الرفيق المجاهد صلاح المختار - لمحات من ثورة رمضان عام 1963
- مفكر قومي
- Feb 8, 2018
- 5 min read

- لمحات من ثورة رمضان عام 1963 -
صلاح المختار -
أشعر بالفخر والاعتزاز بأنني أحد الرفاق الذين شاركوا في ثورة الثامن من شباط عام 1963 ، مع آلاف الرفاق المدنيين والعسكريين الذين شاركوا فيها ، فقد كنا في حالة عمل نشط وبلا توقف لمدة تقرب من الثلاثة أشهر من تاريخ انطلاق إضراب الطلاب في مدارس وجامعات العراق في نهاية عام 1962 والذي استمر حتى يوم إسقاط الديكتاتورية القاسمية الشعوبية في 8-2-1963 ، وكنا نديم الإضراب في ثانوية الكرخ ونناور ونتعارك مع أفراد الأمن الذين كانوا يطارودننا في أزقة الكرخ قرب المدرسة التي نتحصن فيها ومنها نعود إلى المدرسة لإدامة الإضراب .
وفي أحد الأيام أخبرني رفيق بأن الأمن كسروا السلسلة الحديدية التي تغلق باب المدرسة والتي وضعناها لمنع فتحها ، وقيل لي بأن أفراد الأمن يقفون أمام الباب ويطلبون من الطلاب الدخول ، فتقدمنا حوالي 12 طالباً نحو المدرسة وقلنا لأفراد الأمن لا نريد مشاكل معكم ولكننا سنعيد إغلاق الباب فلا تحاولوا إيقافنا ، وكان واضحاً لهم أننا كنا جاهزين للعراك معهم فتراجعوا ووضعنا السلسلة الجديدة .
وصدرت أوامر بإلقاء القبض علينا وكنت أحدهم ومع ذلك كنا نواصل الإضراب بقوة في النهار وننام في بيوت أخرى غير بيوتنا ليلاً ، وفي صباح يوم وبينما نحن نحرض على مواصلة الإضراب أخبرني أحد الرفاق بأن مسؤولي الحزبي يطلبني في مقهى قريب فتركت التجمع واتجهت للمقهى مختاراً زقاقاً ضيقاً وكنت وحدي وإذا بي أواجه أمامي مفوض الأمن عدنان ومعه آخر وتلاقت وجوهنا فلم أتوقف بل واصلت السير إلى أن اصبحت أمامهما فارتبك المفوض وهو يرى أنني مستعد للقتال ، فقال لي وهو مرتبك : صلاح تعال أريد أن أتحدث معك ، قلت له تفضل ، فقال : أحسن لك أن تسلم نفسك وإلا سناتي إلى بيتك هذه الليلة لاعتقالك ، وغمز بعينه لي متجنباً ملاحظة شرطي الأمن الذي معه ما فعل ثم أكمل قائلاً : تعال أريد أن أحذرك ، فأخذنني جانباً وهمس في أذني لا تذهب هذه الليلة إلى بيتك لأننا سنأتي لاعتقالك ودس في يدي ورقة صغيرة .
شكرته وواصلت السير وفتحت الورقة وإذا بها أسماء أكثر من عشرة رفاق صدر أمر القبض عليهم فسلمتها لمسؤولي الذي طلب منهم عدم الذهاب إلى بيوتهم ، هكذا كان الجهاز الأمني للديكتاتورية ضعيفاً أمام رفاق صمموا على المواجهة مهما كان الثمن .
وقبل يوم من الثورة أبلغني مسوؤلي الحزبي المرحوم الرفيق خليل العاني ، أبو رفعت ، بأن علي الحضور إلى داره في الخامسة فجراً ، فسألته : لماذا في الخامسة فجراً ؟ ، فردَّ : لأجل مناقشة كيفية إدامة الإضراب ، وكان يبتسم بطريقة موحية ولم أسأله أكثر وفي الخامسة وجدت رفاقي من تنظيمات سوق حمادة في الكرخ محشورين في غرفة صغيرة وكل منهم يتقافز على وجهه سؤال صامت : لم نحن الآن في اجتماع في هذه الساعة المبكرة ؟ ، وانخرطنا في نقاش جاد حول أساليب إدامة الإضراب ، ومرت ساعات وإذا بصوت انفجار يدوي وبعده سمعت مسؤولي الحزبي أبو رفعت يصرخ وهو يستمع للراديو : إنها ثورة البعث أُخرجوا رفاق وجمعوا الناس واتجهوا لساحة الشهداء ، واعطى كل منا قطعة قماش ، خضراء على ما أتذكر ، وطلب وضعها على الذراع وهي تميز الحرس القومي وهي منظمة شعبية من البعثيين المدربين على القتال .
لم نصدق ما قاله رغم دوي الانفجار إضافة إلى أننا كنا نتوقع التغيير الثوري منذ بدأ الإضراب ولكننا وجدنا أنفسنا عبارة عن بركان بارود تفجر بغتة وانطلقنا إلى ساحة الشهداء وكانت الجماهير تزداد التحاقاً بنا من كل زقاق نمر فيه ونحن نهتف بسقوط الديكتاتورية وفي ساحة الشهداء سُلمت رشاشة غريبة الشكل من مخلفات الحرب العالمية الثانية بلا مخزن عتاد ! ، وقال لي : احملها وقف هنا واجبك أنت ورفاقك منع عبور أي جهة عسكرية أو مدنية جسر الشهداء نحو وزارة الدفاع إلا بعد أن يقول كلمة السر وقال كلمة السر هي ( رمضان مبارك ) .
وكان القصف الجوي قد اشتد حيث أن رفاقنا العسكريين وفي مقدمتهم المرحوم الرفيق منذر الونداوي ، والمرحوم الطيار فهد السعدون يدكون وزارة الدفاع بالصواريخ ، وبعد قليل بدأت الدبابات تصل وضباطنا فوق ابراجها وكنا نطلب منهم كلمة السر فيقولونها ويتجهون نحو وكر الديكتاتور .
وبينما كنا نحرس مدخل الجسر أتت سيارة فيات صغيرة ووقفت أمامي وأطل راس الشهيد خالد ناصر أول من نظمني في الحزب وقال لي : صلاح تعال معنا ، ونظرت في السيارة فوجدت معه رفيقين وقال : نحن ذاهبون لمنطقة الفضل لأن هناك شيوعيين يقاومون الثورة ، فقلت له : مسؤولي طلب مني عدم مغادرة مكاني هذا ، ضحك وقال طيب نلتقي فيما بعد .
وعندما أكمل الجيش انتشاره صدرت الأوامر للحرس القومي بجعل مركز شرطة سوق الجديد مقراً لنا وانتشرنا في الشارع العام مسيطرين عليه ، ولم ننم ليلتها وكان دوي المدافع مستمر ليلاً من الدبابات ، والسماء تشتعل بنيران المدافع والرصاص وبيننا وبين وزارة الدفاع نهر دجلة فقط وكان الرمي منها يصل إلينا فترد عليه الدبابات ، وفي صبيحة يوم 9-2 كانت المعركة مازالت مستمرة مع وزارة الدفاع التي تحصن بها قاسم والدبابات تقصف من الأرض والطائرات ترمي حممها من الجو وكان جيش الثورة يطوق الوزارة بإحكام تام وكنت أصارع لمنع عيني من الانغلاق وأنا أجلس فوق رصيف الشارع ورشاشتي بيدي والتي غيرت واستلمت أخرى بها مخزن عتاد ، جاءني أحد الرفاق وقال لي وهو متعب ويتسلق الحزن وجهه : لقد استشهد الرفيق خالد ناصر ومن معه وقتلهم الحزب الشيوعي .
لم تصدر عني أي إشارة ظاهرياً ولكنني شعرت بان كل شيء تهدم في داخلي لدرجة عجزت عن التفكير خصوصاً وأنا لم أنم طوال أكثر من يوم ، نهضت ودخلت مركز الشرطة واتجهت فوراً لغرفة جانبية رأيت فيها سريراً يعود لأفراد الشرطة فتمددت عليه واستغرقت في نوم متقطع تخللته كوابيس وأشباح بوجوه مخيفة ولم أستيقط إلا بعد أن هزني أحد الرفاق وقال انهض لدينا واجب ، عندها نهضت وأنا لا استطيع البكاء حزنا على أعز رفيق لي وله الفضل في كسبي للحزب وكنت مختنقاً ولا استطيع الحديث فواصلت الصمت طوال اليوم ولم تتفجر دموعي إلا بعد أن رأيت فيلم إعدام قاسم فتدحرجت الدموع كغيث جارف وسط نظرات رفاقي المستغربة لأنهم لا يعرفون نوعية صلتي بالشهيد خالد ناصر كما أنني أبكي بعد مرور عدة ساعات على انتشار خبر استشهاده .
ذهبنا إلى مركز شرطة الشيخ علي الذي رأينا فيه ضباط وأفراد أمن معتقلين وفجاة سمعت صوتاً من داخل الغرفة يصرخ : صلاح أنا هنا أنا المفوض عدنان ! نظرت فوجدت المفوض الذي سلمني قائمة بأسماء رفاقي الذين صدرت أوامر إلقاء قبض عليهم ، فطلبت من رفاقي في مركز الشرطة إطلاق سراحه وقلت أنه منا وأخرجته ، نبهني المفوض عدنان : ولكن الآخرين أيضاً منا صلاح ! ، فطلبت إطلاق سراح الاخرين وتم ذلك .
هذه لمحات من نضال البعث تقدم صورة عن كيفية انتقال العمل الثوري من الاعتماد على العسكر فقط في تغيير الأنظمة وهي عملية محفوفة بمخاطر نشوء ديكتاتورية عسكرية إلى اشتراك المدنيين المدربين على القتال والمنخرطين في منظمة الحرس القومي في التغيير الثوري وثورة الثامن شباط كانت مدرسة أُولى في تعليم كيفية دمج المدنيين والعسكريين في عمليات إسقاط النظام وهي المدرسة التي خرجت رفاقنا الذين أسقطوا فيما بعد ديكتاتورية عارف .
المجد والخلود لشهداء ثورة رمضان .
Almukhtar44@gmail.com
7-2-2018















































Comments