top of page

مهندس كوارثنا ، مقال للرفيق المجاهد صلاح المختار


-

السؤالان التاليان هما أحد أهم مفاتيح خلاصنا النهائي :

من هو المهندس الأكبر لمصائبنا وكوارثنا التي بدأت في القرن الماضي ووصلت ذروتها في القرن الجديد ؟ ، ومن هو المهندس الميداني الذي وكله المهندس الأكبر لتنفيذ خطة الكوارث العربية ؟ .

للإجابة ، علينا البحث في كيفية وقوع الكوارث الحديثة خصوصاً الأكبر والأخطر منها :


1 - كارثة العراق هي الأسوأ فقد استشهد فيه أكثر من سبعة ملايين عراقي منذ عام 1991 وحتى الآن وهُجّر ما بين 6 - 8 ملايين عراقي مع تدمير للدولة وتفكيك للمجتمع والأخطر هز القيم العليا ، ولم تكن صدفة اختيار المهندس الأكبر للعراق لتكون منه النقلة النوعية في كوارثنا العربية التقليدية والتي كانت محتملة ورغم وجودها حافظنا على كياناتنا القطرية ...الخ ، لكن وقوع غزو العراق وما سبقه من تمهيدات كانت خطوات مرسومة في تعاقب عضوي للوصول إلى الغزو بصفته الحل الأخير لأزمة صمود العراق وقدرته الفائقة على إحباط كافة محاولات اختراقه طوال أربعة عقود متتالية .

بغزو أمريكا للعراق ابتدأت كوارث عربية من نوع فريد ميزته الأخطر هي أنها لم تعد كوارث الفشل والخسائر المحتملة بل صارت كوارث تهديم الهوية والكيانات القطرية وأخذت تنمى وتنشر أفقياً وعمودياً .

ويجب الانتباه إلى ان كارثة غزو العراق لم تنتشر آثارها عربياً إلا بخطوة محسوبة ومتعمدة وهي تسليم العراق من قبل أمريكا إلى إسرائيل الشرقية بعد عام من فوز إياد علاوي في الانتخابات في عام 2010 لكن أمريكا أصرت وقبل إسرائيل الشرقية على بقاء نوري المالكي رئيساً للوزراء والسبب الرئيس الواضح جداً هو أنها أرادت رئيساً للوزراء يكمل تحقيق الأهداف التي غزت العراق من أجلها لكنها فشلت في إكمالها بسبب فاعلية المقاومة العراقية وكان لابد من توكيل طرف آخر أقدر منها على إحداث كوارث غير مسبوقة بشعب العراق ووطنه هو إسرائيل الشرقية ونغولها في العراق .

ومن يريد أن يؤرخ لمرحلة الكوارث النوعية في العراق والتي أدت إلى انتشار نيرانها إلى أقطار عربية أخرى فإنه سوف يتسمر أمام الدور الإيراني الذي قام على انفراد امتلاكه للأدوات البشرية الأكثر استعداداً لتدمير العراق شعباً وهوية ودولة ومجتمعاً عن طريق الفتن الطائفية المظهر العنصرية الجوهر .

فكوارث العراق النوعية الأكثر خطورة بدأت مع تسلم إسرائيل الشرقية العراق من أمريكا ثم قيام أمريكا بدعم كافة خطوات إسرائيل الشرقية منذ عام انسحابها العسكري ( 2011 ) خصوصاً دعم تحويل الميليشيات الإيرانية إلى ما يشبه الجيش بتسليحها وتخويلاتها الأمنية والقتالية المفتوحة وتوفير غطاء جوي يدعم مجازرها البشعة في ديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى ومحيط بغداد وجنوب العراق ، فقد كان مستحيلاً على إسرائيل الشرقية ونغولها العراقيين والأجانب تحقيق أي تقدم من دون الدعم الأمريكي بالتدريب والمعلومات الاستخبارية والغطاء الجوي والتسليح والمال والمستشارين العسكريين .

كارثة غزو العراق فتحت أمام إسرائيل الشرقية الأبواب وليس قبل ذلك ولهذا فإن أي مؤرخ موضوعي لا يستطيع القفز من فوق هذه الحقائق الرسمية والميدانية الواضحة ، فلولا أمريكا لما تمكنت إسرائيل الشرقية من دخول العراق والتغلغل فيه أولاً والانتقال إلى مرحلة التدمير المنظم له ، والعكس صحيح .


2 - أما سوريا ، فأمريكا هي الأخرى التي سهلت تسليمها لإسرائيل الشرقية ، فبعد أن نفذت خطة مخابراتية أمريكية لتحويل الانتفاضة السورية من انتفاضة شعبية ديمقراطية سلمية مشروعة إلى عمليات مسلحة ذات أبعاد طائفية ورداً على طائفية وعنف النظام الأسدي ، أمرت أمريكا أنظمة عربية معروفة بدعم تنظيمات تكفيرية أعدتها المخابرات الأمريكية وأحياناً تحت غطاء مخابرات عربية ، وزجها في الصراع السوري لأجل تحويل طبيعته التحررية المشروعة إلى فوضى هلاكة وأكملت أمريكا العملية بغض النظر عن دخول حزب الله والحرس الثوري الإيراني إلى سوريا وتغلغله خصوصاً بعد انهيار جيش النظام وفشله في قهر المسلحين وكان بعضهم وطنياً دون شك ولكن بعضهم الآخر كان أدوات مخابراتية أُعدت من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية العربية وبريطانيا وتحت أسماء جهادية وضمت خليطاً من آلاف الأشخاص الذين جندتهم المخابرات تلك إضافة لمتطوعين اعتقدوا بأنهم يمارسون الجهاد الحقيقي ! .

بدخول منظمات أنشأتها المخابرات الغربية والصهيونية مقابل دخول حزب الله وبقية الميليشيات الإيرانية المكونة من أفغان وباكستانيين وعراقيين ولبنانيين همشت الكتل الوطنية وصار دورها ثانوياً وكانت اللحظة الحاسمة هي عام 2012 عندما وصلت الفصائل المسلحة مرحلة النجاح في دخول دمشق وقصف قصر بشار والاستعداد للسيطرة على دمشق وإعلان سقوط النظام في تلك اللحظة تغير موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما وانتقل من الإصرار على إسقاط النظام الأسدي إلى تبني الحل السلمي ! ، وكان ذلك هو بداية الكوارث الأبشع في سوريا والتي أدت إلى استشهاد أكثر من مليون سوري وتهجير أكثر من عشرة ملايين آخرين وتدمير بشع ومتعمد للمدن السورية الرئيسة ! ، وبعكس مظاهر الصراع فإن أمريكا كانت متناغمة مع الدورين الإيراني والروسي وكانت تريد إكمال تدمير سوريا دولة ومجتمعاً وهوية ولهذا لم تكن صدفة تبنيها لخطة إنشاء كيان عسكري كردي لم يكن موجودا وإعطاءه الفرص لتحقيق انتصارات سهلة ومبرمجة على داعش لأجل أن يتحكم في مناطق سورية تمهيدا لتقسيم سوريا وهو هدف استراتيجي أمريكي .

أمريكا في سوريا كما في العراق هي المهندس الأعظم الذي دفع الأطراف المتصارعة إلى زرع بذور تقسيمها ومحاولة إنهاء سوريا العربية ولكن بيد كافة الأطراف وهذا هو التفسير الوحيد للتواطؤات الأمريكية مع إسرائيل الشرقية وروسيا وإسرائيل الغربية ، مستغلين ضعف بشار وهزال شخصيته والتي كانت وراء دعم أمريكا لتوريثه الحكم استعداداً لتدمير سوريا ولعبت أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا دوراً أساسياً في ذلك .

3 - اليمن ، ورغم كل ما كانت تعانيه من مشاكل كانت مستقرة وكانت ملجأ للعراقيين والصوماليين والأثيوبيين رغم أنها من أفقر الأقطار العربية ، وكانت فيها ديمقراطية نسبية وصلت حد مهاجمة رئيس الدولة الشهيد علي عبد الله صالح ، لكن أمريكا وبالتوافق مع إسرائيل الشرقية دعمت تمرد الحوثي في ست جولات حرب قبل إجبار علي عبدالله صالح على الاستقالة وتلك كانت مقدمة مرسومة لكوارث اليمن .

والدور الأمريكي في دعم الحوثيين واضح قبل عام 2011 حيث كانت السفن الإيرانية تمر من أمام الأسطول الأمريكي وهي محملة بالأسلحة للحوثيين دون اعتراضها .

وفي عام 2011 وهو العام الذي بدأت به كوارث العرب الأعظم بدأت التظاهرات ضد نظام الشهيد علي عبد الله صالح وشارك فيها الإخوان المسلمون ( حزب الإصلاح ) وشيوخ قبائل وأحزاب أخرى والحوثيون ، وكان السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين هو المهندس الميداني لتلك التظاهرات والتي أعدت لها المخابرات الأمريكية علناً طوال سنوات وكنت وقتها في صنعاء أُراقب دور ما سمي بـ( مراكز الديمقراطية وحقوق الإنسان ) في تدريب مئات الشباب على الانتفاضات السلمية .

وكما في كل مكان لم تكن التظاهرات تهدف لتحقيق الديمقراطية ولا ضمان حقوق الإنسان كما صورت بل تهديم استقرار اليمن وزجه في نيران حروب أهلية وصولاً إلى تقسيمه وبالفعل أُجبر الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح على الاستقالة حقنا للدماء بعد أن أخذت مجاميع من القناصة المدربين تدريباً مخابراتياً تقتل المتظاهرين وتتهم النظام وهو ما أدى إلى تصعيد العنف والتهديد بحرب أهلية ، ولكن ماذا حصل بعد استقالة صالح ؟ ، فُكِكَ الجيش لتسود الميليشيات وأرسل بن عمر ليضع الخطة الصهيوأمريكية قيد التنفيذ وهي تقسيم اليمن ففرض الفدرالية على اليمن كما فرضها بريمر على العراق بقرار أمريكي صهيوني مسبق ! .

والآن ، وبعد كل ما حدث في اليمن أصبح واضحاً بأن ما حصل في اليمن خصوصاً تمكين الحوثيين من تحقيق الانقلاب كان بقرار أمريكي لاشك فيه ، فقد صنعت عوامل الحرب ونمتها ومنعت إزالتها إلى أن وصلت إلى الانقلاب الحوثي وهو ما أدخل اليمن بوابة الكوارث الأشد فظاعة خصوصاً بعد اغتيال الشهيد صالح .

4 - كان الدور الصهيوأمريكي أوربي أكثر وضوحاً من العراق وسوريا واليمن ففي ليبيا قام حلف النيتو رسمياً بدور المنفذ لخطوة تدمير ليبيا واغتيال الشهيد معمر القذافي .

5 - وأخيراً وليس آخراً ، فإن لبنان ما كان لحزب الله أن يسيطر عليه لولا الدعم الأمريكي فقد تخلت أمريكا وفرنسا عن دعمهما التقليدي لليمين اللبناني وكان مسلحاً فجردته من السلاح ومنعت عنه الدعم مقابل تعاظم تسليح حزب الله وحركة أمل علنا وزيادة عدد المنخرطين في صوفه وتسليم مطار بيروت له كي يحوله إلى وسيلة نقل مباشرة للحرس الثوري الإيراني ولأسلحة ثقيلة إلى لبنان ...الخ , فلبنان تحول إلى مستعمرة إيرانية بقيادة حسن نصر الله فقط بتجاهل أمريكا لتوسعه وتعاظم قوته لأنها أرادت أيضاً تفتيت لبنان .

إذاً ، كوارث العرب خصوصاً التي تفجرت بعد عام 2011 كانت من هندسة الرأسمالية الأمريكية وليس غيرها وهي التي جرت مختلف الأطراف للمشاركة في التدمير الشامل مثل روسيا وإسرائيل الشرقية وإسرائيل الغربية وغيرها ، كما أنها هي التي مازالت تصر على إبقاء نيران الكوارث مستعرة وترفض إخمادها لأن الدمار لم يكتمل بعد وهو يكتمل فقط عندما تقسم الأقطار العربية وتتم السيطرة عليها لكن ذلك يصبح مستحيلاً عندما تعود المقاومة العربية لتمارس دورها الممكن ضد التقسيم .

الأحداث وبشكل خاص منذ عام 1980 وحتى الآن تثبت بأدلة مادية لا تدحض ما يلي :


أولاً : وكلت أمريكا طرفاً إقليمياً هو إسرائيل الشرقية للقيام بمهمة إكمال تنفيذ مخطط نشر الكوارث في الوطن العربي لأنها عجزت عن قهر المقاومة العراقية ووصلت مرحلة الانهيار الاقتصادي بعد بلوغ الخسائر رقما فلكياً هو ثلاثة تريليون دولار وقتلاها زاد على الـ 75 ألف أمريكي ، كما أن التطوع في الجيش الأمريكي تراجع بصورة خطيرة خوفاً من الموت والعوق في العراق المقاوم حيث بلغ عدد المعوقين نفسياً وجسدياً أكثر من مليون أمريكي ، أما السبب الآخر فهو إدراك أمريكا بأن إسرائيل الشرقية فيها نخب قوية تحمل أحقاداً عنصرية متطرفة ضد العرب تفوق أحقاد الغرب والصهيونية على العرب ، وهي كذلك لديها ميليشيات طائفية الظاهر عنصرية الجوهر تستطيع استخدامها للقيام بإشعال الكوارث وهو ما لا تملكه إسرائيل الغربية ولا أمريكا أو بريطانيا من دول الاستعمار لذلك فتوكيل نظام الملالي كان من أجل حماية أمريكا من الانهيار أولاً .


ثانياً : إن عجز أمريكا وحلفاءها عن خوض الحروب الشاملة يفضي إلى اعتمادها هي والصهيونية والغرب الاستعماري على الوكيل الإيراني ونغوله عرباً وعجماً في تنفيذ مخطط نشر الكوارث ويحوله إلى شرط حتمي ، واقتران النجاحات الأمريكية بنجاح الوكيل الإيراني هو الثغرة القاتلة في خطط الأعداء الأقوياء لأنه يجعل واجب القضاء على الاحتلال الإيراني ، وهو هدف أسهل بكثير من دحر أمريكا عسكرياً ، شرطاً ومقدمة لابد منها للقضاء على كل الخطط الأخرى المعادية للعرب.ليكن الهدف الاستراتيجي الأعظم لكل العرب حكاماً ومحكومين هو دحر إسرائيل الشرقية فبتحققه يصبح العجز الصهيوأمريكي جلياً وعندها تبدأ حركة التحرر الوطني العربية هجومها الشامل المضاد وتنهي عصر التراجعات والهزائم .

لا تنخدعوا بتظاهر أمريكا بالعداء لحكومة الملالي فهذا من ضرورات إنجاح الدور الإيراني الاستعماري ، ولا تصل بكم السذاجة حد قبول وعود أمريكا بضرب نظام الملالي فهو ذخيرتها الاستراتيجية الأهم ، وما فعله ترامب أحد الأدلة على صحة ذلك حيث وعد بتهديدات نارية بضرب طهران لكنه ضرب العرب في القدس .


Almukhtar44@gmail.com

24-12-2017


Comments


Featured Posts
Recent Posts
Archive
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page