الرفيق المجاهد صلاح المختار - مؤتمر انطلاقة النهوض القومي العربي
- خبير سياسي استراتيجي
- 25 أغسطس 2021
- 5 دقائق قراءة

لعل السؤال الذي يثير أعمق الفضول ويتردد في الأقطار العربية بين النخب السياسية والثقافية بعد النجاح الباهر للمؤتمر الشعبي العربي في تونس هو : هل حصل وعقد مؤتمر للنخب العربية القيادية بمشاركة 700 طليعي عربي قبل هذا الوقت ؟ ، أنا لا أتحدث عن تظاهرة جماهيرية عامة بل عن لقاء نخب وأحزاب وكتل ثقافية ومنظمات دينية إسلامية مسيحية ربما تؤثر على ملايين أو تقودها ، الجواب ، كلا ، فمنذ غزو العراق حصل تراجع جماهيري وانتشر اليأس نتيجة الصدمة ، وتبعها حلول الربيع العبري ، المخطط له مخابراتياً حتى في تفاصيله ، والذي مزق أقطارنا شر ممزق ، فتناثرت ليس القوى السياسية فقط بل حتى العوائل وصار اللقاء بين كتل سياسية يعني المعارك الحادة ! ، وصارت الاجتماعات والمؤتمرات لا تضم إلا عشرات وحتى في هذه الحالة فإن لقاءهم لا أثر عملي له لأنهم بلا وزن سياسي جماهيري ! ، هذه الحالة أدت إلى نتيحة متوقعة وهي حصول فراغ كبير خصوصاً بعد توجيه الضربات الموجعة للقوى الوطنية الأساسية وتنفيذ خطط الاجتثاث الفاشية ، وكانت الخطوة التي لفتت الأنظار هي قيام الحلف الأمريكي - الصهيوني - البريطاني بدعم نظام الملالي في إسرائيل الشرقية لملء الفراغ والسيطرة على أقطار عربية بهدف تحقيق الهدف المركزي وهو تقسيم وتقاسم الأقطار العربية ، وهكذا اكتملت الحالة المطلوبة منذ عقود لتعظيم خطوات شرذمة الأمة العربية .
وفي هذا الإطار المرسوم حانت لحظة تحريك أدوات المخابرات الإيرانية والغربية والصهيونية لأجل احتواء منظمات عربية كانت قومية الاتجاه وبدأت بتسخيرها لخدمة المخطط الإيراني الامبراطوري الاستعماري ، فحولت منظمات كانت قومية إلى أدوات تسويق غزوات إسرائيل الشرقية ودعمها والقيام بأحقر عمليات تضليل بعض العرب كي يخدموا المخطط الاستعماري الإيراني .
وفي ضوء معطيات نشاط تلك النخبة الخائنة لأمتها حصلت ظاهرة مسيئة للفكرة القومية العربية وهي أن هناك من يتستر باسم التيار القومي يروج لأقذر مخطط استعماري أدى لغزو العراق وسوريا ولبنان واليمن وفجر حروباً أدت إلى أخطر انقلاب ستراتيجي في المنطقة وهو الاضطرار العربي شعبياً ورسمياً للتحول من اعتبار قضية فلسطين القضية المركزية للعرب كلهم إلى التفرق والتركيز في كل قطر على التحديات المميتة التي شكلتها إسرائيل الشرقية عليه منذ وصل خميني للحكم وبدء ينفذ مخطط نشر ما سماه بـ( الثورة الإسلامية ) وهو في الواقع نشر الاستعمار الفارسي فتعددت القضايا الرئيسة وتراجع النضال العربي المشترك بعد أن أصبح كل قطر يتعرض لكوارث وليس لأزمات فقط .
مخطط نشر الاستعمار الإيراني المدعوم غربياً وصهيونياً منذ " إيران جيت " وحتى تسليم العراق وسوريا واليمن ولبنان من قبل أمريكا إلى نظام الملالي في طهران كان هو المتحول الخطير والرئيس الذي قلب كل شيء رأساً على عقب وهو بالذات الذي أنزل مرتبة القضية الفلسطينية من قضية العرب المركزية إلى قضية من بين قضايا رئيسة ، وهذه الحقيقة الميدانية هي التي لخصها الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان المقرب من مراكز صنع القرار الأمريكي والحاصل على عدة جوائز بولتيزر عندما أجرى مقابلة مع الأمير محمد بن سلمان ( وحذَّره من الهدية التي يعتزم حليفه الرئيس الأميركي دونالد تقديمها لطهران ، وقال فريدمان - في مقال نُشر بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية - إن كان هناك قاسمٌ مشترك يُفسِّر الكثير من الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط -وتحرُّكات السعودية ، والولايات المتحدة ، وسوريا ، وإسرائيل ، واليمن - فبالإمكان التعبير عنه بكلمةٍ واحدة : إيران ) - المصدر ( هاف بوست عربي06 /12/2017 ) - .
التوسع الاستعماري الإيراني على حساب العرب ووجودهم كان نتاج مخطط صهيوغربي توافق مع المخطط الإيراني القديم فوجدنا أنفسنا أمام كوارث مميتة تُغذّى غربياً وصهيونياً ويمنع توقفها فكان ضرورياً إعادة ترتيب أوراق العرب على أن تكون البداية بالنخب والطلائع المؤثرة سياسياً وفكرياً ، وجاء عقد المؤتمر الشعبي في تونس تلبية لهذه الحاجة المصيرية والذي شهد أكبر حضور نخبوي عربي في العقود الأخيرة وأكثرها نجاحاً وتمثل بحضور سبعمائة عربي يمثلون مختلف الأحزاب العربية وبكافة ألوانها الأيديولوجية والسياسية وكان نجاحها يتمثل في أنها اتفقت على برنامج عمل نضالي عام بمشاركة الكتل الرئيسة في الوطن العربي وأبرزها التيارات القومية والإسلامية واليسارية والليبرالية والنقابات والشخصيات الوطنية .
ومن البديهي أن هذا التطور النوعي في النضال الشعبي العربي يحمل رسائل عديدة مهمة أبرزها ما يلي :
1- أول رسالة للعالم كله هو أن العرب لم يموتوا كما روج بل هم أحياء ومازالوا يناضلون ولم ولن يتنازلوا عن حقوقهم ، وأنهم مصممون على دحر كافة المخططات الإقليمية والدولية المعادية للعرب .
2- كشف المؤتمرعن حقيقة ( مؤتمرات ) مرتبطة بالمخابرات الإيرانية مباشرة ويتحكم في قراراتها مباشرة وعلناً حزب الله في لبنان ، فهذه المؤتمرات ليست سوى أدوات تابعة لأجانب معادين وليس أصدقاء أو حلفاء للعرب ، والتبعية المطلقة لإسرائيل الشرقية تحدث في زمن تميز بأنها تعلن رسمياً وتكرر الاعلان بأنها ( تسيطر على أربعة أقطار عربية وأن قرار وتوجهات تلك الأقطار بيدها ) وبنفس الوقت تنفذ إسرائيل الشرقية ونغولها العرب مخططاً مستنسخاً من المشروع الصهيوني في فلسطين يقوم على تهجير العرب بالإرهاب من أقطارهم وجلب ملايين الفرس والأفغان والباكستانيين وغيرهم وتوطينهم محلهم ومنحهم الجنسيات العراقية والسورية ، وهذه التغييرات السكانية تكمل عمليات التغيير الديموغرافي في فلسطين في إطار التدمير الشمال للقومية العربية وإنهاء العرب كشعب وأمة وذلك أحد أهم أهداف المشروع الصهيوني العتيق .
من هنا ، فإن المؤتمر الشعبي العربي جاء عملاً وطنياً يحمي الكيانات القطرية العربية من التقسيم ونضالاً قومياً يحافظ على الهوية القومية العربية من التشويه المنظم بأسمها ! ، وبهذا المعنى فإن المؤتمر الشعبي يهدف إلى فضح وعزل نغول إسرائيل الشرقية العرب وتنقية التيار القومي من لوثة العار التي شكلها هؤلاء .
3- المؤتمر الشعبي العربي أثبت أن القوى الوطنية والقومية والإسلامية ورغم تشتتها مازالت حية وأنها القوة الرئيسة في الوطن العربي وتملك جماهير واسعة وأنها قادرة على تحقيق استقطاب موسع لها مجدداً بعمل منظم ودائم في إطار جبهة عربية واسعة تضم كافة مناهضي الاحتلال سواء كان صهيونياً أو إيرانياً أو أمريكياً وغيره .
4- المؤتمر أكد أن القدس عامل توحيد للعرب وهي من قضاياهم المركزية ولا يمكن التنازل عنها وتبقى عاصمة فلسطين التاريخية .
5- المؤتمر بعث برسالة واضحة لأمريكا والإسرائيليتين الغربية والشرقية ولمن معهم تقول بأن النضال الشعبي هو الطريق الأمثل لحماية هويتنا القومية وكياناتنا القطرية من التفتيت وهو نضال يستند إلى إرث نضال عريق ومازال يملك قدرات هائلة لو استثمرت بصورة صحيحة ، وأن فلسطين والعراق والأحواز وسوريا واليمن وليبيا وكل قطر عربي آخر ومهما حصل فيه فإن النضال سيتواصل من أجل إنهاء كوارث العرب بعمل عربي شعبي منظم بعيداً عن تنازلات الأنظمة وانحنائها للقوى المعادية للعرب ، مستخدمين كافة الوسائل بلا استثناء بما في ذلك الكفاح المسلح إن فشلت الوسائل السلمية .
6- المؤتمر أكد بأن المناضلين العرب كشفوا الأبعاد المتداخلة للمخططات المشتركة المعادية للعرب الإقليمية والدولية وأنه عاقد العزم على فضح حقيقتها والتي تقوم أساساً على تنفيذ مقررات صهيونية واستعمارية غربية قديمة وضعت منذ المؤتمر الصهيوني الأول وما بعده مقررات لجنة بنرمان والوعود التي أطلقتها الدول الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا ووريثتهما في الاستعمار أمريكا .
7- المؤتمر أكد أن الجماهير العربية وقواها التقدمية نجحت في عزل محاولات نشر الفتن الطائفية والعنصرية والتي زرعت اصطناعيا لأجل تسويق تقسيم الأقطار العربية وأن العرب شعب واحد يحترم الخصوصيات الفرعية لكنه يرفض استخدامها كاداة للتفتيت .
8- المؤتمر أكد الطاقات الهائلة لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تشرف بلعب دور المبادر الرئيس لعقد المؤتمر والتهيئة له وتوفير ضمانات إنجاحه بتأكيد طابعة القومي المتعالي على النزوات الحزبية الضيقة ولهذا من الطبيعي أن تسود الروح الديمقراطية في المؤتمر وفي نتائجه وهذه إشارة للكيفية التي سوف تتجه نضالات الشعب العربي وفقا لها .
9- المؤتمر أثبت مرة أخرى بأن المال لا يُنشأ حزباً ولا جبهة ولا جماعة مهما كان كثيراً بل يؤسس كتلة انتهازية أو هشة تعجز عن تحقيق أي شيء غير الدعايات العابرة لأصحاب المال ، أما الجماهير المنظمة في قوى وطنية ذات ستراتيجية شاملة للتحرير وإعادة البناء وتملك رصيداً اعتبارياً ضخماً فهي التي تستطيع تحقيق الاستثمار الأمثل للمال الذي يأتي من تبرعات أفراد عرب تفضل الله عليهم بالمال الحلال أصلاً وأرادوا المساهمة في إنقاذ الأمة عن طريق توفير الحدود الدنيا لتغطية نفقات المؤتمر ، فكان مؤتمر تونس مثالاً حياً للاعتماد على الجماهير في تمويل المؤتمر وليس الأنظمة ولا حيتان الفساد أو المشبوهين ، وفي هذا المثال تأكيد على الأصول المالية التي دعمت نضال البعث قبل تسلمه الحكم وهي تبرعات الجماهير واشتراكات الأعضاء فقط .
فالشكر لمن تبرع والشكر للأغلبية التي دفعت من جيبها نفقات الحضور .
إلى أمام والنصر لأمة العرب الناهضة والقادرة عليه .
Almukhtar44@gmail.com
12-13-2017
Comentarios