يترك للموت إلا العظام النخرة واللحم الجاف ) كما أكد القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق ، رحمه الله ، في كتابنا المرجعي الأهم ( في سبيل البعث ) .
الاشتراكية إذاً هي الحل الأوحد الناجح لأنها تحرر الاإسان من الحاجة وتجفف منابع الفساد والجريمة والانتهازية وتنهي العبودية المتخفية تحت عباءات القبيلة والطائفة والتدين الشكلي .
والاشتراكية التي نعنيها ليست الاشتراكية الأممية بل هي الاشتراكية القومية المعبرة عن خصوصية كل شعب وتميزها مياسم مشتركة بقت وازدهرت وقاومت رياح التدمير الأمريكية وأبرزها :
أ- احترام المعتقدات الدينية دون التحول إلى أداة دعوة دينية وإخضاع رجال الدين للدولة الوطنية ، لأن هزيمة الشيوعية السوفيتية كان أحد أهم أسبابها إلحاديتها فعزلت عن مئات الملايين من المؤمنين بالله ، وهذا يفرض فصل الاشتراكية عن أي مفهوم فلسفي يربطها بالإلحاد ويبقيها خياراً اجتماعياً .
ب- تجنب منع الملكية كلياً وإطلاق الملكية الخاصة والمبادرة الفردية لأنهما مصدر التنافس الإبداعي ولكن ضمن نظام يقوده القطاع الاشتراكي .
ج- بناء الاشتراكية في إطار قومي وليس أممي مادام البشر تميزهم هوياتهم القومية وتقاليدهم الخاصة .
اشتراكية من هذه ؟ ، إنها اشتراكية البعث ذات السمة القومية والخاصة بكل شعب وهي التي تزداد انتشاراً وتحظى بقبول شعبي ، نتيجة الظلم الفادح الذي لحق بالبشرية جمعاء بعد هيمنة الرأسمالية المتوحشة وارتكابها أبشع الجرائم في التاريخ البشري ، وهذا القبول ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم كله حيث نرى الآن تعاظم الحركة العالمية المناهضة للرأسمالية والداعية لإنهاء استغلالها البشع للإنسان وإقامة نظام عادل تضمن فيه الحقوق الأساسية للبشر خصوصاً السكن والصحة والغذاء والتعليم والمساواة القانونية وهذه هي أسس الاشتراكية القومية التي تبناها البعث ودافع عنها طوال سبعين عاماً وجاء الوقت الذي يؤكد فيه الناس حاجتهم إليها ونحن في العراق أكثر من يعرف معنى الاشتراكية وأهميتها الوجودية للحياة بعد أن حرمنا من دولة الخدمات العامة في زمن البعث والتي كانت تمهد لقيام نظام اشتراكي .
د- توفير الحرية للفرد والجماعات وممارسة حقوقهم الديمقراطية في إطار المصلحة الوطنية والقومية العليا ، فالحرية هنا ليست ليبرالية ومطلقة لحد التحلل الاجتماعي والإنساني كما نراه في الغرب لأن الليبرالية ليست إلا استجابة لحالة مجتمع متقدم فقد أغلب صلات الرحم الاجتماعي وحلت فيه الفردية والأنانية والاغتراب النفسي والفكري والاجتماعي فكان لابد من نظام ليبرالي يجسد ويغذي بنفس الوقت النوازع الأنانية والفردية والتي وصلت حد المرض النفسي في حالات ليست بالقليلة .
فالليبرالية بهذا المعنى هي تعبير عن حالة شيخوخة المجتمع وانهياره وتفككه وليست مظهراً لنهوضه وحيويته وتماسكه الذي لا يحدث إلا بالتلاحم الشعبي والعمل الجماعي خصوصاً وأن والنهوض هو الضرورة الوجودية الأولى لمجتمعات العالم الثالث والتي لم تتعاظم فيها الفردية وتطغى عليها صلات الرحم الاجتماعي وصلات ما قبل الوطنية .
الليبرالية الغربية في أصولها سايكولوجياً ومفهوم اجتماعي وسياسي وظيفته الأساسية إطلاق أو تعميق النزعات الفردية والأنانية واعتبرها المحرك الأساس للإنسان بكل ما فيها من عيوب تكوينية ويمكن السيطرة على الجوانب السلبية فيها بالقوانين وهو ما تروج له الأنظمة الاستبدادية الغربية . أما في العالم الثالث فالوظيفة الأساسية لليبرالية الغريبة عليه كلياً لأنها نشأت في الغرب المتقدم هي تفتيت المجتمع والقوى السياسية بصورة منظمة ودورية والإفساد التدريجي للإنسان عبر دعم النوازع الفردية والأنانية ، لأنها عندما تطبق في مجتمع لم تنشأ فيه ولا تصلح له تخرب أهم روابط المجتمع العضوية ومداميكه وهذا ما نراه في العراق المحتل إيرانياً وأمريكياً ونعيشه بكل مأسيه البرلمانية والحزبية الفاسدة والمفسدة .
الليبرالية إذاً هي العدو الأول للإنسان والتهديد المميت لحريته ذاتها وكرامته الإنسانية فهي وكما نرى ذلك في واقع الغرب تدفع الإنسان ليكون متوحشاً في أنانيته مهما تظاهر بالتحضر الشكلي ، ولأنها وحشية ببنيتها فإنها ترميه في شيخوخته في دور العجزة بعد أن امتصته الرأسمالية وانتهت فائدته ، وفي العالم الثالث تحول الليبرالية الإنسان إلى وحش أعمى أساس توحشه التعبير عن أنانية مفرطة نمتها عوامل الحرمان مع الإتاحة المتعمدة أمريكياً وإيرانياً لفرص الكسب غير المشروع ، فتفضي إلى الفساد الشامل والتشرذم المبرمجين كما رأينا ونرى ذلك في العراق المحتل .
... يتبع .
Almukhtar44@gmail.com
31-1-2018















































Comments