الرفيق المجاهد صلاح المختار - الاستعداد للذي سيأتي
- Jomard Ismail
- Oct 16, 2020
- 4 min read
مفكر قومي

الاستعداد للذي سيأتي
صلاح المختار
إذا وضعنا أنفسنا مكان من يقرر سواء كان إقليمياً أو دولياً ، فسنرى الآتي :
1- يشهد العراق محاولة أمريكية منفردة لإحكام قبضتها عليه بمواصلة الانتزاع التدريجي له من قبضة إسرائيل الشرقية ، فقد انتهت مهمتها الأساسية في العراق وهي إكمال عملية تدميره وهو الهدف الحقيقي لغزو العراق ، فأمريكا تريد عراقاً مفككاً جاهزاً للتقسيم في أي لحظة .
لقد عجزت أمريكا عن تحمل تكاليف معركتها مع المقاومة العراقية والتي كانت قدراتها هائلة وفوق تخيلها ، فلم يعد لها من خيار إلا توكيل نظام الملالي كي يكمل مهمة تدمير العراق و( إعادته لعصر ما قبل الصناعة ) وهو موقف رسمي أعلنه جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا قبل الحرب .
مهمة نظام الملالي الأساسية هي تفتيت اللحمة الوطنية وإحلال الهويات الفرعية مثل الطائفية محلها كي تحرق الأخضر واليابس في العراق ولا تتركه إلا خراباً شاملاً لنفوس البشر وللدولة والمجتمع ، وتم ذلك بصورة عامة وحان وقت إنهاء التوكيل الأمريكي لإسرائيل الشرقية ، ولكن الوكيل كان قد خطط للحلول محل أمريكا في الغزو لذلك ذهب بعيداً في تغلغله وزرع ميليشياته وعبئها للضغط على أمريكا كي تترك العراق له ، ولكن حسابات الملالي خاطئة وتجري عمليات الخنق التدريجي لهم ولخططهم .
2- تقوم أمريكا بدعم حكومة الكاظمي الانتقالية والتي تعرف أنها عاجزة عن إنجاز المهمة لكنها قادرة على تحقيق هدف جوهري وهو تنبيه القوى السياسية ، خصوصاً الميليشيات ، لواقع أن زمنها انتهى وأن الحكومة فقط ستتولى حمل السلاح ، وكل ما يجري من كر وفر الآن هو عبارة عن تمارين إخضاع متدرجة ، وتؤكد المعلومات المتتالية أنه تم تجنيد الكثير من قادتها وأصبحوا الآن موالين سراً لأمريكا وسوف يعلنون موقفهم الحقيقي بالتدريج كي تستثمر نتائج الصدمات المتعاقبة وتؤدي إلى السيطرة السلمية على الميليشيات ودفعها للعمل في إطار حزبي غير مسلح ضمن عملية سياسية جديدة محسنة .
3- من منظور استراتيجي ، أمريكا لم تكن ولن تكون أبداً مع تدمير إسرائيل الشرقية كما حصل للعراق ولا اجتثاث ميليشياتها كما فعلت مع البعث والقوى الوطنية الأخرى ، بل ستبقى طهران ذخيرة استراتيجية أولى للغرب والصهيونية لسبب بسيط وواضح وهو أن من نجح عملياً في إغراق العراق وسوريا واليمن ولبنان وبقية الأقطار العربية بفتن طائفية هو نظام الملالي وليس غيره ، بعد أن فشلت أوربا الاستعمارية ثم أمريكا وإسرائيل الغربية في خلق فتن طائفية رغم ما خصصته من أموال لتفتيت القطر العربي الواحد بعد ترسيخ خرائط سايكس بيكو ، نجحت إسرائيل الشرقية نتيجة تماهيها دينياً وطائفياً مع العراق وبقية العرب وتموضعها في نفس المكان معنا ورفعها لشعاراتنا لذلك لم تتضخم المناعة الوطنية ضدها كما تضخمت تجاه الغرب والصهيونية لأنهما متموضعان خارج خنادقناً .
أمريكا تعرف ما تعمل عندما تصر وخصوصاً منذ تبني ( سياسية الاحتواء المزدوج ) في التسعينيات والتي قامت على إخضاع إسرائيل الشرقية بالضغوط وليس بالحرب بينما يجب إسقاط النظام في العراق بكافة الأساليب خصوصاً بالحرب الشاملة .
إسرائيل الشرقية كانت وستبقى ذخيرة استراتيجية لا نظير لها بالنسبة للغرب والصهيونية والموقف تجاهها هو ليس تدميرها ولا إنهاء دورها بل إعادة احتواءها وضبطها لتبقى تعمل بين سكتين هما خط أمريكا والصهيونية ، والذي يترتب على ذلك في العراق هو أن يتم الاحتواء بأقل ما يكمن من القوة المباشرة .
4- ولكي تتم العملية بأقل الخسائر لابد من تقديم طعم لنظام الملالي يغريه بالتعاون ثم التنازل والاكتفاء بما تلقيه أمريكا له من مكاسب ، ولهذا فإن الميليشيات سوف تتحول إلى أحزاب منزوعة السلاح وتدمج في العملية السياسية القادمة وتبعد الوجوه المحروقة وتعتمد عناصر جديدة موالية لطهران ، وتؤكد المؤشرات أن خامنئي يقاتل من أجل نجاته هو ونخبته لأنه يعرف أن لا مكان سيقبله في العالم وقبل الشروط الأمريكية لكنه يريد ضمانات حمايته مقابل التخلي عن ميليشياته ، وهي ما لم تقدمها أمريكا له حتى الآن .
5- السبب الجوهري لكل ما سبق هو أصل المشكلة ، بالنسبة للغرب والصهيونية فإن العدو الأخطر لهما هو القومية العربية لأنها توحد العرب بغض النظر عن دياناتهم وطوائفهم وإثنياتهم ، فتلك هويات فرعية تخضع للهوية الوطنية ، وهي هوية توحيدية الطابع ، وتلك طبيعة تجعلها رباطاً متيناً يمنع تشرذم العرب وانقسامهم إلى طوائف وأعراق وكتل متناحرة ، فالخلافات السياسية في بيئة اللحمة الوطنية تحتمل ويمكن ضبطها ولكن الفتن الطائفية والإثنية صعبة الاحتواء ، وهنا مكمن قوة الحركة الوطنية ومصدر ضمانة أنها تصد الاختراقات الخارجية خصوصاً الصهيونية والغربية والاقليمية .
وبناء عليه فإن الغرب والصهيونية بحاجة مستمرة لاحتياطي استراتيجي جاهز للعمل ضد القوى القومية العربية بحماس وحقد متجذرين وهذا الاحتياطي ليس سوى إسرائيل الشرقية ونغولها العرب ، فلا يتوهم أحد بأن أمريكا أو الصهيونية سوف تتخلى عن إسرائيل الشرقية أو نغولها العرب بل هي ستزيل بقع الدم من وجوههم وتؤهلهم للعمل بوجه آخر مقبول .
المطلوب أمريكياً هو حكومة متعددة القوى تضم القوى الطائفية والإثنية التي يجب ان تبقى ، ولكن مع إزالة الكثير من مظاهر فسادها وإجرامها لتكون الذخيرة الاستراتيجية الجاهزة للتصدي للقومية العربية وقواها التحررية عندما تنهض وهي ستنهض حتما مهما طال الزمن .
6- ومثلما اعتمدت أمريكا والصهيونية على إسرائيل الشرقية وغيرها من القوى الإقليمية في تنفيذ خططهما فإن نفس هذه القوى تضع موازناً لها وهو القوى الوطنية والتحررية ذاتها ، فكما أن ردع القوى الوطنية يمكن تحقيقه بقوة إسرائيل الشرقية فإن ردع الطموحات الفارسية والتركية رهن بوجود قوى وطنية محددة الحركة ولكنها موجودة وبذلك تستطيع الصهيونية والغرب ردع كل طرف بمناهضه وخصمه والتوفيق بين كل هذه الأطراف ليتحول العراق إلى منطقة صالحة للاستثمار التجاري فلا استثمار بدون الاستقرار السياسي ومنع الصراعات الحادة التي تفسد الاستثمار الرأسمالي والتغلغل الصهيوني .
7- الآن وبعد أن دمرت قدرات العرب المادية واستنزفوا نفسياً وتعبوا اجتماعياً تقدر أمريكا والصهيونية بأنهم بحاجة لعقود طويلة كي يستعيدوا حالتهم الطبيعة والتي تمكنهم من النهوض مجدداً وهذا هو محور اهتمام خطط الغرب والصهيونية ، وفترة التعافي الطويلة هذه تكفي لاكمال الهيمنة الاسرائيلية الغربية مدعومة بالقوى الاقليمية المختارة للاستمرار في قمع العرب ومنع نهوضهم وهي إسرائيل الشرقية وتركيا وأثيوبيا .
وهنا نرى الخطوة الأخرى المكملة وهي إقامة النظام الإقليمي الضامن لكل ما تقدم من أهداف إقليمية ودولية تتعلق بالصراع الرئيس لأمريكا مع الصين وروسيا ، وهذه الخطط لا تكمل بمرحلة ولا بل تحتاج لمراحل متعاقبة في بيئة الاستقرار واجبار القوى المتناقضة قبول اللعبة الأمريكية الصهيونية .
ماذا عن لبنان واليمن وليبيا ؟ ، ستطبق نفس الخطة التي تجري عملية تطبيقها في العراق ، فحزب الله سوف يحول إلى حزب سياسي مشارك بالحكم ، وهذا هو جوهر خطة الرئيس الفرنسي ماكرون المدعومة أمريكياً ، ولكن بعد تجريده من السلاح تماماً مثل الميليشيات العراقية واليمنية .
لكي نستطيع النهوض خارج إطارات هذه اللعبة علينا أن نفهم تفاصيلها وآلياتها فلا مستقبل لنا كعرب من دون فهم ما يجري بصواب ، وعرض الذي سيأتي ليس أكثر من تسليط الضوء على طريقنا لتجنب الألغام المبثوثة فيه .
14-8-2020
Comments