الرفيق المجاهد صلاح المختار - هل يمكن تغيير السياسة الأمريكية تجاهنا
- مفكر قومي
- Feb 16, 2018
- 6 min read

- هل يمكن تغيير السياسة الأمريكية تجاهنا ؟ -
- الحلقة الأولى -
تلقيت مراراً رسائل تستفسر عن سبب موقفي الثابت المؤكد على أن سياسة أمريكا تجاهنا نحن العرب عموماً وبالأخص تجاه العراق لن تتغير من حيث الأهداف الاستراتيجية حتى لو تغيرت أدواتها وأساليبها !!! .
بصفتي سياسياً ومحللاً له خبرة تزيد على نصف قرن مع السياسة الأمريكية تجاهنا ، ورغم أنني أرغب بصدق بأن تغير أمريكا سياستها تجاه العرب إلا أنني أفرق بين رغبتي ونهج أمريكا وخططها ، وعندما أسمع هذه الآراء يتكرر إدراكي بأن مكمن الانتحار العربي راقد في كفن إسقاط طريقة تفكيرنا على من يستعمرنا ويحيل حياتنا إلى كوارث غير مسبوقة وهو بالطبع أمريكا وبريطانيا ومعهما وخلفهما الإسرائيليتين الشرقية والغربية ونغول كل هؤلاء .
الغرب الاستعماري لايفكر مثلنا ، وعندما نعتقد بأن مستعمرنا الحالي ( الأمريكي ، الإيراني والصهيوني ) يفكر مثلنا ونبني مواقفنا تجاهه على هذا الأساس ننتحر ببطء دون أن نعلم من خلال تكرار أخطاءنا وخطايانا والتي ينتظرها المستعمر بشغف ويتمناها كي يحقق خطوة على طريق تكريس استعماره لنا ، وأبرزها جهلنا لنمط تفكيره ومنطلقاته ، من هنا فإن طريق الخلاص والتحرر الوطني للعرب يبدأ من إدراك أن مستمعرنا لا يفكر مثلنا بطريقة الهبات والعواطف وتحديد الموقف في مرحلته بل يخطط لنا لنصف قرن على الأقل وهذا يشمل أشد أعداءنا ضراوة وحقداً وخطراً وهو إسرائيل الشرقية التي خططت نخبها القومية الفارسية لنا ما يجري الآن منذ 1400 عام وبقيت بكافة ألوانها ( العلمانية والمتدينة ، الجمهورية والملكية ) تنفذ المخططات تدريجياً وبصبر وبلا ملل أو تراجع حتى وصلت لما وصلت إليه من استثمار ممتاز لما زرعته داخلنا طائفياً واجتماعياً ، وكذلك الصهيونية فهي زرعت منذ أكثر من ألفي عام وبقيت تسقي زرعها حتى وصلت إلى بداية طريق تحقيق مشروعها وهو استعمار فلسطين .
أما أمريكا مستعمرتنا الآن رغم وضعها واجهة استعمارية أخرى وهي إسرائيل الشرقية ، فمخططها الحالي وضع بعد الحرب العالمية الثانية عندما قررت الحلول محل الاستعمارين البريطاني والفرنسي اللذان انتهى دورهما الاستعماري وبدأت مرحلة الاستعمار الجديد الذي دشنته أمريكا ، مكملة خطوات لم تحققها بريطانيا وفرنسا من خطة وضعت في بداية القرن العشرين للسيطرة على الوطن العربي وتفتيته .
ما يجب تذكره دائماً هو أن من يسيطر على أمريكا ليس فرداً مستبداً ولا مجموعة كي نتوقع تغيير مزاجها فالرؤساء وأعضاء الكونغرس ورجال الإعلام وغيرهم ليسوا سوى براغي في ماكنة جبارة يحركها الرب الأعلى لها وهو الدولار ، وبهذا المعنى فأمريكا تسيطر عليها منظمة إجرامية هي الأكثر تنظيماً وعلماً وقدرات ، لا دور للفرد فيها إلا إدارة وتنفيذ ما تقرر مسبقاً هذه المافيا ، وهذا يشمل الجميع الكونغرس الأمريكي والرئيس والاعلام وغيره .
من هنا ، فإن الخطوة الصحيحة الأولى لضمان نجاح نضالنا التحرري من الغزو الأمريكي المدعوم بالغزو الإيراني شريكه الرئيس هي تكون اليقين الثابت بأن أمريكا لن تغير موقفها منا مهما تنازلنا لها لأنها تريد الوصول للأهداف الاستراتيجية المرسومة مسبقاً ، وهي تستغل سذاجة بعضنا فتروج أفكاراً عن وجود احتمال تغيير من قبل هذا الرئيس أو ذاك الكونغرس ، بل أن خططها المخابراتية تقوم أصلاً على تضليلنا من خلال تحييد ردود أفعالنا برمي معلومات غير صحيحة تبشر بقرب تغيير الموقف الأمريكي لصالحنا وهو ما رأيناه خلال فترة ما قبل انتخاب ترامب وبعده أيضاً ، وهدف التسريبات هو أن تخدر فينا الحاجة للمقاومة ، خصوصاً المسلحة ، وتجد من العراقيين والعرب من يقتنع بأن هناك أمل في تبني موقفاً أمريكياً إيجابياً تجاهنا ينقذنا من ظلم إسرائيل الشرقية مع أن الأخيرة ما استباحتنا إلا بخطة أمريكية ودعم أمريكي ! .
والسؤال الجوهري المتعلق بهذه المسألة هو : لماذا لا يمكن تغيير الموقف الأمريكي ليصبح لصالحنا ؟ ، الجواب هو : لايمكن تغيير الموقف الأمريكي تجاهنا لأسباب جوهرية واضحة أبرزها :
أولاً - لأن أمريكا بغزو العراق قطفت ثمار عمل طويل للسيطرة عليه بدل بريطانيا وبدأ بعد الحرب العالمية الثانية ونفذت عدة خطط أبرزها التخطيط لإسقاط النظام الملكي مع بريطانيا وتنصيب الديكتاتور قاسم حاكماً مطلقاً ليشعل حرائق العراق ويبدأ بها مصائبنا ، إلى أن تحقق الغزو ودخول أمريكا العراق ، فليس إذا معقولاً ولا منطقياً أن تتركه الآن مع أنها أصبحت بحاجة إليه أكثر مما مضى .
ثانياً - لأن العراق هدية نادرة بثرواته المتعددة من اليورانيوم إلى الغاز مروراً بالنفط والمعادن الأخرى وأرضه الخصبة ، فهو ليس عبء مادي على أمريكا وتحتاج لإعداده للاستثمار فهو معد أصلاً لأنه كنز ممتاز ولا يمكن لأي إنسان أن يتصور أي تاجر يحصل على هدية مثل العراق ويتركه بقرار منه .
ثالثاً - لأن موقعه الجيوبولتيكي حساس ومتميز لوقوعه وسط منطقة محاطة بأهداف دولية وإقليمية تحتاج أمريكا للوصول إليها بسرعة وأقل التكاليف منها روسيا وتركيا وإسرائيل الشرقية وصولاً للصين .
رابعاً - لأن شعب العراق ليس من الشعوب التي تستكين بل هو صانع تاريخ وحاد الطباع ولا يقبل المساومات ومبادر في صنع الحضارات لهذا فإن وقوعه تحت الاستعمار الأمريكي فرصة لـ( تدجينه ) عبر الكوارث وتحييد قدراته الثورية والاستقلالية والتخلص من امكانيات إفلاته ومعه تفلت المنطقة من يد الغرب الاستعماري ، لهذا فإن وصول أمريكا للعراق فرصة لا تعوض تمنحها القدرة على تحييد شعب العراق بتدمير قيمه العليا ومجتمعه ووحدته وإعادة تثقيفه في جو الكوارث والأزمات الطاحنة وهذا الأمر فعلت ما يشبهه في ألمانيا واليابان حيث مازالتا تعانيان من الأمركة التي تعني الأنانية وتدمير التعاضد الاجتماعي .
خامساً - لأن تاريخ العراق يحتوي على الذاكرة الدينية والحضارية للعالم كله وهي حالة تمس صميم الأساطير التوراتية التي تتحكم بأوساط أوربية وأمريكية وتقررخططها تجاه العرب عموماً والعراق خصوصاً ، فالعراق حالما يذكر تستحضر بابل وتستعاد ذكريات الأسر البابلي ، والعراق يعني تنبؤات كونية تضمنتها التوراة وغيرها من الكتب الدينية الصحيحة والمزورة والتي تعتقد بأن الإجابات الدقيقة عنها مخفية في بابل ، والعراق فيه أسرار لم تفك الغازها بعد وتشكل أحد أهم محركات فئات بشرية كثيرة تبحث عن جواب لها ، والعراق القديم هو مهد تلك الأسرار ولهذا لم تكن صدفة أن غزو العراق شهد في أيامه الأولى ظاهرة تبدو غريبة لكنها طبيعية ومتوقعة وهي احتلال بابل وأور عسكرياً وتحويلهما إلى منطقتين يمنع دخولهما وجرت فيهما أعمال تنقيب شاملة استمرت أكثر من خمس سنوات ، مثلما كان نهب المتحف العراقي للعثور على أجوبة أو إخفاء أجوبة وليس للحصول على مال كما أوحي وكلف أحمد الجلبي بذلك لإخفاء الهدف الحقيقي .
سادساً - لأن ما يقلق أمريكا بعمق هو أن غزو العراق شهد جرائم ، وثقت بالصوت والصورة والوثيقة الدامغة ، هي الأبشع والأكثر وحشية من كل جرائمها ضد شعوب العالم ، واقترنت كما في باقي جرائمها بعدم وجود مبرر لارتكابها ، من هنا فإن تحرر العراق يقترن في هاجس المافيا الحاكمة في أمريكا بإدانتها قانونياً ومطالبتها بالتعويضات وهي عملية إذا حصلت فسوف تهدم الكثير في أمريكا معنوياً ومادياً خصوصاً عندما سيأتي اليوم الذي تضعف فيه أمريكا ولا تستطيع منع معاقبتها وهو يوم يقترب بسرعة ، وإذا حسبنا التعويضات فقط على أساس ما دفعه العراق لأمريكا من تعويضات بعد ضربه بالخطأ المدمرة ستارك في الثمانينات فإن كل مال أمريكا لن يكفي لتعويض العراقيين والعراق ، وهذا المعيار عادل وصحيح وقانوني .
سابعاً - لأن أمريكا مثل رئيسها الحالي ترامب تاجر عنصري لا يعترف بأن ضحاياه بشر مثله وإنما مخلوقات تشبه البشر ولكنها ليست بشراً ، طبقاً لثقافة ومفهوم ( الجوييم ) اليهودي ، فيسمح بقتلها واغتصابها ونهب مالها ... الخ ، لهذا تطالب أمريكا ضحيتها بدفع ثمن الرصاص الذي قتلها ! ، فهل يمكن تخيل أن أمريكا ستترك العراق بعد أن خسرت أكثر من ثلاثة تريليون دولار وأكثر من 75 ألف قتيل ومليون معوق أثناء غزو العراق ؟ .
ثامناً - لأن تحرر العراق يهدد كل المشروع الأمريكي للسيطرة على العالم والعراق أحد أهم قواعد انطلاق الهيمنة العالمية فإذا فقدت أمريكا العراق فإنها تفقد أحد أقرب مقافــزها إلى أعـداء منتظرين .
تاسعاً - لأن تحرر العراق سوف بعقبه التحرير العراقي الرابع لفلسطين وإنهاء المشروع الصهيوني الاستعماري إلى الأبد ، خصوصاً وإن هذا المشروع فقد كافة أغطيته التجميلية فظهر على حقيقته مشروعاً عنصرياً عدوانية بالكامل ، وبوش الصغير ما عجل بإعدام القائد الشهيد صدام إلا لاقتناعه بأنه المحرر الرابع .
إذاً ، من السذاجة تخيل أن أمريكا ستغير موقفها من العراق وكذلك تجاه سوريا وكافة الأقطار العربية بقرار حر منها ، لأنها دولة شاذة في كل شيء خصوصاً في وحشيتها المتطرفة وأنانيتها المرضية والتي يجسدها ترامب خير تجسيد وهو ليس حالة شاذة كما قد يظن البعض بل هو التكوين النمطي للأمريكي ذو الأصل الأوربي وهذا هو السبب الرئيس لاختياره رئيساً .
وبناء عليه ، فإن الخطوة الصحيحة والأهم في إنقاذ أمتنا العربية من شرور أمريكا هي التخلي عن أي وهم بأنها يمكن أن تكون صديقة لنا ونحن في حالة تبعية لها وأن نعد أنفسنا مرة أخرى لصراع قاس معها .
وهنا ننتقل إلى السؤال التالي : هل يمكننا تحرير العراق وسوريا من الغزو الأمريكي ؟ نعم ، مؤكدة ومكررة ، ولكن فقط عبر دحرها عسكرياً بحرب عصابات لا تتوقف أبداً إلا بطردها مدحورة في ساحات المقاومة المسلحة كما حصل ما بين أعوام 2003 و2007 وليس بالحلول السياسية والتوسل والتبعية والتنازل المهين عن حقوقنا وسيادتنا واستقلالنا الوطني ووحدتنا القومية العربية وبعد هزيمتها فقط يمكننا اللجوء للتفاوض معها لترتيب خروجها ونيل كافة حقوقنا .
نعم نؤكد هذا ممكن بالتأكيد ولكنه يتطلب شروطاً واضحة متوفرة في غالبيتها . تتمة
Almukhtar44@gmail.com
15-2-2018















































Comments