جومرد حقي إسماعيل - ماذا يجري في عفرين ؟
- كاتب ومحلل سياسي
- Jan 26, 2018
- 5 min read

بدأت تركيا بعمليات " غصن الزيتون " في مدينة عفرين السورية التابعة لمحافظة حلب بدواعي إقامة منطقة آمنة لتسكين حوالي ثلاث ملايين ونصف المليون سوري مهجر داخل الأراضي التركية ، ومن خلال النظر لاعتبارات الأمن القومي التركي وبما ورد من تصريحات على لسان عدد من المسؤولين الأتراك ، يتبين لنا أن تركيا تسعى لتأمين عمقاً أمنياً لها داخل الأراضي السورية والعراقية لشل حركة الجماعات الإرهابية الكردية والحركات الداعية للإنفصال وتأسيس بما يُسمى " الدولة الكردية " ، هذا بحسب ما يرد من تبرير الحكومة التركية ، بيد أن تدبر هذا الموضوع بصورة عميقة يجعلنا نراه من زوايا أخرى ومن جهة الأمن القومي العربي ،
وما نراه اليوم يذكرنا بالأمس والكيفية التي تمكنت به تركيا من ابتلاع " الاسكندرونه " السورية وضمها جغرافياً إلى أراضيها ، وليس منا من لم يتذكر تلك التظاهرات التي كانت تخرج في عموم الساحة العربية منددين بالاحتلال التركي للاسكندرونه ومطالبين بتحريرها .

ماذا وراء عملية " غصن الزيتون " ؟
تركيا تنظر إلى مصالحها بالدرجة الأساس كدولة مهددة إذا لم تركب المركب الأمريكي ، فتركيا لا يُراد لها أن تنهض وتستقر كدولة قوية عُظمى قد تهدد العالم وهي صاحبة الإرث التأريخي وصاحبة امبراطورية لم تبلغ درجة قوتها وانتشارها أي من الامبراطوريات الأخرى كالفارسية والإنجليزية والرومانية وغيرها من الاحتلالات التي انتشرت هنا وهناك من العالم .
وقد يأخذ البعض من العرب حال من التمني ودرجات في الأمل من أن تركيا ممكن أن تكون عوناً لهم في التصدي لأطماع الغرب في أرض العرب ، أو أن تركيا ممكن لها أن تعمل على تحرير الأراضي العربية المغتصبة وتقدمها على طبق من ذهب للأمّة العربية ، ولكن ، كيف يكون ذلك ؟ ، والاسكندرونه أرض عربية ابتلعتها تركيا وقيادة تركيا الآن تستذكر وتتفاخر وتسعى لإحياء أمجاد الدولة العثمانية والتي كان الوطن العربي جزءاً من خارطتها آنذاك .
إذاً ، وبدءاً ، علينا أن نفهم وندرك كعرب ، أن حرية الأمّة بيد أبنائها وليس هناك قوة في العالم ممكن أن تقدم عوناً للعرب في ذلك وهذه القوى تعمل وفق توافقات معلومة ومستندة إلى أطماعها ومصالحها في وعلى أرض العرب ، ومنها ، تركيا ، التي هي عضو في حلف الناتو ، وتركيا لا يمكن لها أن تستغني عن هذا الحلف الذي يحميها من سطوة أعدائها ، ولا يمكن لتركيا إلا أن تكون مع الركب الأمريكي ومن لف لفها للإبقاء على استقلالها واستقرارها وتثبيت حكم حزب العدالة والتنمية في البلاد .
ما هو المراد من " غصن الزيتون " ؟
بعد الاطلاع على الأخبار التي تفيد بأن الحكومة التركية مستمرة في منح اللاجئين السوريين الجنسية التركية وبغض النظر عن شروط اللغة دونهم دون بقية اللاجئين العرب ، ثم الإعلان عن إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا لتوطين هؤلاء اللاجئين البالغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة ، فإن ذلك يقودنا إلى عدد من الأسئلة التي ستكون أجوبتها توضيحاً لما ذهبنا إليه في تحليلنا هذا :
1... لماذا حصرياً تُمنح الجنسية التركية للسوريين فقط ؟
2... لماذا يُمنحون الجنسية والخطة التركية وعمليات " غصن الزيتون " تهدف إلى ترحيل اللاجئين السوريين إلى الأرض السورية ؟ .
3... لماذا عفرين تحديداً ؟ .
4... ولماذا لا يزال للأتراك تواجداً في وعلى ضواحي " الرقة " و" الحسكه " السوريتين ؟ .
5... ماذا عن شمال العراق ؟ .

إن الأجابة على هذه الأسئلة لابد لها أن تكون موافقة للواقعية والإجراءات التركية على الأرض ، وعندها سيتبين لنا الأهداف الغير المعلنة وراء عمليات " غصن الزيتون " العسكرية في عفرين – حلب السورية .
عمدت الحكومة التركية على دعم ورعاية التواجد الإنساني السوري على الأراضي التركية بشكل مميز وملفت للنظر دون بقية اللاجئين العرب من عراقيين ومصريين وليبيين وفلسطينيين ويمانيين وصوماليين ، حتى بات معروفاً وسط الجاليات العربية في تركيا تلك الخصوصية في لجوء السوريين والقانون الخاص بهم والذي يمثل أعلى درجات التعاون معهم في تمكينهم من الإقامة الحرة في تركيا في الوقت الذي يُعاني باقي العرب في تركيا من ضوابط مشددة في حركتهم داخل تركيا ومنعهم من العمل والتشديد عليهم في إجراءات الإقامة ، والغريب في هذا الأمر ، أن تركيا ومن دون كل العرب المتواجدين على أراضيها يحق لهم تملك العقارات في تركيا إلا السوريين ، ولهذا الأمر ربط في الموضوع الذي نقوم بتحليله .
إن التخطيط التركي لعمليات " غصن الزيتون " واستناداً لما قد تقدمنا به يوضح بأنها درست وخططت لهذا الأمر منذ الأيام الأُولْ للأزمة السياسية في سوريا ، حيث ، وفي ذلك التأريخ كان موقف تركيا سلبياً من الأزمة ، وبدلاً أن تكون حاضرة في حلّها وتهدئتها ، قامت بصب الزيت عليها ، كل ذلك لتصل تركيا إلى ما تخطط له ولاعتبارات أمنها القومي بحسب ادعائها أو توافقاتها مع أعداء العروبة لضمان استقرارها السياسي أو تنامي الرغبة في الانتشار امبراطورياً مرة ثانية كرغبة متنامية مع تقدمها الاقتصادي والتكنلوجي وبلوغها المرتية الرابعة عشر في مجموعة العشرين للدول العُظمى .
لقد اتبعت تركيا إجراءات مخففة مع اللاجئين السورين بغية كسب ولائهم المطلق وتهيئتهم لهذا اليوم ، وما إجراءات منح الجنسية التركية لهم إلا جزء من تنفيذ المخطط التركي في سوريا العربية .
والآن ، لننظر بتدبر إلى الخطة التركية من خلال المنظور القومي العربي وأمنه :
أولاً : تركيا ، ومن خلال توافقاتها واطلاعها على مضي " إسرائيل " في العمل والتقدم باتجاه " دولتهم الكبرى " تريد أن تجعل منطقة آمنة لها تفصل بينها وبين الجارة الجديدة " إسرائيل " ، ولتأمين ذلك ، فإن اللاجئين السوريين وعلى الأرض السورية سيكونوا خير مصد وجدار عازل لأي هدف " إسرائيلي " آخر قد يهدد أمن واستقرار تركيا .
ثانياً : إن توطين اللاجئين السوريين حملة الجنسية التركية في حلب والرقة والحسكه يعني أنها تسعى للقضاء على الأكراد في هذه المنطقة ومنع دعمهم للأكراد في تركيا ، هذا من جهة ، والعمل على دفع السوريين على الدعوة لإقامة منطقة حكم ذاتي لهم تمهيداً لقرار اندماجهم بالأراضي التركية باعتبارهم حملة الجنسية التركية ، وهذا سيدعم خطواتهم على المستوى الأممي بحسب رأينا المتواضع في هذا الأمر ، من جهة أخرى .
ثالثاً : تحقق بذلك تركيا قبولاً ورضىً أمريكياً يكفي لحمايتها وإبقائها في حلف الناتو وإبعاد أي خطر قد يهدد مستقبلها السياسي .
رابعاً : إن عمليات " غصن الزيتون " هي المرحلة الأولى في عموم الخطة التركية الرامية إلى الاستحواذ على منطقة الشمال السوري بكامله بما فيه حلب ، إدلب ، الرقة ، والحسكة ، والمخطط وتصريحات القادة الأتراك يوحي بأن هناك مراحل أخرى قد تمتد إلى شمال العراق ووفق برنامج زمني مُعد لهذا الأمر مستفيدة من أخطاء التوسع العثماني الغير مدروس في أواخر حكمهم والذي تسبب بتراجع الدولة العثمانية واختراقها ماسونياً .
خامساً : " غصن الزيتون " أظهرت حقيقة التوافقات الأمريكية الصهيونية الفارسية والعثمانية في مخطط تقسيم وتشظية أقطار الوطن العربي .
سادساً : تركيا ، ومن أجل تنفيذ مخططها فإنها تعرض نفسها كقوة مدافعة عن حقوق العرب مذهبياً هنا أو هناك على الساحة العربية ، وهذا جزء من عمليات التجميل المدعومة أمريكياً لتُكوِّن قاعدة قبول جماهيري لها في الوسط العربي ، وفي ذات الوقت ، فإنها تتقارب من عدو العرب الطائفي الفارسي وحكومته العميلة في بغداد ، التناقض واضح والغفلة العربية أكثر وضوحاً .
سابعاً : تركيا تدعم حقوق الإنسان في بورما ونيجيريا وغيرها من البلاد الغير عربية ، وتتجاهل معاناة الشعب العربي والمجازر التي تُقام بحقه يومياً ، وهذا دليل على أن تركيا ماضية في ركب من يريد إذكاء الفتن في أرض العرب وتشظية وحدة الجماهير العربية الوطنية .
إن تدبر هذا الموضوع يفرض علينا أن نتدارس الخطط المقابِلة جماهيرياً ، وأرى أنه على المؤتمر الشعبي العربي اعتماده في برنامجه القادم وتضمينه كمهمة أساسية من مهام الجبهة الشعبية العربية المنبثقة عن المؤتمر الشعبي العربي ، حيث بات المؤتمر ذلك الضوء الذي يلوح في أفق النفق المظلم والذي تتطلع له جماهيرنا العربية لتحقيق حريتها وخلاصها الوطني وصولاً لنهضة الأمّة العربية وازدهارها .
Comments